صفحات العالم

مقالات تناولت جنيف 2

باي باي سايكس بيكو!

محمد صادق الحسيني

قوية وحازمة هي اشارات الدعم والمساندة للصديق وقاسية و لاذعة هي لمنتقديه:

‘كن حيث شئت انت اما نحن في حزب الله لا يمكن ان نقف في جبهة فيها امريكا والكيان الصهيوني والتكفيريون’ مفتتحا من قمر البقاع اللبناني ‘مشغرة’ فصلا جديدا من فصول نضال حزبه تحت ضغط تحولات ما بعد حرب السنتين على حليفته سورية بالقول:

‘ بعدما كنا ننظر جنوبا فقط صار لابد لنا ان ننظر شمالا ايضا هكذا اجبرونا للاسف’!

نطقها نصر الله بلسانه لكن روحه واحاسيسه كانت لا تزال الى القدس مشدودة لانه سرعان ما استدرك:

‘ ان سقوط سورية لا سمح الله يعني سقوط لبنان والمقاومة وغزة وفلسطين والقدس′!

معلنا بدء مرحلة جديدة سماها مرحلة:

‘تحصين المقاومة وحماية ظهرها… ‘ واعدا جماهيره بالنصر الاكيد في هذه المرحلة ايضا بالقول:

‘ كما كنت اعدكم بالنصر دائما اعدكم بالنصر مجددا’ !

بدا وكأنه وحده بين زعماء العرب من لا يزال يتقن لغة ‘الوفاء للصديق عند الضيق ‘ لكنه كان’ القائد الذي سيحسدنا اولادنا واولاد اولادنا على اننا عشنا زمنه المتألق ‘ كما صرح حليفه من قوى 8 مارس الوزير والنائب اللبناني سليمان فرنجية وهو يحدث طيفا واسعا من اللبنانيين احتشدوا للمناسبة نفسها !

مرحلة قال عنها السيد ان جماهيره ‘سبقته اليها بعام ونصف ومندفعة فيها اكثر مما يتصور العالم، ذلك العالم الذي لم يفهم ثقافة المقاومة والمقاومين ولن يفهمها’ كما اكد نصر الله.

فماذا اراد هذا الرجل الذي بدا وكأنه يغرد خارج سرب العرب وهو يتحدث في عيد المقاومة والتحرير عن هذه المرحلة الجديدة من تاريخ الصراع العربي الصهيوني؟

اكاد اجزم انه كان يحمل في جعبته قرارا اتخذه مع حلفائه في المشهد الدمشقي لم يرد التفصيل فيه بهذه المناسبة لكنه اراد ان يشي من خلال عنونته للمرحلة الجديدة باهم ما فيه : وداعا لحدود سايكس بيكو.

بمعنى اخر اذا كانت المقاومة في كل من لبنان وفلسطين وايران وسورية والعراق تقاتل حتى الان الصهاينة او الامريكيين فحسب لطردهم من حدود الجغرافية الوطنية فانها من الان فصاعدا وبعد كل الذي حصل من جانب المعسكر الاخر وتحشيده العابر للقارات ضد المقاومة فان المقاومة من جهتها ايضا باتت في حل من اي التزام بجيوبوليتيك سايكس بيكو الاستعمارية.

وهكذا يكون نصر الله بنظر المتابعين قد دشن انطلاقا من ‘مشغرة عماد مغنية’ مقاومة عابرة للطوائف والمذاهب والقوميات والاقطار عنوانها الفقهي : مقدمة الواجب واجب.

وهو ما يعني بالسياسة والممارسة على الارض بان حماية سورية من السقوط بأيدي الاغيار باتت اولوية عاجلة لابد منها على طريق تحرير فلسطين.

وهي دعوة غير مباشرة ايضا لاشعال جبهة الجولان بأيد عربية واسلامية عابرة للجغرافية السورية.

الجغرافية الجديدة التي سيسجل التاريخ بان ‘القصير’ لم تكن سوى الشرارة التي رسمت اولى معالم سورية الجديدة العابرة لحدودها ودورها التقليدي الذي لطالما اعتدنا عليهما!

وكما نصر الله كذلك هي القيادة العليا في طهران فهي من وجهة نظر عارفيها ومتابعيها باتت هي الاخرى ترى ما يراه نصر الله في ان الدفاع عن سورية اليوم بات جزءا لا يتجزأ من الامن القومي الايراني لا بل جزءا لا يتجزأ من مواصفات الرئيس المقبل وهي التي تستعد لاستحقاق الجولة الحادية عشرة لانتخابات الرئاسة عندها !

من يقرأ البرقيات القادمة من طهران على خلفية الترشيحات والترشيحات المضادة لمنصب الرئيس وبرامج المرشحين ويريد ترجمتها على ارض بلاد الشام في خضم تجاذبات الحرب على سورية لا يمكنه الا ان يقرأ تطابقا بين صانع القرار الايراني الاول و غرفة عمليات قيادة حاركة حريك!

فطهران هي الاخرى قررت الخروج على ‘المألوف’ وفتحت ‘بازار’ معركة الرئاسة بناء على ترمومتر معادلات الميدان في سورية السند والظهير للمقاومة اللبنانية والفلسطينية’ واضيفت ميزة جديدة لمواصفات اي رئيس ايراني عليه ان يتمتع بها وان يتقن فنها اذا ما اراد تحقيق الفوز الا وهي ميزة القدرة على مواكبة الحدث المقاوم على حدود فلسطين المحتلة!

القدس العربي

مرونة الوزير المعلم المفاجئة

رأي القدس

السيد وليد المعلم شيخ الدبلوماسية السورية عاد الى الاضواء مجددا مع كثرة الاحاديث عن قرب انعقاد مؤتمر جنيف الثاني بحضور ممثلين عن النظام السوري والمعارضة.

فبعد زيارة خاطفة غير معلنة الى بغداد اعلن خلالها ان سورية ستشارك من حيث المبدأ في هذا المؤتمر، ها هو يعلن عبر قناة ‘الميادين’ ان هذه المشاركة ستتم دون شروط مسبقة.

هذه الخطوة السورية التي تتسم ‘بالمرونة’ ظاهريا، ربما تعود الى سببين رئيسيين: الاول هو تزايد احتمالات عدم انعقاد هذا المؤتمر بسبب الخلافات المتفاقمة بين راعييه الروسي والامريكي، والثاني هو تصاعد الخلافات في اوساط فصائل المعارضة السورية حول مسألة المشاركة ورئاسة الوفد والاطراف المشاركة فيه.

مؤتمر المعارضة السورية المنعقد حاليا في اسطنبول وتشارك فيه الفصائل المنضوية تحت مظلة الائتلاف الوطني السوري، يعيش اجواء خلافات متفاقمة حول القضايا المنعقد من اجل الاتفاق حولها، وخاصة مسألة توسيع عدد اعضائه واضافة وجوه ليبرالية جديدة اليه لكسر حدة هيمنة تكتل الاخوان المسلمين.

الانباء الواردة من اسطنبول تقول ان الضغوط الفرنسية المكثفة لم تنجح حتى الآن في اقناع المجتمعين بضم كتلة المعارض الليبرالي ميشيل كيلو فحتى هذه اللحظة لم يتم حتى الآن الاتفاق على عدد ممثلي هذا التكتل الذين من المفترض ان ينضموا الى هيئة المجلس، فهناك من يقول انه جرى الاتفاق على ضم خمسة اعضاء فقط، (عدد اعضاء هيئة المجلس 50 عضوا) وهناك من يؤكد ان الرقم ارتفع الى ثمانية ولكن لا يوجد تأكيد على صحة اي من الرقمين.

المشكلة الاكبر تتمثل في اختيار رئيس جديد خلفا للشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف المستقيل، وكذلك للسيد غسان هيتو رئيس الوزراء الذي لا يحظى بالقبول الكافي في اوساط المعارضة، علاوة على عجزه عن تشكيل الحكومة واختيار الوزراء بالتالي.

السيد المعلم يدرك جيدا، وهو الدبلوماسي المخضرم، كل هذه الخلافات، مثلما يدرك ايضا ان دعوة النظام السوري للمشاركة في ‘جنيف 2′ هي فرصة لا تعوض لان هذه المشاركة تشكل اعترافا به من قبل الولايات المتحدة ودول اوروبية اخرى، كانت تردد طوال العامين الماضيين عدم شرعية النظام السوري، وترفض اجراء اي اتصالات رسمية، علنية او سرية، معه.

المعارضة السورية ما زالت تتمسك بشرط تنحي الرئيس بشار الاسد كشرط مسبق لمشاركتها في المؤتمر، وهو شرط ربما لا يحظى بقبول الدولتين الراعيتين في حال انعقاد المؤتمر، لان القبول به يعني عدم مشاركة الوفد السوري الرسمي الممثل للنظام.

النظام السوري يناور ويحاول كسب الوقت، وتحسين مواقعه على الارض، خاصة ان الاخبار القادمة من جبهة القصير، حيث تدور معارك طاحنة بين قوات النظام وعناصر من حزب الله من ناحية وقوات المعارضة السورية من ناحية اخرى، تؤكد تقدم الجيش الرسمي السوري واستيلاءه على المطار العسكري شمال المدينة ومحاصرته لقوات المعارضة من الجهات الاربع.

اعلان السلطات السورية عن عزم الرئيس الاسد القاء خطاب او حوار مع قناة المنار اللبنانية التابعة لحزب الله حليفه الاوثق، ربما يكون بهدف الحديث عن هذه التطورات في القصير، وطبيعة المشاركة في المؤتمر الدولي المنتظر.

الايام المقبلة تنطوي على مفاجآت كثيرة وكبيرة في الوقت نفسه، فالملف السوري يزداد سخونة مع قرب فصل الصيف الذي يرى البعض انه ربما يكون اكثر سخونة من اي صيف سابق.

القدس العربي

انعقاد “جنيف 2” يفيد لبنان

    خليل فليحان

لا تزال الطريق وعرة الى “مؤتمر جنيف 2” رغم الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على المعارضة، وروسيا على النظام السوري، ليقبل كل منهما بالتوجه الى سويسرا في اقرب موعد من اوائل حزيران المقبل، من اجل عقد “جنيف 2” في برن توصلاً الى وقف القتال بينهما وإيفاد ممثلين لهما حول طاولة الحوار لاقرار المرحلة الانتقالية التي تتضمن انتقال الحكم. غير ان كلا الطرفين وضعا شروطا لا تزال تعوق تحديد موعد نهائي للمؤتمر الذي اصبح مطلوبا لاقرار اصلاحات سياسية تقاتل المعارضة من اجلها. غير ان ما يجري على الصعيد الميداني منذ 7/04/2013 من تصعيد في وتيرة القتال يشارك فيه “حزب الله”، ادى الى استرجاع النظام مساحات كانت المعارضة تسيطر عليها ومنها بلدة القصير على سبيل المثال.

وافاد تقرير ديبلوماسي ورد الى بيروت انه ينتظر من مهندسي المبادرة الاميركية – الروسية التي ولدت في موسكو قبل نحو 52 يوما، من الدول العربية المؤثرة، ترجمة ما اتفق عليه في 2012/06/31 في “جنيف 1” وهو مزيد من المساعي والضغط على طرفي النزاع من اجل منع اي أمر يؤخر تحديد موعد “جنيف 2″. غير ان ذلك لم يتحقق، فـ”الائتلاف” السوري المعارض لم يعين في “مؤتمر اسطنبول” الوفد للمشاركة في طاولة الحوار رغم المساعي التي بذلها معه السفير الامير كي لدى سوريا روبرت فورد، بحيث بقي الاصرار من النظام على دور للرئيس بشار الاسد في المرحلة الانتقالية، في حين أن روسيا الحليفة الاولى له لم تزل هذا الشرط، بينما انتقدت المعارضة فورد لانه لم يحمل اليها مشروع جدول المحادثات ولا اي جديد في شأن استبعاد الاسد من “المرحلة الانتقالية”. اما المعوق الاخر لانعقاد المؤتمر فيكمن في معارضة الدول العربية ودول أوروبية حضور ايران في “جنيف 2” حتى بصفة دولة مراقبة .  ولفتت دوائر ديبلوماسية قي بيروت الى انه ازاء هذا الواقع المعقد لا يمكن وزيري خارجية اميركا وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف ان يدعوا الى عقد المؤتمر اوائل حزيران، قبل ان يؤمنا حدا أدنى من النجاح على الاقل، ووقفاً فورياً للنار حقنا للدماء السورية، ووقف التدمير الهائل للمؤسسات والمنازل والمقار الحكومية والنزوح بشقيه الداخلي والخارجي.

وأكدت ان لافروف وكيري يرصدان ما يمكن ان يتخذه مجلس وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي اليوم في اللوكسمبور حيال امكان رفع الحظر عن تسليم السلاح الاوروبي الى المعارضة، ليتمكن مقاتلوها من الصمود في وجه السلاح الاقوى لقوات النظام . وأفادت ان الولايات المتحدة تسعى لدى اصدقاء لها من الدول الاعضاء في المجلس الى تأجيل مثل هذا القرار لإعطاء فرصة امام “جنيف 2” كي ينجح . وتجدر الاشارة الى ان بريطانيا هي التي دعت المجلس الى اتخاذ مثل هذا القرار، لأن لا سبيل في نظرها الى مواجهة القوات النظامية، الا بتزويد مقاتلي المعارضة السلاح الذي يمكن ان يقارع الى حد ما القوات المسلحة، وقد ايدت هذا الأمر. الا ان اللافت هو ما أوحاه وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ قبل عودته الى لندن انه يؤيد بالنسبة الى قرار حظر السلاح الاوروبي للمعارضة السورية، صيغة جديدة مبهمة، إذ ليس بالضرورة ان يتخذ المجلس قرار رفع الحظر على الفور، بل ان يكون “مثل هذا القرار متاحا”. ونقل عنه قوله: “سنفكر بجدية قبل اتخاذ قرار تزويد الاسلحة، وسيكون بالتعاون مع دول اخرى”.  واعترفت بأن الطلب الاميركي تجميد القرار الأوروبي منح المعارضة السورية أسلحة، ناجم عن إلحاح روسي بحيث يعتبر لافروف أنه سيمنع انعقاد “جنيف 2” او على الاقل سيؤدي الى إجهاضه.

وأوضحت أيضاً ان لافروف ابلغ امتعاضه من موقف “الائتلاف ” معتبراً أنه سينسف المؤتمر المعول عليه، اضافة الى عدم رضاه على ما جرى في الاجتماعين الوزاريين اللذين عقدا على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة للجنة الوزارية العربية الخاصة بالأزمة السورية برئاسة رئيس وزراء قطر وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، وفي عمان لـ”مجموعة الـ11″ الذي ضم وزراء خمس دول عربية واربع دول أوروبية ووزيري خارجية اميركا وتركيا.

وكشفت عن حدة سيطرت على النقاشات التي دارت في اجتماع القاهرة حيال رفض اي دور للرئيس الاسد في المرحلة الانتقالية، والسماح لإيران المشاركة في الوفد المفاوض، وهذا ما أدى الى عدم تحديد الموقف المؤيد لـ “جنيف 2″. كما ان نقاشا حصل بين كيري وعدد من الوزراء العرب المشاركين حول دور الاسد واشراك ايران. ودعت الى انتظار ما يمكن ان ينتج من اجتماع كيري – لافروف في باريس خلال الساعات القليلة المقبلة، والمخصص لمراجعة ما يمكن ان يكون قد جرى من تذليل للعقبات التي حالت دون تحديد موعد لـ”جنيف 2”.

النهار

مسار جنيف بين العراب لافروف والمخضرم كيري

خطار أبو دياب

تشهد باريس مساء اليوم، اللقاء السادس منذ مطلع هذا العام بين وزيري الخارجية الأميركي والروسي، بحضور نظيرهما الفرنسي لمناقشة التحضيرات لمؤتمر «جنيف ـ 2» الذي يتوقع أن يعقد الشهر المقبل، ويعول الكثير عليه كمدخل للحل في سوريا.

يأتي تكثيف السعي إلى التسوية السياسية في سوريا بعد تحول الصراع فيها وحولها إلى ما يشبه اللعبة الكبرى في القرن التاسع عشر. في مطلع ذاك القرن كانت السيطرة على آسيا الوسطى محور الصراع بين الإمبراطوريتين، البريطانية والقيصرية الروسية، وتحديدا حول الهند “جوهرة تاج” الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس بوجه التهديدات الروسية آنذاك. لكن الصراع المتمركز في أفغانستان والذي انخرط فيه العديد من الدول الأوروبية، لم يتحول إلى حرب مباشرة، لكنه اسفر عن تراجع الإنجليز.

في بدايات القرن الحادي والعشرين نشهد “اللعبة الكبرى الجديدة” في سوريا المعقل الوحيد للنفوذ الروسي المتجدد بعد سبات لمدة عقدين، والتي تشكل أيضاً مستقراً وممراً لنفوذ إيران الحالمة بعودة عصر الامبراطوريات.

في مواجهة المحور الدولي – الاقليمي المدافع عن النظام السوري تخوض الولايات المتحدة الأميركية اللعبة بشكل حذر ليس لمراعاة مصالح إسرائيل فحسب، بل تطبيقا لنهج جديد أرساه باراك اوباما وقوامه استبعاد التدخل المباشر في استخلاص لدروس حربَي افغانستان والعراق.

وهكذا تجد فرنسا وبريطانيا اللتان توزعتا المشرق، حسب” اتفاقية سايكس – بيكو” منذ قرن مضى، في موقع الشاهد على أفول نفوذ يذكر الباحث بمرحلة ما بعد حرب 1956 وانعكاسها على الحضور الاوروبي. والأدهى من ذلك أنّ القوى الاقليمية المنخرطة الى جانب المعارضة السورية وتحديدا تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر تجد نفسها مضطرة للتقيد برزنامة العمل الأميركية.

كما في صراع القرن التاسع عشر، ليس هناك احتمال لأي صدام مباشر بين اللاعبين الكبيرين، بل هناك صراع داخلي وحروب بالنيابة تذكر بمقولة غسان تويني عن “حروب الآخرين”. في ظل هكذا مشهد ملتبس وعلى رغم تورط المحور الايراني بقوة ودخول محدود لقوى “الجهاد العالمي” من منظمة القاعدة وأخواتها، أصبح الحسم العسكري لأي من الطرفين غير ممكن وغير مقبول.

وتبعاً لذلك، قرر القطبان الأساسيان أي الرئيس الأميركي “المسالم” باراك اوباما والقيصر الجديد فلاديمير بوتين إعطاء كل الفرص للحل السياسي، وقد عهدا لوزيرهما المخضرمان جون كيري وسيرغي لافروف مهمة طبخ الحل السياسي على نار هادئة، ووصل الامر بالديبلوماسي السوفياتي “العنيد” (من مواليد 1950 لأب من أصول أرمنية وأم روسية) تبشيرنا بمسار طويل من عدة سنوات كما حصل في دايتون بالنسبة إلى البوسنة بعد نحو خمس سنوات من المجازر، أو بما يشبه “الطائف” بعد خمس عشر سنة من الحروب في لبنان.

على الدرب نحو جنيف تبرز العقد والتعقيدات وابرز العناصر الضرورية لعقد هذا المؤتمر يكمن في بعض المسائل التي يجب حلها، ومن ضمنها أجندة اللقاء، والمشاركون فيه. من ناحية البرنامج يبدو ان السيد لافروف يتصرف بمثابة العراب للمسار ويريد أن يصل الى هدفه، أي الحفاظ على النظام السوري والنفوذ الروسي تحت العديد من العناوين البراقة حول السيادة وعدم التدخل في خيارات الشعوب، لكن الدوافع الحقيقية لا تتلخص في عودة روسيا لقوتها إبان الحرب الباردة ولا في قاعدة طرطوس وسوق الطاقة وغيرها من الأسباب الجيو استراتيجية، بل يمكن ان تتصل باختبار قوة آخر حول إيران، وحرص موسكو على عدم التباين مع طهران في هذا الملف، ومن الممكن ان يكون للعلاقة المنفعية والمالية القوية بين الاسد وعائلة خاله محمد مخلوف من جهة، والثنائي بوتين – لافروف من جهة اخرى (علاقة قديمة تعود لتعاون مشترك بين محيط بوتين وآل مخلوف يعود لمرحلة تطبيق معادلة “النفط مقابل الغداء” في عراق صدام حسين المتهالك نهاية التسعينات).

في الجانب الآخر، يظهر ان المخضرم، كيري الكاثوليكي المتدين والمحاور المنفتح والماسوني الشهير، يمتهن النفس الطويل مقابل لافروف عازف الغيتار والمدخن الكبير، ويريد ان يسهل المسار علّه ينتزع لاحقاً تنازلات حول تنحي بشار الأسد من دون أن يظهر ذلك بمثابة هزيمة لفريقه او انتكاسة لموسكو.

بيد أن جداول أعمال او أجندة الأطراف الاخرى تجعل المسألة مثل “الشوربا الصينية” إذ يمكن لطهران المهيمنة على القرار في دائرة الحكم الأولى في دمشق أن تعطل أي حل لا يلائمها، أما الرياض وأنقرة والدوحة كما باريس ولندن، فتجد نفسها جاهدة لمنع واشنطن من تقديم تنازلات مجانية لموسكو على حساب مطالب المعارضة السورية حول مصير الرئيس السوري او حول صلاحيات الحكومة الانتقالية.

أما بالنسبة إلى المشاركين فزيادة على مشاكل تمثيل النظام ووفد المعارضة، تمثل مشاركة إيران عقبة بحد ذاتها ويحاول “المحنك” كيري إقناع لافروف “المتشبث” بصيغة تمثيل لطهران والرياض كدول مراقبة تحضر الجلسة الافتتاحية.

إنّ الغموض الهدام في صيغة “جنيف – 2” يهددها فعلا قبل بدء المسار، وما العجلة من الرئيس اوباما إلا لتهدئة النقاش الداخلي حول الكارثة السورية، اما قبول بوتين فلا يعدو كونه وسيلة لكسب الوقت وتكريس الغلبة الروسية التعطيلية في هذا الملف. على ضوء هذه الوقائع والاحتمالات، يبدو هذا المؤتمر نقطة انطلاق في مسار شائك وطويل وليس بداية النهاية للصراع السوري.

جامعي وإعلامي لبناني

الجمهورية

المؤتمر الدولي: موسكو.. واشنطن تقطيع وقت أم إعادة تموضع وتقاسم نفوذ؟

خالد ممدوح العزّي

في مقابلة أجرتها صحيفة “روسيسكايا غازيتا” مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتاريخ 20 أيار 2013 قال: “لا أحد يمكنه أن يفرض على روسيا ويحدد لها تاريخ عقد مؤتمر دولي بالشأن السوري وخصوصاً أن روسيا تحاول إشراك دول الجوار في هذا المؤتمر وتحديداً السعودية وإيران.

لكن هذا التلكؤ الروسي في تحديد موعد عقد المؤتمر الدولي لحل الإزمة السورية، والتي سعت روسيا لعقده سريعاً، إنما ما فرض على روسيا العمل على التأخير لعقده هو انتظار النتائج العسكرية على جبهة القصير ودرعا التي تشهد معارك كسر عظم نظراً لإهميتهما الجغرافية والسياسية كورقة في عملية التفاوض القادمة بين روسيا وأميركا.

روسيا تحاول فرض أمر واقع أثناء اللقاء القادم بين بوتين أوباما في 6 حزيران القادم ومن ثم فرض بنود أساسية في مؤتمر جنيف 2، موسكو تحاول الذهاب الى المؤتمر الدولي بشروط واسعة تفرضها على المعارضة السورية والتي تقوم على إبقاء الأسد في السلطة حتى عام 2014 كرئيس كامل الصلاحية، ومن دون النقاش بهيكلية الجيش وتركيبة الأجهزة الأمنية، بذلك تفرض روسيا معادلة عمل عليها الأسد منذ اندلاع الثورة “الأسد أو الدم”، روسيا تحاول إعطاء فرصة جديدة للنظام من خلال استخدامه للملف الأمني والعسكري فالدمار والقتل هما شروط حسم المعركة.

لقد وضعت روسيا سقفاً سياسياً لعملية التحاور من خلال الانتصارات العسكرية التي وعد النظام بها وخاصة في جبهة القصير.

صقور الكرملين يحاولون الدخول في المعادلة الدولية الجديدة من باب القوة العسكرية والقدرة المالية للحفاظ على الجيوسياسة الروسية الحديثة لأن عملية احتلال العاصمة الجورجية “تبيليسي” عام 2008 كانت البداية في العربدة الجديدة في حلبة الصراع الدولية.

إن العملية العسكرية على مدينة القصير والتي يشنها النظام مع حلفائه، ما كانت لتتم لولا الإشارة الروسية، والتي تحاول من خلالها إجبار المعارضة السورية على الاستسلام لشروط موسكو التي فرضت نفسها على العالم بكونها تملك مفتاح حل الأزمة السورية وبتواطؤ أميركي.

فالروس مارسوا هكذا عمليات في حربهم القديمة وفي الحرب الجديدة التي افتتحتها في العملية المشهورة ضد مدينة غروزني ليلة عيد رأس السنة عام 1994 ودمرت المدينة مما أجبر المقاتلين والسكان على الخروج منها بواسطة أنابيب الصرف الصحي بعد صمود بطولي بوجه آلة الحرب الروسية. وأيضاً كررتها ضد جورجيا.

الروس يعلمون جيداً بأن أي سيطرة لقوات النظام السوري، لا يمكن أن تتم الا بالتدمير الكامل للمدن من أجل السيطرة عليها، كما حدث في مدن وقرى إقليم الشيشان.

أثناء زيارة وزير المخابرات الروسية مخيائيل فرفتكوف الى سورية العام الماضي كانت إشارته واضحة لذلك والذي عبر عنها بسؤاله للقيادة السورية، متى يمكنه تناول الغذاء في حمص.

وحمص هي المنطقة التي تعوم على بحر من الغاز، إضافة لكونها تمنع إقامة شريط أو جيب علوي في داخل الدولة السورية مرتبط بلبنان البقاعي، والساحل السوري ذي اللون العلوي, لبناء الكانتون الطائفي ريثما يتم التوصل الى تسوية بعد أن فشل الروس في تحقيقها طوال الفترة السابقة.

مشكلة المؤتمر الدولي

المشكلة ليست في توقيت المؤتمر أو مكان انعقاده، لأن عقد مؤتمر دولي أمر غير صعب… الصعوبة تكمن في الاتفاق على المشاركين فيه، وعلى جدول أعماله وسبل إلزام أطراف الأزمة بتنفيذ مقرراته…

لمجرد التفكير بعقد مؤتمر دولي بين روسيا وأميركا يعتبر العديد من المحللين بأن ضوابط حل الأزمة بدأت بالحلحلة في سورية وأنهت حربها المتصاعدة، لكن مع تطور المعارك في القصير يثبت بأن الأزمة بدأت تأخذ أبعاداً خطيرة، فالدعوة للمؤتمر جاءت بطريقة غامضة وخلافية أبرزتها السجالات على منابر الجمعية العامة للأمم المتحدة عند التصويت على تمثيل الائتلاف الوطني السوري، فعلت صرخات روسيا التي عارضت قرارات الجمعية، والاتفاق الشكلي على عقد مؤتمر نهاية الشعر مكمل لمؤتمر جنيف الأول والذي يؤكد على بنوده الخلافية والتي لم يتم تنفيذ أي بند منها. فهل البلدان يحاولان الالتفاف على المعارضة وثورة الشعب الثائر طوال العامين.

إن التفاهم الأميركي- الروسي الجديد على عقد مؤتمر دولي يبرز سريعاً للأذهان سؤال هل هذا الاتفاق سوف يؤدي الى تقاسم النفوذ في سورية، من خلال إصرار الطرفين الحفاظ على وحدة الاراضي السورية والعمل على الحل السياسي من دون قيد أو شرط، وعلى ماذا الاتفاق بالاصل، فالاتفاق الروسي – الأميركي يقع ضمن تقسيم المنطقة على اسس مذهبيه وعرقيه التي تشجع على الحرب السنية الشعية من خلال شرعنتها الدولية وخاصة بظل القرار الايراني الذي يصر على اقامة هلال نفوذ شيعي يمتد من افغانستان حتى لبنان، ولذلك دخلت ايران المعركة مباشرة في سورية والتي اعتبرتها طهران معركتها وخط دفاعها الأخير.

فالمجزرة الأخيرة التي وقعت في قرية البيضا في بانياس تؤكد عملية التطهير العرقي الذي يقوم به النظام السوري في الوقت الذي تعمل روسيا على رعاية محور “الممانعة” والتي توفر له السلاح والغطاء السياسي والدبلوماسي. فإيران التي تقود الحرب في سورية لا يمكنها دفع فاتورة هذه الحرب الباهظة مالياً ومعنوياً وسياسياً لولا مساعدة روسيا. لقد أصبح موقف روسيا تجاه الأزمة السورية مثيراً ومدهشاً للغاية وللاستغراب بكل معايير الكلمة.

بالرغم من أن الدول العالمية تنظر للأزمة السورية وحلها من خلال مصالحها الخاصة وليس من معاناة ومأساة الشعب السوري، لكن مأزق هذه الدول أنها لم تعد تتحكم بالأزمة السورية لأنها ارتبطت بدول المحاور والتي فرضت نفسها على حلولها.

ولم تعد مفهومة تمسك روسيا بالأسد وإصرارها على دعم نظام الاسد رغم الخسائر التي تسبب على المديين القريب والبعيد، لأن الخيارات الروسية أصبحت غير مقبولة في التسويق والعرض، فالمعارضة لم تعد تثق بروسيا حيث تتمسك بالحوار السياسي والتفاوض مع إبقاء الأسد في السلطة.

روسيا لا تعترف بالمعارضة السورية ولا تريد أن تعترف بها بل حاولت أن تعاقبها وتصفها بالمعارضة المأجورة، بالرغم من ادعائها في بعض الاحيان بان روسيا لا يهمها الاشخاص بل الشعب السوري وبالتالي هو الذي يقرر مصيره لكنها تحاول الإصرار على أن بشار الأسد هو جزء أساسي في أي حل ولا يمكن القبول بتنحيه، وهنا تكمن الازدواجية في الخطاب السياسي الروسي الذي يتم فيه تقاسم الأدوار فهذا يعني بأن الروس ذاهبون بالتشدد أكثر فأكثر بالملف السوري والذي يتم احتجازه رهينة من قبل صقور الكرملين من أجل تحقيق مكاسب مالية واقتصادية وبسط نفوذ جيو-سياسي على حساب الشعب السوري.

فالملفات العالقة كثيرة بين الروس والأميركيين. فالروس يحاولون إجراء الصفقة الكبيرة أثناء لقاء بوتين أوباما لذلك لا وجود لأي تصور روسي علني لما تريده روسيا للافراج عن الملف السوري.

بوتين ذاهب الى اللعب على شعور القوميين الروس من خلال العودة الى الحلم القيصري القديم بأن روسيا امبراطورية كبرى ذات نفوذ دولي، وهو يحاول إعادة التاريخ الى الوراء في انتزاع ما خسرته روسيا أثناء انحلال الاتحاد السوفياتي وعودتها الى الساحة الدولية كقطب عالمي.

المستقبل

إسرائيل تشارك إيران دعم الأسد في جنيف؟!

راجح الخوري

يبدو أن سيرغي لافروف تمكن أخيرا من لي ذراع جون كيري فيما يتصل بالأزمة السورية؛ فالحديث عن تراجع أميركا عن مواقفها وابتلاعها كل إعلاناتها الأخيرة عن أن لا مكان لبشار الأسد في الحكومة الانتقالية وأنها ستقبل تسوية تكفل بقاءه حتى انتهاء ولايته ومشاركته في الانتخابات المقبلة، إنما يعني أن واشنطن استسلمت أخيرا لموسكو!

المعارضة السورية ترفض بالطبع كل الهراء المتصل ببقاء الأسد رغم المقتلة الكبرى التي أنزلها بالسوريين، لكن وكالة «وورلد نت دايلي» الأميركية تنقل عن دبلوماسي فرنسي عريق، تعليقا على التراجع المتلاحق في مواقف واشنطن من الأزمة السورية يقول: «ليس غريبا على الأميركيين أن يبيعونا، إنهم معتادون على ذلك». والواقع أن تصريحات كيري بعد لقائه الأخير مع لافروف في باريس كشفت عن أنه يقترب من التفسير الروسي لإعلان جنيف، فقد قال: «إن البلدين ملتزمان بمبادئ اجتماع جنيف بشأن سوريا عام 2012 الذي دعا إلى تشكيل حكومة انتقالية بموافقة حكومة الرئيس الأسد وجماعات المعارضة»!

التراجع الأميركي لا يقف عند هذا الحد، وخصوصا إذا صحت الأنباء التي تحدثت قبل يومين عن أن كيري اتفق مع لافروف على إعطاء الطرفين في جنيف الحق في الاعتراض على مكونات الطرف الآخر، بما يعني إعطاء الوفد الذي سيشكله الأسد حق الاعتراض على أي عضو في وفد المعارضة، ولأن النظام يعتبر المعارضين جميعا من الإرهابيين سيظل يعترض على الأسماء ليكسب مزيدا من الوقت، في حين تبرز الآن مراهنته المستجدة على الحسم العسكري، وخصوصا بعد دخول الإيرانيين وحزب الله و«عصائب أهل الحق» العراقية، المعركة إلى جانبه!

إضافة إلى هذا، تشكل موافقة كيري على توسيع دائرة المعارضين بحيث تضم «معارضة الداخل» التي فبرك النظام معظم تلاوينها، مدخلا إضافيا لمحاصرة أي اتجاه في «جنيف – 2» لوضع نهاية لعهد الأسد وإسقاط النظام الذي جعل من سوريا بلدا مدمرا ومقبرة أسطورية. أما عندما تعلن موسكو أنها اتفقت مع واشنطن على أن دور الحكومة الانتقالية وما لها من الصلاحيات وموقع الأسد في المرحلة الانتقالية وما بعدها هي أمور يقررها السوريون أنفسهم من خلال الحوار، فإن ذلك يعني أن واشنطن تراجعت عمليا عن شرطها الذي كرره كيري دائما، أي ضرورة تنحي الأسد قبل بدء عملية الانتقال السياسي!

زيادة في الإثارة يقول نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، إن كيري تخلى أخيرا عن رفضه مشاركة إيران في المؤتمر، رغم أن الإيرانيين يقاتلون إلى جانب النظام مع أذرعهم العسكرية اللبنانية والعراقية، وليس من الواضح ما هو مبرر إشراك الإيرانيين في جنيف، وخصوصا مع وجود الظهير الروسي الذي يدعم النظام ويصر على بقاء الأسد، والذي يتولى حماية المذبحة منذ عامين ونصف العام، وقد أفشل «المبادرة العربية» وأغلق مجلس الأمن بالفيتو ثلاث مرات، كما أفشل كوفي أنان ومن بعده الأخضر الإبراهيمي.

لا ندري إذا كانت موافقة أميركا على حضور إيران قد جاءت في مقابل موافقة روسيا على حضور إسرائيل «جنيف – 2»، وهو ما يشكل في الواقع قمة الإثارة، فقد أعلن غاتيلوف أن روسيا ترحب بمشاركة إسرائيل في المؤتمر، ربما لأن هذا يدعم جبهة الحريصين على بقاء النظام، ولئن كان شر البلية ما يضحك فيكفي أن نتخيل المندوب الإيراني جالسا إلى جانب المندوب الإسرائيلي ليتشاركا التمسك ببقاء الأسد ونظامه ترجمة للمواقف المعلنة في دمشق وتل أبيب وطهران.

ففي دمشق ارتفعت مع بداية الثورة ومن داخل الأسرة الحاكمة، أصوات تقول إن سقوط النظام سيؤذي إسرائيل وينهي ذلك الهدوء المديد المستمر في الجولان منذ فك الاشتباك عام 1967، وفي تل أبيب طوفان من التصريحات التي طالما تخوفت من سقوط النظام السوري المريح، وقد جهدت الدوائر الصهيونية لتعطيل الموقف الأميركي وترك الساحة للروس في دعمهم للأسد، أما إيران التي تعتبر أن «سوريا الأسد» هي الولاية الإيرانية رقم 35، فليس غريبا أن تقاتل إلى جانب النظام الذي تديره كما تدير بلدية طهران!

وسط هذه الخريطة العجيبة ليس من الواضح أولا: كيف يمكن للمعارضة أن تذهب إلى مؤتمر يطالبها بالإذعان.. وادفنوا قتلاكم وعودوا إلى بيت الطاعة الأسدي؟ وثانيا: كيف يمكن تصديق أو تفسير تخريجات السيد حسن نصر الله الذي اعترف أخيرا بدخول الحرب إلى جانب الأسد، ليس دفاعا عن المقامات الروحية فحسب، بل «لحماية ظهر المقاومة من إسرائيل»، لكن إسرائيل تبدو شريكا مضاربا في الدفاع عن الأسد يقف في خندق واحد مع الإيرانيين والروس!

الشرق الأوسط

إيران وإسرائيل إلى جنيف – 2؟!

    راجح الخوري

اذا كان الاسرائيلي سيجلس بجانب الايراني الى مائدة المفاوضات في مؤتمر “جنيف – 2” لحل الازمة السورية، فما معنى كل ما قيل ويقال منذ عامين ونيف، عن ان اسقاط نظام بشار الاسد هو مؤامرة كونية لضرب جبهة المقاومة والصمود التي تواجه اسرائيل؟

كان مثيراً تماماً ان يقول نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف لجريدة “الحياة”، ان روسيا ترحب بمشاركة اسرائيل في مؤتمر جنيف،  وقد جاء هذا الترحيب في موازاة قول جون كيري انه لا يرفض مشاركة ايران في المؤتمر لتكتمل قصة وافق شن طبقة!

في اعتقادي ان الموقفين الاميركي والروسي ليسا مسخرة المساخر فحسب، بل هما عنصران ضروريان لابقاء الجدال حول هذا المؤتمر، الذي كان سيرغي لافروف هندس شروطه في حزيران من العام الماضي، بحيث يشكل دائماً وصفة صالحة لشراء الوقت للاسد كي يمضي في الحل العسكري، الذي حوّل سوريا مقبرة كبرى يشكل الضمير العالمي اكبر الجثث فيها!

والسؤال: لماذا التفكير في هذا، وهناك، على ما يبدو، من فكر ملياً وطالب بضم اسرائيل الى المؤتمر؟ هل لأن اصواتاً من داخل العائلة الحاكمة في سوريا بكّرت في القول، ان سقوط النظام سيضر بمصالح اسرائيل عندما ينتهي ذلك الهدوء الطويل والمستمر في الجولان، على رغم ان تهديدات دمشق ضد الاحتلال وعلى نية فلسطين كانت دائماً تشق عنان السماء؟

ولماذا التفكير في دعوة ايران الى المؤتمر، وهي التي تقاتل الى جانب النظام وتدفع “حزب الله” و”عصائب اهل الحق” العراقية الى المعركة، رافعة شعار انها لن تسمح بسقوط نظام الاسد ، في وقت يصف البعض في طهران سوريا بأنها الولاية الايرانية الرقم 35، هل لأن الاسد يحتاج الى ظهير يدعمه في جنيف؟ ولكن ماذا يفعل الرفيق لافروف الذي بات ضرة وليد المعلم في الخارجية السورية والناطق الرسمي باسم النظام؟

واذا صحّت الانباء التي تحدثت عن تسليم جون كيري بتوسيع دائرة المعارضين لتشمل معارضة الداخل التي فبركها النظام، وعن موافقته على نظرية لافروف منح حق الاعتراض للطرفين الذاهبين الى جنيف، بما يعني اعطاء وفد الحكومة حق الاعتراض على مشاركة أي عضو في وفد المعارضة، واذا تذكرنا ان النظام يعتبر كل المعارضين من الارهابيين، عندها يمكن القول ان مؤتمر “جنيف – 2” فاشل قبل ان يعقد، وربما لن يعقد باعتبار ان المعارضة التي دفعت كل هذه الاثمان لن تقبل بالذهاب الى مؤتمر هدفه اقناعها بقبول استمرار النظام وعلى رأسه بشار الاسد. والخلاصة ان الادارة الاميركية – الروسية المشتركة للازمة  السورية تشتري وقتاً جديداً لمزيد من القتل!.

النهار

جنيف2 وما بعده.. مسلسل طويل وأسئلة صعبة

                                            ياسر الزعاترة

ما من أحد يملك إجابات شافية حول أسئلة المستقبل في سوريا، لا النظام ولا المعارضة ولا روسيا ولا إيران ولا أميركا، بل ولا حتى الكيان الصهيوني الأكثر جنيا للأرباح في هذه المعركة التي تستنزف إيران وحزب الله وتركيا وربيع العرب، وتخلق فتنة سنية شيعية قد تتحول إلى حرب فعلية، فضلا عن تدميرها لبلد له دوره المحوري في الصراع، وكل ذلك بسبب نظام مجرم رفض الإصغاء لصوت الشعب، وساعدته في ذلك إيران وحلفاؤها في موقف لا يمت إلى العقل ولا إلى الأخلاق بصلة.

لا الثوار قدَّروا أن المعركة ستطول على هذا النحو، ولا النظام وداعموه اعتقدوا بأنهم سينتهون إلى هذا الوضع البائس الذي لا يشك عاقل في أنه أسوأ بكثير من أية تنازلات كان يمكن أن يقدموها في بداية المعركة، وتوفر لهم مخرجا جيدا إلى حد ما.

ربما قدّرنا منذ البداية أن المشهد السوري يحاكي المشهد الأفغاني من حيث الاستنزاف الطويل، وإن أمّلنا أن يكون الحسم أسرع لصالح الثوار، لكن حجم الدعم الهائل من إيران وروسيا، معطوفا على التواطؤ الغربي ضد الثوار بالضغط لمنع السلاح النوعي عنهم، فضلا عن تشتت قوى الثورة، وخلافات الداعمين.. كل ذلك أدى إلى ما نحن عليهم اليوم.

الآن تبدو أسئلة التسوية أكثر إلحاحا على المشهد السياسي من أسئلة الحسم العسكري -أقله في المدى القريب- دون استبعاد مفاجآت غير محسوبة (انقلاب أو انهيار مفاجئ للنظام)، وقد حدث ذلك بسبب بعض التقدم الذي أحرزه النظام خلال الأسابيع الأخيرة في عدد من المحاور، وإن راوح مكانه، وخسر أيضا في أماكن أخرى، الأمر الذي يعود إلى تدخل أكثر وضوحا وقوة من طرف إيران وحزب الله، بعضه جاء لتأمين وضع أفضل في المفاوضات، وبعضه من أجل انتخابات رئاسة إيران منتصف يونيو/حزيران المقبل، وبعضه الآخر من أجل تأمين ممرات الدويلة العلوية كخيار أخير، كما هو حال معارك حزب الله في القصير.

وقد بدت أسئلة التسوية أكثر إلحاحا منذ الاتفاق الروسي الأميركي على عقد مؤتمر دولي لأجل سوريا نهاية مايو/أيار الجاري، قبل أن يتأجل إلى مطلع يونيو/حزيران المقبل، الأمر الذي فَهم منه البعض وجود إرادة لإيجاد حل سياسي للأزمة، ربما لأن العامل الجهادي الذي يجمع هواجس واشنطن إلى هواجس موسكو، قد بات أكثر وضوحا بعد إعلان البغدادي، ومن ثم بيعة الجولاني (زعيم النصرة) للظواهري.

لم يكد الإعلان يصدر من موسكو في لقاء كيري-لافروف حتى عادت الخلافات تطل برأسها من ثنايا التصريحات المتباينة للمسؤولين الأميركيين فيما خصَّ مصير بشار، فضلا عن تفاصيل كثيرة تخص المؤتمر الدولي ومن سيحضرونه.

بمرور الوقت تبدو أسئلة المؤتمر الأولية في طريقها إلى الحل، أعني حضور النظام (أعلنت موسكو أن النظام من حيث المبدأ وافق على الحضور)، ومن ثم حضور المعارضة (أعلن الائتلاف أنه سيحضر إذا وضع تنحي بشار ووقف العنف على جدول الأعمال، ولا يعتقد أن ثمة مشكلة في وضع بندين من هذا النوع)، فضلا عن مواقف تركيا والعرب الداعمين للثورة الذين اجتمعوا في عمّان وخرجوا يؤيدون المؤتمر، وإن أكدوا على ما أعلنوه في اجتماع أبوظبي حول رفض أي دور لبشار الأسد في سوريا المستقبل، دون نفي واضح لاستمرار وجوده في البلد خلال المرحلة الانتقالية. وتبقى قضية حضور إيران للمؤتمر والتي لا يُعتقد أنها ستشكل عائقا أمام انعقاده، بصرف النظر عن النتيجة في ظل حضور وفد عن النظام السوري، وهو لن يبرم أمرا دون استشارتها في واقع الحال.

هنا، برز تطور لافت يتعلق بتصريح لافروف بأن عقد المؤتمر لن يكون “مسألة سهلة”، ثم الحديث عن اتفاقه مع كيري في لقاء باريس على استثناء الأمن والجيش والمخابرات والبنك المركزي من مباحثات جنيف، الأمر الذي يثير أسئلة بالغة الحساسية حول دور الحكومة الانتقالية في هذه المرحلة.

على أي حال، فإن مجرد عقد المؤتمر قد لا يشكل معضلة كبيرة، وإن تأخر لزمن لا يُعرف مداه، دون استبعاد التأجيل الطويل، أو حتى الإلغاء إذا استمرت التناقضات حول محتواه. لكن السؤال يتعلق بالنتائج التي يمكن أن يتوصل إليها، وما إذا كانت قابلة للتطبيق من الأصل أم لا.

وبينما نتذكر ابتداءً أن الفكرة الجوهرية في المؤتمر تتعلق بحكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، فإن أسئلة كثيرة ستكون مطروحة بشأن تلك الحكومة، ودور بشار فيها، وما إذا كانت ذات ولاية على الجيش والمؤسسة الأمنية أم مجرد حكومة عادية على شاكلة حكومات بشار الأسد التقليدية كما فهم من اتفاق كيري-لافروف المشار إليه آنفا.

ونتذكر هنا أن بشار هو من رفض الحكومة الكاملة الصلاحيات عندما كان في وضع أسوأ مما هو عليه الآن، فهل يمكن أن يقبل بها وهو يشعر بأن ميزان القوى بدأ يتغير لصالحه، أقله في المرحلة الأخيرة؟!

ثم، ماذا عن موقف المعارضة؟ هل سيكون بوسعها فرض وقف القتال على المجموعات العاملة على الأرض إذا تم الاتفاق على الحكومة الانتقالية؟ وماذا سيكون الرد لو عجزت عن ذلك -وهي ستعجز على الأرجح- أقله في المرحلة الأولى؟

أسئلة كثيرة لا توجد لها إجابات واضحة، ولما كان الأمر كذلك، فإننا سنكون أمام عملية سلام أشبه بعملية السلام في المسار الفلسطيني (مفاوضات بلا نتيجة)، وقد تكون هناك اجتماعات جنيف3 وجنيف4، ومبادرات أخرى قد لا تتوقف، لا سيما أن الخيار الإسرائيلي الذي يحكم هواجس واشنطن ما زال على حاله في الموقف من إطالة المعركة بوصفها فرصة كبيرة لتحقيق مكاسب كبيرة تحدثنا عنها في البداية.

والحقيقة أن العائق الأكبر الذي سيواجه المؤتمر يتمثل في موقف النظام وداعميه -خاصة إيران- من تفاصيل التسوية، إذ سيرون أن من الضروري ترجمة تقدمهم الأخير في الميدان على طاولة المفاوضات، بينما سيرفض ممثلو الثورة ذلك، لا سيما أنهم ليسوا في وضع هزيمة حتى لو حدث بعض التراجع هنا أو هناك، وإن كانوا حريصين على تسوية توقف شلال الدم والتدمير إذا كانت ستنتهي بتغيير الوضع العام في البلاد نحو تعددية حقيقية لا مكان فيها لعتاة القتلة والمجرمين مثل بشار ومن يحيطون به، لأن التعايش معهم سيكون مستحيلا بكل المقاييس.

من هنا، يبدو أن الرد على ذلك ينبغي أن يأتي من تركيا والعرب الداعمين للثورة، بحيث يجري تقديم المزيد من الدعم والسلاح للثوار من أجل تغيير ميزان القوى على الأرض بما يسمح بترجمة ذلك في الموقف التفاوضي، لكن عموم الموقف قد يفضي في نهاية المطاف إلى مسارات يصعب التكهن بها أيضا، إن كانت هزيمة النظام ودخول حالة من الفوضى التالية، أم هروب العلويين نحو دويلتهم الخاصة، وتبعا لها دويلة كردية، أم بقاء البلد موحدا مع صراع بين فصائل الثوار قبل الوصول إلى تسوية الوضع من خلال حكومة انتقالية تليها انتخابات.

نعود إلى القول إن أسئلة المستقبل في سوريا باتت أكثر تعقيدا، وهي لم تعد تخص البلد وحده، إذ يمكن أن تشمل العراق ولبنان أيضا، بل وعموم المنطقة، ولا أحد يملك القدرة على التنبؤ بالتداعيات التالية. لكن المؤكد أن تاريخا جديدا يكتب في هذه المنطقة بدماء الشعب السوري، ولن يكون بالإمكان إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وسيدرك من وقفوا خلف الطاغية -ولو بعد حين- أي جريمة ارتكبوها بحق الأمة، وبحق أنفسهم أيضا.

الجزيرة نت

إذا فشل “جنيف – 2

    علي بردى

يسعى وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى اقناع نظيره الروسي سيرغي لافروف بخطة طريق لتسوية الأزمة في سوريا. بيد أن موسكو تبدو ثابتة في مواقفها المبدئية. لا تبدو مستعدة لتقديم هدايا في مقابل تنازل واشنطن عملياً عن مطالبتها بتنحي الرئيس بشار الأسد شرطاً لاطلاق عملية انتقالية سياسية سلمية ومتفاوض عليها. تتحرك الديبلوماسية في هوامش ضيقة تحسباً للعواقب التي قد تنجم عن فشل المؤتمر الدولي المرتقب الشهر المقبل في جنيف.

يستعجل نظام الرئيس بشار الأسد وحلفاؤه احراز نصر عسكري مستحيل. تحاول المعارضة المسلحة المحافظة على مواقعها. كيف يقرعون طبول الحرب ويلهبون الجبهات قبل أن يذهبوا الى التفاوض بـ”نيات حسنة” في جنيف؟ سمّت السلطات السورية فريقها المفاوض. غير أن المعارضة لم تستطع حتى الآن اختيار قيادة موحدة تجمع التناقضات الكثيرة بين “الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” و”المجلس العسكري الأعلى” و”الجيش السوري الحر” والتشكيلات المختلفة من اللجان والتنسيقيات المحلية والثورية في الداخل. تعكس هذه الجماعات بذاتها أيضاً حال التفكك الذي تعانيه سوريا. يكاد هذا البلد يتلاشى تحت وطأة الإنقسامات الطائفية والعرقية. بأي طريقة يمكن أن يطبق أي اتفاق في حال التوصل اليه؟ أياً تكن التساؤلات، تستحق الأزمة السورية بذل كل جهد ديبلوماسي ممكن لايجاد خطة سلام واضحة وقابلة للتطبيق. الخيارات الأخرى كارثية. لا يقع على الولايات المتحدة وروسيا وحدهما عبء تحقيق تسوية ناجزة في سوريا. فشل مؤتمر جنيف الأول بعدما أخفقت الأولى في ايجاد اطار موحد للمعارضة واقناعها بالتفاوض مع النظام، وبعدما أخفقت الثانية في تليين مواقف الرئيس الأسد من مشاركة المعارضة فعلاً في الحكومة الإنتقالية. يتطلب نجاح مؤتمر جنيف الثاني تكليف وفد رسمي حكومي يمكنه اتخاذ قرارات حاسمة نيابة عن الرئيس بشار الأسد. تكاد هذه المهمة تكون مستحيلة. في المقابل يبدو شبه مستحيل جمع قوى المعارضة تحت لواء واحد على رغم الصفات الإستثنائية التي يتمتع بها رئيس أركان “الجيش السوري الحر” العميد سليم ادريس في نظر كثيرين. تتطلب فرص النجاح ممارسة ضغوط جديّة كافية على أطراف الحرب لمساعدتهم أولاً على التفاوض على بدء العملية السياسية، وثانياً على التوصل الى وقف للنار.

تتطاير الشرور من سوريا الى دول الجوار. يتعرض لبنان لخطر لا سابق له بعدما دخل “حزب الله” وبعض المجموعات اللبنانية الأخرى مباشرة وعلناً في المستنقع السوري. يدفع العراق مجدداً الى حافة الحرب الأهلية على وقع تعمّق الإنقسامات السنيّة – الشيعية. يجهد الأردن لمواجهة “تهديدات وجودية” لعدم تحمّله المزيد من اللاجئين. تحار تركيا كيف تتلافى الكؤوس المرة التي تقدم اليها عبر الحدود. أما اسرائيل، فلا تجد في وسعها إلا المزيد من الإستعداد للتعامل مع الفوضى التي تستحكم من حولها.

إذا فشل مؤتمر جنيف الثاني، سوف تضطر الولايات المتحدة الى خيارات معقدة ليس أقلها فتح باب المساعدات العسكرية للمعارضة وفرض حظر طيران فوق أجزاء من سوريا.

النهار

حرب القصير من طرابلس إلى الأنبار والموصل!

جورج سمعان

لا يمكن اعتبار مؤتمر «جنيف – 2» محطة مفصلية على طريق إيجاد تسوية سياسية في سورية. لم يُبْدِ طرف واحد من المعنيين حتى الآن مسحةَ تفاؤل بنتائجه المتوقعة، لا قبل انعقاده ولا بعده، ليس لأن الأزمة عصية على الحل، بل لأن ما يجري ميدانياً من قتال وفرز وتطهير وأرض محروقة يرسم خريطة جديدة للبلاد ويتجاوز الأهداف المتوخاة من المؤتمر، ولأن البلاد تحولت قبلة لشتى أنواع حركات «الجهاد»، ولأن المتصارعين في الداخل، وإن اختاروا ممثليهم إلى طاولة التفاوض أو الحوار، إنما يتوجهون إليه تحت شعارين: المعارضة تريده مقدمة لتنحي الرئيس بشار الأسد ورحيل نظامه وتشترط وقفاً لإطلاق النار. والرئيس وفريقه وحلفاؤه في الداخل والخارج ينشـــطون مـــيدانياً لتـــأكيد قـــدرتهـــم عـــلى الحسم وبقاء النظام تالياً، كما أن مناصري الطرفين في الخارج هم الذين يتحدثون باسمهما ويحددون لهما الأجندة والمواقف المطلوبة، أي أن إيران تقرر وتتمسك ببقاء حليفها، و «أصدقاء» المعارضة يغرقونها بجملة من الخطوات والمطالب.

لذلك تبدو الأزمة عصية على الحل، لأن ما يجري لم يعد يقتصر على مدى رغبة المتصارعين في الداخل وقدرتهم على القرار، بقدر ما باتت التسوية جزءاً من تسويات أكبر تنتظر جملة من المحطات والاختبارات، حتى أنها لم تعد تتعلق بالقوتين الأساسيتين، الولايات المتحدة وروسيا وحدهما، فالخلاف على القوى الإقليمية المدعوة إلى المشاركة في جنيف يشي ببساطة أن ثمة أطرافاً أخرى يجب أن تتفاهم في ما بينها أولاً، على أن يشمل هذا التفاهم الأزمة السورية وملفات أخرى كثيرة معلقة في الإقليم، أي أن المؤتمر الدولي الذي يمكن أن يشكل بداية تفاهم بين واشنطن وموسكو، يجب أن يشكل أيضاً بداية تفاهم بين القوى الإقليمية النافذة، مثل تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية وقطر ودول عربية أخرى، وهذا ما لا تشير إليه التطورات حتى الآن. حتى لا نتحدث عن غياب أي تفاهم بين أميركا والجمهورية الإسلامية التي تلقي بثقلها كاملاً، سياسياً وعسكرياً، خلف الرئيس الأسد، وخلف حكومة نوري المالكي وخلف «حزب الله»! وحتى لا نتحدث عن موقع إسرائيل وموقفها من مستقبل الوضع.

ليس جديداً أن النظام يستعد للمؤتمر الدولي بالسعي إلى تحقيق انتصارات على الأرض في القصير وغيرها، لقلب ميزان القوى على الأرض وفي جنيف أولاً وأخيراً. والهدف إطاحة فكرة التغيير أو الانتقال السلمي للسلطة، في حين أن المعارضة تجد نفسها بين نارين أو ضغوط يصعب تجاوزها: «الأصدقاء» يطالبونها بوقف الحديث عن «رحيل» الرئيس السوري قبل «جنيف – 2»، لئلا تتحمل المسؤولية عن فشله أو عدم عقده. ولا يبدو أن طرفاً منهم قادر على إعطائها ضمانات مسبقة لرحيله. يكتفي بعضهم أو جلهم بالإعلان أن لا دور للرئيس الأسد في مستقبل سورية. في المقابل، يرفض المقاتلون في الداخل التوجه إلى المفاوضات من دون هذه الضمانات. علماً أن كل المعنيين بالمفاوضات لا يملكون أي سلطة على المجموعات المتشددة والفاعلة التي ترفض أي حوار وأي تسوية، وتلتقي مع النظام في «إيمانها» بأن الحسم العسكري قادم مهما طال القتال!

المعارضة إذن أمام تحدٍّ مفصلي: يجب ألا تكون مسؤولة عن «نسف» المؤتمر، وأمام تحديات أخرى قديمة جديدة تتعلق بتنظيم صفوفها لإقناع «أصدقائها» قبل الآخرين بقدرتها على إدارة الصراع بقرار واحد، سياسي وعسكري. وأمام الائتلاف في إسطنبول هذه الأيام جملة من المهمات، وإذا كان نجح في توسيع دائرته بضم مزيد من القوى الديموقراطية الليبرالية والشخصيات المستقلة ليقيم نوعاً من التوازن مع كتلة «الإخوان» الراجحة اليوم في تركيبته، فإن عليه اختيار رئيس وقيادة جديدين، ثم إلغاء الحكومة برئاسة غسان هيتو، فالتوافق على انتداب ممثليه إلى مؤتمر جنيف واعتماد المواقف المطلوبة فيه.

السوريون ليسوا وحدهم منشغلين بالمؤتمر، فلقد تحول الشغلَ الشاغل لمعظم الأطراف الآخرين المعنيين، يتلمسون الطريق إليه كمن يرجم بالغيب. وزيرا الخارجية الأكثر حماسة، الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، يلتقيان اليوم في باريس لاستقراء آخر المواقف ووضع اللمسات التي لن تكون الأخيرة. ووزراء الخارجية الأوروبيون يجتمعون اليوم في لوكسمبورغ للبحث في العقوبات على سورية. وأمامهم أساساً الموقف البريطاني – الفرنسي الداعي إلى رفع الحظر عن تصدير السلاح إلى المعارضة. وبات واضحاً أن الساعين إلى التسليح يستعجلون قراراً في هذا المعنى لاستعجال المعارضة نحو وحدتها وتنظيم صفوفها، وللتلويح للنظام من أجل دفعه إلى أخذ المؤتمر على محمل الجد. ومن أجل رفع هذه الورقة في وجه حلفاء دمشق، خصوصاً روسيا، إذا فشل «جنيف – 2». بالطبع يتمنى «الجيش الحر» مده بالسلاح قبل الجلوس إلى الطاولة لعله يبدل في ميزان القوى، ويبدل تالياً في النتائج السياسية وصورة المرحلة الانتقالية. ولا تغيب هنا مخاوف كثيرين من أن تؤدي سيطرة النظام و «حزب الله» على مدينة القصير إلى عرقلة المؤتمر وربما إطاحة أي فرصة لتسوية سياسية مستقبلاً.

على رغم هذه المعطيات، يمكن القول إن واشنطن وروسيا فتحتا الطريق إلى جنيف، على وقع الشروط الروسية. وهو ما أربك المعارضة السورية و «أصدقاءها» العرب والأوروبيين وهز ويهز صفوفهم. صحيح أن الرئيس باراك أوباما لا يرغب في انهيار سورية بقدر ما يرغب في تسوية سياسية. ولا يرغب في أن يرى إليها تقع في ما وقعت فيه بلاد مر بها «الربيع العربي». لكن الصحيح أيضاً أنه يرغب في شق طريق طويل من التفاهم مع الكرملين يتجاوز الشرق الأوسط إلى ملف إيران النووي، وقضايا آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وبحر الصين، وغيرها من الملفات المعروفة.

إن نظرية سياسة استنزاف النظام السوري وإيران و «حزب الله» والقوى السنية المتطرفة استهلكت. لقد أفادت الإدارة الأميركية منها فعلاً، سواء اعتمدتها سياسة واضحة أم وفر لها هذه الخدمة خطأ حساباتها في توقع سريع لسقوط نظام الأسد كما حصل في تونس ومصر وليبيا. لكن استمرار الحرب في سورية وانزلاق قوى إقليمية عدة إلى هذا المستنقع بدأ يهدد مصالحها في المنطقة. وليس سراً أن الكونغرس وليس الجمهوريون وحدهم بات يمارس ضغوطاً على إدارة الرئيس باراك أوباما للتدخل عبر الشركاء والحلفاء من أجل التعجيل في رحيل نظام الأسد. وتشير مصادر على صلة بمجلس الأمن القومي إلى أن هذا المجلس بات يحذر الإدارة من تعرض المصالح الأميركية لخطر حقيقي. ولكن يبقى السؤال متى يتدخل الرئيس وكيف سيقرر شكل هذا التدخل. بالطبع لن يكون ذلك قبل قمته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. سينتظر سير «جنيف – 2» قبل أي تعديل في سياسته. وسينتظر أيضاً نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران التي لا يتوقع أن تبدل في سياستها ما دامت حصرت المنافسة بالمرشحين المحافظين.

لذلك بالتوازي مع السعي إلى تسوية لوقف الحرب في سورية أو على الأقل الحفاظ على الحد الأدنى من مواصلة السيطرة على إدارة الأزمة، تسعى إدارة أوباما إلى تهدئة الساحات التي ترقص على وقع هذه الحرب. نجحت موقتاً في دفع كردستان إلى التفاهم مع بغداد لعلها تخفف من غلواء المحافظات السنية فتخفض من سقف مطالبها وتعيد تقويم حساباتها وقوتها الميدانية. لكن الأمر لا يعدو كونه هدنة هشة. فإيران التي أجازت لنفسها ولـ «حزب الله» الخروج إلى سورية للدفاع عن حلف «الممانعة والمقاومة» تدفع خصومها العرب، والخليجيين منهم خصوصاً، إلى ممارسة «الإجازة» نفسها في الدفاع عن خصوم نوري المالكي وحكومته في الأنبار وشقيقاتها. وكلا «الإجازتين» وصفة لتأجيج التوتر المذهبي في الإقليم.

وتمارس الإدارة أيضاً ضغوطاً على الحكومة اللبنانية وأطراف الصراع لإجراء الانتخابات وعدم تأجيلها، ولقيام حكومة جديدة. ولعل جلسةَ الحكومة المستقيلة اليوم لتشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات البرلمانية واتخاذ التدابير اللازمة لإجرائها على أساس القانون النافذ، أي قانون الستين، وتَدافُعَ قادة الأحزاب والزعماء السياسيين والطامحين لتسجيل ترشيحاتهم، مقدمةٌ لطي صفحة التمديد لمجلس النواب القائم. وإذا حدثت هذه الأعجوبة فإنها لن تعدو كونها هدنة موقتة تبعد إلى حين انتقال حرب القصير إلى شمال لبنان وغير الشمال. وليس سراً أن لبنان بات يعيش على وقع انخراط «حزب الله» في الحرب السورية وتداعياته الداخلية. وإذا كان دوره مفهوماً في ضوء موقعه في «حلف الممانعة» وما يعنيه الجسر السوري لمستقبله، فإن دعوة أمينه العام حسن نصر الله خصومه اللبنانيين إلى تحييد بلدهم وملاقاته في الساحة السورية لا يغيبُ مخاوفَ بعض الدوائر اللبنانية من اختلال التركيبة الديموغرافية للطوائف والمذاهب وموازينها الدقيقة، في ضوء الأعداد الكبيرة للاجئين السوريين. فضلاً عن تبدل المزاج في المخيمات الفلسطينية. ولا يستبعد هؤلاء احتمال انتقال حرب القصير إلى الشمال بذريعة الدفاع عن جبل محسن وأهله… ولن تتأخر طرابلس والشمال عموماً في استدعاء المدد! ألم تكن حدود الانتداب الفرنسي لسورية قبل قيام لبنان الكبير تشمل طرابلس وحمص وحلب… والموصل التي كانت قبل ذلك أيضاً نقطة صراع دائم بين العثمانيين والصفويين؟

العلاج الوحيد والسريع لوقف الحرب في سورية وتدارك انتشارها في الإقليم، أن يتفاهم الأطراف الدوليون والإقليميون على تسوية تحظى بقبولهم جميعاً ليتسنى لهم فرضها على المتحاربين بالقوة، وإلا سقطت البلاد في الفوضى وسقطت معها الهدنة في العراق ولبنان… وحتى الآن لا يبدو في الأجواء سوى دخان الحرائق.

الحياة

مؤتمر جنيف ووقف سفك الدماء المتأخر

  فخري هاشم السيد رجب

مقالات سابقةإسرائيل وبس ماذا تريدون من سوريا؟ الشرق الأوسط الفوضوي المدمر قصص النازحة اللبنانية أم محمد الكيل بمكيالين مزيد من المقالات • لو تم الاتفاق على تنفيذ بنود اتفاق مؤتمر جنيف وقت صدوره، لكنا وفرنا الكثير من سفك الدماء السورية.. فلماذا المماطلة؟

إحياء مؤتمر بيان جنيف في 30 يونيو من العام الفائت، بعد تأخر دام اكثر من عشرة اشهر راح ضحيتها عشرات الآلاف من كل الاطراف في سوريا. ولو تم الاتفاق على البيان منذ ذلك الوقت لحافظنا على ارواح الأبرياء والممتلكات والبنية التحتية والحياة الكريمة، وقللنا من الكراهية بين سوريا الشقيقة والدول العربية.

من اهم بنود بيان جنيف ادانة اعمال العنف والقتل والتدمير وانتهاكات حقوق الانسان، واحترام سيادة سوريا واستقلالها، والعمل على تيسير بدء العملية السياسية، وان يلتزم كل الاطراف بوقف دائم للعنف، وتعزيز الموقف بمصداقية الحكومة السورية، والافراج عن كل الاشخاص المعتقلين بشكل تعسفي، وكفالة حرية تنقل الصحافيين، وتسهيل اصدار التأشيرات لهم والضغط على كل الاطراف المتنازعة للبدء بعملية انتقالية للسلطة، وان تقوم الحكومة السورية بتعيين محاور مفوض. ومن اهم النقاط هي معارضة اعضاء مجموعة العمل، وهم الدول المشاركة في زيادة عسكرة النزاع، ومع الاسف هذا البند لا يزال يُختَرق من قبل الدول المجاورة لسوريا، وبالاخص تركيا، حيث تتم عسكرة المسلحين هناك وتدريبهم وتسهيل انتقالهم للاراضي السورية، لزيادة عمليات القتل واحراق الأخضر واليابس.

لو تم الاتفاق بشكل جدي على هذه النقاط الجوهرية لبيان جنيف لوفرنا كثيراً من ارواح الشهداء، ووفرنا اموالا تكفي لتغذية فقراء افريقيا والهند والدول الفقيرة لعشرات السنين، لوفرنا ما تبقى من ماء الوجه تجاه سوريا الشقيقة التي عاداها اغلبية العرب، ولم يعادوا اسرائيل التي تنتهك حقوق الانسان منذ 65 سنة، بما يعادل 23725 يوما تُنتَهك فيها اعراض اخواننا في فلسطين، وتُسلَب املاكهم ويُقتَل شيوخهم واطفالهم ونساؤهم من اجل جندي جبان يهودي، ونحن العرب نتفرج ونشاهد تلك المناظر من خلف حائط، ننظر خلسة، ونختبئ، يا حيف على وضعنا العربي.

تركنا قضية فلسطين، ودفعنا بأموالنا لقتل اخواننا في سوريا بحجة التغيير السياسي. وهناك سؤال يطرح نفسه:

ما موقف اي حكومة عربية بالاخص، او اجنبية في حال تواجد مسلحين ارهابيين مدججين بالسلاح مرتزقة يريدون نشر الفوضى ويعيثون في الأرض فسادا، فهل يستسلمون؟!

نأمل الجدية في حل الأزمة، وكفانا غلق ابواب امام اعظم دولة عربية وقفت صامدة امام الزحف الارهابي لمدة عامين.

القبس

العرب في جنيف 2

فهمي هويدي

 حين اتفق الأمريكيون والروس على عقد مؤتمر «جنيف»، الشهر المقبل لبحث مصير الأزمة السورية، عُدَّ ذلك تطورا مهما له دلالات عدة. فمن ناحية اعتبر اتفاق الطرفين على الفكرة بمثابة رسالة أعلنت ضمنا عن ترجيح كفة الحل السياسي وتراجع احتمالات نجاح الحل العسكري الذي ظل مطروحا خلال العامين الماضيين. من ناحية ثانية فهو يعني أن إيران المتفاهمة مع روسيا وإسرائيل المتفاهمة مع الأمريكان ستكونان ممثلتين في المؤتمر. في ذات الوقت فإنه يعني أيضا تراجع الدور التركي وتأجيل مناقشة المبادرة المصرية وتجميد مهمة اللجنة الوزارية العربية المكلفة ببحث الموضوع. إن شئت فقل إن الدعوة إلى المؤتمر بمثابة إعلان عن توقف المساعي المحلية والإقليمية، ودخول اللاعبين الكبار إلى الحلبة بديلا عن مختلف الأطراف الأخرى.

على صعيد آخر فإن أسئلة كثيرة أصبحت مثارة حول تمثيل الائتلاف الوطني السوري المعارض في المؤتمر، وكذلك تمثيل نظام الرئيس الأسد، الذي أشارت المعلومات المتاحة إلى أنه سيحضر المؤتمر ولن يغيب عنه.

ليس معلوما كم من الوقت سوف يستغرق مؤتمر جنيف، علما بأن سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي أشار إلى أنه قد يستمر عدة سنوات بسبب تعقد وتشابك موضوعات بحثه. وبسبب البعد في المواقف بين المعارضة التي تصر على استبعاد الرئيس الأسد وبين ممثلي النظام الذين يطالبون ببقائه في منصبه إلى نهاية فترة ولايته في العام القادم. لكي تجري الانتخابات بعد ذلك ومن خلالها يحدد الشعب السوري خياره بنفسه. وللدقة فليس ذلك رأي ممثلي نظام الأسد وحدهم ولكنه أيضا رأي الإيرانيين والروس، إذ يرى الإيرانيون أن تحالفهم الاستراتيجي مع النظام السوري القائم هو أهم إنجاز حققوه في المنطقة خلال الثلاثين سنة الماضية. فضلا عن أنه يشكل ركيزة مهمة لنفوذهم في لبنان والعراق، ومن شأن سقوط نظام دمشق أن يؤدي إلى انهيار حساباتهم الإستراتيجية التي راهنوا عليها منذ قامت الثورة في عام 1979. كذلك فإن الروس الذين استوعبوا درس ليبيا بعدما تجاهلهم الغرب بصورة مهينة في أعقاب تأييدهم لسقوط نظام القذافي، ومن ثم اعتبروا أن وجودهم في سوريا وتمسكهم بنظام الأسد هو الرد المناسب على القوى الغربية الداعية إلى إسقاطه والراغبة في الاستفراد بالمنطقة.

لا تفوتنا في متابعة المشهد ثلاث ملاحظات برزت في الآونة الأخيرة هي:

ـ أن النظام السوري في صموده أمام القوى المعارضة استطاع أن يسترد بعض مواقعه في خلال الأيام العشرة الأخيرة بعد التعزيزات العسكرية التي تلقاها من روسيا وإيران.

ـ أن حزب الله تدخل بكثافة وبصورة معلنة إلى جانب نظام الأسد. وكان ذلك واضحا في معركة القصير، وهو ما عبر عنه السيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب في خطاب متلفز.

ـ أن إسرائيل قامت بغارة كبيرة على بعض الأهداف العسكرية الحيوية في محيط دمشق، وأرادت بذلك أن توجه رسالة إلى الجميع خلاصتها أنها مفتوحة الأعين على ما يجري، وأنها لن تسمح بتسليم الصواريخ التي تمتلكها سوريا إلى حزب الله.

هذه الخلفية إذا صحت فإنها لن تكون بعيدة عن عملية التحضير لعقد مؤتمر جنيف، لأنها تعني أن هناك سباقا على تثبيت المواقع وتحديد الأدوار على الأرض، الأمر الذي يحدد مراكز وموازين القوى السياسية مما لابد له أن يؤثر على مضمون الاتفاق الذي يمكن أن يسفر عنه المؤتمر، شأنه في ذلك شأن أي اتفاق سياسي آخر.

خلاصة الكلام أن الأزمة السورية في مؤتمر جنيف، بصدد الدخول في طور آخر، تلعب فيه الدول الكبرى الدور الأكبر والأكثر حسما، ويخرج فيه العرب من دائرة التأثير في مصير الأزمة. ولا يزال من الممكن أن يثبت العرب حضورهم في ساحة الصراع لو أنهم أسهموا في تغيير الموازين على الأرض. وهو ما قد تستطيعه مصر إذا استثمرت ثقلها وقدراتها وتحركت لكي تعزز موقف الجيش الحر وتمكنه من الحفاظ على مواقعه وصد هجمات النظام. إلا أن الحذر الزائد الذي يتسم به الموقف المصري فيما خص الموقف السوري تحول إلى قيد يحول دون إسهامها الإيجابي في تغيير موازين القوى على الأرض. وهو ما يطلق يد القوى الأخرى في تحديد مصير الصراع، من خلال التمدد في الفراغ الذي أحدثه غياب مصر، حين آثرت أن تقف في جانب المتفرجين وليس اللاعبين.

وتلك نتيجة لن تؤثر على مصير سوريا وحدها، ولكنها ستؤثر أيضا على خرائط المنطقة وموقع العرب منها في المستقبل القريب.

 الشرق

الصراع على سورية بين المناورات العسكرية والمؤتمرات السياسية!

عبد الباري عطوان

هناك ظاهرتان رئيسيتان تسيطران على خريطة المشهد السوري هذه الايام لا يمكن تجاهلهما اذا اردنا ان نستشرف المستقبل من خلال التوقف عندهما وقفة متأنية.

*الظاهرة الاولى: كثرة المناورات العسكرية في اماكن مختلفة من المنطقة العربية. فهناك مناورة جوية سعودية ـ تركية هي الاولى من نوعها، وهناك مناورة في الاردن تحمل عنوان ‘الاسد المتأهب’ تشارك فيها 19 دولة بهدف معلن هو تأمين الاسلحة الكيماوية السورية من خلال تدخل عسكري بري، وهناك مناورة بحرية ثالثة في منطقة الخليج تشارك فيها 41 دولة تركز على كيفية ازالة خطر الالغام البحرية في قاع البحر، ومنع اغلاق مضيق هرمز، وهناك مناورات عسكرية رابعة تجريها البحرية الايرانية.

الظاهرة الثانية: زحمة من اللقاءات السياسية والدبلوماسية، فيوم امس اجتمع وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي في بروكسل لمناقشة مسألة رفع الحظر عن توريد اسلحة للمعارضة السورية. ومساء امس عقد لقاء ثلاثي في باريس ضم وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف وامريكا جون كيري، ومضيفهما الفرنسي لوران فابيوس، للاتفاق على جدول اعمال ‘مؤتمر جنيف 2′ بشأن سورية، ولا ننسى في هذه العجالة اجتماع المعارضة السورية في اسطنبول لبحث توسيع الائتلاف وضم كتلة ميشيل كيلو واتخاذ قرار بشأن المشاركة في مؤتمر السلام الدولي.

اللافت ان لا خلافات اطلاقا على صعيد الظاهرة الاولى وهي المناورات العسكرية، فالمشاركة فيها، وغالبا من القوى الغربية العظمى وحلفائها، تتم في انسجام تام وبطريقة حماسية، خاصة تلك التي تجري في الاردن قرب الحدود السورية، او الاخرى التي تجري في الخليج العربي.

***

المناورات الجوية السعودية ـ التركية التي جاءت بعد زيارة مفاجئة للامير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، لأنقرة الاسبوع الماضي، هي العنصر الجديد والأبرز في هذه المناورات، فلم يسبق ان اجرى البلدان مناورات كهذه مطلقا، بل ان السفير السعودي غاب عن انقرة لأكثر من عامين، فهل سبب هذا التناغم المتسارع هو تشكيل ‘كتلة سنية’ في مواجهة ‘الكتلة الشيعية’ (ايران، حزب الله، سورية، العراق) حيث ينجرف الصراع على سورية الى مناح طائفية صرفة؟

وفي مقابل هذا الانسجام في المناورات العسكرية تسود الخلافات جميع اللقاءات السياسية والدبلوماسية المتعلقة بالملف السوري:

*اولا: اجتماع المعارضة السورية في اسطنبول مدّد اجتماعه الذي بدأ قبل اربعة ايام الى يومين اضافيين لحلحة العقد المستعصية على الحل، وابرزها الاتفاق على الذهاب الى مؤتمر جنيف وهوية رئيس الوفد والاعضاء فيه.

السيد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف ما زال في حكم المستقيل، والسيد جورج صبرا نائبه هو الذي ترأس الاجتماعات، ومصير رئاسة السيد غسان هيتو رئيس الوزراء في مهب الريح، فمنذ آذار (مارس) الماضي وهو يحاول تشكيل حكومة دون جدوى، وهناك من يقول ان اسهمه انخفضت في اوساط المعارضة الى مستويات دنيا.

فرنسا وامريكا ودول اوروبية والسعودية تضغط لتوسيع الائتلاف (60 عضوا) لضم مجموعة ميشيل كيلو الليبرالية، لكسر هيمنة الاخوان المسلمين عليه، ولكن هذه الضغوط تواجه مقاومة شديدة من كتلة الاخوان في المجلس بدعم من دولة قطر، ولا يلوح في الافق حلّ قريب.

*ثانيا: فشل اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي في التوصل الى اتفاق بشأن رفع الحظر عن تسليح المعارضة السورية، مما يعني انهيار العقوبات المفروضة على دمشق اذا لم يتم التمديد لها وللحظر قبل مطلع الشهر المقبل (الجمعة).

*ثالثا: استمرار الخلافات بين لافروف وكيري حول مستقبل الرئيس السوري بشار الاسد قبل انعقاد مؤتمر جنيف الثاني، وكذلك حول الدول المشاركة فيه خاصة ايران، وطبيعة تمثيل سورية ووفدها.

مؤتمر جنيف الثاني في حال انعقاده سيكون المحاولة الاخيرة لمناقشة، وليس للتوصل الى، حل سياسي للأزمة السورية يوقف نزيف الدماء، واتفاق لافروف ـ كيري قطبي الحرب بالوكالة الدائرة حاليا في سورية، او عدمه هو الذي سيقرر طبيعة المرحلة المقبلة.

الدول الغربية وحلفاؤها في تركيا ومنطقة الخليج (مصر غائبة تماما) يستعدون للحرب سواء من خلال المناورات المكثفة، او اعادة التلويح باستخدام النظام السوري للاسلحة الكيماوية كورقة تغطية لتبرير التدخل العسكري، في حال صدر قرار اللجوء اليه.

صحيفة ‘لوموند’ الفرنسية قالت انها تملك ادلة على استخدام النظام لهذه الاسلحة مجددا في منطقة جوبر القريبة من العاصمة، ورددت الخارجية الفرنسية الزعم نفسه قائلة ان لديها ادلة اضافية اكثر قوة، وورد هذا على لسان فابيوس نفسه.

***

هناك احتمالان حول هذه المسألة الكيماوية، فإما ان يكون النظام لجأ فعلا الى استخدام هذه الاسلحة لإحراج الرئيس باراك اوباما وخطوطه الحمراء مرة اخرى، لقناعة راسخة لديه بأنه متردد في التدخل المباشر في الأزمة، وهذا احتمال وارد ولكنه ضعيف، او ان الدول الغربية تدرك جيدا ان فشل مؤتمر جنيف شبه مؤكد، وان لا مناص من اللجوء للقوة، وما يرجح ذلك ان بان كي مون امين عام الامم المتحدة اعرب عن قلقه الشديد من زيادة عدد القتلى في الحرب السورية، وطالب بوقف الحرب في اسرع ما يمكن.

الحرب في سورية بدأت ثورة شعبية من اجل الاصلاح والتغيير الديمقراطي وتحولت الى صراع طائفي، او بالاحرى حرب اقليمية طائفية سنية شيعية بالانابة، بين معسكر يضم ايران وحلفاءها تدعمه روسيا والصين من ناحية، وآخر يضم تركيا والسعودية وتدعمه امريكا وبريطانيا ودول غربية.

مؤتمر جنيف هو طوق النجاة الاخير الذي يمكن ان يوقف الانزلاق الى هذه الكارثة من خلال التوصل الى حل سياسي وفرضه على الجميع، او الذهاب الى الحرب.

باختصار شديد اما الحلّ السياسي او حرب طائفية تتطور الى عالمية مدمرة.

للتذكير فقط نقول ان الحرب الصفوية التركية الطائفية الطابع استمرت 166عاما.

القدس العربي

سوريا تنتظر جنيف الثاني

مكرم محمد أحمد

 كان الروس بعد زيارة وزير الخارجية الامريكية جون كيري الاخيرة لموسكو‏,‏ هم الاسبق في إعلان موافقة واشنطن علي ان يحضر ممثلون عن الرئيس بشار الاسد مؤتمر جنيف الثاني‏.

رغم الوعود المتكررة من جانب الرئيس اوباما بضرورة اسقاط نظام الاسد, وان تكون ايران ضمن حضور المؤتمر, رغم اعتراض بعض دول الاتحاد الاوروبي وممانعة عدد من الدول العربية.., ومع ان موعد انعقاد مؤتمر جنيف الثاني لم يتحدد بعد انتظارا لإعلان موقف المعارضة السورية التي يجمع غالبيتها علي رفض التفاوض مع نظام بشار الاسد, والمطالبة بضرورة رحيل نظامه قبل ان تبدأ المرحلة الانتقالية, الا ان غالبية التكهنات تؤكد ان المعارضة السورية سوف تخفف من شروطها تحت ضغوط الامريكيين, وسوف توافق في النهاية علي حضور المؤتمر.

وبرغم ان الامريكيين يبررون تنازلاتهم في قضية بشار الاسد بأن اشراك جزء من الحكم السوري في اعمال المؤتمر ضرورة تفرضها الرغبة في الحفاظ علي ما تبقي من مؤسسات الدولة السورية( الجيش والامن والبيروقراطية الحكومية) كي لا يتكرر ما حدث في العراق وتنهار الدولة بكاملها, الا ان فرص نجاح المؤتمر تبدو محدودة بسبب التقدم العسكري الذي احرزته قوات بشار الاسد في معاركها الاخيرة في ريف دمشق التي ابعدت خطر الحصار عن العاصمة السورية, ومكنت بشار من التمسك بمطلب عدم مغادرته الحكم الا عبر انتخابات حرة نزيهة,فضلا عن عجز المعارضة المسلحة عن تحقيق حسم واضح علي ارض المعركة نتيجة رفض الولايات المتحدة امدادها بالاسلحة الثقيلة والمتقدمة, خوفا من ان تقع في ايدي جماعات النصرة, التنظيم الاكثر تطرفا في المعارضة السورية.., وبرغم ان الروس والامريكيين لايزالون يبحثون جدول اعمال المؤتمر الذي سوف يركز بالضرورة علي تشكيل حكومة انتقالية تضم الحكم وكل اطياف المعارضة, تتولي ترتيب المرحلة الانتقالية, واعداد البلاد لانتخابات برلمانية ورئاسية جديدة, والحيلولة دون ان تصبح سوريا قاعدة وملاذا لجماعات الارهاب.., وكلها احلام يتم بناؤها فوق الرمال دون اي ضمانات حقيقية, بينما طاحونة الحرب الاهلية تبلغ ذروة وحشيتها وتهلك كل يوم المئات من السوريين.

الاهرام

بشّار: جنيف لكسب الوقت فقط

    علي حماده

على هامش “المنتدى الاقتصادي العالمي” لمنطقة الشرق الاوسط وشمالي افريقيا، كانت لي لقاءات مع عدد من الشخصيات السورية المعارضة على طريقتها، اي المعارضة من دون ان تكون جزءا من الحراك المعارض المتنقل بين اسطنبول والدوحة. وهي على تواصل مع شخصيات وقوى من الائتلاف من دون ان تنخرط في اعماله. ولكن يجمعها وبقية القوى المعارضة الهدف نفسه المتمثل باطاحة نظام بشار الاسد وتخليص سوريا من “السجن العربي الكبير”.

في جلسة جمعتني مع وجه بارز ممن عرفوا النظام عن قرب، كان سؤالي الاول: هل اقتنع بشار بالحل السياسي الذي يقترحه حلفاؤه الروس، فقبل بالذهاب الى مؤتمر جنيف – ٢؟ اجاب: “إن بشار لم يؤمن يوما واحدا، منذ ازمة درعا في آذار ٢٠١١، بالحل السياسي او بأي حل آخر غير الحل الامني والعسكري. فتفكيره لا يذهب الى حد الايمان بالتفاوض او بايجاد حل سياسي للازمة الكبرى التي تعانيها سوريا راهنا”. اضاف: “لقد فوّت بشار فرصة ذهبية في درعا، وكان في وسعه ان يتدارك حمام الدم، وان يعيد بذكاء انتاج النظام بطريقة مختلفة عما سبق. لكنه حذا حذو من سبقه، اي حافظ الاسد، على قاعدة ان علامة من علامات الضعف يمكن ان تُقرأ على انها بداية انهيار للنظام. فبشار ابن مدرسة يؤمن كبار اركانها الامنيون والعسكريون والحزبيون بأن الشعب السوري “أزعر” ولا يفهم بغير العصا والبندقية، ولذلك لا ينبغي إظهار أدنى علامات الضعف أمامه”.

أضاف محدثي ونحن واقفان على شرفة فندق “كمبنسكي” على البحر الميت، وكان نسيم المساء دافئا: “إن بشار في حاجة الى اعتراف سياسي خارجي، وجنيف مناسبة عليه ان يستغلها في حملة العلاقات العامة التي يخوضها، لكنه يشارك لفظيا، هذا اذا حصل المؤتمر. وهو يؤمن ايمانا راسخا بانه قادر على حسم المعركة ميدانيا ضد المعارضة المسلحة. لذا فهو ذاهب وفي ذهنه انه يكسب وقتا ريثما يحقق مكاسب على الارض تكون ذات مغزى. وقد جرى اقحام “حزب الله” في المعركة على قاعدة انه يمكن تحقيق انتصار في مواقع استراتيجية، ولا سيما في القصير وحمص من ناحية، وريف دمشق من ناحية اخرى

أسأل عن تقويمه لتدخل “حزب الله”، فيقول: “لقد انتهى “حزب الله”، ففي سوريا سيغرق في مستنقع لا فكاك منه. وما لا يعرفه قادة الحزب والقيادة الايرانية انهم سيواجهون عشرات الآلاف من السوريين الذين يتدفقون على ساحات القتال في هذه المرحلة لمقاتلته بوصفه احتلالا اشد مضاضة من الاحتلال الاسرائيلي. ومن هنا أتوقع غرق “حزب الله” في بحار من الدماء في سوريا ستبدد القسم الاكبر من قوته البشرية في زمن قياسي. اما القصير، فلو سقطت، فان الحرب المفتوحة ضد الحزب ستستمر الى ما لانهاية، ليس في سوريا وحدها بل وفي لبنان”.

ويختم محدثي، الشخصية العارفة بالنظام عن قرب: “لقد ارتكبوا خطأ مميتاً”.

النهار

سايكس بيكو-ات إسلاموية!

ماجد الشّيخ *

في عدد الثلثاء من «الحياة» (21 أيار/مايو) كتب الزميل حازم صاغيّة تحت عنوان «سايكس – بيكو: خير إن شاء الله؟» هجاء ونقداً لكل أولئك الذين حملوا ويحملون اتفاقية سايكس – بيكو كل أوزار هذه البلاد والمجتمعات والدول، وكأننا كنا قبل تنفيذ تلك الاتفاقية بلاداً موحدة ومجتمعات مشدودة لحبل الوحدة المزعومة والمفترضة، ثم جاء الاستعمار الكولونيالي ليبدد هذه الوحدة. وهنا الخطيئة التي يقع فيها أصحاب المنطق الشعاراتي والحماسي في رؤية الوقائع كوقائع افتراضية لا واقعية. وهذا هو مقتلنا.

لهذا لم يكن توقيع سايكس وبيكو لاتفاقية تقاسم النفوذ والهيمنة الاستعمارية بين الاستعمارين الفرنسي والبريطاني آنذاك، سوى المدخل إلى حفظ الوحدات الإدارية والسياسية، واستتباعها إلى قوة الهيمنة الكولونيالية التي تتبع لها، بمعنى أنه لم يجر تقسيم بلد أو بلدان، وتوزعها مغانم لهذا الطرف أو ذاك، أو تفتيتها وتجزيئها ونقلها من حال إلى حال، وذلك على رغم الأضرار السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أصابت البلدان التي توزعها «سايكس بيكو»، حتى تقاسم بعض العائلات على جانبي الحدود. كل هذا ولم يصب الوهن مجتمعات تلك الدول أو ذهبت أدراج التفكك، وانعدمت فيها السياسة، أو استبيحت المواطنة وحقوقها، إلاّ في ظل تسيّد الاستبداد السياسي المحلي أو الوطني سدة السلطة الشمولية فيها. ومن بعدها ما آلت إليه من هيمنة الأنظمة الانقلابية العسكرية التي سادت في تلك الآونة، وما زالت إلى اليوم تفعل بنا الأعاجيب.

إذا كان هذا نصيبنا، أفراداً ومجتمعات ودولاً، من دول الكولونيالية الاستعمارية، فإن نصيبنا اليوم من «أمراء» الطوائف والمذاهب ما هو أكثر بكثير مما أصابنا من «سايكس بيكو» الأول، وحراسه من الأنظمة الاستبدادية، فها نحن اليوم نتعرض لأكثر من التفتيت والتجزئة، نتعرض لحروب أهلية ومقاتل جماعية، وعمليات إبادة مبرمجة وممنهجة، وصولاً للقتل الإجرامي إن خالفنا مجرد مخالفة رأي هذا «الأمير» أو ذاك من المستشيخين الجدد، أصحاب الجاه والسلطان وسطوة «السلاح الجهادي» الذي نزل منازل شتى، إلا المنازل التي ينبغي النزول عندها لمنازلة الأعداء الحقيقيين لما يزعمون أنه الدين والأمة وشرع الله وشريعته.

وإذ أصابنا ما أصابنا من الاستبداد السياسي، والتغول السلطوي من لدن ورثة أنظمة «سايكس بيكو» الأول، فما يصيبنا اليوم من فارضي «سايكس بيكوات» إسلاموية، بقوة الأمر الواقع، وواقع «الأمر الإلهي» لسلطة تجدد ذاتها باسم التدين، واستلاب إرادة الناس الأحرار ذوي الكرامات، بات يتجاوز كل قدرة وإمكانية مجتمع أو تجمع أو جماعة على التحمل والصبر، على حالة لا يمكن توصيفها إلا بكونها «حالة عدمية» لا تجد ما يسندها من مرجعيات قديمة أو حديثة. حيث إن غياب الثقافة وتغييب العقل لا يمكنه أن يولد أو ينتج، إلا تلك الحالة العدمية في عماء التدين الشعبوي، الآخذ بالتضخم والخروج عن كل المعايير، حتى تلك الموصوفة قديما بكونها من «الدين الحق».

منذ عدد من السنين، لم نعد أمام «سايكس بيكو» واحد، نعايشه أو نتعايش معه في بلادنا، لقد أصبحنا نتعايش مع «سايكس بيكو – ات» متعددة في بلادنا، كلها ذات طابع وسمات إسلاموية، كلّ يمترس خلف «إمارته» كسلطة لا تماريها أية سلطة، وكلّ لا «ينطق عن الهوى»، على العكس من كل الآخرين، ما استوجب ويستوجب تكفيرهم وتخوينهم وإخراجهم من جنة السلطة، كفرقة ناجية هي الأولى بـ «الإمارة» كـ «سلطة إلهية» مطلقة. ألا يرقى هذا إلى أكثر مما جرّته اتفاقية «سايكس بيكو»، وفعلته تجزيئاً وتفتيتاً في بلادنا ومجتمعاتنا التي لم تكن موحدة أصلاً، ولكن الأنكى من ذلك أن يجري إدراج تلك الروح التقسيمية والتقاسمية في عداد «المقدس» الديني، وإلباسها لبوس ومسوح السياسة، حين يجري خلطها ومزجها بتدين يغالي في أطروحاته وتنظيراته التي ما أنزل الله بها من سلطان.

وهنا لا تختلف تلك القوى التي استولت وصادرت «ثورات الربيع العربي» في مهامها التفتيتية التي أحالت بلاداً عامرة نسبياً وموحدة، إلى مرتع لصراعات لا قبل لمجتمعاتنا ودولنا بها، فأي أمل بوحدة سياسية وإدارية يمكن أن تبقى في حضرة الغياب الكلي لوطنية جامعة، يجري استبدالها بأكثر من تلك الروح التي أشاعتها اتفاقية سايكس بيكو، ورزحت تحت وطأتها بلادنا ومجتمعاتنا كل تلك السنين، من دون أن تتأثر وحداتها الكبرى أو الصغرى، السياسية والإدارية، ولكن مع هيمنة تلك القوى الإسلاموية، فهي ولأسباب كثيرة ولوجود علة أساسية فيها، وفي حال قيض لها القبض على السلطة، لاكتفت بنشر هيمنة وسطوة «سلطتها الأميرية» على الضد من وجود الدولة أو الاعتراف بها، ولو في قرية واحدة تطبق فيها ما تزعمه أنه الحدود الشرعية للشريعة. فأي وحدة سياسية أو إدارية يمكن أن تستمر في ظل هيمنة قوى هذه طبيعتها وطبعها، مهما حاولت وتحاول الظهور بغير ذلك، كحال «الأخونة» و «السلفنة» و «الطلبنة» وغيرها من الفرق التي تعتبر كل منها نفسها هي «الفرقة الناجية»؟. أما الآخر – كل آخر – فهو مادة للإخضاع أو للإقصاء أو للقتل… وهذا هو وعدهم ووعيدهم لنا أفراداً وجماعات وتجمعات ومجتمعات… ودولاً، وانظروا لذاك الصراع المحتدم اليوم في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية… وكل بلاد طاولها وسوف يطاولها ذاك «الجنون السلطوي» الهادف للانقلاب على الدولة، ووطنية الأمة، ووحدتها السياسية والإدارية.

الحياة

إمبراطورية وعرش من الجثث!

    راجح الخوري

يفتقر التعامل الروسي مع الازمة السورية الى ادنى حدود الحياء، فهو يقوم منذ اندلاع الثورة ضد نظام بشار الاسد على الامعان في تغطية القتل وحمامات الدم، وليس خافياً كيف اشترت موسكو الوقت تلو الوقت للحل العسكري عبر افشالها “المبادرة العربية” ودفن مساعي كوفي انان والاخضر الابرهيمي بعد اقفال مجلس الامن بـ”الفيتو”.

الآن عندما تعلن انها ستزود النظام صواريخ “اس – 300″، فانها تنغمس اكثر واكثر في دماء السوريين، ذلك انه من الضروري ان يقوم ضباط روس بمرافقة منصات هذه الصواريخ المتطورة لتشغيلها اذا دعت الحاجة، وهذا يعني ان موسكو تسير على خطى ايران في التدخل الميداني لدعم نظام متهالك، رغم كل ما يقال في هذه المرحلة عن هجوم مضاد يقوم به لتحسين شروطه في “جنيف – 2”.

ارسال هذه الصواريخ الى النظام عشية المؤتمر المذكور سيدفع ببشار الى الاستئساد بما يشكل مقدمات لإفشال الاجتماع، لكن موسكو تجاوزت الرياء الى الوقاحة، عندما اعلن سيرغي ريابكوف ان قرار مواصلة تزويد النظام الصواريخ الروسية هو “عامل استقرار” [هكذا بالحرف] بينما اعتبر قرار بريطانيا وفرنسا الاتجاه الى تزويد المعارضة اسلحة دفاعية، عائقاً امام مؤتمر جنيف!

الرياء الروسي يتجلى اكثر عندما يقول ريابكوف ان هدف صفقة “اس – 300” هو عرقلة اي سيناريو لتدخل عسكري اجنبي لفرض الحل في سوريا، بينما الواضح بعد عامين ونصف عام تقريباً على بدء الازمة، ان ليس هناك اي خطط للتدخل في سوريا كما حصل في ليبيا، لا بل ان اميركا والدول الغربية لم تكتف بالوقوف متفرجة على المذبحة التي حصدت ما يزيد على 80 الف قتيل فحسب، بل منعت وصول اسلحة الى الثوار لمواجهة الطائرات والمدرعات وهو ما شكّل منطلقاً لاستجلاب العناصر المتطرفة لدعم المعارضين!

وعندما نتذكر ان جون كيري استسلم لمنطق لافروف في تفسير “اعلان جنيف” وبات، كما اعلنت موسكو، موافقاً على بقاء الاسد وحتى على خوضه الانتخابات المقبلة وعلى اعطائه “حق الفيتو” للاعتراض على الاسماء التي لا يريدها ان تشارك في مؤتمر جنيف، فمن المعيب فعلاً ان تحاول موسكو تبرير ارسال الصواريخ الى النظام بالقول انه “عامل استقرار يعرقل خطط التدخل الاجنبي في سوريا”، هذا في وقت يشارك الايرانيون وأذرعهم العسكرية اي “حزب الله” و”عصائب اهل الحق” في المعارك الى جانب النظام، وهو ما يهدد باشعال حرب مذهبية بين السنّة والشيعة لن تكون في النهاية اذا وقعت لا سمح الله، إلا نتيجة التغطية الروسية الحمقاء لمذابح النظام والتغاضي الاميركي الاعمى عنها.

يبقى سؤال: هل كان من الضروري ان يستعيد بوتين دور الامبراطورية بالجلوس فوق ركام جثث السوريين؟

النهار

كلمة السر في «جنيف – 2»… وقف إطلاق النار

جمال خاشقجي *

إذا سمعتهم في اجتماعات «جنيف – 2» يتحدثون عن وقف ملزم لإطلاق النار في سورية، وفق الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، فاعلم أن ثمة جديةً هذه المرة لوضع حد لمأساة الشعب السوري، التي أهملها العالم طويلاً، فكلمة السر هي «وقف إطلاق النار» ثم ليقولوا بعدها ما شاءوا من عبارات تدعو إلى حكومة انتقالية واسعة الصلاحيات، يتمثل فيها النظام والمعارضة، أو حتى انتخابات تُجرى في العام الذي يليه من حق كل الأطراف الترشح لها.

ستُتعب المعارضة السورية نفسها، وستختلف في ما بينها، وتتماحك مع حلفائها، لو اندمجت كثيراً في تحليل اللاأخلاقية في ترشح بشار الأسد لرئاسة البلاد مرة أخرى، أو اللامنطقي في حكومة انتقالية تتقاسم فيها المسؤولية مع عناصر ملطخة أيديهم بدماء الشعب، فلا انتخابات ستجري في سورية عام 2014، ولا حكومة انتقالية ستشكل من دون «وقف إطلاق النار».

في «جنيف – 2»، هذا إن عقد في منتصف الشهر الجاري، ستتركز الأنظار ليس على وفدي الحكومة والمعارضة، بل على وزيري الخارجية الأميركي والروسي، فالتفاوض الحقيقي يجري بينهما، أو بالأحرى أنه مسعى أميركي- سعودي دولي، لجر الروس إلى مجلس الأمن، وهو ما ظل الروس يقاومونه طوال سنتي ذبح الشعب السوري الأخيرتين، فيصرخون في العالم، ومن ورائهم الإيرانيون «لا حل إلا الحل السلمي» ويذكّرون باتفاق جنيف الأول الذي نصّ على وقف إطلاق النار والتفاوض لتشكيل حكومة انتقالية، فمضى الجميع يتجادلون حول «التفاوض» ومتى وأين سيكون وكيف سيجري وتشكيل الحكومة الانتقالية التي ستجمع الحكومة والمعارضة من دون تركيز على الشرط الرئيس «وقف إطلاق النار».

النظام لا يريد وقفاً لإطلاق النار، فهو وحلفاؤه يعلمون أنهم لن يستطيعوا العيش إلا بإطلاق النار، وبالتالي عندما شعر هذه المرة أن ثمة حديثاً عن وقف حقيقي ملزم لإطلاق النار، تردد في الحضور، فالتزم الطرف الروسي بجلبه لطاولة المفاوضات. لتوضيح ذلك وأهمية مبدأ وقف إطلاق النار كمفتاح للحل السوري يجب أن نعيد الأزمة السورية إلى أصلها، فهي ليست صراعاً بين سورية الشرقية وسورية الغربية، أو صراعاً بين طائفتين، والمعارضة لا تطالب مثلاً بزيادة حصة حلب في البرلمان، بينما تطالب دمشق بمناصب وزارية معينة، كي يصور البعض اجتماع جنيف المقبل (هذا إن عقد) بأنه مثل اجتماع الطائف للفرقاء اللبنانيين. الثورة السورية في أصلها ثورة شعب يطالب بالحرية، بكل طوائفه ومناطقه، لا يقدم مطالب فئوية أو مناطقية، إنه مثل أولئك المصريين في ميدان التحرير قبل استقالة مبارك، نسوا كل اختلافاتهم واتفقوا على مطلب تغيير النظام والحرية والكرامة والعيش، وبالتالي لا يمكن فهم «وقف إطلاق النار» كتجميد لحال الصراع في انتظار التفاوض ورسم حدود بين الفرقاء، ذلك أنه ليس بينهم حدود على الأرض، ولا يوجد فرقاء وإنما شعب سوري اتفق غالبه على التخلص من النظام القمعي القائم وتأسيس سورية جديدة على الأرض نفسها والحدود ذاتها من دون تغيير أو تبديل فيها.

في جنيف سيسعى النظام السوري للهروب من هذا الاستحقاق الكبير. قد يطرح فكرة تشكيل مجلس تأسيسي لصياغة دستور جديد، كي يهرب من استحقاق إسقاط النظام. قد يطالب باستبعاد القوى التي يصفها بالتكفيرية (وهي القوى التي تمناها وسعى لجلبها للصراع منذ اللحظة الأولى)، أو يطالب بإخراج المتطوعين الأجانب من سورية، أو يزعم أنه النظام الشرعي فيطالب بتقديم هذا أو ذاك إلى العدالة، وربما يتواضع فيسعى إلى إضاعة الوقت والجهد بالدعوة إلى اتفاق للمصالحة الوطنية العامة، ولكنه سيحاول أن يتملص قدر الإمكان من التوقيع على وثيقة ملزمة بوقف كامل لإطلاق النار. شيء كهذا حصل أوائل عام 1999 في رامبوليه، قرية فرنسية وادعة احتضنت اجتماعات السلام الكوسوفية. كان المجتمعون أميركيين وروساً وأوروبيين، من سيجتمعون في جنيف أنفسهم، كلٌّ دخل الاجتماع، وهو يعلم أين يقف وما هو الحل الوحيد الممكن، ولكن كان من الضروري أن يمروا عبر «عملية السلام» هذه، فالصرب وزعيمهم سلوبودان ميلوسوفتش معروفة دمويته ورفضه لأي حل، جربوه في حرب البوسنة قبل ذلك بأعوام، وأدركوا أن ما من سبيل لإقناعه غير القوة، إنه بشار الحالي نفسه، الجميع يعلم أنه ليس بالرئيس المنتخب، يمثل طائفة لا شعباً، ويحارب عن مصالح أقلية وليس عن وطن، وأن السبيل الوحيد لإقناعه هو القوة، بضعة صواريخ كروز، وغارات جوية تنقل الجحيم الذي فرضه على الشعب السوري إلى غرفة نومه، حينها سيكون جاهزاً للتفاوض، الروس يكررون أنفسهم دوماً، هم من عطل الانتقال إلى الحل السريع والممكن في كوسوفو، وهم من يفعل ذلك في سورية، ولذلك كان لا بد للولايات المتحدة وأوروبا من جلبهم إلى تلك القرية الفرنسية وتوقيع اتفاق لم يعمر طويلاً، ولكنه وفّر للناتو أن يفعل ما كان عليه فعله منذ البداية، القصف.

إذا كان أصدقاء سورية يريدون وضع حد لمعاناة الشعب، فهذا ما يجب أن تتجه إليه الأمور بعد «جنيف – 2»، فالنظام لن يحتمل وقفاً لإطلاق النار، فاللحظة التي يفعل فيها ذلك ستنتفض كل مدينة سورية، ويخرج الشعب ضده في مظاهرات سلمية، وهذا ما لم يحتمله من قبل ولن يحتمله لاحقاً بعدما سالت كل الدماء وتكرست كراهيته في نفوس السوريين. لا بد من أنه سينتهك وقف إطلاق النار، مثلما فعل ميلوسوفيتش، وحينها يجب أن ينتقل الجميع إلى مجلس الأمن بما في ذلك الروس، فاتفاق «جنيف – 2» ملزم للجميع، أتوقع أن يوافق عليه ائتلاف المعارضة، واللواء سليم إدريس أبرز قادة «الجيش الحر». سيعلم قادة الجيش والفصائل المقاتلة، ولا سيما «جبهة النصرة» أنهم لو أخلوا بالاتفاق سيتعرضون هم أيضاً للقصف، وليس النظام وحده، الذي سيعجز عن الالتزام به، فالطبع سيغلب التطبع، وكلفة احترام وقف إطلاق النار باهظة عليه، وبالتالي أشكُّ في أن يعقد «جنيف – 2»، إلا إذا حدث تغيير حقيقي في موسكو وليس في دمشق أو طهران، وإذا عُقد لنراقب كلمة السر «وقف ملزم لإطلاق النار».

* إعلامي وكاتب سعودي

الحياة

كي ينعقد “جنيف 2

محمد ابرهيم

احد الشروط الاساسية للتوافق الاميركي – الروسي على احياء “جنيف – 1” كان الموافقة الاميركية على تغيير موقع بند “مصير الاسد” على جدول اعمال “جنيف- 2” من البداية الى النهاية. لكن احد الشروط غير المعلنة كان وصول طرفي النزاع الداخليين، والداعمين الخارجيين، الى اقتناع بأن استمرار هذا النزاع لا يؤدي الى الحسم لمصلحة اي منهما.

هذا الاقتناع تعرّض في الفترة الاخيرة لاهتزاز قوي بنتيجة انتقال النظام الى الهجوم بعدما جمع عوامل تسمح له بقضم تدريجي ناجح لمواقع المعارضة العسكرية: روسيا انتقلت من حماية النظام سياسيا الى توفير غطاء عسكري فاعل (صواريخ “اس 300”)، في وجه اي تدخل خارجي سواء اتى من اسرائيل بذريعة منع تحويل اسلحة الى “حزب الله”، او من الحلف الاطلسي لاقامة منطقة حظر طيران.

الدعم الايراني اتخذ شكلا ملموسا من خلال اجازة مشاركة “حزب الله” مباشرة في المعركة بما يسد الفجوة في قدرة جيش النظام على مواجهة متطلبات معركة غير نظامية، علماً أن ايران كانت تدّخر “الحزب” لمواجهتها مع اسرائيل وأميركا. والنظام السوري نفسه غيّر استراتيجيته من محاولة السيطرة على سوريا كلها الى “التخندق” في المدن، ثم اختيار المواقع التي يعتبرها استراتيجة في مسيرة قضم اهميتها العنوية قد تفوق قيمتها العسكرية. فقد قلب النظام صورة انكماشه التدريجي الى صورة توسع تدريجي، مع ما لذلك من ضرب لمعادلة اليأس التي شكلت اساس الامل بنجاح “جنيف- 2”.

هذه الصورة الجديدة للنظام  يقابلها ارتباك شامل في جبهة المعارضة. فأوراق باراك اوباما باتت مكشوفة. وليس بينها ما يوازي الدعم الروسي الفاعل للاسد. اما اوروبا فإن مسيرة تدخلها، وسقفها حتى الآن تسليح المعارضة، تسير ببطء قد يجعل وصول السلاح في غير اوانه بلا جدوى. هذا فيما الدعم الخليجي- التركي قد استنفد نفسه، في ميداني التسليح وتنظيم المعارضة، وغضّ النظر عن وصول “الجهاديين” الى سوريا، اذا لم نقل تنظيمه.

لذلك كله، ما “هرب” منه اوباما يدق ابوابه من جديد. هو ليس في وارد التورط في سوريا فيما يحضّر لانجازه الخارجي الابرز اي دعم الانسحاب من العراق بانسحاب من افغانستان، بل الانسحاب من الحرب العالمية على الارهاب. لكن الهزيمة التي تلوح طلائعها في سوريا، اكبر مما تفترضه موازين العلاقات مع روسيا. وتداعياتها تهدد كل فلسفة اوباما للأمن القومي الاميركي. وبذلك تضاف الى هزيمة نزعة التدخل لدى الرئيس الاميركي السابق جورج بوش هزيمة نقيضها لدى اوباما.

فماذا يختار هذا هربا من هزيمة كهذه: الحل الاسرائيلي السهل؟ ام “الاختباء” خلف اوروبا؟ ام رسم خط احمر لروسيا؟

المهار

عشية «جنيف 2»… أي مقاربة للمعارضة والنظام؟

عبدالوهاب بدرخان *

وافق النظام السوري على المشاركة في المؤتمر الدولي المزمع عقده في جنيف خلال حزيران (يونيو). هي موافقة «من حيث المبدأ». ماذا يعني ذلك؟ أولاً، أنه يناور. ثانياً، أن لديه شكوكاً حول إمكان عقد هذا المؤتمر. ثالثاً، أن لديه شروطاً لا بدّ من أن تكون مستوحاة من «الخطة» التي سبق لبشار الاسد أن عرضها في خطاب دار الاوبرا. رابعاً، سيسعى مع روسيا وإيران الى تعديل «صيغة جنيف» بعدما أقدم على تعطيلها فور صدورها فأطاح المبعوث السابق كوفي انان، بل أفشل تنشيطها طوال عام كامل وكاد يطيح المبعوث الثاني الاخضر الابراهيمي، ذاك أن عمل المبعوث «الدولي – العربي» يبدأ فور تفعيل «بيان جنيف». خامساً، إذا اخفق تعديل الصيغة، سيكون الهدف البديل منع استصدارها بقرار من مجلس الأمن الدولي والإصرار – عبر روسيا – على إبقائها عائمة ووضعها بتصرّف الطرفين، النظام والمعارضة.

واقعياً، وفي ضوء قراءته لـ «الاتفاق الاميركي – الروسي» ومحاولته استكناه ما ليس معلناً منه، لا يريد النظام هذا «الحل السياسي». ما يساعده في ترويج شروطه أن الطرف الآخر، أي المعارضة، يمرّ بأسوأ أيامه، سواء في اجتماعات «الائتلاف» في اسطنبول، اذ طفت خلافات أجنحته على السطح في شأن مصير «الحكومة الموقتة» ورئيسها غسان هيتو، أو في شأن توسيع صفوفه لضمّ كتلة «القطب الديموقراطي» وممثلين عن «الجيش الحرّ». كانت الدول الداعمة هي التي أشرفت على ولادة «الائتلاف» كوريث لـ «المجلس الوطني»، وهي التي تشرف على توسيع تمثيله ليصبح أكثر قبولاً وجاهزية للمشاركة في «جنيف 2». وعلى رغم أن أصواتاً في «الائتلاف» حاولت ربط هذين الخلافين بصراع سعودي – قطري أو حتى سعودي – تركي، إلا أن هذه الدول لا تبدو عملياً في حال صراعية وإنما تنسيقية، لكن الأكيد أن استحقاق الحل السياسي وما بعد انطلاقه/ أو فشل انطلاقه المحتملين فرض تعديلاً على تموضع الاطراف الاقليمية وأدوارها المنسّقة مع الاطراف الدولية، وبالأخص مع الولايات المتحدة. وقد دفع هذا الوضع الجديد «الإخوان المسلمين» السوريين الى التكيّف مع المتغيّرات بعدما لمسوا تكاثر الجهات التي تحمّلهم مسؤولية البلبلة في أداء «الائتلاف».

لماذا لا يبدو النظام مرتاحاً للحراك الدولي على الطريق الى «جنيف 2»؟ أولاً، لأنه فوجئ باتفاق واشنطن وموسكو توقيتاً ودلالاتٍ. ثانياً، لأنه يلمس نوعاً من اللامبالاة الدولية لـ «انجازات» عسكرية يحاول تحقيقها وتوجيه الأنظار اليها. والأهمّ، ثالثاً، لأن البحث في «مصير الأسد» عاد الى التداول على أكثر من صعيد. رابعاً، لأن البحث دخل «المرحلة الانتقالية» وتفاصيلها، فإن ثمة معنىً واحداً لذلك وهو «الانتقال» من حكم الأسد الى ما بعده. خامساً، لأن النظام يردد أمام أعوانه أنه لم يلعب كل أوراقه بعد، فهو لا يرى الأزمة إلا في بُعدها الميداني. فبعد القصير واستكمال حزام الأرض المحروقة حول دمشق، سيستعيد زمام المبادرة ليستدير الى درعا، أو الى حمص وإدلب وربما شمال لبنان… وبالنسبة الى النظام، لا يعني الحل السياسي سوى واحد من هذه السيناريوات:

1 – إذا كانت القوى الدولية تريد الحفاظ على الدولة – الجيش والمؤسسات، فليس لديها سوى خيار الاعتماد على النظام. وفي هذه الحال عليها أن توجّه ضغوطها نحو المعارضة، وعندئذ فحسب يمكن أن يكون الحل قريباً وسريعاً، لأنه سيعرض تنازلات بهدف «إبداء حسن النيّة» والانفتاح على المعارضة والاتفاق على اعادة هيكلة القوى العسكرية والأمنية.

2 – تأسيساً على الشروط نفسها (الحفاظ على الدولة – الجيش والمؤسسات)، اذا كان الاميركيون والروس يأملون في «تعاون الأسد»، فإنه سيحتاج الى «صلاحياته» ولا مجال لمطالبته بـ «نقلها»، بل لا بدّ من إرضائه بفرض صيغة حل يستطيع بموجبها الاحتفاظ بنصف النظام المقبل، وإلا فإنه لن يتعاون وسيواصل الحرب، معتبراً أن الاميركيين وحلفاءهم تأخروا في تسليح المعارضة وفقدوا فرصة تنفيذ مثل هذا التهديد الذي لوّح به جون كيري بعد اجتماع عمان للجنة الدولية الخاصة بسورية.

3 – اذا لم ينبثق من «جنيف 2» حل مبني على أساس «شرعية النظام» بصفته «الدولة»، وإذا كان هناك اصرار على «التفاوض» وليس «الحوار»، فإن النظام سيعمد الى المماطلة بالتصعيد العسكري لجعل هذا التفاوض متاهة بلا مخارج وبرهنة أن الحل غير ممكن، استدراجاً لتفاوض مختلف يطرح فيه مع القوى الدولية الاتفاق على ترتيبات تقسيم سورية، لأن تعايش مكوّنات المجتمع بات متعذراً إنْ لم يكن مستحيلاً.

لعل الحلقة الضعيفة في تقدير النظام لموقفه تكمن في أنه، وهو يعتبر نفسه «الدولة»، يتجاهل أنه لم يتصرف كدولة طوال السبعة والعشرين شهراً الماضية، فأي نظام – دولة لا يرتكب دماراً كهذا ولا يحمل على كاهله ما يفوق مئة ألف قتيل. ثم إنه راسخ الاقتناع بأن معادلة القوة هي التي ستنتصر في نهاية المطاف، على رغم أنه اضطر للاعتماد في شكل رئيس على «حزب الله» اللبناني – الايراني وكبّده مئات القتلى للسيطرة على القصير تحديداً قبيل لقاء كيري – لافروف في باريس للتداول في شروط موافقته «من حيث المبدأ» على المشاركة في «جنيف 2». والكل يعلم أن معركة القصير لا تهدف الى استعادة النظام سيطرته على سورية وإنما الى تعزيز ذرائع التقسيم.

اذا استطاع «الائتلاف» المعارض تنظيم نفسه قبيل المؤتمر الدولي، فإن السؤال عن موقفه من «الحل السياسي» لم يعد لغزاً، اذ ليس لديه سوى خيار المشاركة… لكنّ لديه تحليلاً مفاده أن ذهاب النظام الى جنيف سيكون خطوته الأولى نحو الخسارة، لأن «جنيف» عملية سياسية لا بدّ من أن تبدأ بوقف اطلاق النار، وإلا فإن الخروقات والانتهاكات ستقوّضها وتقضي عليها. ومنذ البداية، يعتبر أي وقف للنار خسارة للنظام، لكن لديه أساليب كثيرة للتحايل عليه حتى مع وجود رقابة دولية. ستشارك المعارضة، اذاً، لكنها تتحسّب مسبقاً لاحتمالات تعريضها لضغوط لإرغامها على قبول تسويات قد لا تحقق مصلحة الثورة، وتخشى أيضاً أن تهتزّ صدقيتها في الداخل اذا لم تُحترم شروطها المبدئية للمشاركة، وأهمها: عدم وجود الأسد ورموز نظامه أو مشاركة «الحلقة الضيقة» في العملية الانتقالية، وأن تكون الحكومة الانتقالية ذات صلاحيات كاملة، وأن يكون وفد النظام مفوضاً تفويضاً كاملاً، وأن يكون «الائتلاف» الطرف الذي يوافق على المشاركين في وفد النظام للتأكد من عدم وجود أشخاص ملطخة أيديهم بالدماء، وأخيراً وضع مذكرة تقنية تحدد آلية التفاوض وأفقه الزمني ومراحل تطبيقه.

من الواضح أن النظام والمعارضة يبحثان عن «ضمانات» لما يرضي طموحاتهما قبل الدخول الى التفاوض. وفي طبيعة الحال، فإن الضمانات مطلوبة من الدولتين الكبريين، لكن نوعيتها وسرّيتها قد تؤثران سلباً في امكان إصدار بنود الحل بقرار دولي واضح وملزم، ليُستعاض عنه بضمان اميركي – روسي، وهذه هي الصيغة التي يفضّلها النظام. هنا يفترض أن تكون الولايات المتحدة تعلّمت شيئاً من تجربة العامين الماضيين، وهو أن معارضي الداخل لن يرضوا بأي حل ناقص أو غامض. لذلك، فإن التهافت على أي حل، فقط بدافع مواجهة المتطرفين «القاعديين»، سيقول السوريون حتماً إنهم غبر معنيين به.

* كاتب وصحافيّ لبناني

الحياة

‘جنيف 2′ فرص النجاح أكبر فمن يتحمل مسؤولية الفشل؟

عبد الحميد صيام

فرصة الحل السياسي لأي صراع مسلح تتسع عندما يصل طرفا النزاع الأساسيان إلى قناعة تؤكد عدم إمكانية الحسم العسكري، فتصبح طاولة المفاوضات أو قرار مجلس الأمن أو جهود الوسيط الدولي خشبة النجاة لكلا الطرفين. هكذا انتهت الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، وهكذا انتهت حرب البوسنة عام 1995، وهكذا انتهت حرب العشرين سنة في جنوب السودان عام 2005 وغيرها. أما إذا كان أحد الطرفين قادرا على حسم المعركة عسكريا، فليس هناك من سبيل إلى الحل السياسي. لهذا السبب استسلمت القوات الأرجنتينية أمام القوات البريطانية في حرب الفولكلاند عام 1982، ولهذا السبب صرح الجنرال الأمريكي شوارزكوف عندما التقى نظيره العراقي اللواء سلطان هاشم في خيمة صفوان يوم 3 آذار/مارس عام 1991 اأنا لم آت للتفاوض. هناك وثيقة وقف إطلاق النار ومطلوب من الجنرال العراقي توقيعهاب. ولنفس السبب كان علي عبدالله صالح يتحدث مع المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي حول وقف إطلاق النار، بينما يتابع جيشه تدمير آخر مواقع قوات الانفصال في اليمن الجنوبي، وأعلن انتصاره يوم 7 تموز/يوليو 1994.

ونظرة موضوعية للحرب متعددة الأطراف في سورية تؤكد أن الحالة الآن وصلت إلى نوع من التوازن لا يستطيع أي من الطرفين الأساسيين حسم النزاع نهائيا لصالحه، ولا يبقى أمامهما إلا الجلوس الى طاولة المفاوضات والاستعداد لتقديم تنازلات مهمة للخروج من الأزمة القاتلة التي دمرت البنية الأساسة للدولة السورية، ومزقت نسيج المجتمع السوري، وألحقت الأذى بالموروث الحضاري العظيم لبلد يعتبر موطئ أول حضارة إنسانية بقيت متواصلة لم تنقطع عبر القرون.

لهذا تستعد الدول الكبرى الآن لعقد مؤتمر دولي أطلق عليه ‘جنيف 2′ استكمالا للقاء سابق في نفس المدينة عقد في 30 حزيران/يونيو 2012 صدر عنه إعلان جنيف لحل الأزمة السورية سياسيا. وقد شارك في اللقاء الأول الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وتركيا وقطر والعراق، وغاب عنه كل من إيران والسعودية ومصر. في هذه المرة نعتقد أن الجميع سيكون حاضرا في اللقاء، لأن غياب بعض الدول أخطر من حضورها، وإبقاء بعض اللاعبين المهمين خارج الملعب قد يؤثر على قواعد اللعبة كلها. كما نتوقع أن تكون نقطة انطلاق ‘جنيف 2′ من آخر ما توصل إليه لقاء ‘جنيف 1′، أي موضوع وقف إطلاق النار والسماح لمنظمات الإغاثة بالوصول إلى كافة أرجاء سورية، ومن ثم الاتفاق على ولوج المرحلة الانتقالية بقيام حكومة ذات صلاحيات فعلية تنقل البلاد إلى مرحلة الاستقرار والإعمار والبناء، وتشييد نظام سياسي تمثيلي تعددي يعكس نسيج سورية الاجتماعي ذا الألوان المختلفة والأطياف المنوعة.

هل سيعقد المؤتمر الذي لم يحدد موعده بعد؟ هل ستشارك فيه شرائح المعارضة، من دون إقصاء أو استحواذ؟ كيف سيتم التعامل مع أطياف المعارضة؟ وهل سيتمكن المؤتمر من الاتفاق على حل شامل وحقيقي يخرج سورية الوطن والشعب من دوامة العنف والقتل والتدمير التي اجتاحت البلاد منذ أكثر من سنتين. هذه أسئلة ما زالت قيد البحث والتمحيص، خاصة من قبل اللاعبين الأساسيين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي. لكننا نرى أن هناك أسبابا عديدة تشير إلى إمكانية نجاح المؤتمر وسببا أساسيا واحدا قد يؤدي إلى فشله. هناك مؤشرات قد تساعدنا على رفع مستوى التفاؤل، من دون التأكد من نجاحه. وهذه المؤشرات تتعلق أساسا بالوضع الداخلي لأطراف المعادلة السورية المحليين والدوليين.

وضعية النظام ونقاط ضعفه، لم يستطع النظام حسم المعركة على الأرض لصالحه بعد أكثر من سنتين من استخدامه كافة أنواع الأسلحة الثقيلة، بما فيها سلاح الطيران وصواريخ سكود والمدفعية الثقيلة والراجمات الصاروخية والبراميل المتفجرة. فالجيش النظامي لحد الآن لم يستطع اقتحام ‘داريا’ بعد حصار دام نحو سنتين، واستعان في معركة القصير بحلفائه من ‘حزب الله’. فلو أن المقاتلين مجموعات إرهابية وفلول من المتطرفين لاستطاع أن يقتلعهم بسهولة، لكنه لم يتمكن لأن الغالبية الساحقة من المعارضة تنتمي للشعب السوري نفسه. كما تعرض النظام أخيرا لضربات إسرائيلية قوية، عرضت مصداقية النظام للاهتزاز، بسبب تكرار الأسطوانة المشروخة بأن يكون هناك رد في المرة القادمة، بل أساء أكثر إلى نفسه عندما أوعز لحلفائه من الفلسطينيين واللبنانيين والإيرانيين بإمكانية تحويل الجولان إلى جبهة مفتوحة للقتال. ولا يستطيع أحد أن يبتلع مثل هذه التهديدات التي لا يتعدى استخدامها تكتيكا لمواجهة حملة التشكيك، وسُلما يساعد النظام على النزول من البرج الذي شيده لنفسه بعيدا عن الواقع. إذن من مصلحة النظام الذي أعيد تقييمه غربيا ليكون طرفا مقبولا في المفاوضات، أن يسارع بقبول المشاركة الجادة في المؤتمر.

وضعية المعارضة ونقاط ضعفها، اما المعارضة فتعاني من ثلاثة أعراض أساسية جعلتها تتراجع سياسيا وميدانيا. أولها الانقسامات الحادة التي عجزت كافة القوى والأصدقاء والمؤتمرات عن تجسير الخلافات وتضييقها. وثاني تلك المصائب إعلان بعض أطراف المعارضة ولاءها لتنظيم ‘القاعدة’، مما أساء لمجموع المعارضة وجعلها في موقع الدفاع وقلص عدد المتحمسين لمساندتها وأوقف عمليات الانشقاق داخل الجيش. وقد بدأ السؤال يتردد ‘إذا كان الخيار بين جبهة النصرة والتكفيريين أو نظام بشار الأسد، فالأفضل أن نبقى تحت حكم بشار’. إن ممارسات التنظيمات التكفيرية على الأرض أساء لكل الشعب السوري المتسامح الواعي المثقف الحضاري، الذي أطلق انتفاضته السلمية لتوسيع دائرتي الحرية والكرامة والاستمتاع بوطن جميل يصون حقوق مواطنيه ويعيد صياغة قانون عصري يعزز التعددية ويطلق الحريات ويعزز سيادة القانون وينهي حكم العائلة الواحدة والحزب الواحد والقائد الأبدي. ولم يكن يتخيل أحد أن هذه الجماعات الظلامية ستتلملم من أطراف الأرض وتتجمع في سورية لتقيم إمارة إسلامية معنية بجز الرؤوس وقطع الأيدي والاعتداء على الكنائس والرهبان والأقليات. أما السبب الثالث فهو فشل المعارضة في فتح خطوط مع الأطراف الداعمة للنظام، خاصة الاتحاد الروسي والصين بهدف طمأنة تلك الدول بصون مصالحها في سورية الحرية والديمقراطية والتعددية، مما صلب مواقف تلك الدول في تأييد النظام. لهذه الأسباب مجتمعة نعتقد أن من مصلحة المعارضة الوطنية الغيورة على شعبها ووطنها أن تشارك بجدية في المؤتمر، من دون شروط مسبقة وتحاول قدر الإمكان أن تحصل على أكبر قدر من التنازلات، لأن المجتمع الدولي بشكل عام متفق على انتقال سورية إلى مرحلة الديمقراطية والتعددية والمواطنة المتساوية.

الموقفان الروسي والأمريكي، قد تكون هذه المرة الأولى بعد نهاية الحرب الباردة التي يتمترس فيها الاتحاد الروسي على موقفه، من دون أن يتراجع أو يساوم، بل وأجبر الولايات المتحدة على تغيير مجمل مواقفها والاقتراب منه بدل العكس. لقد سلمت الولايات المتحدة بحقيقة الدور الروسي في المسألة السورية، بعد أن تم تهميش هذا الدور في المسألة الليبية ومن قبلها في العديد من الصراعات والأزمات، كالعراق وأفغانستان ويوغسلافيا.

اتفاق اللاعبين الرئيسيين على حل سياسي أمر في غاية الأهمية، وهذا الاتفاق سينعكس على وحدة مجلس الأمن، الذي نتوقع أن يؤازر بالإجماع أي اتفاق يصدر عن مؤتمر ‘جنيف 2′. الإجماع داخل مجلس الأمن هو الذي أدى إلى حل العديد من النزاعات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة من ناميبيا إلى كمبوديا ومن هايتي إلى الكونغو ومن نيكاراغوا والسلفادور إلى ليبيريا وسيراليون، ومن إنهاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا إلى إنهاء حكم غباغبو في ساحل العاج، الذي رفض أن ينصاع لانتخاب الحسن وترا. أما الصراعات التي لم يتبلور فيها الإجماع فما زالت قائمة كما هو الحال في فلسطين ودارفور وقبرص وكشمير وغيرها.

وبالنسبة للموقف الدولي، هناك ثلاث مسائل تعني المجتمع الدولي بشكل عام: أولا مسألة الكارثة الإنسانية التي طالت نحو 40′ من المجتمع السوري وحولتهم إلى لاجئين ومشردين وجرحى وسجناء وضحايا عنف مفرط، وثانيا مسألة انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، التي ارتكبت في سورية على أيدي النظام والمعارضة، خاصة مسألة الاغتصاب التي تقلق منظمات حقوق الإنسان. وهناك مسألة استخدام الأسلحة الكيماوية التي ما زالت بحاجة إلى تحقيق مستقل لتبيان الحقائق. وأخيرا مسألة الجماعات المتطرفة التي جعلت العديد من الدول تعيد النظر في مواقفها وتباعد بنفسها عن تأييد المعارضة التي أغرقت الساحة السورية بمن لا يمتون إلى الشعب السوري بصلة. فمثلا كان عدد الممتنعين عن التصويت على قرار الجمعية العامة الذي يدين النظام السوري في شهر شباط /فبراير 2012 سبع عشرة دولة، وفي شهر آب/ أغسطس 2012 ارتفع العدد إلى 33 دولة، وفي شهر أيار/مايو 2013 وصل العدد إلى 59 دولة، بينما بقي عدد الدول الداعمة لمواقف النظام 12 دولة فقط. مؤتمر اجنيف 2ب لا بــــد أن يتصدى أولا لمسألة الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري، ثم يقوم مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان بالتعامل مع المسائل الأخرى التي تشكل انتهاكا صريحا للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي.

اما فيما يخص الموقف العربي، فقد تصرفت الجامعة العربية منذ بداية الأزمة السورية بطريقة رد الفعل، من دون روية أو اتزان. ونعتقد أنها تسرعت في مسألة منح مقعد سورية للائتلاف الوطني. كان يمكن أن يبقى المقعد خاليا إلى أن تحسم الأمور ويجلس على المقعد من يمثل الشعب السوري بمجمله وعن طريق التراضي وليس بأوامر من هنا أو هناك، فبعد أن فشلت الجامعة العربية في لعب دور محوري في الأزمة السورية، خاصة بعد فشل مشروع إرسال مجموعة من المراقبين العرب لا تكفي لمراقبة ضيعة متوسطة الحجم، اختفى دور الجامعة كمؤسسة ولم يبق إلا بعض الأطراف الأساسيين الذين دعموا عسكرة الانتفاضة السلمية منذ البداية، التي كانت تصب في مصلحة النظام. إذن من مصلحة الجامعة العربية كمؤسسة وكدول فاعلة أن تختبئ وراء المؤتمر الدولي المزمع عقده في جنيف كي تجنب نفسها حرجا كبيرا في إعادة النظر في قراراتها المتسرعة في مسألة أحقية تمثيل الشعب السوري.

سبب واحد قد يؤدي إلى فشل المؤتمر، وهو التعنت في المواقف ما قد يؤدي إما إلى عدم انعقاد المؤتمر أو فشله في حالة عقده. على النظام أولا أن يترجل عن ظهر الفرس ويعترف بأنه لم يعد قادرا على حسم المعركة لصالحة، حتى لو جاءت جيوش الملالي بنفسها للحرب إلى جانبه، فالمعادلة الدولية الآن لن تسمح له أبدا أن يخرج منتصرا على خصومه، وما قرار الاتحاد الأوروبي برفع حظر تصدير الأسلحة للمعارضة إلا ورقة ضغط سياسية قد تترجم في حالة عناد النظام إلى شحنات متطورة من العدد والعتاد، بحيث تقلب موازين القوى على الأرض. إن وصف المعارضة السورية بأنها جماعة من الإرهابيين فقط لم تعد تقنع أحدا. إن الغالبية الساحقة من المعارضة السورية هم أبناء الوطن الغيورون على بلدهم وشعبهم وأن دخول مجموعات متطرفة تكفيرية من الخارج لا يعني أن المعارضة كلها كذلك. لقد آن الأوان لمصارحة مع الذات والاعتراف بأن هذا النظام بتشكيلته الأمنية لم يعد يعبر عن مصالح الغالبية الساحقة من أبناء الشعب السوري. ولو أتيحت الفرصة لانتخابات حقيقية فعلا ولو مرة واحدة لما بقيت عائلة الأسد في السلطة 42 سنة.

وعلى المعارضة الوطنية أيضا، على افتراض اتفاقها لحضور المؤتمر في وفد موحد، ألاّ تتسبب في فشل المؤتمر بوضع شروط تعجيزية مسبقة، وهي التي فشلت في استقطاب الغالبية الساحقة من الجيش أو تحييده، على الأقل كما ساهمت بسبب فرقتها وتشتتها في إغراق الساحة السورية بالعديد من التيارات والمواقف والجماعات غير المعنية بسورية ومستقبلها.

وكما أن هناك قوى ليس من مصلحتها هزيمة المعارضة، هناك قوى أكثر تشبثا بالنــــظام وأكثر استعدادا لحمايته من نهاية مروعة كنهاية نظام القذافي.

لقد وصلت الحرب شبه الأهلية إلى نقطة التوازن. فهذه فرصة يجب أن يغتنمها الطرفان وأن يشجعهما المجتمع الدولي ودول الجوار والدول المؤثرة على كل طرف من أجل نجاحها، فالنار قد تصلي المنطقة بأسرها إن لم تتوقف هذه الحرب الظالمة، التي يتحمل النظام مسؤولية إشعالها وتتحمل دول عديدة مسؤولية إبقاء أوراها مشتعلا. نتمنى على الطرفين الأساسين أن يعطيا فرصة لنداء العقل وأن يسمحا للوسيطين أن يطفئا حرب داحس والغبراء، بعد أن ‘تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم’ لأن الخاسر الأكبر سورية والمنطقة وفلسطين والعرب عموما.

‘ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

القدس العربي

إلى المدرسة مع معاناة سوريّة

آن ماري سلوتر

ترجمة: ماهر الجنيدي

مع محاولة الولايات المتحدة وروسيا للتوسط في المؤتمر الذي يمكن أن يجمع شتى أطراف الصراع السوري إلى طاولة المفاوضات، ينبغي على المشاركين الغربيين المحتملين على الأقل، التفكير في الآثار الأوسع لهذا الصراع على ديكتاتوريات العالم وديمقراطياته. والدروس المستفادة حتى الآن هي:

الأشرار يساعدون أصدقاءهم. الروس والإيرانيون هم على استعداد للقيام بكل ما يلزم لإبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة. حزب الله، مدعوماً بإيران، انتقل الآن علناً إلى أرض المعركة لدعم نظام الأسد. حافظت روسيا وإيران على تزويد الحكومة السورية بالأسلحة الثقيلة والمساعدات العسكرية الأخرى، بما في ذلك شحنات الصواريخ الروسية المتطورة المضادة للسفن المزودة بأنظمة رادار متقدّمة. وهذا سيساعد الأسد على التخندق في دويلة علوية تشمل الميناء الذي تستأجره روسيا في طرطوس، والتصدّي لجميع القادمين.

الدبلوماسية من دون تهديد حقيقي باستخدام القوة هي كلام فارغ. يرغب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، محقاً، بأن يقود الشؤون العالمية من خلال الاعتماد على القوة المدنية أكثر من القوة العسكرية، وهو يدرك أن الحلول العسكرية للمشاكل السياسة الخارجية مكلفة جداً، وغالبا ما تأتي بنتائج عكسية من حيث تعزيز الأمن والازدهار طويل الأمد في الولايات المتحدة.

ولكن في حين نصح ثيودور روزفلت “بالتحدث بلطف وحمل عصا غليظة”، تبدو استراتيجية أوباما في سوريّة أشبه “بالتحدث بصوت عال ورمي العصا بعيداً”. لقد أوضح الرئيس أوباما مراراً وتكراراً (كما فعل الأمين العام لحلف الناتو أندرس فوغ راسموسن) أنه غير مهتم بالتدخل عسكرياً في سوريّة، وبذا رمى جانباً إحدى أهم أدوات واشنطن في السياسة الخارجية، وخلَق حافزاً للجانب الحكومي السوري على مواصلة القتال حتى يصل إلى أفضل وضع تفاوضي ممكن للتوصل إلى تسوية، هذا إذا كان لديه أصلاً أي حافز للتفاوض.

إذا كنت ديكتاتوراً تواجه احتجاجات سياسية مستمرة، مارس أقصى وحشية يمكنك الوصول إليها، وحرّض على القتل الطائفي. يتمثل جزء من عذاب سورية هو طبيعة الصراع ذاتيّة التحقق. فمن مارس إلى ديسمبر 2011، تظاهر مئات آلاف السوريين كل يوم جمعة، سعياً بالتحرر السياسي نفسه الذي سعى إليه التونسيون والمصريون واليمنيون والبحرينيون والأردنيون وغيرهم، في ما كان يسمى تفاؤلاً بالربيع العربي. كانوا غير مسلحين، وأطلقت شرطة مكافحة الشغب وقناصة الحكومة عليهم النار في الشوارع، حتى بدأوا أخيراً بتشكيل ميليشيات محلية صغيرة لحماية أنفسهم، ميليشيات نمت تدريجياً إلى اتحاد فضفاض من القوات، تعرف الآن باسم الجيش السوري الحر.

وكان الأسد في غضون ذلك يصف العنف كأعمال يرتكبها إرهابيون ومتطرفون سنة يسعون للهيمنة على الأقليات من العلويين والدروز والأكراد والمسيحيين وغيرهم من الفئات. كان يعمل بدأب على تأجيج نيران الحرب الأهلية الطائفية، ونجح لدرجة أن السبب الرئيسي الآن لعدم التدخل لوقف أعمال القتل هو استحالة القيام بذلك بشكل فعال في بيئة من العنف الطائفي.

لا تزال المنظمات الإقليمية عاجزة على حل المشاكل الإقليمية من دون قيادة القوى العظمى. دأبت تركيا على التهديد والدعوة إلى عمل عسكري لمدة 18 شهراً، لكن المسؤولين الأمريكان يقولون إن الأتراك ليسوا على استعداد، في الواقع، لفعل أي شيء يتجاوز تقديم الدعم للاجئين و مقاتلي المعارضة. قطر والمملكة العربية السعودية ترسلان أيضاً الأسلحة إلى جماعات المعارضة السورية، ولكن الشلل أصاب الجامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي. من دون قوة عظمى مستعدة للمشاركة في القيادة، وللدفع من الخلف، فإن المنظمات الإقليمية لا يمكن أن تتولى المسؤولية في نطاقها.

معاناة الإنسان، حتى على نطاق واسع ومزعزع للاستقرار، لن يدفع العالم إلى التصرّف. في حوار جرى مؤخراً حول سوريّة مع خبيرَيْ سياسة خارجية معروفين، اقترح أحدهما أن حدود الشرق الأوسط الحالية، التي رُسمت في عهد الاستعمار، لا يمكن أن تستمر ويجب إعادة رسمها. أشرتُ إلى إمكانية نشوب حريق إقليمي يشبه حرب الثلاثين عاماً في أوروبا، التي يقدر أنها قتلت ما بين نصف وثلاثة أرباع السكان من بعض الدول المشاركة. اتفق معي بذلك أحد المحاورين، لكنه قال إننا عاجزين عن فعل شيء لوقفه، لأن “هذه هي الحقبة التاريخية التي نعيشها”.

ورغم جميع الشعارات العالمية الورعة المتمثلة في “لن تتكرر- never again”، التعويذة التي ظهرت بعد الهولوكوست، فإن القتل الجماعي نادراً ما يحفز التدخل الأجنبي. ومن المذهل أن نتصور أن العالم تجنّد فوراً لإخراج القوات العراقية من الكويت في 1991، ولكنه تقاعس لأكثر من عامين رغم عشرات الآلاف من القتلى السوريين، ورغم أن بلدهم، مهد الحضارة، صار ركاماً.

التدخّل “الإنساني”، وهو سلوك مدفوع من قلقنا على مصير أخوتنا في البشرية، غالباً ما يوصف بأنه يعكس “قلقاً أخلاقياً”. لكن، كم حرباً يلزمنا لندرك أن القتل لا يجلب إلا مزيداً من القتل؟ فالناس الذين يشاهدون ذبح أطفالهم وذويهم، واغتصاب زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم، والتحطيم الوحشي لمنازلهم، وتدمير أسباب رزقهم وسبل عيشهم، لا ينسون. فهم يحملون الانتقام في قلوبهم من جيل إلى جيل حتى نيل قدر من العدالة، يحضنون عداوتهم ضمن صراعات مجمدة تعيق النمو الاقتصادي، وتمنع تكوين رأسمال الاجتماعي، وتشل المؤسسات السياسية.

وحين لا يكون لدى أحد طرفي الحرب سبب لوقف القتال، لا يمكن لمؤتمر للسلام أن ينجح. وفي سوريا، تلتقي الحجج الأخلاقية والاستراتيجية والسياسية كلها في صالح إجراءات حاسمة لوقف القتل: إن لم يكن إلى الأبد، فعلى الأقل حالياً، لخلق فضاء للسلام. ولكن إذا ثمة دروس المستفادة من العامين الماضيين، فهي أن عجلات العنف ستدور وتدور.

أستاذة العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة برينستون، المديرة السابقة لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية.

لقراءة المقالة الأصل، انقر هنا.

http://www.theglobeandmail.com/commentary/going-to-school-on-syrias-suffering/article12206757/?service=print

مصير الثورة السورية قبل جنيف 2 وبعده..

مطاع صفدي

الصعوبة الرئيسية في كل مشكلة سياسية مصيرية، ليست في اجتراح الحلول، بل في القراءة المعرفية لمعطيات المشكلة المطروحة.

والسياسيون العرب، قلما يهتمون بالشأن المعرفي، بل اعتادوا اعتماد المعلومات الراهنة التي توفرها لهم أجهزتهم الرسمية، يبقى أنّ الفئات الأخرى من مثقفي المجتمع، أو من نشطاء الأعمال العمومية، فهؤلاء توجههم أفكارهم المسبقة المكونة لشخصياتهم المستقرة على قواعدها النموذجية، والمتوزعة بحسب تصنيفات مؤسساتهم المجتمعية القائمة.

هكذا تبدو الظواهر السياسية اليومية كأنها طوارئ نابتة من ذاتها، قلما يمكن التعرف إلى أسبابها الحقيقية الفاعلة. فأحوال المجتمع المتخلف مفروضة على سكانه كأمر واقع دائماً. وقد يدأب الناس على التنديد بهذه الأحوال من دون أن يجدوا لها تعليلاً أو تسويغاً سوى ردّها إلى المرجعيات المتداولة عن المصطلحات السلطوية الكبيرة. ما يعني أن مختلف هذه الأحوال المجتمعية القابلة للإدانات الشعبوية، هي بشكل ما مُدَوْلَنَة. فهي تنشأ وتُقمع، تحدث دائماً بقوة هذا السلطان العام الذي لم تعد أسماؤه الدولانية كافية لتعيينه، أو أنها لا تضيف جديداً على أشيائه المتسلسلة من بعضها.

وإذ تنفجر الثورات الشعبية آخيراً، وتتابع ظروفها المتعارضة سلباً وإيجاباً، فسريعاً ما يعيد الرأي العام تلاؤمه المضطرب مع إيقاعاتها، سريعاً ما يألف أخبار النجاحات كما الإخفاقات، سريعاً ما يتواطأ مع عذاباته الصامتة ليتلاءم مع أخبار الفظائع والمهالك والإبادات الهمجية الجماعية. كأنما من طبيعة الثورة أن تقسّم ناسها مابين فئة من الذئاب الكاسرة، وفئة أخرى من الحِمْلان الضحايا. والأولى هي الفئة الباغية إلى ما لانهاية، والثانية هي الفئة الهالكة ذات الثمن البخس، في حياتها وفي زوالها؛ فقد صار على العرب أن يتقبّلوا كل صباح ومساء أخبار موتاهم، بالجملة والمفرّق، بنوع من الروتين اليومي، كأنما هؤلاء الضحايا لم يكونوا أحياء قبل أن يُقتلوا. ليست هي اللامبالاة ، تلك الخاصية السيئة السمعة عن اعتياد الكسل الوجداني جماعياً ولا إفرادياً فحسب، ليست هي المسؤولة وحدها عن تكرار الفواجع العقيمة من أية ردود فعل ضدها تكافح تسلسلها الأعمى، فالكسل الوجداني ليس نابعاً من ذاته هكذا، إنه المحصّلة اللاأخلاقية لتوقف العقل الجماعي عن ممارسة القراءة المعرفية لدينامية العنف المستشري من حوله، هذه الدينامية نفسها سوف تغطي على عنف الثورة، تأخذه تحت هالتها، تجرفه مع نفايات الأعطال المجتمعية الأخرى، بل تجعله منتجاً لهوامشها التي تتوالد وتعشّش هي تحت ظلاله الداكنة.

ثورتنا العربية الراهنة هي الحدث الأعظم الذي لا يزلزل العروش القائمة بما لم تعهده من التهديدات المعارضة الدائمة فحسب، لكن مجتمعاتنا الغاضبة، لم تعد تقنعها السياسة، بل غدت هي المجتمعات الثائرة على ذاتها جملة وتفصيلاً، ليس استهداف قِمَم السلطة سوى المدخل الضروري للتصدي لكل مؤسسة نَخِرة عبر هيكلها التسلطي الذي يناظر هيكل القمة الحاكمة ويتبادل معها ديناميات القمع بصورة تلقائية وغير مباشرة، فأية رقابة غربية تتحلى بشيء من علومها (الإنسانوية) تدرك أن هذا الذي يحدث لقارة العرب والإسلام يكاد يتخطى كل ثوابت الكليشيهات التغييرية المألوفة عن ظواهر هذا العالم الغامض. ولذلك يتخبط ساسة الغرب في الفهم والتأويل، ومن ثم يتيهون في اجتراح سيناريوهات التدابير والمواقف. وقد يعترف البعض سراً أو علناً نسبياً أن جعبتهم (الاستعمارية) القديمة من تجارب الحلول الجاهزة باتت مستهلكة، وأن الحاضر العربي يخترقها ويتجاوزها، فلم يعد العرب وحدهم مأخوذين بأحداثهم لا يلوون على شيء من الوعي المعرفي بمجريات الوقائع من حولهم، حتى ثوارهم أنفسهم أمسوا غارقين أو مستغرقين في لجة الحدث العنفي الذي راح يسيّرهم هو أكثر مما يسيّرونه هم.

تبرز حال الاستعصاء المركّب هذا في اللحظة الحرجة الحالية من اشتباك ثورة سورية مع كل نقائضها، وبما يفرض على الأفرقاء في صفّها كما في صفوف الأصدقاء والمتدخلين والأعداء الفاعلين وسواهم، يفرض أحوال العجز عن الحسم فيما يتعلق بمآل المعارك المفتوحة راهنياً، عسكرياً وسياسياً، بسبب من ضياع اليقين عند الجميع حول ما ستكون عليه النهاية الأخيرة لكل هذا العنف الرهيب. ومع ذلك فليس أفرقاء العنف متساوين جميعاً في المسؤولية عن تعجيز إرادة الحل النهائي، ولعل (الغرب) يتحمل العبء الأعظم من عوامل هذا التعجيز، والغرب هنا يُراد به رأسُه الأعلى المدبّر الذي هو أمريكا، منذ أن أصبح قرارها المركزي هو في جعل الثورة تنحدر نحو مستنقع العنف المستديم حتى آخر ثائر يقتل نفسه.

من المعروف أن أعمار الثورات قصيرة نسبياً، إذ أنها تتحقق بالانفجارات الجماهيرية المفعمة بالهيجانات الصاخبة؛ فمن طبيعة الأحداث الثورية أنها فورية وقاطعة، مشروطة بالتركيز على الهدف المباشر، ما أن تبلغه حتى تنطفئ الحماسات الجماعية، غير أن الثورة السورية أُريد لها أن تتحول إلى بحيرة دموية فوّارة، تغذي حرباً إقليمية حولها أو ما يشبه حرباً عالمية من النوع الدبلوماسي لفترة غير محدودة. وفي هذا السياق المشؤوم كان امتناع أمريكا عن الجهر بالأفعال الحاسمة الكبرى، علةً دائمة لمختلف الخيبات التي مُني بها كل تخطيط واعد بالنهاية السعيدة، فقد طال الزمن حتى أدرك بعض قادة الميادين الثائرة أن صيغة (تحالفات الضرورة ) لم تكن أبداً لصالح الكفاح اليومي، أو على الأقل لم تكن مع المشروع الثوري من بدايته حتى نهايته، وإن تظاهرت دائماً بالتبني الملتبس لبعض أطروحاته وظاهراته.

الرهانُ الأوحد لسلوك الرئيس أوباما كانت إشاراته العملية هو إعطاء نظام الأسد المُهَلَ المتتابعة حتى ينجز القضاء على (التمرد). لكن النظام خيَّب آمال المراهنين عليه، القريبين المكشوفين والأبعدين، من غربيين، أمريكيين خصوصاً. أتاحوا له ارتكاب كل الفظائع في حق شعبه وحضارة بلاده، حيّدوا عنه كلَّ زواجر القانون الدولي وجمعياته الإنسانوية، منحوه حماية دبلوماسية عالمية قلّ نظيرها في التاريخ الحديث.

لم يخجل أوباما مرة واحدة وهو يتجاوز خطوطه الحمراء واحداً بعد الآخر أمام الملأ من الرأي العام العالمي، تلك التي سمحت عملياً لحاكم في هذه الدنيا أن ينشر الغازات السامة على سكان القرى والأحياء الآمنة في وطنه، بعد أن استنفد إنجازات مسلسل المجازر الجماعية التي بقدر ما قتلت من المدنيين الأبرياء، فإنها ضاعفت من تجذر الثورة في صميم الإرادة الشعبية حتى باتت هي المعادل الوحيد لبقاء إنسانيتها. كانت النتيجة الأخيرة لمساعي (أحلاف الضرورة)، لكل أساطيرها مع المؤتمرات والتصريحات والوعود الكاذبة، أن يواجه الثوار في المحصلة حالة منع النصر عنهم، وذلك بحجْز أسبابه اللوجستية السلاحية، وبعثرة قواه التنظيمية، كما لو كان ـ هذا المنع ـ تعبيراً طبيعياً عن حال امتناع قابلية الثورة نفسها عن الإتيان بالضربة القاضية المتصورة.

الثورة السورية التي لم يقض عليها أوحش نظام استبداد عرفه تاريخ العسف الشيطاني، والثورة التي لم تستطع أساطير أحلاف الضرورة أن تبدد قواها نهائياً، هذه الثورة التي كانت ومازالت تدقّ على أبواب دمشق، وكادت أن تكون قاب قوسين أو أدنى من إسقاط (قصر) الإرهابي الأكبر، هذه الثورة يُراد لها أن تُسطّر بدمائها أحرفَ هزيمتها، كما لو أنه صار عليها أن تُلملم شتاتِها من ميادين.. مصارعها. إنه ‘الحل السلمي’ الذي يجر رؤوسها الحامية إلى الغرف السوداء، إنه مؤتمر(جنيف 2)، الذي تم تحديده كمهلة جديدة في مسلسل الأوقات الميتة المفروضة على الزمن الثوري. فمن يُراد بهم أن يقبلوا التسليم بالأمر الواقع هم من كانوا، ومازالوا العاملين على تغييره بسواعدهم وأرواحهم. فليست المسألة هي أن يتجاور ويتحاور المتساوون فيما بينهم، بل كأنما صار على الثوار/الضحايا أن يردوا الشرعية الضائعة إلى جلاديهم.

الحل السياسي الحقيقي ليس هو الذي يقلب الأدوار بين أفرقائه، فالثوار هم المستمرون في مشروعهم، وإن كان لهم أن يتوقفوا يوماً، فلن يكون ذلك إلا إيذاناً بانعقاد المحكمة العادلة المنتصرة للحق وحده، والمُدينة للباطل والباطلين، هذه البديهية لا يسلّم بها أصحابُ الوجدان الكسول، من نوع بعض الجمهرات الشعبوية في بلادنا، كما دأب على عدم الاعتراف بها كل مجتمع طارئ من زمرة (أحلاف الضرورة ) وأضرابهم. لكن الفاجعة المريبة حقاً هو انحناء بعض الرؤوس غير الحامية من هوامش الثوار، وهم يدخلون إلى مجاهل (جنيف 2)، بينما يتابع ثوار الميادين والشوارع معاً نداءهم التاريخي منذ أول صرخة للشباب الغاضب: الشعب يريد إسقاط النظام!

‘ مفكر عربي مقيم في باريس

القدس العربي

«يالطا» جديدة بوابتها «جنيف2».. وترقب «سايكس بيكو» ثانية

 صالح القلاب

لم يعد هناك أي شك في أن هناك أمرا مريبا يجري بين الأميركيين والروس، بعيدا عن كل المعنيين بالأزمة السورية، حتى بما في ذلك نظام بشار الأسد نفسه؛ فهذه المفاوضات بين جون كيري وسيرغي لافروف المستمرة منذ ما قبل «جنيف الأولى» وبعدها، والتي انتقلت أخيرا من موسكو إلى باريس، لا بد أنها تدور حول قضايا أبعد وأهم من مجرد الاتفاق على المرحلة الانتقالية التي يجري الحديث عنها لحل الأزمة السورية وصلاحيات الحكومة التي من المفترض أن تشرف على هذه المرحلة وما إذا كانت هذه الصلاحيات ستشمل الجيش والأجهزة الأمنية والبنك المركزي أم لا، وأيضا ما إذا كان الرئيس السوري سيحتفظ بموقعه وبعض صلاحياته لفترة محددة أم أن عليه التنحي المسبق والخروج نهائيا من هذه المعادلة السياسية الجديدة؟!

إنه من غير المعقول أن تضع روسيا نفسها بديلا للنظام السوري على هذا النحو وتتصرف على أنها هي المعنية بهذه الأزمة وليس غيرها، وأن يواصل وزير خارجيتها سيرغي لافروف إطلاق التأكيد تلو التأكيد على أن بشار الأسد باق في موقعه حتى العام المقبل 2014، وأن من حقه الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ما لم تكن هناك قضية بين بلاده والولايات المتحدة أكبر كثيرا من مجرد إيجاد مخرج من المأزق الذي أصبحت فيه سوريا وتأثيراته على المنطقة الشرق أوسطية وكل ما فيها من أوضاع مضطربة مقلقة لكل من لهم مصالح في هذه المنطقة.

حتى بالنسبة لحضور حكومة بشار الأسد المؤتمر الدولي (جنيف2) الذي من المفترض أن ينعقد الشهر المقبل، فإن الخارجية الروسية هي التي تحدثت باسم هذه الحكومة وليس وليد المعلم ولا فيصل المقداد، والمعروف أن لافروف بقي يكرر على مدى العامين الماضيين أنه لم يطرح على الرئيس بشار الأسد التنحي، وأنه حتى لو طرح عليه أن يتنحى فإنه لن يقبل وأنه لن يقدم على مثل هذه الخطوة على الإطلاق.

وهكذا فإن آخر ما تحدث به لافروف نيابة عن الحكومة السورية، وربما من دون استشارتها ومن دون علمها، هو الاعتراض على القرار الأوروبي برفع الحظر عن تزويد المعارضة السورية بالأسلحة التي تحتاجها للدفاع عن نفسها وعن شعبها، والقول إن هذا سيؤثر على مؤتمر جنيف المقترح، وإنه قد يحول دون انعقاده، وبالتالي إفشال هذه المحاولة الوحيدة لحل الأزمة السورية.

إن هناك أمرا يجري في الخفاء بين الروس والأميركيين، وإلا فما معنى أن يوافق وزير الخارجية الأميركي جون كيري فجأة على وجهة نظر نظيره الروسي سيرغي لافروف القائلة بأن الجيش والأجهزة الأمنية والبنك المركزي أيضا خارج صلاحيات الحكومة الانتقالية التي تم التوافق عليها من حيث المبدأ بين روسيا والولايات المتحدة، ولكن على نحو لا يزال يلفه الغموض، وبخاصة فيما يتعلق بمصير بشار الأسد في هذه «التسوية» الغامضة التي من الواضح أنه لا تزال أمامها عقبات كثيرة.

إنها لعبة أمم جديدة ينفرد بها الروس والأميركيون من دون علم دول الاتحاد الأوروبي، التي تعتبر الحليف الرئيس لأميركا، وهذا هو بالتأكيد ما جعل هذه الدول تتخذ قرار تسليح المعارضة السورية من دون التنسيق مع الأميركيين ومن دون التشاور معهم، وأيضا من دون علم ما يسمى مجموعة الـ«بريكس» (الصين وجنوب أفريقيا والبرازيل وروسيا والهند)، المحسوبة على موسكو وتشكل معها تكتلا يرفض وحدانية القطبية العالمية، ويطالب بصيغة تعددية جديدة لهذه القطبية.

وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أن مسؤولا سابقا لمخابرات أكبر دولة فيما كان يسمى مجموعة أوروبا الشرقية، التي كانت جزءا من حلف وارسو وتدور في فلك الاتحاد السوفياتي، قد أبلغ مسؤولا عربيا قبل أسابيع بأنه حصل على معلومات، بحكم موقعه السابق وعلاقاته الروسية الحالية، تؤكد أن المؤتمر الدولي (جنيف2) الذي ينفرد الأميركيون والروس بالإعداد له سيكون بمثابة «يالطا» جديدة، وأنه، إلى جانب قراراته واتفاقاته المعلنة المتعلقة بالأزمة السورية التي يجري الحديث عنها، ستكون هناك اتفاقات سرية بين روسيا والولايات المتحدة، وعلى أساس أن أميركا قد تخلت عن مكانة «القطب» العالمي الواحد والأوحد لمصلحة الثنائية القطبية، وعلى غرار ما كان عليه الوضع قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وما كان يسمى «المنظومة الاشتراكية» في بدايات تسعينات القرن الماضي.

ولقد قال هذا المسؤول الأمني الأوروبي الشرقي السابق، مما قاله للمسؤول العربي الآنف الذكر، إن ما يجري بين روسيا والولايات المتحدة، وبين جون كيري وسيرغي لافروف، وما سيجري في القمة المنتظرة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي باراك أوباما؛ هو الاتفاق على تقاسم النفوذ في المنطقة الشرق أوسطية، وربمـا أيضا في أفريقيا، وإن هذا يعني أن الأوضاع السورية ستبقـى معلقة، وإنه لا حل لهذه الأزمة قبل التفاهم والاتفاق بين الأميركيين والروس على حصـة كل منهما في خريطة النفوذ الجديدة في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة.

وحسب هذا المسؤول الأمني الأوروبي الشرقي السابق أيضا، فإنه إذا جرى الاتفاق بين الأميركيين والروس على تقاسم النفوذ في هذه المنطقة، فإنه من غير المستبعد أن تختفي دول حالية، وأن تظهر دول جديدة، وأن الدولة الفلسطينية المنشودة ستكون من بين هذه الدول الجديدة التي ستظهر. وهو، أي هذا المسؤول، قد قال إن العراق كدولة واحدة ستكون مستهدفة بهذه الخريطة الجديدة، وإن مشكلة القدرات النووية الإيرانية ستكون جزءا من هذه الصفقة الأميركية – الروسية التي تجري المفاوضات بشأنها تحت غطاء البحث عن حل «استراتيجي» للأزمة السورية.

وحقيقة فإن ما يعزز هذا الذي قاله هذا المسؤول الأوروبي الشرقي السابق هو أن فلاديمير بوتين قد استغل ضعف الرئيس الأميركي باراك أوباما وخوف إدارته من الغرق في مستنقع جديد كذلك المستنقع القديم في فيتنام، وكالمستنقعين الجديدين في أفغانستان والعراق، وبادر إلى اختراع مجموعة الـ«بريكس» الآنفة الذكر التي تطالب بإنهاء صيغة الأحادية القطبية في العالم لحساب صيغة جديدة قائمة على التعددية القطبية؛ كي يفرض على الأميركيين إعادة تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط كبداية، وكي يشمل هذا التقاسم لاحقا كل الكرة الأرضية.

لقد بات واضحا أن بوتين، الذي يتصرف على أنه أحد أباطرة روسيا القديمة، استغل الأزمة السورية التي انفجرت في مارس (آذار) 2011، وبقي يحول دون أي حل لها لا يضمن له إجبار الأميركيين على الاتفاق مع الروس على خريطة جديدة لهذه المنطقة الشرق أوسطية تعيد لهم بعض ما كانوا خسروه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينات القرن الماضي.

وهذا يعني ويؤكد أن ما يجري بين الأميركيين والروس هو أبعد كثيرا من مجرد الاتفاق على الأزمة السورية المتفاقمة والمستفحلة، وأن موسكو ترى أنها خسرت أوروبا الشرقية كلها، وخسرت الشرق الأوسط كله تقريبا، وخسرت أيضا قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينات القرن الماضي مصر وإثيوبيا (هيلا مريام) والصومال (سياد بري)، وحديثا ليبيا (معمر القذافي)، في لحظة تاريخية مريضة، وأنه عليها بعدما تعافت ووقفت على قدميها أن تستغل ضعف الرئيس الأميركي وضعف إدارته لتستعيد إن لم يكن كل ما خسرته فبعضه على الأقل.

إن هذه مسألة في منتهى الخطورة والجدية، ولذلك فيقينا أنه إذا بقيت الدول العربية تنشغل بقشور الأزمة السورية، التي لم يستفد منها حتى الآن إلا الروس والإيرانيون وبعض أتباعهم، على هذا النحو، فإنها ستجد نفسها أمام واقع إقليمي ودولي جديد كالواقع الذي وجد العرب أنفسهم أمامه بعد الحرب العالمية الأولى، وربما أخطر، وإنها ستجد أنها مضطرة إلى التعاطي مع مستجدات كالمستجدات التي ترتبت على «وعد بلفور» المشؤوم، وعلى اتفاقيات سايكس – بيكو المعروفة.

الشرق الأوسط

سقوط القُصير قد يجمّد جنيف – 2

ومساع لمنع انعكاساته على لبنان

    خليل فليحان

يرصد المسؤولون بتأنّ ما يجري في بلدة القصير، في ظل المعلومات الواردة الى بيروت من مقاتلي المعارضة الذين يستغيثون نظراً الى الحصار المحكم لقوات النظام على معظم مداخل البلدة، مما سيؤدي الى أحد أمرين، استكمال العملية العسكرية التي يشارك فيها “حزب الله”. مما يؤدي الى عدم انعقاد “جنيف – 2” في حزيران، أو تجميد تلك العملية الى حين انعقاد “جنيف – 2” وتقديم الاسعافات الطبية المطلوبة، فتسقط ذريعة “الائتلاف” المعارض بعدم المشاركة بفعل الحصار ووجود 1500 جريح وفقاً لما اعلنه رئيس “الائتلاف” بالوكالة جورج صبرا، والسماح لما تبقى من المدنيين بمغادرة البلدة. وخطورة الواقع الجديد هو ان الرئيس بشار الاسد يضغط ويحقق انتصاراً في القصير، كما يحشد قواته على طريق مطار دمشق الدولي ومن الجهة الشرقية والغربية للغوطة الشرقية فيما مقاتلو المعارضة يعانون نقصاً في الامدادات والذخائر. ولعل بيان التنسيقيات يدل على ان مقاتلي المعارضة متخوفون من خسارة المزيد من المواقع الاستراتيجية التي كانت تسيطر  عليها.

وما يهم لبنان هو ألا يؤدي سقوط القصير الى زعزعة الاستقرار في مناطق معينة من البلاد، وذلك بمهاجمة قرى ومناطق شيعية بالتجاوب مع الدعوات الى فتح الحوار بأقصى سرعة.

ودعت قيادات سياسية بارزة الى منع تسلل الازمة السورية الى لبنان، وعلى الاخص لجبهة الاقتتال الطائفي وبذل كل الجهود لمنع اطلاق القذائف على مناطق معينة من دون سواها، وهو ما يرمي الى مزيد من الفرقة بين الناس.

وشددت على أهمية تذليل سوء التفاهم بين مؤيد للتدخل العسكري في البلدة والانسحاب من المعركة. والمطلوب التنبه للتوترات التي تشهدها ليس سوريا وحدها بل ايضا لبنان، مع الاشارة الى انه لا يجوز المقارنة بين الواقع الناشئ والامكانات، ولا سيما الامنية منها. وذكر احد السفراء انه اتصل باحدى شركات الطيران وطلب الى المسؤول عن مكتبها تسهيل الاجراءات العملانية لاجلاء الديبلوماسيين وبعض الرعايا اذا تطورت

الامور.

وأشارت الى أن الاجتماع غير العادي لمجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة في الخامس من حزيران المقبل سيكون له موقف مما يجري في القصير، لكن التزام بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة الاميركية يجعلها لا تتخذ موقفا متشددا يمنع انعقاد ذلك المؤتمر.

ورأت أن الاجتماع العربي في القاهرة لن يساعد على انجاح “جنيف – 2″، بل سيزيد التصعيد، ويصعب التئام الاجتماع، واذا حصل ذلك بممثلين للمعارضة من خارج “الائتلاف” فهذه الخطوة لن تكون طبيعية.

ونبهت الى ان ما يهم المسؤولين وزعماء بعض الحركات السياسية هو عدم اقحام لبنان في الازمة السورية، والابتعاد عن التورط ايا تكن الجهة، لان ذلك غير مبرر تحت اي ظرف. واقترحت الاتصال بفرنسا من اجل منع اي اعتداء سوري على الاراضي اللبنانية، وتحديداً من المعارضة ضد اي منطقة، سواء في الضاحية او في البقاع.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى