سورية والسفارات الغربية
رندة تقي الدين
في ١٤تموز (يوليو) ٢٠٠٨ كان الرئيس بشار الأسد يستعرض إلى جانب صديق غربي جديد هو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي القوات الفرنسية بمناسبة عيد الثورة الفرنسية على جادة الشانزيليزيه. واليوم يرسل الرئيس السوري مناضلي حزب «البعث» عشية ذكرى عيد الثورة الفرنسية ليهاجموا سفارة صديقه الفرنسي السابق لأن سفيره أريك شوفالييه الذي كان اشد المدافعين عن النظام السوري الحالي، زار مدينة حماة التي شهدت تظاهرات شعبية ضخمة ضد النظام. إن النظام السوري الذي شجعه كل رئيس فرنسي منذ عهد فرنسوا ميتران على الإصلاح والتغيير لم يبالِ يوماً بمثل هذه النصائح. واليوم لم تعد ممارساته السابقة في اقتحام السفارات والهجوم عليها مقبولة. فالهجوم على سفارة الولايات المتحدة في ١٩٩٨ في دمشق كانت نتائجه سيئة جداً على العلاقة السورية الأميركية آنذاك، ولكن الأمور عادت وتحسنت بعض الشيء لأن الولايات المتحدة كانت على قناعة أن سورية أساسية للمسار السلمي المعطل. إلا أن الأيام تغيرت الآن وأصبحت الممارسات الماضية للنظام السوري من عصر ولى، لأن الشعوب العربية تغيرت والديموقراطيات الغربية تعلمت من أخطائها في دعم الأنظمة القمعية التي سقطت لأن جدار الخوف لدى الشعوب العربية سقط وثار الشباب في مصر وتونس واليمن ضد القمع والفساد ومن اجل القيم التي احتفل بها الرئيس بشار الأسد عندما كان وصديقه السابق ساركوزي يحتفلان بما أرسته الثورة الفرنسية من قيم لا علاقة للنظام السوري بها وهي الحرية والمساواة والأخوة.
واليوم نرى أن الرئيس الفرنسي الذي أعطى فرصة حقيقية للرئيس الأسد للخروج من عزلته رغم كل النصائح التي أعطيت له، يرى انه لم يعد هناك أمل في قيام النظام السوري بأي إصلاح حقيقي.
فالشعب السوري الشجاع لم ينتظر لا السفير الأميركي ولا الفرنسي ليثور. فهو شعب متعطش لحياة افضل ولحرية يطمح كل إنسان إليها، وهو شعب لا يخاف القمع وقد خرج في المدن ليطالب بأدنى حقوق الإنسان في الحرية والحياة الكريمة.
إن الهجوم على السفارات الأجنبية لن يغير في مطالب الشعب الشرعية. فالادعاء بأن كل شيء مؤامرة هو حجة أصبحت من العصور الماضية ولن تمنع الشعب عن التظاهر من اجل التغيير. إن ما قاله الوزير ألان جوبيه عن عدم قدرة النظام على القيام بالإصلاحات هو وليد خبرة طويلة بنظام بذل الغرب جهوداً كبيرة لإخراجه من عزلته لكنه لم يسمع، وبقي يردد أن كل شيء مؤامرة. فهكذا ذهب الرئيس رفيق الحريري شهيداً بحجة انه كان يعد مؤامرة. ثم وقع انقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري لأنها في نظر دمشق كانت تعد لمؤامرة. أي مؤامرة؟ لا احد يعرف. لقد فقد النظام السوري أصدقاءه العرب والأتراك، وبالأخص قطر التي عملت الكثير من اجل مساعدة الرئيس الأسد، وكل هذه الدول حاولت من دون جدوى إقناع النظام السوري بأنه ينبغي أن يضع نفسه على الطريق الصحيح على صعيد السياسة الإقليمية واللبنانية، ولكن لم يتغير شيء بل تدهورت الأمور إلى أوضاع داخلية خطيرة على النظام.
فكفى هذه الممارسات العقيمة لأنها تخبّط لنظام يعتمد القمع والقتل لصموده، وهذا غير مجدٍ للبقاء مثل نظام القذافي الذي يقتل أبناء شعبه للبقاء في سدة سلطة هشة.