صديق للأسد يقود السياسة الأميركية تجاه سوريا/ حسين عبد الحسين
البلبلة التي احدثتها مقالة الصديق دافيد كينير في “فورين بوليسي”، والتي نشرها تحت عنوان “إعادة كتابة الحرب السورية”، جاءت بمثابة المفاجأة للبعض، وجاء فيها ان الصحافي السابق والباحث في مركز أبحاث “الحوار الإنساني” نير روزين قدم تقريراً يصف نظام الرئيس السوري بشار الأسد بغير الطائفي، ويطلق صفة التطرف السني على المعارضة بأكملها، ويدعو الى وقف إطلاق نار. ويقول كينير إن تقرير روزين جاء بعد لقاءاته مع مسؤولين أميركيين، وان التقرير انتشر في أوساط الإدارة الأميركية، وتحول الى أساس خطة مبعوث الأمم المتحدة الى سوريا ستفان دي ميستورا الداعية الى “تجميد القتال”.
من هم المسؤولون الأميركيون؟ ومن هو روزين؟ ولماذا انقلبت سياسة واشنطن من مطالبة برحيل الأسد بموجب حل سياسي الى موافقة على بقائه مع تجميد القتال؟
في شباط/فبراير الماضي، صدر عن البيت الأبيض قرار قضى بتعيين روبرت مالي في مركز “كبير المدراء” المكلفين “شؤون الخليج الفارسي”. لم يثر تعيين مالي في منصبه اهتمام متابعي السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. والأسبوع الماضي، شارك مالي، وهو غير معني بالشؤون النووية الإيرانية، للمرة الأولى في اول لقاء ثنائي، بغياب أوروبي، بين وفدي الولايات المتحدة وإيران في جنيف.
كان لافتاً على أنه على الرغم من ان عنوان اللقاء كان الملف النووي، الا ان الخبراء الاميركيين في الشؤون النووية والعقوبات الاقتصادية غابوا عن اللقاء، فيما حضر مالي، في الغالب كمتابعة لرسالة أوباما الأخيرة الى مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، والتي دعاه فيها ضمنا الى تخلي طهران عن برنامجها النووي، في مقابل موافقة اميركا على مشاركة نفوذها في الشرق الأوسط مع إيران.
لماذا تعتقد الإدارة الأميركية أنه يمكن لمالي حض الإيرانيين على قبول ما لم ينجح عتاة الديبلوماسية الغربية في حمل الإيرانيين على قبوله؟ الإجابة تكمن في المكانة المميزة التي يحتلها مالي في عيون “محور الممانعة”، فمالي من أبرز أصدقاء الأسد في العاصمة الأميركية، وهو التقى الرئيس السوري في دمشق مراراً، وكان يتمتع بصداقة متينة مع السفير السوري السابق في واشنطن عماد مصطفى، وعاون مالي مصطفى في شن حملة ديبلوماسية أدت الى تغيير واشنطن موقفها من نظام الأسد مع حلول العام 2009، بعد أربعة أعوام من القطيعة والعزلة التي قادتها الولايات المتحدة ضد النظام السوري، على إثر اغتيال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري.
وعمل مالي كأحد مستشاري السياسة الخارجية في حملة السناتور أوباما في العام 2008، لكن قربه من الأسد ومن حركة “حماس” الفلسطينية أجبر أوباما على الابتعاد عنه علناً وعدم مكافأته بأي منصب ديبلوماسي بعد وصوله الى الرئاسة، على غرار استبعاد أوباما لمستشارين آخرين من أصحاب العلاقات مع نظام الأسد كالسفير الأميركي السابق في إسرائيل، دان كيرتزر.
ومع اندلاع ثورات “الربيع العربي”، عدّل مالي وأمثاله من خطابهم المؤيد لدمشق وطهران، لكن مع وصول الصراع السوري المسلح الى ما يشبه التعادل، عاد مالي أدراجه، وبدأ يقود حملة – هذه المرة من قلب “فريق الأمن القومي” الأميركي – يدعو فيها إلى “إعادة تأهيل” الأسد على انه أهون الشرور، خصوصا في مواجهة المجموعات السنية المتطرفة في سوريا.
ومع عودة مالي الى دعم الأسد، عادت الشبكة القديمة الموالية للأسد في العواصم الغربية للعمل، وخصوصاً في واشنطن وبرلين، وعاد أمثال روزين الى التسويق، سراً وعلناً، لسيناريوات حلول، طبعاً مستفيداً مما يبدو الذاكرة المعطلة لكثيرين. فروزين سبق ان زود النظام السوري بمعلومات عسكرية عن الثوار في حمص، حسبما ورد في رسائل بريد إلكترونية تعود للأسد نجح معارضون باختراقها وتسريبها.
“من مصدر مجرب التقى قيادات في جماعات باباعمرو اليوم ان شحنة كبيرة من الأسلحة القادمة من ليبيا ستصل الى شواطئ احدى الدول المجاورة خلال ثلاثة أيام ليتم تهريبها الى سوريا، وهي أسلحة متطورة وعلى الاغلب ان يكون أحد موانئ طرابلس غير الشرعية”، كتب صاحب الاسم المستعار خالد الأحمد الى الأسد المعروف بـ “سام الشهباء”، حسب بريد إلكتروني في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2011. “استطاع الصحافي نير روزن الدخول الى بابا عمرو (المغلقة) وأعلمني ان عدة وفود صحافية غربية دخلت الى المنطقة بعد عبورها غير الشرعي عبر الحدود اللبنانية، منها وفد صحافي فرنسي والماني”، كتب خالد للأسد.
في شباط (فبراير) 2012، قتلت قوات الأسد الصحافية الأميركية مالي كولفين وزميلها الفرنسي ريمي اوشليك في مناطق المعارضة في حمص، وبعد ذلك بشهر، أوقفت السلطات اللبنانية قرب مرفأ طرابلس سفينة ليبية محملة بالأسلحة التي كانت حمولتها متجهة الى المقاتلين المعارضين في حمص.
كذلك، ورد في رسالة إلكترونية للمدعوة هديل، الى الأسد، أن روزين يكتب إيجابياً عن العلويين وضد المجموعات المسلحة، وانه صحافي أميركي من نيويورك من أب إيراني (لم تذكر هديل ان روزين يهودي الديانة). وحثت هديل الأسد على منح روزين مقابلة، وان كانت غير علنية.
تلك كانت مآثر روزين، الذي لم ينفِ ما جاء في الايميلات، بل كتب تعليقاً طويلاً محاولاً حفظ ماء الوجه بالقول انه مؤيد للثورة السورية ويحاول استخدام علاقاته مع النظام لمصلحتها. لكن إخبارية روزين للأسد كانت كفيلة بإقصائه من عالم الصحافة، فاختفى لسنوات، قبل ان يطل بثوب الباحث الذي أعاد التواصل مع الفريق الأميركي المؤيد للأسد بقيادة مالي، صديق الأسد.
أما الفريق الذي يعاون دي ميستورا بصورة غير رسمية، فيتضمن “باحثين وباحثات” من المقربين للأسد ولمستشاره اللبناني القابع في السجن ميشال سماحة، ولمسؤولين في “حزب الله”. هؤلاء هم من يدبرون لقاءات دي ميستورا، ويزودونه بالأفكار، ويروجون لخطته، ويستقدمون رعاية أميركية لها، على أعلى مستوى، بهدف إعادة وصل ما انقطع مع الأسد.
كينير كشف القليل من عودة نشاط الفريق الأميركي المؤيد للأسد. أما ما خفي، فأعظم.
المدن