صعوبات التواصل بين الشعب ورئيس ممثليه
منهل السراج
يتقدم الرئيس إلى منبر مجلس الشعب، فيستقبله أعضاء مجلس الشعب، بالتصفيق والتهليل، كلهم، مئة بالمئة، ثم يهتفون: بالروح بالدم نفديك يابشار.
يتوجه الرئيس بالمقدمة الاعتيادية لتحية الحاضرين، فينتفض أحد أعضاء مجلس الشعب بقصيدة حماسية ويتعالى التصفيق من الأعضاء الحاضرين جميعاً مرة ثانية.
يقرر الرئيس بأن حديثه على كل الأحوال لن يكون إنشائياً لإراحة الشعب، بل.. فيعاود أحدهم مقاطعته بأن ينادي: لبيك لبيك، النداء الإسلامي للرب أثناء أداء مراسم الحج، ويتعالى التصفيق أيضاً.
يشير الرئيس في كلامه إلى المتآمرين وأصحاب الفتنة بعمومية وسرعة. كمتابعة عن نفسي، حتى الآن، لم أفهم من هم هؤلاء المتآمرين، ولا أدري متى يوضحون لنا هذه المعضلة التي تحدق بمصائر السوريين، الفتنة والمؤامرة الخارجية، التي بذات المفردات خرج بها بن علي تونس ومبارك مصر والقذافي الآن في ليبيا ومعظم زعماء العرب وأظن أن كثيراً من شعوبهم لم يفهموها.
يقول بشار الأسد، إنهم تمكنوا، بعد محنة وتحديات كبيرة، من وضع سوريا في المحور. مامعنى أن سوريا في المحور؟ ومن يقرر بأن البلاد في حال مجد وانتصار؟
يقول إنه يخاطب سوريا العظيمة، سوريا الكرامة بأمجادها.. فإن كان يحاول دعم المواطن نفسياً، فإن المنطق يقول إن هذا المواطن الخائف والفقير لن تخطر بباله أمجاده، ولن تستطيع هذه الأمجاد التي أخبره عنها رئيسه، أن ترد عنه المهانة والتهديد بالاعتقال من شعبة الأمن أو تسكت لهفته للعيش بكرامة، حاضراً وليس ماضياً.
مامعنى وعد الرئيس، بإعادة الاستقرار؟ وهل تزعزع الاستقرار منذ أربعين عاماً؟ هم، حتى حين ارتكبوا مجازر حماة، كانت المدينة بأهلها مستقرة في أقبية بيوتها، والموقف السوري القومي مستقر، ومازال الشعب السوري على حاله مستقراً في مكانه.
هناك مفردات باتت حين تُذكر، يصيب السوري تشاؤم ويأس، منها مفردتا، ضمان الاستقرار، دلالة هذا، أن النظام سيسعى بكل جهده لاستقرار الحكم، والذي يعني في ذاكرة الناس أنه سيبقى وضعهم على ماهو عليه. الوضع منذ سنين عديدة، يوجد جهات، تسمى جهات أمنية، تتحكم بمصيره، تقتل وتعتقل وتضطهد، والشعب خاضع لهذه الجهات، وليس مُهدَداً من غيرها، كما لا يوجد لأي جهة لا قضاء ولا حتى لجمعية حقوقية منفذ لإنقاذه من براثن هذه الجهات، القضاة والحقوقيون أنفسهم مهددون من قبل هذه الجهات.
ويؤهّل بشار الأسد ويسهّل بالمعركة، في خطاب يذكّر، بقول أبيه حافظ الأسد في الثمانينات، سنضرب بيد من حديد. اللغة تطورت إلى استسهال ويسر الدخول بالمعركة، إذ إن الترحيب بالمعركة يعني أنهم سيحافظون على هذا الشعب حصنأ بشرياً يقضي عمره كله في حال استنفار، ليلبي نداء النظام.
يتناول موضوع الفساد ويشير تلميحاً إلى قلة فاسدة.. من هي هذه القلة الفاسدة، التي يعرفها أعضاء مجلس الشعب ولا أحد من الشعب يعرفها؟ كأن الرئيس يغمز للحاضرين، وكل السوريين بملايينهم يجب أن يفهموا تلميحه، أم أن الخطاب كان بين أعضاء مجلس الشعب ورئيسهم! يعرف بعضهم بعضاً ويفهم بعضهم بعضاً، وتفاهمهم وتعارفهم هذا يكفي، والشعب ليس بسوية الاتفاق خاصتهم!
بعد الاستماع، يفكر المرء أنه ربما بالقراءة يتضح الخطاب أكثر، سلباً أو إيجاباً، لكن ماحدث أنه وكل ماحاولت ان أقرأ ماقاله، أجد نفسي أمر سريعاً فوق السطور، كمن يقرأ كلاماً معروفاً ويبحث لعله يعثر على الزبدة، من دون فائدة، ليس فقط لأن الخطاب تقليدي، إنما أيضاً لأنه يخلو من أي حرارة تُنتظر من رئيس البلاد بعد سقوط الشهداء واعتقال الأطفال وتعذيبهم واعتقال محتجين وبعد جرعة أمل داعبت المحاصرين في سوريا والمبعدين عنها والمعتقلين والمغيبين وذويهم الملهوفين منذ سنين طويلة.
تصفيق الحاضرين من أعضاء مجلس الشعب، وانتشاء رئيسهم واكتفاؤه بهكذا مشجعين، هو مختصر الواقع السوري، الذي يتفاخر زعيمه وآله منذ سنين طويلة باستقراره.
أغلب المتابعين توقعوا، أن خطابه سيأتي كوجبة رئيسية للجائع، بعد المقبلات التي قدمتها بثينة شعبان والتزيينات التي قدمها الشرع، وأن هذه الوجبة، انتظروا، ستكون الإسعاف الأخير لهذا الشعب المصاب.
ولم يخطر ببال أحد أن هذا الخطاب، أملهم الأخير، سيأتي ليسحب المشهيات من أمامهم، وفوق هذا، يتسبب بفقدان شهية لكل السوريين، بخطاب يمكن وصفه فقط أنه خال من الطعم.