صفقة النظام والأكراد في الحسكة: مغلوب وغالب/ عدنان علي
يبدو أن “وحدات حماية الشعب” الكردية، قد استطاعت أن تصل بالنظام السوري إلى تقديمه أقصى حدّ من التنازلات، في مقابل عقد صفقة معه في محافظة الحسكة، التي تعيش فيها قواته أوضاعاً صعبة، نتيجة الهجوم الكاسح الذي يشنّه مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على المدينة منذ يوم الخميس. ودفع هجوم التنظيم، النظام السوري إلى الاستنجاد بالقوات الكردية، التي وجدتها فرصة لفرض شروطها، وتحسين موقفها في المدينة.
وستكون قوات النظام التي لم تعد تمتلك خطوط إمداد في المحافظة، ولم يتبق لها سوى بعض العشائر العربية الموالية لها، مضطرة من خلال اتفاقها مع الأكراد إلى خسارة ولاء العشائر، التي تشعر بالقلق من سيطرة “وحدات حماية الشعب” على مناطق تواجدها في المحافظة. كما تخشى من عمليات تهجير، كالتي حصلت في تل أبيض بريف الرقة.
في المقابل، لم تكن القوات الكردية في عجلة من أمرها أمام معركة “داعش” والنظام، التي تصبّ نتيجتها في مصلحتها، وخصوصاً أنها ستسيطر بذلك على كامل محافظة الحسكة، مدعومة بغطاء جوي من قوات التحالف الدولي، بغضّ النظر عن نتائج المعركة الحالية. وهو ما جعلها تتريّث إلى حين قبول النظام بكل شروطها، والتي تعني عملياً سيطرتها الفعلية على الحسكة، مع وجود شكلي ومرحلي لقوات النظام ضمن المدينة.
” ويعكس الاتفاق الذي توصلت إليه قوات النظام، مساء الجمعة، مع “وحدات حماية الشعب” هذه المعادلة الجديدة، والتي تقضي بتراجع نفوذ النظام مقابل تعزيز النفوذ الكردي. كما ينصّ الاتفاق على أنه في مقابل مشاركة القوات الكردية في القتال ضد “داعش”، ينبغي على قوات النظام تسليم الأكراد جبل كوكب (الفوج 123)، مع كل ما يتضمّنه من أسلحة ثقيلة وذخيرة، وأنّ تبقى الدوائر الحكومية فقط تحت سيطرة النظام في المدينة، فيما تكون قوات الحماية هي صاحبة القيادة، والقوة العسكرية الوحيدة بالمنطقة.
كما ذكر الناشط الإعلامي رامان يوسف، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الاتفاق تضمّن مصادرة الأسلحة الثقيلة من المليشيات التابعة للنظام، مثل جيش الصناديد والدفاع الوطني، التابعة لمحمد فارس وغيرها”.
وكان مسؤولون في النظام السوري قد حثّوا سكان الحسكة على الاستنفار لقتال مسلحي “داعش”. ودعا وزير الإعلام عمران الزعبي “كل رجل وامرأة وشاب قادر على حمل السلاح، إلى التحرك على الفور والانضمام إلى المواقع الأمامية على الجبهة للدفاع عن المدينة”.
وانتقدت صحيفة “الوطن” السورية القريبة من النظام ما سمّته “تخاذل الأكراد عن مساندة القوات النظامية في قتالها ضد تنظيم داعش”. وأدرجت الصحيفة هذا الموقف في إطار “أطماع بعض الأكراد السياسية والإقليمية وعمالتهم مع الأميركيين والأوروبيين لتأسيس إقليم، أو ما يُسمّى إدارة ذاتية، تُخوّلهم لاحقاً تأسيس دولة على الأراضي السورية والعراقية”.
وتتمركز “وحدات الحماية” في أغلبية الأحياء الشمالية والغربية من المدينة ومحيطها. وقد بدأت بالفعل في المشاركة بالعمليات العسكرية، وهاجمت تجمّعات “داعش” من ثلاثة محاور، بالتنسيق مع قوات النظام في منطقة الفيلات الحمر والفلاحة، بينما فشلوا في التقدم من جهة السجن وحيّ النشوة.
” وعلى خط مواز، يعمل النظام على تحشيد القبائل العربية في المنطقة كي تعمل معه ضد “داعش” والأكراد في آنٍ. ويأتي تأسيس “لواء درع الجزيرة السورية”، في محافظة الحسكة، في هذا الإطار، بعد دعوة شيوخ القبائل العربية، لتجهيز خطة ميدانية شاملة، لمواجهة “داعش” وسياسة التطهير العرقي التي يقوم بها الأكراد في المدينة.
ويتكوّن “درع الجزيرة” من بقايا الدفاع الوطني وشبيحة النظام وحزب البعث ومستشارين إيرانيين دخلوا على الخط، بعد زيارة رئيس الحكومة السورية وائل الحلقي ورئيس الاستخبارات السورية السابق اللواء علي المملوك، إلى القامشلي قبل نحو أسبوعين.
وفي موازاة التطورات في الحسكة، أعلنت القوات الكردية استعادة السيطرة على المدرسة الصناعية ومشفى “مشتى نور” بمدينة عين العرب، عقب اشتباكات مع مقاتلي “داعش”، وذلك بعد انفجار عنيف هز المدينة نجم عن تفخيخ وحدات الحماية لمبنى كان يتحصن فيه مقاتلو التنظيم وتفجيره بهم. وقد وصفت الوحدات الهجوم على عين العرب بـ”العملية الانتحارية أكثر منها محاولة لإعادة الاستيلاء على المدينة”، الواقعة على الحدود التركية. وقالت إنها “خاضت معارك مع مقاتلي التنظيم الذين يتحصنون في ثلاثة مواقع”.
العربي الجديد