طهران وأنقرة والمأزق السوري
محمد السعيد ادريس
لعبت سوريا دوراً محورياً في تمتين علاقات التعاون والشراكة بين إيران وتركيا، بسبب الكثير من التطورات الداخلية في البلدين وبسبب تطورات إقليمية شديدة الأهمية، ولكن تبدو سوريا الآن، بسبب أزمتها السياسية الداخلية، سبباً مهماً من أسباب الدفع بعلاقة الشراكة الإيرانية التركية إلى مراجعة لا فكاك منها من جانب البلدين، بسبب تباعد الرؤى والمصالح بين مواقف البلدين من هذه الأزمة .
فسوريا التي انخرطت مع إيران في علاقات تحالف بمشاركة حزب الله في لبنان، واستطاعت من خلال هذا التحالف أن تواجه الكثير من التحديات ضمن ما سمي ب”محور الممانعة” في مواجهة “محور الاعتدال” العربي، استطاعت أيضاً أن تؤسس علاقة شراكة غير مسبوقة مع تركيا في ظروف شديدة الدقة والحساسية للبلدين، وهي شراكة جاءت مقترنة بتحولات مهمة في السياسة الإقليمية التركية وبالذات إزاء دولة الكيان الصهيوني، برزت بقوة أثناء الحرب “الإسرائيلية” على لبنان صيف ،2006 وبرزت أكثر أثناء العدوان الإجرامي “الإسرائيلي” على قطاع غزة (ديسمبر 2008 – يناير 2009)، ثم في الصدام التركي “الإسرائيلي” حول “أسطول الحرية -1” صيف 2010 . كانت سوريا في هذه التحولات التركية المحور الأساسي، ومنه فوسعت وامتدت أدوار تركيا الإقليمية خصوصاً مع إيران .
فقبل علاقة الشراكة السورية التركية كانت علاقة إيران مع تركيا محصورة في إطار يمتد من التعاون إلى التنافس، لكنه كان إطاراً محفوفاً بمشاعر الشك وعدم الثقة في ظل ارتباطات تركيا مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفي ظل علاقة الشراكة الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني . لكن التقارب السوري التركي، وتنامي الأداء التركي المميز في ملفات عربية ساخنة تهم إيران حفزا طهران على مزيد من الانفتاح نحو تركيا، تجاوز العلاقات الاقتصادية إلى التعاون الشامل الطامح في الشراكة الاستراتيجية، وتوحدت طموحات البلدين من خلال “المحفز السوري” لتأسيس محور استراتيجي رباعي يمتد من إيران إلى تركيا عبر العراق وسوريا .
هذا الطموح معرض الآن للتداعي بسبب اتساع فجوة الإدراك والتقييم الإيراني والتركي للأزمة السورية، خصوصاً بعد تفاقم هذه الأزمة ودخول قوى دولية وإقليمية أطرافاً في تطوراتها المتلاحقة والمتصاعدة . ففي حين التزمت إيران بتبريرات النظام السوري، ورأت أن ما يحدث فتنة ومؤامرة مدعومة من الخارج، حسمت تركيا موقفها بالانحياز إلى مطالب الشعب السوري بعد إخفاقها في إقناع الرئيس السوري بالتفاعل الإيجابي مع هذه المطالب والأخذ بمشروع سياسي وطني للإنقاذ، بدلاً من الاعتماد المفرط على القوة والحل الأمني .
ومع تفاقم الأزمة داخل سوريا أخذ الفتور يسيطر على العلاقة مع تركيا التي وجدت نفسها معنية بحماية المدنيين الهاربين من بطش أجهزة الأمن والجيش السوريين على الحدود بين البلدين، فضلاً عن استضافة مؤتمر للمعارضين في محاولة للضغط على القيادة السورية، لكن التحول الحقيقي في موقف تركيا جاء بعد إعلان رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية، أن بلاده لم يعد بمقدورها الدفاع عن دمشق في المحافل الدولية .
علاقات تركيا مع سوريا وصلت إلى مفترق طرق، ما دفع الكثيرين إلى التساؤل عن مدى تأثير ذلك في علاقة إيران بتركيا، وهل يمكن أن تصل هذه العلاقات أيضاً إلى مفترق طرق؟
السؤال مهم لأنه يأتي في وقت بدأت تظهر فيه ملامح تنسيق تركي أمريكي حول الملف السوري، وهو التنسيق الذي تزامن مع مؤشرات تقارب تركي “إسرائيلي” .
فحسب تقرير نشره موقع “ديبكا” الاستخباراتي “الإسرائيلي” نقلاً عن مصادر أمنية واستخباراتية “إسرائيلية”، فإن وساطة أمريكية قادت مؤخراً للقاءات سرية بين مسؤولين “إسرائيليين” وأتراك اتفق خلالها على تحسين العلاقات بين البلدين من جهة، ومواجهة الرئيس السوري بشار الأسد من جهة أخرى . وبحسب المصادر أيضاً فإن اتصالات أجراها الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع رئيس الوزراء التركي أردوغان قادت إلى لقاء بين الأخير ونائب رئيس الوزراء “الإسرائيلي” موشيه يعلون الذي زار تركيا مؤخراً، والتقى أردوغان سراً، ورئيس الاستخبارات التركية فيدان جاكان المسؤول عن الملف السوري، واتفق في هذه اللقاءات على عودة التنسيق الأمني والعسكري بين البلدين، وجاءت رسالة التهنئة “الدافئة” و”الحميمة” التي بعث بها نتنياهو إلى أردوغان بمناسبة الفوز الجديد لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وكذلك اعتذارات تركيا المفاجئة عن عدم المشاركة في “أسطول الحرية 2” الذي كان من المقرر أن يتوجه إلى قطاع غزة في مطلع الشهر الجاري، لتزيد ولتدعم من تكهنات بوجود تنسيق تركي أمريكي، ربما تدخل “إسرائيل” طرفاً فيه بخصوص الأزمة السورية .
هل ستغير تركيا تحالفاتها مجدداً؟ وهل يمكن أن تكون إيران أول من سيدفع أثمان هذا التغيير في التحالفات التركية بعد سوريا؟
السؤال يزداد أهمية إذا أخذنا في الحسبان خيارات إيران الصعبة والمحدودة في حالة سقوط الحليف السوري، أو في حالة اضطرارها إلى التدخل العسكري المباشر لحماية سقوط هذا الحليف . البعض يتحدث عن العراق حليفاً بديلاً يمكن من خلاله محاصرة أي نظام سوري جديد بديل لنظام الأسد، في حال تبنى هذا النظام سياسات معادية للمصالح الإيرانية، ويمكن من خلاله أيضاً مواصلة أو مداومة التواصل الإيراني مع حزب الله . وهناك من يتحدث عن توجه إيراني نحو كل من أفغانستان وباكستان لتأسيس شراكة استراتيجية بديلة، يمكن من خلالها إرباك أي تحالفات يجري تدبيرها أمريكياً ضد إيران . وهناك خيار ثالث أو بديل هو أن تراجع إيران سياساتها وأن تتقارب مع دول محور الاعتدال العربي، في محاولة لإنقاذ الموقف في سوريا وضبط التداعي في السياسة التركية .
الخليج