سورية مسرح حرب مزمنة/ ألكسندر كوتشان
أطلق الغرب وروسيا، إثر تحرير الرقة عاصمة «الخلافة الداعشية»، سلسلة تصريحات لافتة. ويعتقد مسؤولون أن أوان الحديث عن نهاية الحرب في سورية، لم يحن بعد. ولا ينوي التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وموسكو تقليص الوجود العسكري في البلاد. واليوم، يسيطر الإرهابيون على أقل من 10 في المئة من الأراضي السوريّة. وطردت القوات الحكومية والأكراد «الجهاديين» من دير الزور والميادين وغيرهما من المدن في شرق البلاد. ويتوقّع الخبراء أن يتبدّد في المستقبل القريب، الهيكل العسكري الداعشي. وفي نهاية العام، يطرد الإرهابيون من أراضي الجمهورية العربية السورية.
وفي 20 تشرين الأول (أكتوبر)، أعلن التحالف الدولي تحرير «الرقة» على يد «قوات سورية الديموقراطية»، وهو ائتلاف عسكري عربي – كردي. واستمر القتال من أجل السيطرة على وسط المدينة ثلاثة أشهر تقريباً، ودامت العملية العسكرية عاماً. فالهجوم على الإرهابيين بدأ في تشرين الأول 2016، وواجه صعوبات جمّة. ويعود الفضل الى زيادة الدعم اللوجيستي الأميركي وتسوية عدد من القضايا المثيرة للجدل بين الأكراد والعرب في ربيع 2017، في إحكام الحصار على الرقة. وفرّ جزء من المقاتلين الداعشيين من عاصمة داعش السابقة. وواصل المتشددون الأكثر حماسة مقاومتهم، وأفلحت «قوات سورية الديموقراطية» وأميركا في دحرهم. وعلى رغم أن طول المعارك قد ينفي طابع النصر عن تحرير الرقة، أحرز الأميركيون نصراً في الحرب على الإرهاب. وأعلن بيان التحالف الدولي أنه «ملتزم بدحر الإرهاب نهائياً في سورية والعراق». وأشار قائد العام للتحالف الدولي، الجنرال بول فونك، إلى أنّ هزيمة داعش العسكرية أساسية، لكنها غير كافية. وقال:» نكافح بقايا داعش في العراق وسورية وسنواصل تعزيز المساعي الإنسانية لمساعدة السكان المتضرّرين من الاحتلال الوحشي والذين كافحوا فترة طويلة للحصول على الحرية. ما زال أمامنا معركة شاقة». وأعلن وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، أن تحرير الرقة «كان لحظة حاسمة» في المعركة ضد «داعش» ولكن «عملنا لم ينته بعد».
ماذا يعني الغرب بهذه التصريحات التي تبدو، للوهلة الأولى، في محلها ومعقولة؟ لا يمكن التسامح مع داعش منح التنظيم استراحة، ولكن التحالف الدولي سمح مراراً للإرهابيين بتجنب هزائم أشد. وإلى اليوم، تتصدّر أولويات حسابات واشنطن الحفاظ على وجود عسكري في سورية بأي ذريعة. ولعل الذريعة الأمثل والأكثر ملاءمة هي مكافحة «الجهاديين» الذين تواروا عن الأنظار. لكن القضاء على هؤلاء لن يؤدي إلى اختفاء التهديد الإرهابي كظاهرة اجتماعية. ولا يخفى أن شطراً من سكان الشرق المضطرب في سورية انضم طوعاً إلى صفوف الجهاديين، وإن ما يسمى «الدولة الإسلامية» نجحت في تقديم نفسها بديلاً حقيقياً للأنظمة العلمانية والمسلمة. ويتوقع الخبراء ألا تلفظ خلايا داعش والعصابات المنفردة أنفاسها، في وقت يتعذر رصد تحركاتها في الصحراء. وفي هذا السياق، قال رئيس لجنة الدفاع في الدوما، القائد السابق للقوات المظلية فلاديمير شامانوف، إنّ سورية ستبقى طوال أعوام مسرحاً للعمليات الخاصة. وأضاف «سأكون سعيداً بانتهائها (العملية العسكرية) نهاية العام، ولكن بعد الانتهاء من العملية العسكرية، تبرز مرحلة من العمليات الخاصة. وسيحاول كثيرون أن يحلقوا لِحاهم ويتسللوا إلى مجالس الحكم المحلية، العملية طويلة». وهذا يعني أن في جعبة التحالف وروسيا أعذاراً تسوّغ مواصلة العملية العسكرية ضد قوى الإرهاب المتناثرة والمشتّتة، وربما لرفع مستوى المساعدات لقوات مكافحة الإرهاب. ويرجّح أن تعزز الولايات المتحدة «قوات سورية الديموقراطية»، فيما تساعد موسكو الجيش الحكومي والميليشيات الشيعية.
لكن الغاية الرئيسية من المرابطة العسكرية في سورية وعدم الانسحاب هي تقسيم دوائر النفوذ المستقبلية. فالقوة العسكرية ومساحة المناطق المحررة هي أوراق رابحة بارزة لا غنى عن التوسل بها في عملية التفاوض من أجل مستقبل الجمهورية العربية السورية التي عانت طويلاً. وتحتاج موسكو ودمشق إلى حيازة أكبر عدد ممكن من الأوراق الرابحة لضمان الوحدة الاسمية للبلاد. ولم يعد في إمكان الغرب وإسرائيل المطالبة برحيل بشار الأسد، فموازين القوى تغيّرت. لكن الغرب يبسط نفوذه في شمال وشرق سورية التي تسيطر عليها جزئياً الجماعات المعارضة، بما فيها «قوات سورية الديموقراطية».
وقد تقف إيران وراء إشعال الأزمة المقبلة، فما يغلب على طهران هو نهج راديكالي مناهض للأميركيين والسنّة. وتتوقع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي ترى أنها صاحبة حقوق بصفتها راعية الأسد والقتال ضد داعش، الحصول على قطعة من الكعكة السورية من طريق إنشاء قواعد عسكرية فيها. ويكاد يعصى توقّع تطوّر الوضع في سورية، حتى في الأشهر الستة المقبلة، ولكن لا شك في أن أطراف النزاع لن يلقوا أسلحتهم.
* محلّل سياسي، عن موقع «روسكايا بلانيتا» الروسي، 22/10/2017، إعداد علي شرف الدين
الحياة