صفحات العالم

إيران والغرب وصعوبة تجسير الفجوة / حازم صاغية

 

 

مع العودة إلى المفاوضات بين إيران والدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن زائداً ألمانيا، يبقى لافتاً أنّ الطرفين المتفاضين يمارسان ما يشبه المزايدة المتبادلة في ما خصّ وصف الصعوبات الحائلة دون اتّفاق نهائيّ.

هكذا لا تهبّ علينا من العاصمة النمساويّة فيينا، حيث يجري التفاوض، سوى أصوات إيرانيّة وغربيّة تطالبنا بخفض التوقّعات وضبط نسبة التفاؤل. فعلى رغم انعقاد لقاءات ثلاثة هذا العام، اكتفت واشنطن في وصفها حصيلة ما جرى بأنّها “تمكين الجانبين من فهم أحدهما الآخر”!

وكما بات معروفاً، تتعدّد أسباب التحفّظ وتتنوّع. فالغربيّون لا يثقون بالنظام الإيرانيّ ووعوده وتعهّداته، خصوصاً أنّ مشروعه النوويّ الذي يدور التفاوض بشأنه إنّما وُلد في السرّ والعتم، وما كان ليُعرَف بوجوده لولا أنّ أحد المنشقّين الإيرانيّين سرّب أمره. وهذا فضلاً عن أنّ الأنظمة غير الديمقراطيّة التي تنعدم الشفافيّة فيها وتصاغ القرارات في الغرف المغلقة، لا تبعث على الثقة أصلاً.

ومن ناحيته فإنّ النظام الإيرانيّ، بتركيبه التآمريّ ووساوسه حيال “الغرباء”، لا يثق بالغربيّين حكوماتٍ وشعوباً. وهو، منذ قيامه في 1979، لم يكفّ عن تغذية هذه الشكوك، مستفيداً خصوصاً من تجربة الانقلاب على محمّد مصدّق في أوائل الخمسينات بدعم من وكالة الاستخبارات المركزيّة الأمريكيّة (سي أي إي)، ومن تحالف الولايات المتّحدة مع نظام الشاه. وقد حاولت الحكومات الخمينيّة المتعاقبة، في نبشها المتواصل للماضي وأحقاده، تحويل تلك الوساوس إلى طبيعة إيرانيّة ثانية.

لكنْ فضلاً عن انعدام الثقة المتبادل، يدفع التعارض بين أجنحة الحكم الإيرانيّ في الاتّجاه ذاته. ذاك أنّه لم يعد سرّاً وجود تنافس ضارٍ بين رئيس الجمهوريّة حسن روحاني ومعه وزير خارجيّته محمّد جواد ظريف وبين بيئة الحرس الثوريّ التي تجمع إلى امتلاكها مصالح ضخمة راكمتها في مناخات العسكرة والتصلّب، اتّباع خطّ سياسيّ وإيديولوجيّ بالغ التصلّب. وغنيّ عن القول إنّ ضراوة النزاع بين الجناحين تجدّد طرح السؤال الكبير حول مدى التفويض الذي يمنحه المرشد الأعلى علي خامنئي لرئيس الجمهوريّة روحاني، وبالتالي مدى قدرة الأخير على الوفاء بما يتعهّده هو ووزير خارجيّته ظريف.

هكذا نجد روحاني وظريف يندفعان إلى لهجة متشدّدة لحماية نفسيهما من الاتّهام بالتفريط، بينما يصل الأمر بعلاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن القوميّ والسياسة الخارجيّة في مجلس الشورى الإسلاميّ، إلى وصف البرنامج النوويّ لبلاده بأنّه “خطّ أحمر”، مضيفاً، بما يلغي فكرة التفاوض أصلاً، أنّ “تعليمات صدرت إلى الفريق الإيرانيّ للمفاوضات النوويّة بعدم الخوض في هذا المجال”!

لكنْ إلى ذلك، وربّما قبله، ثمّة ما يلوح شبحه في الشقّ المعتم من التفاوض، أي موقع إيران الإقليميّ، ولا سيّما انخراطها في الصراع الذي أطلقته الثورة السوريّة، وهذا معطوفاً على أدوار طهران في العراق والخليج واليمن ولبنان وفلسطين، وفي ما يخصّ العلاقة بإسرائيل التي لا تكتم عداءها الصريح لأيّة “صفقة” تتمّ مع إيران.

وهنا لم يكن يبالغ عبّاس عرقجي، مساعد وزير الخارجيّة وكبير المفاوضين الإيرانيّين، حين رأى أنّ “جميع القضايا مرتبط بعضها ببعض، وما لم نصل إلى اتّفاق حولها كلّها، لا يمكن القول بأنّنا توصّلنا إلى اتّفاق بشأن قضيّة بعينها”.

وهذا، في الواقع، إنّما بات واضحاً منذ لقاء جنيف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013: إمّا أن يشمل الاتّفاق كلّ شيء أو أن لا يشمل شيئاً.

وأغلب الظنّ أنّ المسألة هنا لا تطال وجود الدور أو غيابه. ذاك أنّ إشارات كثيرة باتت تسمح بالقول إنّ الدول الغربيّة، خصوصاً في ظلّ رئاسة باراك أوباما، لا مانع لديها بدور إيرانيّ إقليميّ يظلّله عنوان “مكافحة الإرهاب” الرائج اليوم. إلاّ أنّ المشكلة تتناول طبيعة هذا الدور ووجهته. فهل تقبل إيران الخمينيّة باستعادة السياسة كما كان يمارسها الشاه، بالتكامل مع الاستراتيجيّات الغربيّة في المنطقة؟ وهل لهذا الغرض، ولجسّ نبض الاستعدادات الإيرانيّة، وُجّهت الدعوة السعوديّة لمحمّد جواد ظريف لزيارة الرياض؟

الأمر الوحيد الذي يمكن الجزم به الآن أنّ الهوّة ضخمة، وضخمة جدّاً، بين المهمّة المناطة بالتفاوض، أي بتّ الخلافات جميعاً، وبين المسافات الهائلة التي تفصل بين المتفاوضين. أمّا تجسير تلك الفجوة فلا يزال يبدو بعيداً جدّاً.

موقع 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى