“سوريون بيننا” في الأردن
ياسمين الغرايبة
“سقط الأسد، سقط الأسد. عبارة ما إن يسمعها اللاجئون السوريون في مخيم الزعتري حتى يهرعوا فرحاً وبهجة للتجمع في ساحة المخيم للوقوف على صحة الخبر. لكن سرعان ما يكتشفون أنها إشاعة زائفة، فيعودون أدراجهم ليجدوا خيامهم وقد سرقها لصوص”!
هكذا استهلت سامية صهيوني تقريرها لبرنامج “سوريون بيننا” الذي تبثه إذاعة “البلد”. قبل انطلاق الثورة في سوريا، عملت سامية، وهي خريجة في كلية العلوم السياسية، مدرسةً. ولم تفكر يوماً بأن تتحول إلى صحافية تعمل في الأردن.
سامية واحدة من 34 سورياً وسورية دربهم راديو “البلد” على المهارات الصحافية الأساسية لإعداد تقارير تغطي أحوال اللاجئين السوريين داخل وخارج المخيمات في الأردن، ضمن برنامج “سوريون بيننا”.
في إحدى غرف مكاتب الإذاعة، تجمع طاولة مستديرة كلاً من سامية وعمر ورأفت، يتناقشون حولها بمواضيع يومية وصحافية. عيونهم المعلقة باجهزة الكومبيوتر المحمولة قلما ترتاح من متابعة الأخبار السورية وما يتداول منها على مواقع التواصل الاجتماعي. بالنسبة إليهم، فإن المليون لاجئ سوري، تقريباً، في الأردن، ليسوا مجرد أرقام تتناقلها وسائل إعلام وألسنة مسؤولين، بل هم قصص إنسانية تشكلت على وقع صدمة اللجوء وانتظار العودة إلى الوطن.
في المكتب المجاور، يبيّن لنا معدّ ومقدم برنامج “سوريون بيننا”، الصحافي نور بولاند، أن الهدف من المشروع الذي درب سوريين يسكنون خارج المخيمات في المفرق وعمان، هو “إعداد جيل صحافي يتميز بالموضوعية والمهنية، استعداداً لمرحلة ما بعد الأسد”. ويقول بولاند إن التدريب الذي استمر أسبوعيين، ضم شباباً لجأوا إلى الأردن من مختلف المحافظات السورية، وتراوحت أعمارهم من 18 و40 عاماً.
وفيما لم يكن مفروضاً على المتدربين أن يملكوا خبرة في الصحافة، إلا أن اشتُرط أن يكونوا قد شاركوا في ما يعرف اليوم بـ”إعلام الثورة”، أي تغطية أحداثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها. وبحسب بولاند، فقد جرى اختيار السورين المشاركين “ليكونوا منبراً للاجئين في المخيمات بالأردن، بحكم متابعتهم للأحداث هنا وفي سوريا بطبيعة الحال”.
تلاحظ سامية أن اللاجئين في المخيمات الأردنية يشعرون براحة أكبر في الحديث معها، وكأن باستطاعتهم “نشر غسيلهم وكأنه ما في حدا غريب”. ولكن غالباً ما تتلاشى هذه “الراحة”، بسبب الخوف الذي ما يزال مسيطراً على اللاجئين، كما تقول الفتاة، التي تكمل كلامها في قصة توقيفها الأخير، هي والفريق العامل معها، لمدة ساعتين في مخيم الزعتري من قبل الأمن الأردني.
ماذا جرى؟ تقول إنها واعضاء فريقها استأذنوا عائلة سورية لالتقاط صور، “إلا أن هذه العائلة سرعان ما اشتكت لدى الأمن الأردني بعد انتشار إشاعات بين اللاجئين حول وجود شبيحة في المخيم. كانوا يخافون من أن أحداً قد يصورهم ويرسل الصور إلى الأمن السوري الذي قد يلاحق ما تبقى من العائلة داخل سوريا”. وفي أحيان أخرى، تضيف سامية، “فإن بعض اللاجئين ينأون عن الحديث بصراحة عن مشاكلهم في المخيم أو عن ممارسات سلبية مورست ضدهم، خوفاً من الترحيل”.
غطى “سوريون بيننا” عدة قضايا من واقع اللاجئين، كوفاة طفلة جراء احتراق الخيمة التي كانت تعيش فيها، ووفاة سبعة لاجئين من عائلة واحدة إثر حريق آخر اندلع في “كرفانتهم” في المخيم. وفي حلقات أخرى، تناولت التقارير غياب الأمان داخل المخيم في الليل، حيث يبقى رجال الأمن خارج المخيم ما يتيح الفرصة لظهور “الزعران”. كما تناول البرنامج مواضيع أخرى كالمخدرات وضبط أسلحة بيضاء مع مثيرين للشغب.
لكن رغم ذلك، يشعر عمر الخطيب، وهو شاب في مقتبل العشرينيات، بأن 22 حلقة من “سوريون بيننا” لم تحقق بعد الهدف المرجو منه، “إذ كان ينتظر من البرنامج أن يتناول قضايا أكثر أهمية بالنسبة للاجئين، وتغطيتها بعمق أكبر”. إلا ان عمر يقر بأن هذا صعب جداً في ظل التضييق المتمثل بعدم وجود تصاريح دائمة لهم بالدخول إلى المخيمات، “فأي دخول للمخيم من دون تصريح أشبه “بمغامرة” يأخذها الصحافي على عاتقه.
كما يرى عمر أن في إمكان البرنامج أن يلعب دوراً أكبر كحلقة وصل بين اللاجئ والمسؤول، “ولكن ذلك يتطلب إمكانيات أكبر، وإذا لم تتوفر هذه الإمكانيات فإن أي تغطية لواقع اللاجئين ستلعب دوراً سلبياً أشبه بالتصفيق للحكومات أو العمل بهدف الربح المادي فحسب”.
وفي هذا السياق، يقول الصحافي رأفت الغانم إنه “حتى مع وجود تصريح دخول، غالباً ما يتعين وجود شرطي مع الصحافي، ما سيحدّ، بالتأكيد، من حرية اللاجئ في الحديث بصراحة تامة”. وبرأي رأفت، فإن عدم منح الداخلية الأردنية الصحافيين السوريين تصريحات لدخول المخيم إنما بسبب الخوف من التحريض”.
وفيما تبقى قضية اللاجئ الإنسانية خافتة في الإعلام الأردني الرسمي وشبه الرسمي، الذي يركز على “تزايد أعباء استضافة اللاجئين السوريين”، تشكل برامج مثل “سوريون بيننا” متنفساً للاجئ والصحافي السوري، أو لـ”الاجئ – الصحافي”، في الوقت نفسه.