صمت إسرائيل… وصوت سوريا!
د. عبدالله العوضي
يقول البعض إن النظام السوري يتقن فن اللعب على الوقت واستغلال تضارب المواقف الدولية من الأزمة لمصلحة البقاء، وهذه الميزة جعلته يستمر في الحكم لقرابة نصف قرن.
فماذا قدم هذا النظام الذي يجيد هذا الفن لشعبه حتى الآن في مجال الصمود والمقاومة والتصدي للعدو الأكبر الذي يحتل الجولان، ويتعامل مع الأزمة الحارقة للشعب وكأنها غير واقعة أصلاً.
ومع ذلك، فإن الخطاب الإعلامي للنظام لا يزال يروج لنكبة أو نكسة 1967 وأسلوب صوت العرب في ترويج الأكاذيب، وصرخة أحمد سعيد التي انتقلت اليوم إلى صف المتحدثين باسم النظام السوري.
آخر هذه الصرخات وليس الأخيرة بالطبع، ما ورد على لسان وزير خارجية سوريا في لقائه مع قناة «الميادين» عن الموقف من الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا: قائلاً: «الرد على أي اعتداء إسرائيلي جديد سيكون فوراً، وسيتناسب مع حجم العدوان».
طبعاً هذا الرد «المناسب» على الاعتداءات الإسرائيلية ليس دعوى جديدة بل متجددة، ولا يمكن أن يقع إلا بعد الانتهاء من معركة النظام مع شعبه، لأنه لا يوجد نظام أو دولة في العالم يواجه معركتين في آن واحد، ويمكن حسمهما والانتصار فيهما، وطبعاً لا يمكن للنظام السوري أن يرد على الاعتداء الإسرائيلي الجديد على سوريا، حتى لو بدا هذا الكلام المُرسل كما لو كان دعوة صريحة لإسرائيل للقيام بذلك، إذا أرادت أن تحترق في سوريا! وهي التي لم يستطع أحد إحراقها بعد وإن كانت الحارقة والخارقة لكل الخطوط المحظورة في كل اعتداءاتها.
وفي المقابل، فإن العدو الإسرائيلي الذي زعم النظام السوري «مقاومته» لقرابة نصف قرن، ولا يزال يزعم «مقاومته»، ربما عن طريق قتل الشعب لردع العدو الأكبر! هذا العدو الإسرائيلي الأبدي الذي يملك استباحة كل سوريا متى شاء، يأمر نتنياهو وزراءه بالتزام الصمت إزاء الموقف في سوريا لتفادي إعطاء أي انطباع بأن إسرائيل تضغط باتجاه تدخل دولي عسكري في الشأن السوري، وهذا الموقف جاء في 28 أبريل 2013 عندما أدلى نائب وزير خارجية إسرائيل بتصريح قال فيه، إن على المجتمع الدولي التدخل عسكرياً في سوريا «لتأمين الترسانة الكيميائية السورية»، وبعد مرور شهر على ذلك الموقف، أي في 2013/5/28، وعلى وجه الدقة يأمر «نتنياهو» وزراءه بعدم التعليق حول سوريا وإمكان أن تقوم روسيا بتسليمها صواريخ.
وإسرائيل التي اعتدت على سوريا مرات ومرات لم تصاحب «صوت العرب» في خطابها بل التزمت الصمت، وأطلقت الرصاص على سوريا أيضاً في صمت، فشتان بين صمت إسرائيل أمام الموقف من سوريا وصوت رجالات النظام السوري في الأثر والمفعول.
سوريا النضال والكفاح والمقاومة وجهت كل أسلحتها التي أفرغت من خلالها خزينة الدولة طوال العقود الماضية للداخل، وتركت الخارج يتفرج على المآسي من علو الجولان!
لا يذهبن أحد بأننا نطالب سوريا بمحاربة إسرائيل من أجل عيون الجولان المحتلة واستعادة خضرتها، لأن سياستها ثابتة وتقف فقط عند الصمود إلى الأبد، ولكن أضعف الإيمان أن تتنزه وتترفع عن قتل الشعب الذي لم يطالبها حتى اللحظة بمحاربة العدو اللدود، بل بالحفاظ على ما تبقى من الصديق الودود.
إن الصمت الإسرائيلي وصوت النظام السوري في ظل سيلان دم الأبرياء من الأطفال والرضع قبل الشيوخ الركع، ودخول «حزب الله» إلى ميدان القتال وإيران، اللذين فقدا مصداقيتهما في الأحداث الجارية، هي التي ستطوق الدولة السورية وتتسبب في انهيارها، وذلك بعد أن يغير كل طرف مصالحه وفقاً لبوصلته الخاصة فساعتها لا ينفع النظام في دولة اللاذقية قيد أنملة.
الاتحاد