شلل اطفال سوريا/ مروان أبو خالد
تتزايد ردود الأفعال المحلية والدولية على الوضع الصحي المتردي الذي يعيشه أطفال سوريا، لاسيما مع ظهور حالات متزايدة من مرض شلل الأطفال. فقد خلّفت الحرب التي أشعلها النظام الكثير من الدمار في البنى التحتية الصحية والذي أدى الى عدم حصول أعداد كبيرة من الأطفال على اللقاحات الوقائية ضد هذا المرض. هكذا، انخفض معدل التحصين ضد شلل الأطفال في سورية من 91% العام 2010 إلى 68% في العام 2012.
وحسب منظمة الصحة العالمية فإن شلل الأطفال سيهدد حوالي 100 ألف طفل سوري في المنطقة الشمالية والشرقية من سوريا بشكل مباشر. هذا ناهيك عن النتائج الكارثية المترتبة من حقيقة ان انتشار شلل الأطفال لن يطال سورية وحدها، بل سيتعداها ليهدد ملايين الأطفال في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وذلك، نظراً لهروب أعداد متزايدة من الأسر السورية إلى دول الجوار. والخطورة تكمن في أن مرض شلل الأطفال يمكن أن ينتقل عن طريق اللمس أو التنفس، وهذا ما يتطلب إعلان حالة طوارئ حقيقية لمواجهة هذا المرض سواء في الداخل السوري أو في دول الجوار ومخيمات النازحين.
وتفيد الإحصاءات أن آخر حالة سجلت في سورية بهذا المرض كانت العام 1999. وعاد المرض للظهور حالياً نظراً لعوامل كثيرة يأتي في مقدمتها سوء التغذية وتلوث المياه وغياب الرعاية الصحية. وحتى الآن، تم تسجيل إصابة 10 أطفال بشلل الأطفال والاشتباه بحالة 12 طفل آخر، جميعهم لا يتجاوزون الثانية من عمرهم، لاسيما في محافظة دير الزور. في ظل توقعات طبية بالكشف عن حالات أكثر في الفترة المقبلة. وفي حين لم تصدر بعد نتائج التحاليل النهائية التي ستحدد التسلسل الجيني للفيروس لمعرفة مصدره الجغرافي، إلا أن الدراسات الأولية تشير إلى ان باكستان مصدر الفيروس، نظراً لأن الفيروس مستوطن حالياً في ثلاث دول هي باكستان وأفغانستان ونيجيريا. ومن المرجح أن المقاتلين الأجانب الذين تستقدمهم داعش وأخواتها من التنظيمات الجهادية، حملوا الفيروس معهم، خاصة أن لهذه التنظيمات الجهادية كطالبان تجربة طويلة في رفض تطعيم أطفال باكستان وأفغانستان بلقاحات شلل الأطفال، بل وقيامهم في مناسبات كثيرة باغتيال المتطوعين العاملين في مجال التلقيح، لأسباب إيديولوجية وعقائدية.
وتشير المعطيات إلى أن إمكان مواجهة هذا المرض تبدو غير متوافرة حتى الآن. فبرغم الإعلان عن قرب وصول مليون لقاح ضد شلل الأطفال لسورية كدفعة أولى مقدمة من قبل منظمة الصحة العالمية واليونيسف، إلا أن استمرار النزاع المسلح، وتشرد أكثر من 7 ملايين سوري خارج منازلهم، والنقص المتزايد في عدد الأطباء ودمار المرافق الصحية، بالإضافة لتعرض الكثير من المتطوعين في مجال الإغاثة للخطف والمضايقات الأمنية، كلها ظروف تجعل اتخاذ إجراءات سريعة ميدانياً أمراً غير ممكن، خصوصاً أن نضوج تسوية سياسية توفر أرضية ميدانية ملائمة لإيصال اللقاحات وإعطائها للأطفال تبدو بعيدة الأفق في الوقت الراهن. فطرفا الصراع العسكري لم يدركا بعد خطورة انتشار هذا المرض، وكون مواجهته ووقاية أطفال سورية منه هي قضية إنسانية ودولية وأعمق بكثير من أي خلاف سياسي. فبينما تقول الحكومة أنها مستعدة وقادرة على إيصال اللقاحات للأطفال في المناطق الساخنة ولكن الجماعات المسلحة هي من تمنع وتسطو على قوافل الدواء، يرد المعارضون بأن الحكومة هي من تمنع فتح ممرات إنسانية ووصول فرق الإغاثة الدولية إلى داخل سورية. وبين الأخذ والرد فإن حياة 500 ألف طفل سوري يقطنون في المناطق الساخنة عسكرياً ولم يحصلوا على التطعيم المضاد لفيروس شلل الأطفال خلال العامين الماضيين، وحياة أعداد كبيرة من الأطفال في دول الجوار الذين تتواجد إمكانية نظرية لإصابتهم بالفيروس، أصبحت على المحك.
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى الآن لا يوجد علاج لشلل الأطفال، وكل الإجراءات الطبية المتخذة تهدف فقط للتخفيف من أعراضه. ولهذا لابد للأسر السورية من أن تتخذ إجراءات وقائية منزلية لمنع الإصابة أهمها: التأكد من نظافة الطعام والماء المقدم للطفل، وتعقيم الحليب بالغلي بشكل جيد، وتجنب تناول الأطعمة غير المطبوخة، والتقليل قدر الإمكان من احتكاك الأطفال بالآخرين لتجنيبهم التعرض للرذاذ المتطاير من الفم والأنف إضافة للاهتمام بالنظافة العامة. مع ضرورة عزل الطفل المصاب وتعقيم كل الأدوات التي يستخدمها في حال إصابته بالمرض الذي تبدأ أعراضه بالحمى والتقيؤ وتشنجات حادة في الأطراف وفقدان ردود الفعل الانعكاسية.
يذكر أن الحرب العبثية في البلاد قد أدت الى مصرع أكثر من عشرة آلاف طفل حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، واستمرارها في ظل انتشار الأوبئة والأمراض المستعصية سيهدد حياة جيل كامل من أطفال سورية. فأي مستقبل ينتظرنا؟
المدن