صراع الظواهري والبغدادي/ علي العبد الله
لم يكن اعلان ايمن الظواهري، رئيس تنظيم القاعدة، براءة تنظيمه من تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام(داعش) وأعماله أمرا عاديا، فمن غير المألوف ان يقطع تنظيم ما علاقته بتنظيم نشط وله قدرات عسكرية كبيرة( تقدر المصادر عدد مقاتليه في العراق وسوريا بـ 26 الفا) وإعلامية فعالة في لحظة احتدام الصراع بينه وخصومه في اكثر من بلد.
فماذا وراء الأكمة؟.
قاد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 إلى جمع ما تسميه الحركات السلفية “الجهادية” العدو البعيد( الدول الاجنبية) والعدو القريب( الانظمة المحلية) في بقعة جغرافية واحدة، وزاد تكفير هذه الحركات للشيعة وهدر دمائهم في تفاقم العنف هناك فأخذ اشكالًا أكثر دموية ووحشية نفذتها جماعة “التوحيد والجهاد” بزعامة ابي مصعب الزرقاوي.
في عام 2004 بايع الزرقاوي اسامة بن لادن وأصبح تنظيمه فرعا لتنظيم القاعدة في العراق تحت اسم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”. بعد مقتل الزرقاوي عام 2006 تسلم القيادة ابو حمزة المهاجر وأبو عمر البغدادي وفي نهاية العام اعلن التنظيم تشكيل “دولة العراق الاسلامية” بإمارة ابي عمر البغدادي، ولما قتلت القوات الامريكية ابو حمزة المهاجر وأبو عمر البغدادي في عام 2010 تسلم ابو بكر البغدادي( اسمه الحقيقي ابراهيم عواد ابراهيم) الامارة.
وكان قيام تحالف بين تنظيم القاعدة بزعامة اسامة بن لادن وتنظيم الجهاد الاسلامي المصري بزعامة ايمن الظواهري وتشكيل “الجبهة الإسلامية العالمية لمواجهة الصليبيين واليهود والأمريكان” عام 1998 قد حوّل تنظيم القاعدة، الذي كان حسب مدير مكتب راند كربوريشن في واشنطن بروس هوفمان “منظمة إقليمية ذات برنامج يتسم بالتعقل والحذر”، الى منظمة عالمية تحالفت عبر الظواهري مع مجموعات إقليمية في الجزائر والمغرب والفيليبين وكشمير والشيشان وأندونيسيا. وهذا سمح لتنظيم الجهاد الاسلامي المصري بالسيطرة على تنظيم القاعدة وقيادة فروعه في الجزيرة العربية والعراق والمغرب.
لكن يبدو ان لأبي بكر البغدادي تحفظات على قيادة الظواهري الذي تسلم رئاسة تنظيم القاعدة بعد مقتل ابن لادن، وانه يرى نفسه مؤهلا اكثر منه لهذا الموقع. لكنه لم يعلن موقفه بشكل علني ومباشر بل راح يقضم من صلاحياته، ويعمل على الحلول في موقعه من قيادة “الجهاد” العالمي بشكل عملي من خلال ربط التشكيلات “الجهادية” السلفية بتنظيمه ومدها بالخبرات والأسلحة والأموال، وقد ارسل لهذا الغرض رسائل ومندوبين للقاء قيادات هذه التشكيلات في الدول الاسلامية ونجح في استقطاب بعضها من جهة وصعد، من جهة ثانية، في المواجهة مع النظام العراقي (زادت التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة في المدن العراقية وضد مواكب الزوار الشيعة) كوسيلة لإعطاء انطباع ايجابي عن قيادته وحيويته وقدراته في مقابل صورة الظواهري الباهتة والتي كمنت في جحرها ولم تقم بأي جهد ملهم او نشاط جهادي لافت.
مع اندلاع الثورة السورية ومواجهتها من قبل النظام بالقوة وقتل المواطنين بالجملة وحصول انزياح في موقف الحراك الشعبي باتجاه التسلح للرد على القوة بالقوة وجدت حركات السلفية “الجهادية” الفرصة مؤاتية لاستثمار المناخ والانخراط في الصراع كمدخل للتواجد على الساحة السورية. وفي اواخر العام 2011 تم تشكيل “جبهة النصرة لأهل الشام” وبدأت العمل على الساحة السورية ولم يعرف مؤسسوها او قيادتها إلا بعد تقصي استخباراتي طويل كشف عن اسم قائدها ابي محمد الجولاني وعلاقتها الفكرية والتنظيمية بدولة العراق الاسلامية. بعدها اعلن ابو بكر البغدادي يوم 9/4/2012 بشكل مفاجئ دمجها في دولته لتصبح الدولة الاسلامية في العراق والشام.
واجه ابو محمد الجولاني القرار بالاعتراف بعلاقته مع دولة العراق الاسلامية لكنه نفى علمه هو او مجلس شورى الجبهة بقرار الدمج وأعلن رفضه له ومبايعته للظواهري.
كشف قرار البغدادي ورد الجولاني عن وجود صراع مكتوم بين البغدادي والظواهري على قيادة “الجهاد” العالمي وعن سعي الأول للقفز الى سدة القيادة.
مع اعلان الظواهري وقوفه في صف الجولاني ورفضه دمج جبهة النصرة بالدولة، ومطالبته بالعودة عن القرار والعودة الى العراق وترك الساحة السورية للأخيرة، برز الصراع المكتوم وطفا على السطح وقد عبر عن ذلك بوضوح الناطق الرسمي باسم الدولة ابو محمد العدناني برده على الظواهري واعتباره “اجتهاده” بعدم الدمج “خاطئا ومؤد للفتنة” واتهامه، في الرسالة التي حملت عنوان “فذرهم وما يفترون”، بأنه أقر أمراً يؤدي إلى المعصية بتفريق الجماعة الواحدة وبـ “تكريس حدود سايكس بيكو”، واعتبر من بقي من المقاتلين مع الجبهة “عصاة” و “منشقين” عن صاحب الولاية أمير المؤمنين ابي بكر البغدادي.
وسّعت المواجهة المسلحة التي انفجرت مؤخرا بين عدد من الفصائل المسلحة وقوات الدولة في ضوء ممارسات الاخيرة وعدوانيتها ضد الفصائل “الجهادية” الأخرى وضغطها لأخذ البيعة للبغدادي، كما ضد كتائب الجيش السوري الحر والناشطين المدنيين الذين تكفرهم لإيمانهم بالدولة المدنية وبالديمقراطية، والإعلاميين الاجانب والسوريين والمواطنين العاديين، ممارسات اتسمت بالوحشية حيث تكررت عمليات ذبح مواطنين لأسباب تافهة والقتل العشوائي بتفجير السيارات المفخخة في الاماكن العامة والتوسع في تطبيق فتوى ابن تيمية عن التترس، وسّعت الفجوة بين الطرفين وعمقتها بالدخول في معارك مباشرة وسقوط عشرات القتلى من الجانبين مع هجوم اعلامي متبادل استخدمت فيه الدولة لغة التكفير واعتبرت الفصائل المناوئة لها “اهل رد وكفر دمهم مهدور”، واستخدمت في قتالهم ابشع الأساليب: التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة وتصفية الاسرى والغدر.
على هذه الخلفية جاء قرار الظواهري بالتبرؤ من الدولة الاسلامية في العراق والشام وأعمالها، غير ان تداعيات قراره كشفت عن نجاح البغدادي في استقطاب تنظيمات جهادية الى صفه وحصول اصطفاف جديد ازاء قيادة “الجهاد” العالمي بين تنظيمات السلفية “الجهادية” برز بانقسام قادتها الكبار، فبينما تخلى تنظيم “القاعدة” و”جبهة النصرة” ومنظرون رئيسيون في حركات “الجهاد” العالمي مثل أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني عن “الدولة الإسلامية في العراق والشام” فان آخرين أبقوا على دعمهم لها من بينهم أبو منذر الشنقيطي وأبو سعد العاملي و “جماعة أنصار بيت المقدس” (مصر) و “أنصار الشريعة” (تونس) وعدد من القيادات السلفية الصاعدة.
رأى بعض المعلقين ان نتائج الصراع لن تظهر سريعا لكنها قد تنعكس سلبا على تنظيم القاعدة الذي خسر الساحة العراقية بداية، وان استمرار القتال بين الطرفين ونجاح تنظيم الدولة في المواجهة سيقود الى تقويض القاعدة عسكريا وتنظيميا تاليا.
المدن