شهر العسل بين المقاومة و«الإخوان المسلمين» في نهايته
لماذا لم يطلب محمد بديع موعداً للقاء نصر الله؟
عمار نعمة
غريبة هي الفترة التي تمر فيها العلاقة بين «حزب الله» وحركة «الاخوان المسلمين» عن تلك المرحلة الممتدة لسنين طويلة بين هذين التيارين اللذين شكلا عماد الشرعية الشعبية لمشروع المقاومة على ضفتي الطائفتين الاساسيتين في العالم الاسلامي، السنة والشيعة.
والحال ان الحزب و«الإخوان» قد انتميا خلال نحو ثلاثة عقود الى مشروع مشترك مواجه لمشاريع هيمنة الانظمة الغربية على المنطقة، برغم اختلاف ظروف كل منهما، اذ انخرط «حزب الله» في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والغرب وادواتهما في لبنان، بينما تمثل الهدف الاول بالنسبة الى حركة «الاخوان»، في اقطار عربية مختلفة، في مواجهة الانظمة الحاكمة، تمهيدا لاستلام الحكم.
والواقع ان حركة «الاخوان» العالمية لا تحتفظ بمركزية هرمية تضم حركاتها كافة في العالم الاسلامي، وتشترك هذه الحركات جميعها في استراتيجية واحدة، فضفاضة، حيث يحتفظ كل تنظيم بهامش واسع من الحركة، وقد دفع هذا التمايز في بعض الاحيان الى تناقضات عميقة في ما بينها، اذ بينما خرجت الحركة في الماضي بخطاب معاد لسياسة الغرب بشكل عام، انخرط تنظيم الحركة في العراق في حلف مع الاميركيين اثر الاحتلال، اما حركة «الاخوان» في سوريا فيبدو ان صلتها مع الادارة الاميركية وحلفاء واشنطن في المنطقة قد بلغت مرحلة متقدمة وتعود لعقود من الزمن.
ومع سقوط نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك في تونس ومصر، وفي ظل تولي «الاخوان» رأس حربة المواجهة المباشرة بوجه النظام السوري، اضافة الى مواجهات، خجولة حتى اليوم، للحركة الاسلامية بشكل عام مع النظامين الاردني والمغربي، تخرج اليوم حركة «الاخوان المسلمين» لتشكل ظاهرة حقيقية في ظل الحراك الشعبي العربي، تخشاها الشعوب المنتفضة، لكنها تبدو في حاجة ماسة اليها لتحقيق الانقلاب على الواقع الرسمي الذي طبع العالم العربي منذ مرحلة ما بعد الاستقلال عن الاستعمار خلال القرن الماضي.
وقد عزز موقف الحركة ايضا استظلال «الاخوان» للعباءة التركية التي يشكل الحزب الحاكم فيها، «العدالة والتنمية»، فرعاً بالغ الاهمية بالنسبة الى حركة «الاخوان»، وان احتفظ بمسافة لا تلغي مرجعية «الاخوان المسلمين»، حتى ان الحزب التركي قد أصبح اليوم يمثل عمقاً اساسياً لحركات «الاخوان» في استراتيجيتها في المنطقة كما في تحالفاتها الخارجية، والتي تأتي الادارة الاميركية على رأسها!
يأتي ذلك كله في ظل حراك سياسي «سني» في المنطقة، يستظل بعض انظمة الحكم في المنطقة الحليفة لواشنطن، في مواجهة ما يعتبره كثيرون «تغلغلاً وأطماعاً فارسية» لإيران في الخليج والمنطقة، ويتخذ هذا الحراك عنوان «المأزومية السنية» في المنطقة من أفغانستان مروراً بالعراق وليس انتهاء بسوريا ولبنان!
«تململ سني»
تنطلق أوساط مطلعة على واقع العلاقة اليوم بين إيران و«الاخوان» كما بين هذه الحركة و«حزب الله»، من التململ «السني» الحالي، لتفسر سبب ابتعاد «الاخوان» عن محور المقاومة وتقربهم اكثر فاكثر من الحركة الاميركية في المنطقة التي باتت تراهن اليوم على ما تسميه «الاسلام المعتدل»، ومثاله في تركيا، للحؤول دون المزيد من السيطرة الايرانية على المنطقة، اضافة الى تحجيم الحراك الاسلامي السني الجهادي والسلفي بعد تجميد واشنطن العلاقة معه، والهم الاول بالنسبة الى واشنطن كان ولا يزال وسيبقى عمادها الاساس في المنطقة، أي حليفتها إسرائيل.
لا يعني هذا الامر ان الادارة الاميركية تتفق في استراتيجيتها بالكامل مع حركة «الاخوان»، لكنها تعمل على تعديل استراتيجية هذه الحركة لمصلحتها، وتشير الأوساط نفسها الى ان نهوض الاخوان في المنطقة هذه الايام، تلازم مع اقتراب في السياسة بين الدورين التركي والسعودي، مع العلم ان السعودية قد اتخذت من «الاخوان» خصماً لها طيلة عقود.
ويعيد بعض المحللين بداية التحول في موقف «الاخوان» الى الماضي القريب، مع انتصار الانتفاضة التونسية وبداية الحراك الشعبي في مصر، عندما شرع «الاخوان» في اجراء اتصال مباشر مع الاميركيين وجهات غربية أخرى، ربما لطمأنتهم الى واقع الحال بعد انتصار الثورة في مصر. ويقول هؤلاء ان المشروع السلطوي للاخوان دفع بهم الى هذا الطريق، كما انهم ارادوا استيعاب الحركة السلفية النامية في مصر والتي تتخذ من الشعارات الطائفية والمذهبية العقائدية اساساً لانتشارها، كما انهم حسنوا علاقتهم بالمؤسسة الدينية في مصر أي الأزهر. وتوقف كثيرون عند «السلبية» التي ابداها الاخوان خلال الحراك الشعبي في يوم النكبة كما في ذكرى النكسة، ومن المفيد التذكير بأن شعارات الاخوان خلال انتفاضة الشعب المصري لم تلحظ أي تحرك أو لافتة أو حتى هتاف ضد إسرائيل أو اتفاقية كامب دايفيد!
من هنا يحذر بعض المراقبين من خطورة الاحداث في سوريا، ويقول هؤلاء ان «الاخوان» السوريين، وحركات شقيقة، قد يشكلون «حصان طروادة» أميركيا لضرب محور المقاومة انطلاقاً من اسقاط النظام في دمشق.
وفيما ترصد الجهات المتابعة وجود خلافات جوهرية قد تصل الى حد الانشقاق بين «إخوان» سوريا، بدليل اختلاف الحضور والنبرة في مؤتمري أنطاليا وبروكسيل، تسأل هل انتهى شهر عسل «الاخوان» مع إيران و«حزب الله»؟
من الواضح، حسب الأوساط المتابعة، ان الاخوان» بدأوا بنأي انفسهم عن محور ايران و«حزب الله»، وثمة مثل بسيط يستدل به من الزيارة التي قام بها مرشد «الاخوان» في مصر محمد بديع الى لبنان قبل اسابيع، اذ على غير العادة، تجاهل زعيم «الاخوان» قيادة «حزب الله» ولم يطلب موعدا للقاء الامين العام السيد حسن نصر الله، حتى ان بديع لم يوجه خلال زيارته أي خطاب خاص او حتى كلمة شكر الى المقاومة!
لكن البعض يشير في المقابل الى حالة ارباك لدى «الاخوان»، اذ بينما تنخرط الحركة في معركة تبدو معركة وجود بالنسبة الى التنظيم في سوريا، تحتفظ الحركة في مصر بمسافة عن تلك الاحداث ويبدو موقفها ضبابياً، وفي لبنان، ثمة ترقب لدى «الجماعة الاسلامية» لمسار الاحداث وثمة أسئلة حول «فتور» العلاقة مع «حزب الله» وزيارة «مؤجلة» لإيران، أما في الاردن، فيبعد «الاخوان» انفسهم عن احداث سوريا ويتهمهم البعض بأن موقفهم هو اقرب الى النظام في سوريا عنهم من اخوانهم في الحركة.
على انه برغم هذا الهامش، قد تكشف الاحداث عن موقف اكثر جذرية للاخوان، خاصة في حال تطورت الأمور في سوريا نحو الأسوأ، واذا ما طالت زمنياً.. وخلال هذه المرحلة، لن يزيد موقف «الاخوان» من المسافة مع إيران والمقاومة.. سوى ابتعاد!
السفير