صفحات العالم

إدارة دولية للأزمة السورية


سليمان تقي الدين

انعقد في دمشق مؤتمر »التنسيقيات الوطنية« بحضور سفراء روسيا والصين وإيران . شارك في المؤتمر نحو عشرين حزباً سياسياً وجماعة، ودعا إلى وقف العنف والحوار ورفض التدخل الخارجي في نفس البيان الذي طالب بعقد مؤتمر دولي حول سوريا . إن ارتباك هذا الفريق من المعارضة السورية يعكس المأزق الذي وصلت إليه البلاد جراء تشابك الصراع الداخلي مع التدخلات الخارجية . وليس حضور السفراء المذكورين مؤتمر هذا الطرف السياسي إلا الدليل على بلورة نفوذ الأطراف الخارجيين من خلال الصلة بالقوى المحلية . لكن السؤال الأساسي المطروح الآن هو ما إذا كان هذا الحراك الخارجي الدولي مقدمة لتسوية أم أنه جزء من لعبة التقاسم والفرز السياسيين اللذين يقوى بهما الصراع؟

قيل إن الخارج يقترب من إنتاج تسوية سياسية، بينما الأوضاع الميدانية تراوح عند المستوى المتصاعد من العنف الذي أدخل سلاح الطيران في المواجهة من دون أن يؤدي ذلك إلى متغيرات جوهرية على الأرض . وعلى ضفتي النزاع هناك تصريحات عن اقتراب الحسم . إلا أن هذا الحسم غير قائم على معطيات فعلية وليس هناك من أساس واقعي للحديث عنه .

تقترب الأزمة من بلوغ عامها الثاني والحصيلة المزيد من الفوضى والاستنزاف مع عدم وجود أي تطور نوعي في قدرة الطرفين في النظام أو المعارضة . أما المواقف الدولية التي تراجعت حدتها اللفظية فلا تدل على أن التسوية قد نضجت بل على التعايش مع الأزمة والاعتراف بأمدها الطويل .

يكاد الوضع السوري يشبه الوضع اللبناني خلال الحرب الأهلية . هناك تسليم بالعجز عن إيجاد حلول فيجري نوع من إدارة الأزمة على النحو الذي لا يؤدي إلى انتصار أي فريق ولا إلى إيجاد حل سياسي . ما يصدر عن القوى الفاعلة إقليمياً ودولياً هو التحذير تلو التحذير من خطورة الأزمة السورية واحتمالات اتساعها في المدى الإقليمي . ربما كان ذلك هو الأقرب إلى الواقع . لم تتراجع أي جهة فاعلة في الداخل والخارج عن مطالبها وشعاراتها، وأصبح حجم الفوضى وحجم العنف والدمار تأكيداً على صعوبة المصالحة التي يفترضها دعاة الحوار الوطني .

من الواضح أن جزءاً مهماً من الجغرافيا والديمغرافيا في سوريا خارج سيطرة النظام . هذه أوضاع تشجع على إطالة أمد الصراع وليس على تقصيره . بل لقد باتت احتمالات توسيع إطار التدخل الميداني من القوى الإقليمية أكثر من ذي قبل . على الأقل بات معروفاً أن جهات عدّة من أنصار الطرفين موجودة ولو بشكل محدود . ومن باب أولى أن تصارع القوى الإقليمية والدولية في سوريا حتى لا تضطر إلى مواجهة إقليمية دولية . الحرب في سوريا تبدو الآن نوعاً من البديل عن حرب إيرانية – أمريكية .

صحيح أن إيران تدفع جزءاً من كلفة هذه الحرب ما ينعكس سلباً عليها، لكنها تبعد احتمالات المواجهة المباشرة مع أمريكا . فهل تكون سوريا فعلاً هي المواجهة الأخيرة لبناء النظام الإقليمي والتأثير في بناء النظام الدولي الجديد، أم أنها ستكون مجرد معركة في الطريق إلى مواجهة أكبر؟ الأرجح أن معركة سوريا لن تكون الأخيرة حتى لو عاد باراك أوباما إلى الرئاسة الأمريكية وأعاد فتح ملفات المنطقة سياسياً . يصعب على الأمريكيين التسليم بنوع من التوازن الإقليمي والدولي في الشرق الأوسط . هم في حقيقة الأمر ليسوا مضطرين إلى ذلك لأن الصراع يجري داخل منطقة خصومهم . منذ انطلاق الأزمة السورية لا نستطيع ذكر أي مصلحة أمريكية قد تضررت . خارج منطق التهويل الايديولوجي لم يسجل »محور الممانعة« أي مكسب فعلي سوى منع الأمريكيين من التدخل العسكري المباشر كما حصل في ليبيا . ليس عبثاً أن الأمريكيين يلجمون »إسرائيل« عن القيام بأي تدخل عسكري . الأرجح أن خطتهم استنزاف »محور الممانعة« إلى أبعد حد ممكن .

خلاصة الأمر أن المنطقة معرضة إلى نمط من إدارة الأزمات الطويلة أكثر مما هي بصدد تحركات حاسمة . هذا شكل من الحرب الباردة أو من وسائل القوة الناعمة يمكن وصف الأمر على هذا النحو . إن من يملك المبادرة في هذه الحرب ما زالوا الأمريكيين وليس سواهم . وليس في المنطقة أي طرف مستعد لقلب الطاولة والقيام بعمل كبير . والحصيلة الظاهرة الآن أن سوريا قد تكون الدولة والشعب اللذين يدفعان كلفة هذه الحرب وكلفة عملية التغيير الجيو سياسي في المنطقة

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى