طالبان باكستان» في سوريا لتوسيع المواجهة المذهبية وإشعال المنطقة
هدى الحسيني
سوريا التي عرفناها في الواقع أو في الكتب انتهت.. ولم يعد يهم إن انتصر النظام أو انتصرت المعارضة. والغرب الذي كان يجب أن يتدخل عسكريا قبل عشرين شهرا على الأقل، سيواجه مشكلة تهون أمامها مشكلة أفغانستان.. أما روسيا التي قالت إنها متمسكة بسوريا وليس برئيسها فقد بدأت تبحر في مياه قبرص بحثا عن قاعدة بحرية بديلة لقاعدة طرطوس، ذلك أن أحدا لا يراهن على حصان خاسر، أو يبقى في سفينة تغرق مهما كان تعلقه بها.
الدمار الذي لحق بسوريا بشرا وحجرا لم يردع النظام عن المضي في برنامجه «السري» كما لم يردع المعارضة المشتتة والممزقة. الغريب أن الغرب طلب من المعارضة «المعتدلة» أنه عندما «سيسلحها» عليها أن توجه أولا هذا السلاح إلى المعارضة «الأخرى» المنبثقة عن تنظيم «القاعدة»، أي «جبهة النصرة» التي تضم عربا وشيشانا وغربيين وآسيويين، وبهذا أعطى الإشارة للمعارضة «الأخرى» والمسلحة تسليحا كثيفا بأن تبدأ بقتل المعارضة «المعتدلة». التصفيات بين أطراف المعارضة السورية في الداخل ليست جديدة؛ إنما اليوم حتما بدأت تأخذ منحى شرسا من قبل مقاتلي «جبهة النصرة»، كما بدأ التراجع في التهديدات يصدر عن المعارضة «المعتدلة». في 14 من هذا الشهر قال اللواء عبد الرحمن السويس عضو المجلس العسكري للجيش السوري الحر، لقناة «الجزيرة» إن «قادة الجيش الحر لا يعتبرون (قاعدة العراق وبلاد الشام) عدوا (…) هي مرحب بها إذا ساعدتنا في محاربة النظام، لكن إذا تسببت في صراع، وأرادت فرض مفهوم جديد للدين لتحول سوريا إلى أفغانستان أخرى، فإننا سنتخذ الإجراءات اللازمة».
عندما سقط نظام الإخوان المسلمين في مصر، اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أن هذا يعني سقوط الإسلام السياسي وسيساعد في تثبيت «الهوية العربية».
في 12 من الشهر الحالي بثت «إذاعة سوريا الحرة» ونقلا عن مصادر موثوق بها للغاية أنه منذ بداية الثورة السورية في مارس (آذار) 2011 منح نحو 750 ألف جنسية سورية لشيعة من إيران ولبنان والعراق واليمن وذلك جزءا من خطة إيرانية بعيدة المدى تهدف إلى إعادة رسم الخريطة الديموغرافية لسوريا، وأن النظام الإيراني دفع في الأشهر الأخيرة ما يقرب من ملياري دولار للمصرف العقاري السوري لشراء مساحات واسعة من الأراضي ومنازل في جنوب محافظة حمص التي تستمر قوات النظام في دكها وتدميرها. وحسب المصادر الموثوقة فقد أحرقت القوات النظامية مكتب تسجيل العقارات في مدينة حمص فاحترقت معه كل وثائق الأراضي والملكية وتسجيل المنازل وغيرها من الممتلكات في المدينة والمحافظة. لا نعرف، بعد زمن، أي لغة ستجمع سكان «الجيب» الجديد الذي، حسب المخطط الإيراني، سيضم كل حمص وحماه ومساحات شاسعة من دمشق وضواحيها ومعقل العلويين على الساحل السوري.
وكأن المعارضة السورية تنقصها خضات وتحديات جديدة ومبالغات، فقد أعلنت حركة «طالبان باكستان» أنها أرسلت خبراء في الحروب وتكنولوجيا المعلومات إلى سوريا لإقامة قاعدة ورصد القتال هناك.
إذاعة «بي بي سي» قسم الأوردو، بثت في 12 من الشهر الحالي رسالة من مراسلها في باكستان أحمد والي مجيب، جاء فيها أن «طالبان باكستان» زارت سوريا وأقامت قاعدة.. «مهمة الخلية في سوريا إرسال معلومات إلى باكستان»، هذا ما قاله محمد أمين القيادي في طالبان وينسق مع «القاعدة» السورية. عدد الخبراء 12، وحسبما أوضح، فإن الخلية في سوريا لاقت موافقة الفصائل المقاتلة داخل وخارج مظلة «تحريكي طالبان باكستان» التي تضم مقاتلين هدفهم مواجهة القوات الباكستانية.
حسب قول القيادي في «طالبان باكستان»، فإن «أصدقاءنا في سوريا الذي سبق لهم القتال في أفغانستان سهلوا عمل الخلية لتقييم احتياجات الجهاد في سوريا والقيام بعمليات مشتركة مع إخواننا السوريين».
حركة «طالبان باكستان» تعمل بشكل وثيق مع «طالبان أفغانستان» ومع «شبكة حقاني» التي تضعها الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية، وتعمل كذلك مع تنظيم القاعدة و«حركة أوزبكستان الإسلامية» ومجموعات جهادية أخرى في باكستان.
محمد أمين لم يكشف عن أي من هذه الفئات قد وافقت على أن تشكل «طالبان باكستان» خلية لها في سوريا، رغم أن لتنظيم القاعدة وجودا قويا في سوريا عن طريق «جبهة النصرة» وما يسمى «دولة العراق وبلاد الشام الإسلامية».
تريد «طالبان باكستان» بهذا التصريح، أن تثبت أنها قادرة على إنشاء خلية في سوريا حتى وهي تشن حربا ضد الحكومة الباكستانية وتقاتل في أفغانستان. لكن الحكومة الباكستانية تصر على القول إن حركة «طالبان باكستان» ضعيفة ومنقسمة بسبب العمليات العسكرية ضدها.
الأغرب في الأمر أن «طالبان باكستان» أعلنت عن وجود خلية لها في سوريا بعد يومين من إعلان مجموعة تطلق على نفسها «لواء 313» مسؤوليتها عن الانفجار الذي وقع في بئر العبد وهو حي يسيطر عليه حزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت وأصيب جراؤه أكثر من 67 شخصا.
«لواء 313» يلوم حزب الله الذي يصفه بـ«حزب إيران اللبناني» وعناصر من الحكومة اللبنانية على التدخل في الحرب السورية إلى جانب النظام هناك.
«لواء 313» السوري يشترك بالاسم نفسه مع المجموعة التي تعد بمثابة التنظيم العسكري لـ«القاعدة» في باكستان. حتى الآن لا دليل مباشرا يربط هاتين المجموعتين في باكستان وسوريا، لكن المعروف أن «القاعدة» كلفت كبار نشطائها ومجنديها بالقتال في سوريا.
مولانا عاصم عمر منظر تنظيم القاعدة والمقيم في باكستان زعم في مايو (أيار) الماضي أن بعض قادة ومقاتلي المنطقة هناك نقلوا إلى الجبهة السورية. وأضاف: «الآن والرايات السود لشرق بلاد فارس تتجه إلى سوريا بعد العراق، فإن المجاهدين أقاموا مراكز لهم في سوريا (…) من أجل المساعدة على إنشاء الخلافة». وحسب مولانا عمر: «هناك عدة مقاتلين من (لاشقري (جيش) طيبة) يتوجهون نحو سوريا».
في حديثه إلى «بي بي سي» قال محمد أمين: «هناك العشرات من الباكستانيين الذين (يأملون) في القتال ضد الجيش السوري، لكن النصيحة التي تلقيناها من هناك تفيد بوجود ما يكفي من المقاتلين في سوريا».
«لواء 313» الباكستاني مؤلف من حركة طالبان، والحركات الجهادية المتحالفة معها، وأعضاء من «لاشقري (جيش) جهانعفي»، منظمة مسلحة تشكلت عام 1996 وأغلبية أعضائها من البنجاب وتعتبرها الاستخبارات الباكستانية تهديدا رئيسا للأمن القومي.. «حركة الجهاد الإسلامي» تنشط منذ بداية التسعينات في عمليات إرهابية في دول جنوب آسيا.. قائد عملياتها إلياس الكشميري قتل في غارة جوية على جنوب وزيرستان في يونيو (حزيران) 2011 وعين خليفة له قائد طالباني محلي يدعى شاه صاحب.
«لاشقري طيبة» أي «جيش الصالحين وأصحاب الحق»، من أكبر وأنشط المنظمات الإرهابية المتحركة في جنوب آسيا، وتعمل أساسا في باكستان.. أسسها في أفغانستان عام 1990 عبد الله عزام (الأب الروحي لأسامة بن لادن) وحافظ سعيد وظفار إقبال. قامت «لاشقري طيبة» بعدة عمليات إرهابية خاصة في الهند.. هدفها المعلن تحرير المسلمين المقيمين في كشمير. الخبراء الغربيون يعتقدون أن الاستخبارات الباكستانية تزود هذه الحركة بالمعلومات الأمنية والحماية.
منظمة «جيشي محمد» وتختلف عن منظمة «جيش محمد»، مقرها كشمير وهدفها فصل كشمير عن الهند.
«جند الله» المجموعة المرتبطة بتنظيم القاعدة ومقرها كراتشي، وهناك مجموعات باكستانية أخرى اندمجت مع «القاعدة» وتعمل كلها تحت اسم «لواء 313». هذا اللواء مرتبط بمجموعة «طالبان باكستان» ويجند أيضا أعضاء كبارا في الجيش وأجهزة الاستخبارات الباكستانية. بعد كل هذه التطورات المتسارعة يبدو أن الشرارة السورية وصلت إلى باكستان، وهذا يعني أن الحرب في سوريا ستزداد قبحا ودموية وأن دائرة المواجهة المذهبية تتسع لتشمل «الشرق الأوسط الكبير».
فهل تحمل هذه التطورات دلائل أبعد وأخطر على اختفاء دول وبروز كيانات جديدة، أم إن الحديث عن «طالبان باكستان» في سوريا ليس أكثر من لعبة استخباراتية؟
الشرق الأوسط