سورية.. الحسم للقوة فقط..
يوسف الكويليت
الأخضر الإبراهيمي لا شك في خلقه وثقافته وتميزه الدبلوماسي على المستوى العالمي، لكنه أساء لتاريخه بقبوله مهمة ليس في إمكاناته القدرة على حلها، وقد سبقه «عنان» الهروب من الاستمرار بالمشكل السوري، وتعيينه بديلاً عنه، ما جعله مجرد حامل بريد لآراء وأفكار القوى الكبرى، والذي قد لا يعلم حتى ما هو داخل مظروف تلك الرسائل المتبادلة..
المهمة كانت ولا تزال فوق طاقته، لأن الرفض يأتي من النظام والذي يأتمر بما تمليه روسيا وإيران، ويتكئ على دعمهما، وهما في المجمل السياسي ترفضان مشروع السلام ورحيل الأسد، لأنه الضمانة الوحيدة لوجودهما في المنطقة، وعلى نفس الطريق فإن المعارضة تعتبره شخصاً منحازاً للأسد، وضد الشعب السوري ما خفّض نسبة الرضا عنه من طرفيْ العلاقة والخصومة، وطالما المشروعات ساقطة بفعل الرفض المسبق لها، وعدم جدية الدول الكبرى بما يرقى بالعملية المدعومة والناجحة، فقد كان الفشل هو العامل الحاسم..
سورية وشعبها الذي يخوض معركة تحرره من دكتاتورية عرقية وطائفية يذكّرنا بنضال الشعب الفيتنامي الذي حارب عدة جيوش في سبيل تحرره، وسورية المؤلم فيها أنها تقاتل حكومة بنت سلطتها على مبادئ الفصل التام بينها وبين القوى الاجتماعية الوطنية، واحتكار الامتيازات والهيمنة على العصب الأمني والعسكري بواسطة أبناء الأسرة والطائفة..
فإذا كانت دمشق هي أول من أعلن مذياعها الانقلاب الأول عربياً، فهي خاضت تجارب الحروب ضد الاستعمار الفرنسي، ثم نكبة حرب ١٩٤٨م وما تلاها، وحاولت أن تكون أول دولة عربية تؤسس لوحدة عربية مع مصر كنواة لوحدة أشمل، لكن ذلك كله جاء ضمن سياسات خاطئة وعاطفية، وقد قرأ الأسد الأب كل العوامل، قبل انقلابه وكيف يحكم شعباً عجزت كل الحكومات عن السيطرة عليه..
فقد بدأ بتصفية أو عزل المناوئين حتى من طائفته مثل صلاح جديد صاحب النزعة الماركسية، وتقريب بعض وجوه السنة كغطاء بأنه زعيم وطن لجميع السوريين وكان تكتيكه ناجحاً، لأن السوريين مهدوا له الطريق بالملل من الانقلابات وتعدد الأحزاب، وهذا ما يسّر له بناء دولة تقوم على الولاء الطائفي وأخذ الشعب بقوة السلاح مع دبلوماسية خارجية راعت كيف تحصل على التأييد من الخصوم والأصدقاء..
الابن لم يحسن سياسة والده، لكنه فوجئ بأن نظامه غير مرغوب فيه من قبل شرائح شعبية كبيرة، ولذلك استهان ببدايات الثورة معتقداً أنها مجرد فصيل من المتمردين يمكن احتواؤه بالقوة، أو طرح بعض الإصلاحات الشكلية، لكن تطور الأحداث فرض إيقاعاً آخر، فهو استمر في استخدام آلته العسكرية بسياسة الأرض المحروقة، لكنه لم يدرك أن طول المعركة غيّر المعادلات فصار الشعب والجيش، وقوى كانت تساند النظام، هي من تقرر المستقبل وبقوة السلاح أيضاً، وعملياً فسواء جاء الأخضر أو غيره فالموضوع متعلق بمن لديه القدرة على الصمود، وبالتأكيد فالكفة تبقى لصالح الأكثرية الوطنية ضد الأقلية الحاكمة..
الرياض