صرخة سجينة سورية/ عبده وازن
شعرت بحال من الخجل وربما الإحراج، بصفتي مثقفاً عربياً، عندما قرأت الرسالة المفتوحة التي توجه بها أكثر من مئة وثلاثين مثقفاً فرنسياً إلى رئيس بلادهم، داعين إياه إلى مساعدة النسوة والفتيات السوريات اللواتي ما برحن يتــــــعرضن للاغتصاب في السجون السورية وإلى معاونتهن في إيصال صرخاتهن وتحريرهن من قبضة النظام. الرسالة التي نشرتها مواقع عدة وخصتها «المجلة الأدبية الجديدة» في عددها الأخير (نيســـان- ابـــريل) بصفحات وأرفقتها بشهادة رهيبة أدلت بها سجينة تدعى وداد م. وقد دوّنها الكاتب مانون لوازو في صيغة سردية بديعة. كــــم كنت أتمنى توقيع رسالة مثل هذه أو بيان عربي جماعي يــــديــن جرائم اغتصاب النساء التي تُرتكب في السجون السورية، وهي من أبشع جرائم الحروب وأشدها احتقاراً لإنسانية الإنسان.
الرسالة كتبها هؤلاء المثقفون، وبينهم أسماء كبيرة مثل المفكر إدغار موران والممثلة جولييت بينوش والروائي ماتياس اينار والفيلسوف لوك فيري والمسرحية اريان منوشكين والسينمائي والكاتب عتيق رحيمي والروائي اريك ايمانويل شميت… بعدما شاهدوا الفيلم الوثائقي الرهيب «سورية، الصرخة المخنوقة» الذي أخرجه مانون لوازو وشاركت في كتابة السيناريو انيك كوجان والباحثة الليبية سعاد وحيدي. وكان هذا الفيلم الذي عرضته شاشات فرنسية، ونقلته مواقع الإنترنت نقل معاناة المناضلات السوريات المغتصبات في سجون النظام. أما الرسالة فتستحق أن تترجم وتنشر نظراً إلى حقيقتها الجارحة وما حملت من اتهام للنظام ودفاع عن المغتصبات في السجون. واستهلت الرسالة بجملة مباشرة: «الاغتصاب، بصفته سلاحاً في الحرب السورية، جريمة حصلت بصمت منذ انطلاقة حركة التمرد السورية عام 2011». وتضيف الرسالة: «آلاف من النسوة السوريات كنّ من ضحايا هذا الاغتصاب. وآلاف منهن ما زلن أيضاً في سجون النظام السوري يواجهن أعنف أحوال الابتزاز». وتصف الرسالة اغتصاب النساء في سورية بـ «التابو» أو «المحرم» الذي يكلفهن عقاباً مزدوجاً. فهن ما إن يخرجن من السجون حتى يواجهن رفض عائلاتهن لهن، لكونهن ضحايا جريمة شرف. هنّ مذنبات لأنهن تعرضن للاغتصاب.
أما النص الذي أرفقته المجلة بالرسالة فهو شهادة جريئة وأليمة أدلت بها الأسيرة المغتصبة وداد م. للكاتب مانون لوازو مخرج الفيلم الوثائقي، وقد اعتمد في كتابته صيغة سردية بديعة، جاعلاً من صاحبة الشهادة راوية لا تفوتها تفاصيل سيرتها المأسوية. وهذه الشهادة- النص تستحق فعلاً أن تُترجم إلى العربية وسواها، فهي طالعة من قلب التجربة القاسية التي خاضتها هذه المرأة المناضلة من الداخل، من قلب السجن الذي تم فيه اغتصابها مراراً وجماعياً. تروي وداد كيف شاهدت عن قرب اغتصاب فتاة تدعى علوى، وكيف سال دم عذريتها على شرشف السرير القذر وكيف راحت تصرخ مستنجدة خالقها. هذا الاغتصاب تعرضت له هي أيضاً، وسجينة أخرى تدعى نوار. ولعل الجمل التي تصف فيها اغتصابها الفردي ثم الجماعي من أقسى ما يمكن أن يُروى عن مثل هذا الفعل الوحشي: «حلّ الليل… فتح الباب، دخل ثلاثة عمالقة هائلين… كنت جالسة على حافة السرير. سأل أحدهم الآخر: إنها هي؟ أجل، هي. أوه إنها جميلة. تبدأ أنت أم أبدأ أنا؟ في هذه اللحظة شعرت بأن الجزع يخنقني… مدّ الأول يده عليّ وأنزل سحابة سترتي. نظرت إلى جسدي، حاولت أن أخبّئه بينما هو يخلعني ثيابي… لم أكن أعلم ما الذي كنت أعيشه، سوى أنني أصيح وأتألم. شعرت بأن شيئاً اقتُلع مني… هجرت روحي جسدي. أذكر كيف تذكّرت فستان زفافي الأبيض. أبصرتُ فستان زفافي مضرجاً بالدم. بدم أسود لا أحمر… كان جسدي بين أيديهم. لم أعد أشعر بروحي. كنت أسمع صوت فتاة تصيح وكان صوتي. شعرت بأنني أصبحت أربع نساء: واحدة تصيح، واحدة تتذكر، واحدة تتلقى الألم، أما الأخيرة فكانت تموت».
لا كلام يفوق هذا الكلام.
الحياة