شبيحة” النظام السوري في لبنان… من الساسة وغيرهم
محمد مشموشي
يبدو ساسة قوى 8 آذار وأحزابها أكثر تمسكاً بالنظام السوري من النظام نفسه. وفي كل يوم يعلن هؤلاء استمرار رهانهم على بقاء النظام، لدرجة أن أحدهم ـ العماد ميشال عون ـ يحدد مواعيد بالأيام وحتى بالساعات لانتهاء الثورة الشعبية السورية المطالبة بإسقاط النظام، وتالياً لإعادة إمساك هذا النظام بالسلطة بشكل أقوى مما كان في الفترة السابقة.
يكشف هذا الأمر حقيقتين مرتين لا يمكن إنكارهما، ولا تجاهل انعكاساتهما على لبنان مما يعيشه هذا البلد حالياً بعد أن عاشه في الواقع طيلة العقود الثلاثة الماضية:
أولى الحقيقتين، أن النظام في دمشق يتعامل مع لبنان وما ومن فيه على قاعدة أنه جزء من سلطته في بلده (هكذا كان في السابق وما يزال للآن) وأن ما يصيبه في الداخل إنما يصيبه في لبنان أيضاً. ألا يقول ذلك بصراحة متناهية استيراد النظام بعض “الخطباء” اللبنانيين للتكلم في مهرجانات ينظمها تأييداً له في بعض المناطق السورية من جهة ولتبرير مواقفه على شاشاته وفي صحفه من جهة ثانية؟.
لا يتعلق الأمر هنا بالعلاقات التاريخية بين البلدين، ولا بالاتفاقات السياسية والاقتصادية والأمنية المعقودة بينهما، والتي قد لا يختلف حولها اثنان في لبنان أو في سوريا، إنما بطبيعة العلاقة ـ علاقة التبعية ـ التي أقامها نظام حافظ الأسد، ومن بعده نجله بشار، مع لبنان وجعلت منه مجرد جرم صغير في فلكه السياسي الواسع، داخلياً وإقليمياً ودولياً، إن على مستوى الدولة في لبنان أو على مستوى القوى السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية فيه. ولم يتغير الأمر حتى بعد انسحاب القوات السورية من لبنان بعد أعوام طويلة من وجودها فيه بذريعة تقديم العون الأمني له في أثناء حربه الأهلية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وبعد انتهائها.
الحقيقة الثانية، أن لبنان نفسه ـ أو بعض قواه على الأقل ـ بات أسيراً لقاعدة التعامل السورية هذه، حتى أن هذه القوى باتت ترى في نظام دمشق مصدر قوتها شبه الوحيد، ولذلك فهي تخشى زواله (أو حتى مجرد إصلاحه) بما هو بالتبعية زوال أو إضعاف لها. ولا حاجة الى القول إن ما يتحدث عنه هؤلاء عن إصلاح النظام في سوريا ليس أكثر من تكرار لحديث النظام نفسه، ولعدم تحقيق شيء منه بالرغم من مرور أكثر من ثمانية شهور على بدء الثورة وبدء الكلام رداً عليها حول الإصلاح والحوار من أجله.
وملخص الخطاب اللبناني “السوري” في هذا الصدد، لا يختلف في شيء عن خطاب النظام السوري نفسه، وهو أن أخطاء كبيرة ارتكبت في سوريا سابقاً لكن الضمانة تبقى في شخص الرئيس بشار الأسد من جهة ورغبته الصادقة في إصلاح النظام ومنع تكرار الأخطاء من جهة ثانية.
هل هناك من عيب (في الواقع، جريمة) في ما قام به، وما يزال الى الآن، النظام السوري في لبنان؟.
قد يكون للنظام في دمشق، وهو يحاول أن يلعب دوراً إقليمياً ودولياً واسعاً، عذره في أن يسعى لمد نفوذه الى خارج حدود سوريا، وأن يستخدم في هذا السياق أكبر كمية من “الأوراق” ـ وفق التعبير السائد ـ من فلسطين الى لبنان الى العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين. لكن أي عذر للبنانيين، أو لبعضهم، في أن يبقوا أسرى هذا النفوذ حتى بعد انحساره على أرض الواقع وانسحاب أدواته العسكرية من لبنان قبل أكثر من ستة أعوام حتى الآن؟.
العيب الكبير هنا (مجدداً، الجريمة) لبناني أولاً وأخيراً.
ذلك أن مجموعة “الدكاكين” السياسية والحزبية التي أنشأها النظام السوري في لبنان، وجعل من أصحابها في بعض الأحيان رؤساء ووزراء ونواباً وقادة سياسيين، لم تفعل في الواقع إلا أنها وسعت مدى نفوذ هذا النظام وأطالت أمد بقاء قواته في لبنان الى أن انكشفت اللعبة كلها باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والعديد من رموز البلد السياسية والحزبية والفكرية والثقافية. لكن الجانب اللبناني من اللعبة، مع ذلك، ما يزال مستمراً في أداء دوره لسببين اثنين في وقت واحد: أولهما أن النظام في دمشق لم يتخل عن أحلامه وطموحاته اللبنانية ـ الاقليمية، خصوصاً بعد أن بات مصيره على المحك في ضوء الثورة الشعبية ضده وعزلته شبه الكاملة عربياً ودولياً، وثانيهما محاولة من يسمون أنفسهم “أصدقاء” له من اللبنانيين الدفاع عن أنفسهم كما هو حال البعض (ميشال عون وأمثاله) أو رد الجميل له كما هو حال البعض الآخر(“حزب الله” وحركة “أمل”).
ولا يعني هؤلاء في شيء، كما تشي بياناتهم وممارساتهم، كل ما يتعلق بسيادة بلدهم على أراضيه في ظل توغلات القوات السورية المتكررة داخلها أو ما يتعلق بالتزاماته الدولية لجهة النازحين السوريين إليه هرباً من الموت المحقق، أن تكون لمواقفهم هذه انعكاسات سلبية، وربما خطيرة مستقبلاً، على لبنان الوطن في الداخل وعلى صورته كدولة حرة سيدة في الخارج.
والأفدح من ذلك، أن بعضهم يلعب في لبنان دور “الشبيحة” في سوريا، ليس ضد المعارضين السوريين للنظام فقط وإنما ضد اللبنانيين المؤيدين لهم أيضاً، سواء على الحدود أو في المطار أو داخل الأراضي اللبنانية، وأن بعض امتداداتهم، من أيام الوصاية، داخل الأجهزة الرسمية اللبنانية يغطي هذه الممارسات أو أقله يغض النظر عنها.
هل من حاجة الى القول، في ظل هذا الواقع المأسوي، إن مشكلة لبنان مع هؤلاء أسوأ وأخطر من مشكلته مع النظام السوري نفسه؟.
المستقبل