ضاع الوطن .. متى يستيقظ السوريون ؟
سهيل حداد
استغلت الدول العالمية الفاعلة على الساحة الدولية حاجة الشعب السوري وتوقه إلى الحرية والكرامة وتطلعاته إلى بناء دولة ديمقراطية حرة كريمة ، يشارك فيها الجميع على قدر واحد من المواطنة والمساواة ، حملت هذه الدول راية حقوق الشعب السوري ورفعت أجمل الشعارات في الوقوف إلى جانبه ودعمه حتى تحقيق أهدافه المنشودة ، وأطلقت أعنف التصريحات والتهديدات ضد النظام السوري محددة له الخطوط الحمراء التي لا يمكن التساهل في تجاوزها.
دفعت هذه الدول المؤثرة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً أذرعها الإقليمية الفاسدة في المنطقة للتحرك في الساحة السورية بكل اتجاه ، لتؤكد دعمها المطلق في دعم الثورة السورية حتى إسقاط النظام الحاكم في دمشق ، فتحت الفضاء اللامحدود بدون محرمات لتحرف بوصلة الثورة السورية عن أهدافها السلمية والنبيلة ، ولتدعم أجندة النظام السوري في دفع الثورة إلى الكفاح المسلح .
إن هذه الدول الإقليمية المرتبطة بأشكال مختلفة مع النظام العالمي الموروث من الحقبة الاستعمارية ، عملت على تنفيذ الأجندة المحددة لها وتناوب الأدوار فيما بينها بشكل مباشر أحياناً وغير مباشر أحياناً أخرى ، منها في العلن ومنها الأخر في الخفاء ، حيث سخرت بشكل غير مسبوق يدعو إلى التساؤل والاستغراب ، كل طاقاتها وقدراتها المالية وإمكانياتها الإعلامية الموجهة تحت ذريعة نصرة الشعب السوري ودعمه في تحقيق أهدافه .
أطلقت التحذيرات والتهديدات في الاجتماعات والمؤتمرات والندوات في مختلف المحافل الدولية ضد النظام السوري ، إلا أن ورقة التوت سقطت الواحدة تلو الأخرى أمام مسمع ومرأى دول وشعوب العالم جميعاً ، لتؤكد تواطؤا دولياً قذراً بحق الشعب السوري المسكين الذي وقع بين مطرقة النظام وحلفائه وسندان تخاذل دول أصدقاء الشعب السوري.
من يستطيع أن يقتنع أو يقنع الآخرين بأن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها تقف إلى جانب حرية الشعب السوري وتحقيق دولته الديمقراطية المنشودة ..؟!
من يستطيع أن يقتنع أيضاً بأن الدول الإقليمية في المنطقة والتابعة إلى السيد الأمريكي تنشد مصلحة السوريين على حساب مصالحها الوطنية والقومية وعلاقاتها مع الولايا ت المتحدة الأمريكية ؟!.
ـ كيف تضع المعارضة السورية كافة أوراقها في السلة الأمريكية خلال الفترة السابقة ؟.
نحن لا نشكك في وطنية المعارضة السورية على الإطلاق ، بل ونرفض سياسة الاتهامات والتخوين بشكل مطلق ، ولكن اللعب بين الكبار يحتاج إلى التركيز والتوازن والانتباه وأخذ الحيطة لما يحدث في الغرف المغلقة ، لأن الإفرازات و النتائج المحتملة غير قابلة للمساومات والمراهنات ، لأن الخسارة كبيرة ولا يمكن تعويضها عندما تخسر الوطن يضيع كل شيء ، ولعل صرخة الشيخ أحمد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني عبرت وبقوة عما يدور في بعض الأذهان والجوار.
نحن لا نشكك أبداً بأحقية الثورة السورية وقيامها ضد نظام الظلم والقهر بكل الأبعاد والمقاييس ، وضرورة تحقيق أهدافها في بناء وطن تسوده المحبة والإخاء ، وطن يرسخ مبادئ المساواة والعدالة والمواطنة بين جميع أبنائه ، نحن لا نشكك أبداً في ضرورة انطلاقة الثورة وشوق الثوار إلى الحرية والخلاص وتعطشهم إلى الحياة الحرة الكريمة ، ولا نريد أن نلقي التهم على المؤامرات الخارجية فقط ، دون النظر إلى مساهمة ومشاركة معظم أطراف الصراع في مأساة الشعب السوري ومعاناته وحاجته إلى دوره الحضاري والريادي في المنطقة.
ـ طالما تغنى النظام وحزب البعث في سورية بانجازاتهم في حفظ الأمن والاستقرار وتوفير الأمان وحماية الدولة وقيادة المجتمع ضد كل المخططات الغربية الرامية إلى النيل من مواقف سورية الوطنية والقومية على حساب التطور والتقدم والإصلاح والازدهار والرخاء ، الذرائع والشعارات التي رفعها النظام لسنوات طويلة في أحقيته بالبقاء والاستئثار في السلطة ، هاهي تسقط وتنهار مدوية ، ونتائج هذا السقوط لا يحتمل أي مبررات مهما كانت الأعذار التي يحاول النظام وأبواقه الاختباء وراءها .
إن النظام الذي فشل في حماية الوطن والشعب وتوفير المتطلبات الأساسية اللازمة للمواطن السوري ، والنظام الذي يستخدم الطائرات العسكرية الحربية والقنابل الفوسفورية المحرمة وصواريخ سكود المدمرة في صراعه مع خصومه من أبناء الوطن في المناطق الآهلة في السكان ، والنظام الذي لا يمكنه حماية مواطنيه من التشرد واللجوء إلى المخيمات في العراء ، والنظام الذي لا يستطيع أن يحمي اقتصاد الوطن من الفساد وتدمير البنى التحية للدولة والمجتمع ، ولا يمكنه استيعاب متطلبات واحتياجات شعبه ويدفعه إلى الثورة قسراً ، والنظام الذي لا يرى المخاطر الخارجية والمخططات التي تحاك ضد وطنه وشعبه وإيجاد الحلول والمخارج لتجنبها ، والنظام الذي يستمد بقائه من روسيا وإيران وليس من الشعب السوري لا يملك المبررات القانونية و الأخلاقية ولا يستحق البقاء في السلطة ولا يمكن له أن يحمل مجدداً بشائر مستقبل بناء سورية المنشودة.
لقد وقع الشعب السوري المسكين فريسة بين فكي نظام قمعي وقاتل ودول متخاذلة ومتواطئة لا تريد للثورة السورية أن تنتصر وتحقق أهدافها المنشودة ، تحاول إطالة عمر الصراع حتى تتعقد المعطيات الداخلية والخارجية أكثر ، بحيث يضيع معها صفاء ونقاء ومشروعية الثورة السورية ، مناورات عقيمة ومبادرات وشروط سديمية تدور في فلك غشاوة المجهول، والثورة والشعب السوري ساحة للتجربة والاختبار .. وضحية لتأمر النظام السوري وحلفائه من جهة ، ولدول العالم المتخاذلة بحقه من جهة ثانية .
ضاعت الأمة العربية وسقطت في الهاوية .. هذه هي الحقيقة التي لا يريد البعض سماعها أو التسليم بها ، من يقرأ المعطيات الحالية يدرك جيداً ما يخبئه المستقبل من هول المصيبة وأبعادها و حجم الكارثة الوطنية والإنسانية القادمة . الأمة العربية في غرفة الإنعاش تنتظر الأخر القادم من بلاد العم سام ليرسم لها نفرة الأثداء ومعالم شخصيتها البديلة وتحديد هويتها الثقافية والفكرية القادمة ودورها الإقليمي الجديد .. فهل يستيقظ العرب و السوريون على صوت العقل والحكمة لإنقاذ أمتهم و وطنهم قبل إصدار شهادة الوفاة .
‘ كاتب وباحث سوري مقيم في ألمانيا
القدس العربي