سورية ولعبة كسر العصب بين الحاكم وشعبه
غياث نعيسة
تقوم السلطة الدكتاتورية الحاكمة في سورية ومنذ اكثر من شهر وبسباق مع الزمن باقتحام واجتياح وحشي للعديد من المدن السورية، أخرها ما تشهده مدن اللاذقية، وحمص ودير الزور، التي تشهد نهوضا جماهيريا ملحوظا، وتقوم بالقتل والخطف والاعتقال الواسع والهدم والتدمير للمنازل والابنية فيها، انها تشن حربا حقيقية ضد الشعب الاعزل في المدن السورية تستخدم فيها قوى الجيش وقوات الامن وجحافل الفاشيين من الشبيحة، ولا تتردد باستخدام الاسلحة الحربية الثقيلة، لماذا؟ هل فقط لأن هذه الطغمة تنتشي بمظاهر القتل والدم والتنكيل بشعبها؟
اننا نعتقد كاحتمال لفهم استراتيجية السلطة في البقاء (بين احتمالات أخرى) له مؤشراته العملية ان السلطة الدكتاتورية تسابق الزمن في محاولة منها لسحق الانتفاضة الشعبية السلمية او قصم ظهرها، او على الاقل تقليص حجمها وزخمها الثوريين، وتعتقد الطغمة الحاكمة انها بذلك تستطيع ان تستعيد من الجماهير المنتفضة زمام المبادرة لتفرض عليها وتيرتها وزمنها هي وليس وتيرة وزمن السيرورة الثورية. بحيث ان تحقق لها ذلك، فإنها تعتقد ان بقاء بعض التحركات الاحتجاجية لن تكون، في هذه الحالة، الا ضعيفة ومحدودة يمكنها من التعامل معها بسهولة فارضة عليها حالة من اللهاث الدائم والمنهك للإفلات من ضربات اجهزة القمع.
من هنا نعتقد ان هذا هو سبب المهلة التي طلبتها السلطة السورية من الحكومة التركية – ومن ورائها الحكومة الامريكية وحلفائها العرب والاقليميين- هذه المهلة تسمح لها بمفاقمة وحشية قمعها واجتياحها للمدن السورية. ولكن الشق الثاني من هذه الصفقة بين النظام، من جهة والحكومة التركية ومن ورائها، من جهة اخرى، هو التزام السلطة السورية الحاكمة بفتح حوار مع المعارضة او اطراف منها لإشراكها بإدخال ‘اصلاحات’ سريعة. وفي هذه الحالة فان السلطة تكون بموقع القوة المفرطة بحيث تسمح لنفسها بترف دعوة عدد من اطراف المعارضة السورية -الذين يصرخون اليوم لفظيا، وبعضهم بخجل بدعم الانتفاضة – للحوار والمشاركة ‘الوهمية ‘ في الحكومة او غير ذلك من المشاركات. ونعتقد ان بعض هذه الاطراف المعارضة تنتظر هذه الدعوة بفارغ الصبر وتعد نفسها لها.
ولكن الثورات ليست معادلات حسابية بسيطة، انها معادلات كيميائية وجبرية معقدة.
فالجماهير السورية استعادت وعيها بقدرتها وبذاتها وطاقاتها الهائلة وقدمت غالي التضحيات من اجل الظفر بحريتها واكتسبت خبرات كانت بحاجة الى عقود من الزمن لاكتسابها وهي لن تركع او تركن او تحيد عن نضالها مع اجل اسقاط الدكتاتورية مهما غلت الاثمان، كما ان قدرة النظام الاستبدادي والشمولي على مواصلة هيمنته على المجتمع قد انكسرت الى غير رجعة واصيب في الصميم واصبح، رغم وحشيته الفظة، اكثر ضعفا مما كان عليه بكثير، ولم يحصل هذا الضعف او الانكسار في النظام بفضل دعم اقليمي او دولي لكفاح الجماهير السورية ابدا، على العكس فان ثورة شعبنا بقيت – وما تزال -منذ بدايتها وحيدة في مواجهة الة القمع الدكتاتورية، ولم نسمع احتجاجات ولو لفظية على سلوك النظام من حكومات الدول العربية او تركيا او اميركا الا بعد ان سالت انهار من دماء المتظاهرين السلميين، بل وتقدم هذه القوى
للنظام، بكل رياء وخبث، فرصة ‘اخيرة’ له للاستمرار والبقاء على حساب تضحيات شعبنا.
لن يطول انتظارنا لليوم الذي ستنزل فيه جماهير العمال والشرائح الاجتماعية المنتجة والمأجورة الى ساحة الثورة وعندها ستكون اللحظة الحاسمة فيها لتعلن نهاية نظام دكتاتوري دموي مجرم انتهى زمانه وعصره.
آن الاوان لبناء هيئات شعبية ثورية بديلة على ارض النضال مثل هيئات المصانع واماكن العمل والاحياء وصولا الى اقامة مجلس تأسيسي شعبي. وبالأخص اصبح لازما اقامة ائتلاف لقوى الثورة الفعلية على ارض الواقع من اجل توحيد صفوف الثائرين ضد الدكتاتورية من اجل سورية حرة ومستقلة تقوم على الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية، مما يعني الحاجة الملحة لتوحيد اليسار الثوري الملتزم والمنخرط في الانتفاضة لرفع سوية تأثيره ودوره في السيرورة الثورية الجارية في سورية.
القدس العربي