سورية الأمن في صفوف الطلاب؟
طارق الحميد
على أثر الاحتجاجات التي اندلعت في جامعة دمشق قبل أيام أفاد طلاب في كلية العلوم بأن عناصر الأمن السوريين قد انتشروا بكثافة في الكلية ومحيطها، وأن عناصر كثراً منهم قد حضروا الدروس في قاعات المحاضرات!
والطريف، وشر البلية ما يضحك، فقد سخر ناشطون سوريون على موقع «فيس بوك» الاجتماعي، من هذه التصرفات الأمنية حيث قالوا: «لقد جعلناهم على مدار الأسبوع معنا يصلون جماعة، ويحضرون خطبة الجمعة، والآن يتعلمون معنا في الجامعة»، آملين أن «يجعلهم ذلك يتحضرون في تعاملهم مع المحتجين» في المدن السورية. فهل يعقل أن تقوم دولة، أي دولة، بنشر الأمن في الجوامع، وتفرز المصلين بالهويات، كما تنشر الأمن في صفوف الجامعات، والمقاهي، ثم تقول إن سيارات يقودها ملثمون مجهولو الهوية تطلق النار على الناس في الشوارع، لتعزيز نظرية المؤامرة؟ فهل هذه هي الطريقة المثلى لاستتباب الأمن ومعالجة أزمة قد تقود إلى نتائج كبرى على النظام برمته؟ أمر لا يعقل.
والإشكالية ليست في دخول الأمن صفوف الجامعات فقط، بل أيضاً انتشار ما يسمى بالشبيحة؛ مجموعة من العناصر المسلحة التي ينظر إليها السوريون على أنها فوق القانون، إذ تقوم هذه المجموعة بأداء مهامها لإخضاع المواطنين لكل طلباتها تحت رعاية الأجهزة الأمنية، وهذه تبدو ليست إشكالية النظام السوري وحده، فقد رأينا كيف استعان الأمن المصري بالبلطجية إبان ثورة 25 يناير في مصر، ورأينا قبلهم ما سمي بفدائيي صدام في العراق، ونرى اليوم ميليشيات أبناء معمر القذافي في ليبيا، فيبدو أن الأنظمة العربية البوليسية تقوم على ميليشيات وليس مؤسسات، مثلهم مثل الميليشيات المنتشرة في إيران لقمع المواطنين.
والسؤال: إذا كانت هذه هي عقلية الأنظمة البوليسية في إدارة الأمن، والتعامل مع مواطنيها، فكيف تكون نظرتها أساساً لحقوق المواطنين، ناهيك عن حفظ كراماتهم، وكيف تكون نظرة تلك الحكومات لمطالب الإصلاح، وتحسين مستوى حياة المواطن، طالما أنه يؤدب من خلال عصابات. صحيح أن كل دول العالم، والمحترمة تحديداً، لديها أجهزة أمنية متطورة وصارمة، من مكافحة المخدرات وحتى مكافحة الإرهاب، ولكنها مؤسسات، وليست ميليشيا أو بلطجية أو مرتزقة، على غرار ما نرى في ليبيا. وإذا كان استتباب الأمن، وضبط المواطنين، يتم على أيدي الخارجين عن القانون أصلا، والبلطجية والمرتزقة، فأي قيمة للقضاء، أو المؤسسات في تلك الدول، بل كيف ستقوم سورية، مثلا، بإلغاء قانون الطوارئ؟ ولذا فلا غرابة في أن يكسر المواطن العربي جدار الخوف والصمت، ويخرج على الأنظمة البوليسية، التي جاءت بانقلابات، وقمع، بعد كل هذه السنين، فما نراه اليوم خلال هذه الأزمات كان يعيشه المواطن العربي طوال سنوات!
ومن هنا فيوماً تلو الآخر، وأزمة بعد أزمة، يتأكد لنا أن الزلزال الحادث في منطقتنا هو زلزال يستهدف الجمهوريات التي تحولت إلى ملكيات، وفي سبيل احتفاظ حكامها بكراسيهم فإنهم لا يتوانون عن استخدام كل الأساليب، لكن السؤال هو: من الذي يستطيع تحدي دورة الأيام، والواقع؟ الإجابة: لا أحد!
الشرق الأوسط