سوريّة انتصرت لانها تمتلك اهمّ مقومات النصر
سعيد نفاع
منذ الأيام الأولى، وليس الأسابيع، للعدوان على سوريّة لم يعم بصرنا لا ربيع عربيّ ولا خريف عربيّ، قلنا وكتبنا ما قلنا أن سوريّة بقيادتها ستعبر الأزمة ولكن من خلال مرافقتها بإصلاحات عميقة في بنية منظومتها، فسوريّة ليست تونس ولا مصر ولا ليبيا ولا اليمن وبالطبع ليست البحرين.
لم نقل ونكتب ذلك من باب التمني والأمل وحبّا في سوريّة الموقع المنيع والموقف الممانع، وإنما من باب قراءة ادعينا حينها أنها صحيحة واقتنعنا اليوم أكثر بصحتها، فإن كانت يومها من باب توقّع ربّما يخيب فاليوم هي من ساحات ميادين لا تخيب، قراءة اعتمدناها ونعتمدها مؤسسةً على مقومات نصر قائمة في سوريّة لم تكن قائمة في أي من تلك الدول.
هذه المقوّمات التي اعتمدناها نحن اجتهادا مفاتيحَ نصرٍ لسوريّة الموقف والموقع، تبيّن أن القيادة السوريّة اعتمدتها بمواقفها معرفةً، وهي تماما التي حسبها، عمى في بصر وعسر في بصيرة، أعداء سوريّة مقومات لنجاح عدوانهم.
أول هذه المقومات وأهمها الشعب السوريّ بغالبيته العظمى، فقد راهنّا ومنذ البداية أن الشعب السوريّ المزركش، ومنذ أن وجد، بكل ألوان الحضارة الشرقيّة الزاهية لبنة فوق لبنة زادت كلّ واحدة الأخرى ألقا، لا يمكن لتكفيريّ سلفيّ والسلف منه براء، ولا لإعرابيّ جاهليّ حتى الجاهليّة العربيّة منه براء، ولا لعثمانيّ حتى ‘تنابل وإنكشاريّة’ جدّه عبد الحميد منه براء، ولا لغربيّ ما زال يلبس ويأكل ويُلبس ويُطعم حيواناته البيتيّة المدللة من دماء شعوب الشرق والجنوب، لا يمكن أن يحوّلوا هذا الألق السوريّ متعدد الألوان والإشعاع ظلاما حتّى لو حمل لهم مطافىء النور أو حمّلوها لمن هم من بين ظهراني الشعب السوريّ الذين لم تخلّ أمتنا منهم يوما وإن كانت لهم جولة فلكرماء الأمة جولات.
راهنوا وما زالوا على اقتتال بين أطياف الشعب السوريّ بعد أن غذوا بكلّ ما استطاعوا وبشتى ما استطاعوا ضعفاء هذه الأطياف وشُذّاذ الآفاق منهم وراح ضحيتهم طلاب حقّ من أبناء هذا الشعب أرادوا حقوقا لهم لكن ومن البداية ليس على دماء بقيّة أبناء شعبهم، لأنّ أولئك لم يردوا يوما حتى لطلاب الحق أن ينالوا حقوقهم، فإذا كان فاقد الشيء لا يعطيه فكم بالحري مُفقد الشيء فهم من أفقدوا هؤلاء الناس حقهم وسلبوه على مدار مئات من السنين.
غالبيّة الشعب السوريّ العظمى بأطيافه الانتمائيّة المختلفة وبأطيافه السياسيّة الوطنيّة المختلفة ‘موالاة’ ومعارضة لم تُضع البوصلة وأخرى اهتزت عقارب بوصلتها لتعود وتثبت، وإن كان بدماء زكيّة، كُثر كُثر من المعارضة أو ممن خرجوا هاتفين بمطالب حقّة عادوا إلى متراس الالتحام مع بقيّة أبناء شعبهم حين اكتشفوا أبعاد العدوان فعزّزوا رهاننا وعمقوا هوة سقوط رهان أعداء كل ما هو خيّر في شعوب وأمم الأرض وحتى كل ما هو خيّر في بسطاء شعوبهم وأممهم.
هذا الشعب ولّد مقوّمَ انتصار آخر أبناءَ هم حماته، الجيش العربيّ السوريّ. كل من عايش حرب تشرين 1973 يعرف حقّ المعرفة ما بذله أسلاف هذا الجيش من بطولات خارقة في الجولان، ولولا الـتآمر الساداتيّ حينها لكان الوضع يختلف اليوم على الجولان. فمواقع جبل الشيخ وسعسع والرفيد والخشنية وغيرها الكثيرة الكثيرة الشاهد على أسلاف هؤلاء الأبناء، إذ صدّت ثلاثة ألوية سوريّة ستّة ألوية إسرائيليّة رغم التفوق الجويّ الإسرائيلي بعد أن أتاح السادات لإسرائيل بوقفه الزحف عمليّا لـ-’70 من القوة العربيّة، التفرّغ للجبهة السوريّة الموازية فقط ل-’30 من القوة الإسرائيليّة حسب موازين القوى وحمى الجيش العربيّ السوريّ الديار وخاض حرب استنزاف استمرت أشهرا والجيش المصريّ هادىء بأوامر السادات.
راهنّا نحن محبّي سوريّة الموقع والموقف على هذا الجيش وعقائديّته ومرة أخرى اجتهادا ويبدو أن القيادة السوريّة راهنت عليه معرفة، وراهن أعداء سوريّة على هذا الجيش ولكن من باب آخر. الأمر الطبيعي أن يولي الأدبار من كل جيش حين احتدام المعارك البعض ضباط وأنفار ومثل هؤلاء، وإن لم تخل الجيوش منهم يوما، شهاداتهم على جباههم ‘فارّين وربّما أن لغتنا العربيّة الأصيلة ليس صدفة أسمت الفأر فأراً’، مع العلم أن غالبيّة هؤلاء ومثلما يرشح، ضباط غير عاملين ولنا في ‘طول شعور’ البعض بيّنة، فهل رأيت يوما ضابطا عاملا وبالمناسبة في أي جيش في العالم ‘شعره لاكتافه’؟!
ما راهن عليه أهل العدوان على سوريّة هو أن تحدث في صفوف مقوّم الانتصار هذا ‘حماة الديار’ انشقاقات لكتائب أو ألوية أو فرق وكم كانت خيبتهم كبيرة حين كرّ حماة الديار إذ نودوا للميادين قادة وأنفارا، منهم من قضى وصدره إلى الأمام ومنهم من يتابع المشوار إكراما لمن قضى وإكراما لمن قضوا في سبيلها، سوريّة. ومرة أخرى علا وسما رهان الأصدقاء كما علت جباه هؤلاء الأبطال وهوى كما قصور رمال الأطفال على الشواطىء رهان الأعداء.
وأمّا ثالثة الدعائم وثالث المقومات فكانت المنظومة المؤسساتيّة السوريّة القياديّة والحكوميّة والحزبيّة والثقافيّة والإعلاميّة و’المعارضيّة’ الوطنيّة، والتي تصدّت متراصّة في الجبهات المفتوحة الأخرى وباءت كلّ محاولات خرق صفوفها فشلا اللهم إلا البعض والذي بدا أن قلتهم مثل وجودهم أو وجودهم كان مثل قلّتهم.
هذا الثالوث هو أهمّ مقوّمات الانتصار والذي اجترحته و تجترحه سوريّة الموقع وسوريّة الموقف رغم شراسة العدوان، وكل ما عدا ذلك هو مقومات دعمويّة ليس إلا، وما كانت لتكون أو ما كان ليستطيع مقدّموها فعل شيء لو أن زودهم هذا الثالوث بكلّ أسباب قوّة الوقوف إلى جانب سوريّة العروبة سوريّة الذي كان نبيّا جمال عبد الناصر حين قال عنها قلب العروبة النابض.
فلا إيران ولا حزب الله ولا روسيا ولا الصين ولا كل أصدقاء سوريّة كانوا ليستطيعوا فعل شيء أو يدفعوا عن سوريّة عدوانا لولا هذا الثالوث المقدّس وفي رأسه الشعب العربيّ السوريّ والركنين الثالوثيّن الأول والثاني.
فعندما نقول أن سوريّة ‘انتصرت’ ولا نقول أنها ‘ستنتصر’ فرهاننا كان وما زال على هذا الثالوث.
‘ نائب عربي في الكنيست
الجمعة