“عاصفة الحزم” تأثيراتها على الازمة السورية – مجموعة مقالات لكتاب سوريين-
ما بعد عاصفة الحزم/ بكر صدقي
بدأت «عاصفة الحزم»، قبل نحو شهر، بصورة مفاجئة. وتم الإعلان عن نهايتها، البارحة، بصورة مفاجئة أكثر. فوقف الغارات الجوية للتحالف العشري بقيادة السعودية على مواقع الحوثيين وحلفائهم من القوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، لم يأت نتيجة تسوية سياسية يمنية ـ يمنية تحدد معالم المرحلة المقبلة، ولا نتيجة استسلام الحوثيين وحلفائهم من خلال الموافقة على قرار مجلس الأمن الأخير ذي الصلة. وفي هذه الحالة لا بد من حدوث صفقة غير معلنة بين الجهات الاقليمية المعنية بالأزمة اليمنية، وتحديداً بين المملكة العربية السعودية وإيران. غير أن الصيغة التي جاء فيها إعلان وقف عمليات «عاصفة الحزم» توحي بأن الصفقة لم تنضج تماماً، ما دامت «إعادة الأمل» ستبدأ من حيث انتهت «عاصفة الحزم». فالحصار البحري والحظر الجوي مستمران، وفقاً للإعلان، ومن المحتمل استئناف العمليات العسكرية في أي وقت إذا اقتضت الحاجة. قد يعني هذا اكتفاءً سعودياً بالخسائر التي تكبدها الحوثيون وأنصار صالح، بانتظار إعلانهما الموافقة على قرار مجلس الأمن، وضمناً استعادة الرئيس عبد ربه هادي منصور وحكومته سلطتهما الشرعية، وتمكينهما من العودة إلى عدن.
بعيداً عن اللهجة الانتصارية في ردود الفعل الأولية لدى إيران وأتباعها الاقليميين على انتهاء عملية عاصفة الحزم، لا شك أن ذراع إيران تم ليها في اليمن، فسمعنا صرخة توجعها من الضاحية الجنوبية لبيروت، قبل يومين، على لسان حسن نصر الله الذي بلغ في خطابه الأخير مستويات غير مسبوقة من البذاءة العدوانية المذهبية. شيء ما حدث، في الأيام القليلة الماضية، بعيداً عن عيون الجمهور والإعلام، جعل هذه الهدنة الحذرة ممكنة. إنها «السياسة العميقة» ما بين الدول، أو «لعبة الأمم» كما تسمى، تقرر فيها مصائر شعوب كما لو كانت مجرد بيادق على رقعة شطرنج دامية. لا أحد يسألها رأيها في مصائرها، بل تتحدد هذه داخل غرف مغلقة. كانت ثورات الربيع العربي فرصة لتغيير قواعد اللعبة هذه، ولذلك تمت محاربتها بشراسة بالغة وصولاً إلى حروب أهلية مفتوحة تجعل الشعوب التي تمردت تتوب عن تكرار المحاولة ربما لمئة عام قادمة.
ستكشف لنا الأيام المقبلة عن فحوى الصفقة التي تمت بموجبها الهدنة. يتحدث الرئيس اليمني عن عودة الشرعية واستعادتها زمام المبادرة في الداخل اليمني. هل هي مجرد أمنيات، أم نتيجة وافق عليها الطرف المغلوب؟ أم أن الحوثيين سيرفضون طلباً إيرانياً بالتهدئة ويواصلون القتال؟ أم أن الصفقة المحتملة تشمل اليمن ولا تقتصر عليها؟ بكلمات أخرى: هل ستتخلى إيران عن اليمن على أمل الاحتفاظ بسوريا ولبنان والعراق؟
فلعل إيران اكتشفت خطأها الفادح في مد نفوذها إلى الخاصرة السعودية في اليمن، فقررت التراجع خطوة أمام العاصفة، ومحاولة تركيز جهودها على الاحتفاظ بمواقع نفوذها القوية في العراق ولبنان، وعدم التفريط بنظام بشار الكيماوي في دمشق الذي تلقى خسائر ميدانية كبيرة في الآونة الأخيرة. احتدام التوتر اللفظي بين حزب الله وخصومه في تحالف 14 آذار في لبنان، بمناسبة حرب عاصفة الحزم، ربما كان نوعاً من الإنذار المبكر بصدد ضرورة الوصول إلى تسوية سياسية في اليمن للمحافظة على السلم الأهلي الهش في لبنان. أما الضغط الميداني المتواصل على النظام الكيماوي في سوريا، فكان بمثابة التهديد بـ»عاصفة حزم» ثانية لسوريا. في حين يغرق المشهد العراقي في مزيد من الدم بين تنظيم الدولة الإسلامية وقوات الحشد الشعبي الشيعية واستمرار غارات التحالف الدولي ضد داعش.
ما حدث البارحة هو هدنة تكتيكية بين إيران والسعودية. الحوثيون وقوات صالح لم يستسلموا، والقتال مستمر حول عدن وفي مناطق أخرى. وعودة السلطة الشرعية إلى عدن مرهونة بتسوية سياسية داخلية تمنح الطرف المغلوب شيئاً ما يسهل عليه التراجع. في سوريا، يسعى المحور السعودي ـ القطري ـ التركي إلى كسب نقاط على حساب إيران لإرغامها على التفاوض على رأس الأسد. اسطنبول تجمع قادة فصائل عسكرية سورية كبيرة، بينهم زهران علوش المشتبه بمسؤوليته عن اختطاف الناشطة الحقوقية المعارضة رزان زيتونة ورفاقها الثلاثة في دوما، للتخطيط للمرحلة المقبلة ميدانياً. والسعودية تعمل على تشكيل كيان جديد مصغر للمعارضة السياسية السورية تمهيداً للاستحقاقات الدولية المقبلة. كل ذلك يتم بموافقة أمريكية ضمنية من غير تورط مباشر.
عاصفة الحزم أعادت رسم موازين القوى عبر الاقليم المتروك لمصيره من قبل القوى العظمى. لكن الصراع الاقليمي على المستقبل مستمر حتى ينهك قطبا الصراع الرئيسيان ويقتنعا بوضع ستاتيكو جديد، أو نظام إقليمي جديد، يحدد حصص القوة والنفوذ لكل طرف.
بانتظار ذلك، المقتلة مستمرة.
٭ كاتب سوري
القدس العربي
حزم آخر مطلوب سوريّاً/ نجاتي طيّارة
تشيع قناعة في معظم أوساط المعارضة السورية، بل هي شائعة أكثر في معظم أوساط السوريين، أن المجتمع الدولي صامت عما جرى ويجري في سورية، من عنف وحرب أدت إلى دمار البلد وقتل مئات الألوف، وتهجير ونزوح، بشكل يشكل أكبر كارثة إنسانية معاصرة. غير أن المجتمع الدولي، بما يشمله من رأي عام وإعلام ومنظمات دولية وحكومات، كان متعاطفاً مع الحدث السوري في أشهره الأولى، وكانت له، في المجمل، مواقف قوية، وصلت إلى حد نزع الشرعية عن النظام والاعتراف بمؤسسة المعارضة السورية الأولى، أي المجلس الوطني، وصولا إلى انعقاد مؤتمرات أصدقاء سورية وتعهداتها. واتضح، منذ تلك الفترة، أن المجتمع الدولي لم يكن مستعدا لمواقف أعلى، لا لفرض حظر جوي، ولا لإقامة مناطق أو ممرات آمنة لحماية المدنيين، أو إغاثتهم. وقد تبين ذلك بوضوح، في سبتمبر/أيلول 2013، عندما تراجعت دول غربية، في مقدمتها أميركا، عن خطوطها الحمر، وتهديدها بتوجيه ضربة لسورية، عشية افتضاح جريمة استخدام النظام للسلاح الكيماوي في إبادة حوالى 1500 مدني في غوطة دمشق، ثم استبدلت ذلك بتسليم النظام مخزونه من تلك الأسلحة الكيماوية، على خلفية اتفاق روسي أميركي تم ترتيبه بين يوم وليلة. وذلك بالإضافة إلى
ما ساد من أجواء إعلامية، بعد أن نجح النظام في فتح أبواب السجون والحدود أمام المنظمات الإرهابية وتكفيرييها، مما جعل سورية ميداناً خصباً للإرهاب الدولي، وأطلق الفوبيات الغربية مجدداً من عقالها ضد الشرق والإسلام.
في المحصلة، تكشف الصمت الدولي، وما توارى خلفه من مصالح وتوازنات دولية، عن سياسات رسمية، فتراجعت أخبار الحدث السوري أو غابت، وتوقفت مؤتمرات أصدقاء سورية، وفشلت مؤتمرات جنيف1 و2، وانتهت مساعي اثنين من المبعوثين الدوليين إلى الاستقالة، وما زال الثالث يتعثر. وبين طلب التدخل، على الطريقة العراقية أو الليبية، ثم التباكي على الصمت الدولي وإدانته، تهرب السوريون من فهم السياسة الدولية الجديدة التي سيطرت على المسرح الغربي، وخصوصا في مركزه الأميركي، بعد تراجع سياسة المحافظين الجدد، وتقدم سياسة باراك أوباما لمعالجة آثار الأزمة المالية، وتغليب سياسات الرفاه والتعاضد الاجتماعي داخلياً، والانسحاب خارجياً من معارك الآخرين، ثم إدارتها عن بعد، وبدون الاستعداد مبدئياً لخسارة الجندي والمواطن الأميركي.
وقد تم التعبير عن هذه السياسة بوضوح شديد، في حديث أوباما الصريح إلى الصحافي توماس فريدمان، ونشرته “نيويورك تايمز”، أخيراً، عندما وجه كلامه إلى حلفاء أميركا من القادة العرب: الإدارة الأميركية لم تعد مستعدة لخوض حروب الآخرين، ولن تضحي بعد بأبنائها من أجل طمأنتهم، والقضاء على أعدائهم، طالما أنهم لا يريدون خوض هذه الحرب بأنفسهم، والوقوف بموقف المتفرج أو الممول عن بعد فقط.
“من ينفي أن شروط الحزم السوري المطلوب ليست كثيرة على شعب قدم من التضحيات والمبادرات ما فاق كل توقع، حتى اليوم؟”
ولا تنفع، هنا، الهواجس والشكوك بشأن نتائج التفاوض الإيراني الغربي في الملف النووي، فذلك مجال صراع ومصالح وتوازنات دولية، لا تنفي، ولا تمنع، المبادرات الإقليمية والمحلية. ومن ذلك ما حدث، عندما تحركت السعودية وحلفاؤها، كما فعلوا في “عاصفة الحزم”، فالإدارة الأميركية وجدت نفسها مضطرة لتأييدهم ودعمهم. لكنها، في الوقت نفسه، بدأت تطالبهم بتولي باقي أمورهم بأنفسهم. وذلك ما أشارت إليه تساؤلات الرئيس الأميركي: لماذا لا يمكننا رؤية عرب يحاربون ضد الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، أو يقاتلون ضد ما يفعله الرئيس بشار الأسد في سورية؟
هذا هو، إذن، واقع السياسة الدولية اليوم، فلم تعد المسألة مسألة صمت المجتمع الدولي أو تقاعسه، أو انصرافه عن دول فاشلة، أو حساباته مع الحليف الاستراتيجي الوحيد، إسرائيل. وحسنٌ أن القيادة السعودية الجديدة أدركت ذلك أخيراً. وهي لم تدركه حقاً، إلا بعد أن وصل تهديد امتداد النفوذ الإيراني إلى رابع عاصمة عربية، بعد بيروت وبغداد ودمشق، وبعد أن تهددت خاصرتها اليمنية بالتمزق. فبادرت إلى القيام بـ “عاصفة الحزم” التي تأسست على استنهاض حلف عربي وإقليمي عريض، استشعاراً بأخطار باتت تهدد الجميع.
تلك هي المسألة، وهذا هو الجو الذي تلوح فيه إمكانيات مضي مبادرة “عاصفة الحزم” إلى مبادرات حزم عربية أخرى، أشار إليها المشروع الذي طرح في مؤتمر القمة العربية السادسة والعشرين، والمتضمن إنشاء قوة تدخل عربية، لكنه سرعان ما خبا وتوارى في ظل الخلافات والهواجس العربية المعهودة. وهو يعود، اليوم، عبر آمال بإنشاء تحالف عربي تركي، يضع في مقدمة جدول أعماله مهمة معالجة المشكلة السورية.
وعلى القاعدة نفسها، التي كشفها حديث أوباما، وبغضّ النظر عمّا إذا صحت الآمال المشار إليها، أو لم تصح. المسألة ترتب مسؤولية أخرى، تقع على عاتق المعارضة وقوى الثورة السورية، بل على عاتق جميع الوطنيين السوريين، أولاً وأخيراً. وتتطلب هذه المسؤولية القيام بمبادرة أخرى، على المستوى نفسه، من مبادرة “عاصفة الحزم”، بعد طول ترهل وتعفن واستنقاع، ساد في الساحة السورية، كما كان سائدا في الساحة العربية. وعلى هذه المبادرة أن تسعى إلى حزم سوري وطني جديد، يلاقي التحالفات الإقليمية المقبلة، أو يساهم في الدعوة إليها، خصوصا بعد الآمال التي بعثها تحرير إدلب، وتقدم الجيش الحر في الجنوب. وإذ تبدو هذه الدعوة أضغاث أحلام في الواقع المشهود، فمن ينفي أن “عاصفة الحزم” كانت تبدو قبل قيامها مثل ذلك وأكثر، بل من ينفي أن شروط الحزم السوري المطلوب ليست كثيرة على شعب قدم من التضحيات والمبادرات ما فاق كل توقع، حتى اليوم؟
العربي الجديد
“عاصفة الحزم” والتحدي السوري/ فايز سارة
رغم كل المسارات الصعبة التي ترتبها «عاصفة الحزم» على المنطقة بدولها وشعوبها، خصوصًا على اليمن، فإنها تمثل تطورًا مهمًا في واقع دول المنطقة وشعوبها، نظرًا لما تحمله من تحولات سياسية وأمنية في واقع المنطقة دولاً وشعوبًا، وما يمكن أن تتركه على مستقبلها من نتائج.
فـ«عاصفة الحزم» تمثل وعيًا عامًا بالأخطار التي تهدد المنطقة منذ سنوات طويلة، بعد أن ضربها خطران؛ خطر التطرف المسلح من جهة، وخطر التمدد الإيراني من جهة أخرى، كما تمثل العاصفة نهوضًا في مواجهة الخطرين في آن واحد، بعد أن سكتت دول المنطقة، وسايرت الخطرين على أمل معالجة تحدياتهما بطريقة هادئة ودبلوماسية، هي أبعد عن قعقعة السلاح، واستخدامه (إذا تم) بصورة محدودة. وقد عملت «عاصفة الحزم» على إعادة ترتيب العلاقات الإقليمية في المنطقة ومحيطها الدولي، فدفعت إلى إقامة تحالف واسع وفعال، ضم دولاً كانت علاقات معظمها البينية فيها من الحساسيات والتجاذبات، أكثر مما فيها من التوافق والتقاربات.
وسط تلك المعطيات، تبدو «عاصفة الحزم» قد فتحت أفقًا، لا يقف عند مواجهة التطرف الحوثي والتمدد الإيراني بالقوة المسلحة إلى جانب الجهد الدبلوماسي النشط والحاسم في اليمن، إنما فتحت الأبواب كذلك نحو مواجهة الامتدادات الإقليمية لكل من التطرف المسلح من جهة، والتمدد الإيراني بمضامينه الآيديولوجية والمسلحة، من جهة أخرى. وكلاهما؛ منفردين أو مجتمعين، نخر كثيرًا من بلدان المنطقة، شاملاً أغلبية دول الخليج العربية، وممتدًا إلى بلاد الشام والعراق، إضافة إلى مصر وليبيا، دون أن يتوقف في كل من تونس والجزائر.
وإذا كان التمدد الإيراني، ركز جهده في الامتداد الجغرافي القائم بين الخليج وساحل البحر المتوسط بشكل أساسي، قبل سعيه إلى التمدد في اليمن ليجعله قاعدة انطلاق نحو محيطه، فإن التطرف المسلح، شمل تلك البلدان، وامتد خارجها فاتحًا بوابة الارتباط بإيران على نحو ما هي عليه حال الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، والميليشيات الشيعية في العراق، ثم شاركه في الانتشار والتمدد تنظيم «داعش» المرتبط بخط تنظيم القاعدة الذي وإن كان يلبس هوية سنية، بخلاف الميليشيات الشيعية ذات المرجعية الإيرانية، فإنه في المحتوى يسير على خطى الأخيرة في اعتماد التطرف والإرهاب المسلح أساسًا للعلاقة مع شعوب المنطقة ودولها.
وتمثل الحالة السورية نموذجًا خاصًا في حالة دول المنطقة في موضوعي انتشار التطرف المسلح والتمدد الإيراني؛ ففي سوريا نظام متطرف في عقيدته وفي سياساته وممارساته، ويتجاوز موضوع التطرف فيه، ممارساته الدموية في قتل السوريين وتهجيرهم، إلى عملية تدمير بلدهم بصورة منهجية، مضيفًا إلى ما سبق روابطه الوثيقة مع التطرف المذهبي الإيراني الذي غدا قوة الحسم في قرار نظام الأسد من خلال شبكة معقدة التأثير في النظام، تمتد من الرعاية السياسية إلى المساعدات الاقتصادية والأمنية، وصولاً إلى إرسال الخبراء المتعددي الاختصاصات وجنود الحرس الثوري للقتال إلى جانبه. كما تمثل تطرف النظام في استدعاء ميليشيات المرجعية الإيرانية من حزب الله اللبناني، ومثله «لواء أبو الفضل العباس»، و«لواء ذو الفقار»، و«كتائب حيدر الكرار للقناصة»، و«عصائب أهل الحق» العراقية، إضافة لميليشيات أخرى مسلحة ومتطرفة.
وبطبيعة الحال، فإن تعميم التطرف والإرهاب من جانب نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين وميليشياتهم، فتح أبواب سوريا أمام وجود متطرفين آخرين، كانوا من حيث الشكل في الموقع الطائفي الآخر من أدوات الصراع، وفي الواقع كانوا في موقع النظام من حيث المهمة والممارسة، وهذا بعض ما يفسر المعلومات المتداولة عن العلاقات المباشرة وغير المباشرة، التي تربطهم مع أجهزة النظام وأجهزة إيران والعراق الاستخبارية، وقد نظموا انتقال عشرات آلاف من أفراد وقيادات تنظيمات التطرف والإرهاب القاعدي، ومساعدتهم بأشكال مختلفة، ليقيموا تنظيماتهم في سوريا، مما جعل الأخيرة ساحة تنظيم وقتال للمتطرفين الإرهابيين من «الشيعة» و«السنة» على السواء الذين جعلوا – كما النظام – السوريين هدفًا لهم.
وكما هو واضح من المعطيات، فإن الوضع السوري من حيث تمركز التطرف المسلح، ومن حيث التمدد الإيراني، هو الأخطر في المنطقة. وربما كان الأولى بـ«عاصفة الحزم» أن تبدأ من سوريا.. أما وإنها بدأت في اليمن، فإن هدفها الثاني، لا بد أن يكون سوريا، دون أن يكون لمسارها المسار ذاته الذي مضت فيه «عاصفة الحزم» في اليمن؛ بمعنى أن يركز المسار السوري لـ«عاصفة الحزم» على السياسي أكثر من العسكري، والأسباب في ذلك لا تكمن في الاختلافات بين البلدين، وهي خلافات قائمة ومنها وجود سلطة شرعية في اليمن تتابع وتشارك في عملية التصدي للحوثيين وللتمدد الإيراني، مقابل نظام متطرف يمارس إرهاب الدولة ضد السوريين، إنما هناك أسباب أخرى، لعل الأبرز فيها أن المجتمع الدولي رسم طريقًا لحل سياسي للقضية السورية، يتمثل في مسار بيان جنيف لعام 2012 ومؤتمر «جنيف 2» لعام 2014، لكنه لم يوفر قوة سياسية وعسكرية تدعم تطبيقهما، ولا شك أن «عاصفة الحزم»، بما هي عليه، يمكن أن تكون قوة دعم وتطبيق لمسار الحل السياسي في سوريا.
كاتب وصحافيّ سوريّ، وعضو الهيئة السيّاسيّة في الإئتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة حاليا ومستشار سياسي واعلاميّ لرئيس الإئتلاف
الشرق الأوسط
ماذا حققت عاصفة الحزم؟/ عماد مفرح مصطفى
على عدة مستويات ومقاربات، شكلت “عاصفة الحزم” التي استهدفت مواقع الحوثيين وقوات حليفهم المخلوع علي عبد الله صالح تغيرا نوعيا في إستراتيجية دول الخليج، لجهة التحول من سياسة احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة إلى سياسة الحسم والمواجهة، متجاوزة بذلك مرحلة الانكفاء السياسي والإستراتيجي إلى محاولة إنشاء منظومة إقليمية تفرض إيقاعها على مجريات الأمور وسياق الأحداث المتلاحقة.
وقد جاء تبني مجلس الأمن الدولي لمشروع القرار الذي قدمته دول مجلس التعاون الخليجي بشأن اليمن ليؤكد صوابية هذه الإستراتيجية وقدرتها على تحقيق إنجازات سياسية في زمن قياسي، بعد أن أظهرت “عاصفة الحزم” قيمة الحضور العربي، وما يمتلكه هذا الحضور من قوى كامنة، تعيد بها رسم التوازنات الإقليمية في مواجهة التفرد الإيراني واستثماره في أخطاء السياسة الأميركية بالمنطقة وفرض سلطة أتباعه بقوة العنف والترهيب.
وإذ أعلنت دول التحالف انتهاء عملية “عاصفة الحزم” وبدء عمليات “إعادة الأمل” بما يشمل ذلك من عمليات الإغاثة والدعم للمقاومة الشعبية، مع إمكانية استمرارية الأعمال العسكرية “وفق أطر مختلفة ضد أي تهديد من الحوثيين سواء من الداخل أو الخارج”، فإنه بات بالإمكان ملاحظة ما أنجزته تلك “العاصفة” من مكاسب سياسية أعادت شيئا من التوازن في المعادلات السياسية والإستراتيجية في المنطقة.
ولعل أهم تلك الإنجازات هو إحداث الخلل والتأثير المباشر على المشروع الإيراني المتجدد، الطامح إلى إحلال “نظام إقليمي جديد”، كانت إيران تأمل في الانتهاء من بسط نفوذها مع إنجاز الاتفاق النهائي حول ملفها النووي مع الغرب في نهاية يونيو/حزيران المقبل.
ويشمل هذا “النظام” بناء قوات ردع بديلة عن الجيوش النظامية، أساسها النهج “المليشياوي” والولاء الطائفي، من عناصر “حزب الله” والشبيحة والحشد الشعبي والحوثيين، تمكنهم إيران من حيازة مناطق إستراتيجية على الخريطة السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية، بحيث تشكل تلك “الأذرع” بتمددها قوسا جغرافيا يمتد من الساحل السوري مرورا بالعراق ووصولا إلى شط العرب والخليج العربي، يقابله التمدد الحوثي في اليمن، وهو ما يعني محاصرة دول الخليج العربي في حدودها الشمالية والجنوبية.
يضاف إلى ذلك ما حققته “عاصفة الحزم” وبسبب توقيتها الدقيق والحساس، في وقف عملية المقايضة بين مشروع القنبلة النووية ومشروع التمدد الإقليمي، وهو نفس المشروع المؤثر على الوحدة الثقافية في المنطقة منذ انطلاقته، مع استلام الخميني للحكم في طهران، وذلك بسبب عدم تجانس هذا المشروع بين ظاهره الذي يدعي تبنيه الدفاع عن القضايا المحقة لشعوب المنطقة -القضية الفلسطينية- وجوهره الطائفي الذي يدفع بالمال والسلاح والرجال من أجل تعميق مستوى الخلافات وصراع الهويات، التي تؤدي بدورها إلى حدوث التجزئة السياسية وزيادة “الطائفية” في العالم العربي، وقد شهدنا آثار هذا المشروع على مجريات الأمور في العراق، بعد احتلال الأميركي عام ٢٠٠٣، وفي سوريا بعد العام ٢٠١١ واليمن بعد العام ٢٠١٤.
من جانب آخر أظهرت “عاصفة الحزم” ضعف المشروع الإيراني وهشاشة مرتكزاته القائمة على الأوهام الطائفية المؤدلجة، مثلما أظهرت “العاصفة” إمكانية محاصرة حلفاء طهران وتعزيز قوة مناهضيها، وإطلاق المقاومة الشعبية غير الطائفية في وجهها، إلى جانب الكشف عن أسس السياسة الإيرانية المبنية على استغلال التناقضات الاجتماعية-السياسية الموجودة داخل بلدان المنطقة، وهي تناقضات طبيعية يفرزها صراع المصالح والنفوذ ضمن كل المجتمعات، إلا أن السلطة الإيرانية تحاول استغلال واستثمار هذا التناقض عبر إشاعة نمط من الخوف والارتياب في جنبات بعض المجتمعات الأهلية “الشيعية”، ودفعها للقيام بحروب بالوكالة عنها.
وفي هذا الاتجاه يمكن القول إن “عاصفة الحزم” نجحت في إظهار “نظام الملالي” نظاما عاجزا عن حماية أتباعه ومناصريه، مؤكدة على أن المظلة الشرعية والقانونية الحامية لكل الأذرع الإيرانية وتوابعها في المنطقة هي الدولة الوطنية.
وفي ظل التفاعلات السياسية التي أحدثتها عاصفة الحزم على المستوى الإقليمي، تظهر تأثيرات العاصفة على المستوى الدولي، ولعل إنجازها الأكثر وضوحا في هذا المضمار هو إمكانية تحرير النظرة الأميركية وسياستها من أوهام وأسطورة السطوة الإيرانية على المنطقة، وما يحاك حول القدرة المدهشة لطهران في لعب دور “شرطي المنطقة”!، تلك القدرة التي توصف في بعض أوجهها بقوة “احتلال” من قبل فئات عريضة من شعوب المنطقة، كما في بعض المناطق السورية والعراقية.
وفي هذا السياق، فتح تحالف “عاصفة الحزم” باب التفاعل مع السياسة الأميركية الجديدة القائمة على الانكفاء عن المنطقة، بتقديم التحالف لنفسه قوة قادرة على سد الفراغ الذي سيخلفه الانكفاء الأميركي، وذلك بتمكين دول المنطقة وقواها المجتمعية من توفير مظلة الحماية لمصالحها، إلى جانب تخليص بعض القوى المحلية من أوهام المراهنة على التدخل العسكري الأميركي المباشر من أجل نصرة ودعم قضايا المنطقة.
فالوقائع أكدت على أن التدخل الأميركي والسياسات التي مارستها واشنطن قامت بتقديم خدمات كبيرة “للمشروع الإيراني” حيث سطرت تلك السياسات “بوش-أوباما” وبجريرة “محاربة الإرهاب” العديد من الويلات والمآسي على دول وشعوب المنطقة، وهي ذات السياسة التي دفعتها شراهتها البراغماتية إلى التودد من إيران وحكامها، بعد سنوات طويلة من وصفها “بالدولة المارقة”، وفق تعبيرات الخطاب السياسي الأميركي.
الواضح أن ما بعد عاصفة الحزم وعملياتها العسكرية ستتجاوز بتأثيراتها منطقة باب المندب وتأمين طرق إمداد النفط إلى الأسواق العالمية، وحماية الحدود الجنوبية لدول مجلس التعاون الخليجي إلى ظهور مستوى جديد في أسلوب التعاطي مع العديد من أزمات المنطقة وتدخلاتها المعقدة. وقد فرضت “العاصفة” محددات جديدة ومحاذير واضحة حول الأمن القومي لدول الخليج، وهو ما سيؤثر على تبدل مواقف بعض الدول الخليجية تجاه بعض القوى الإسلامية، والتي كانت تعد -وفي مواقع معينة- الوجود الإيراني عاملا مساعدا للقضاء على القوى الإسلامية وقواعدها الشعبية.
لذا يتوقع أن تشهد مرحلة ما بعد عاصفة الحزم إعادة تصويب مسارات التفاعل بين مصالح الدول على قاعدة من التوازن والواقعية، يتم خلالها التفريق بين القوى الإسلامية ذات الممارسات الإرهابية المتطرفة وبين الدور الفاعل والواضح لبعض التيارات الإسلامية المعتدلة في تكريس الاستقرار والوقوف في وجه المشاريع المشبوهة.
حقيقة الأمر أنه لم يعد من باب التكهن أو الاحتمالات القول إن ما بعد عاصفة الحزم سيشهد انكفاء الحوثيين واندحار “الحلم” الإيراني هناك، فالقرار الدولي الأخير حول اليمن -والذي يهيئ الأرضية المناسبة للحل السياسي- واضح في شأن منع السلاح عن الحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، وهو واضح أيضا في مطالبة الانقلابيين الحوثيين بوقف استخدام العنف وسحب قواتهم من صنعاء وبقية المناطق.
وعلى ضوء هذه التطورات يمكن القول إن أمام إيران اليوم الفرصة الكبيرة كي تعيد النظر في سياساتها الإقليمية ومشروعها التوسعي باسم “الثورة الإسلامية” ورغبتها المستمرة في إشاعة نمطها الطائفي تحت شعار “نصرة المستضعفين”.
عليها أن تعود إلى حقيقة التاريخ والجغرافيا، كي تكون قوة ثقافية واقتصادية وسياسية تتكامل مع دول المنطقة على أسس من العدالة والمساواة، لا أن تستمر في مناكفاتها ومغامراتها لتكون قوة هيمنة وابتزاز، تنتصر للظالم على المظلوم كما تفعل في سوريا، وتدعم الفوضى على حساب النظام ومؤسسات الدولة كما في اليمن ولبنان.
الجزيرة نت
حروب جديدة.. أو روح المسؤوليّة/ سمير العيطة
انتهت «عاصفة الحزم» على اليمن، موقتاً على الأقلّ. بدأت الأنظار تترقّب الخطوة التالية في تصعيد الصراعات القائمة في المنطقة منذ أن قوّضت أحداث «الربيع العربيّ» أسس الاستقرار الداخليّ والجيوستراتيجي. وخلقت التحرّكات الدبلوماسيّة التي أدّت إلى وقف هذه العمليّة العسكريّة، الأولى من نوعها في تاريخ السعوديّة والخليج، مناخاً يبعث على التفاؤل في إمكانيّة إرساء أسس توازنٍ جيوستراتيجيّ جديد بين الفرقاء الأكثر بروزاً في صراعات المنطقة، أي إيران وتركيا والسعوديّة.. وإسرائيل. وربّما أنّ إدارة الرئيس أوباما، بعد الاتفاق الأوليّ حول الملفّ النوويّ الإيراني الذي جهدت لإنجازه، تسعى إلى ذلك، عبر دعوتها قادة دول الخليج إلى «خلوة» في منتجع «كامب دافيد» في منتصف آيّار، قبل الدخول في أجواء الانتخابات الأميركيّة القادمة.
كثيرٌ من المعطيات لا يشجّع على الاعتقاد بإمكانيّة تحقيق هذا التوازن ووقف الحروب العبثيّة والفوضى ومعاناة السكّان، وخاصّة إنهاء استغلال الفرقاء البارزين، وأولئك الأقلّ بروزاً، للتنظيمات المتطرّفة، مثل «داعش» و «القاعدة»، لتقويض دور الآخرين. مثل هذا الاستغلال لا يتطلّب سوى مال وأجهزة أمنيّة. والمال في المنطقة وفير لخلق الاضطرابات وليس للتنمية. وما يُخشى منه دخول بلدان جديدة كثيفة السكّان بدورها دوامة عدم الاستقرار والحروب الداخليّة العبثيّة، كي يتعقّد المشهد أكثر وأكثر وتخرج التنظيمات المتطرّفة وحدها… منتصرة في المنطقة.
إنّ جذور الاضطرابات القائمة في بلدان المنطقة هي في الأساس داخليّة. مجتمعات أضحى الشباب هم غالبيّة السكّان فيها، لا أفق لهم سوى استبدادٍ دام طويلاً، وقوى تسلّطيّة تتحكّم بمؤسسات ومقدّرات الدول معتمدةً على عصبيّات، ومؤسّسات دولة لم تتطوّر حقّاً منذ زمن الاستقلال كي تحتوي أزمات بهذا العمق. بالتالي انفرط العقد الاجتماعيّ القائم في كثيرٍ من هذه الدول، وظهرت عصبيّات محليّة لما قبل الدولة. وأخذت الاضطرابات تهدّد مقوّمات الدول بحدّ ذاتها، خاصّة أنّ الصراع الجيوستراتيجيّ جرّ الانتفاضات من ثورات من أجل حقوق وكرامة وحريّات إلى صراعات بين هويّات مذهبيّة ودينيّة وقوميّة. صراعات بين سنّة وشيعة، حتّى عندما لا يكون الحوثيوّن شيعة، ولا هُم جميعهم زيديّون. صراعات من جديد بين سنّة «صوفيّين» ووهابيّين يريدون تطبيق حدودٍ أخرجت من سياقها التاريخيّ. صراعات بين «نصيريين» و «تكفيريين»، بحسب التعابير المستخدمة. وصراعات بين عرب وكرد. وصراعات بين إسلام ومسيحيّة ويهودية.
وصراع الهويّات، الحقيقيّة أو المفترضة، لا حلّ له إلاّ عبر تقسيم الدول أو إرساء دول مساواة في المواطنة. وكلاهما يأخذان إلى مسارات صعبة، تهدّد بحكم الواقع القائم وجود ومقوّمات الدول الأخرى. ولا تشذّ حتّى الدول الأكثر بروزاً وقوّة، والمفترض أن يخلق توازنها الاستقرار، عن مواجهة مثل تلك التهديدات. وكذلك لم تعرف تونس، الأكثر تأهيلاً لإرساء عقدٍ اجتماعيّ حديث بعد «ثورتها»، سبيلاً لها نحو ترسيخ الاستقرار.
بالتالي، لا يُمكن أن يتطوّر وضع المنطقة إيجاباً نحو التوازن من دون وقف التحريض المذهبيّ المتبادل أوّلاً. أي أن تنتقل الدولة الإيرانيّة إلى ما بعد ولاية الفقيه، وأن تنتقل الدولة السعوديّة إلى ما بعد التزمّت الوهابيّ، وأن ينتقل الإسلام السياسيّ إلى إقرار أنّ «الدين لله والوطن للجميع». ولو تدريجيّاً. وإلاّ ستستمرّ الكوارث، ولن يبقَ من ثوابت في المنطقة سوى… يهوديّة دولة إسرائيل، التي تزعم كلٌّ من إيران وتركيا والسعوديّة أنّها نقيضتها الوجوديّة.
الاستقرار لن يعود إلى العراق وتحقيق الانتصار على «داعش» لن يتمّ دون ذلك. ولن تخرج سوريا من حربها العبثيّة، ولن تنهزم «داعش» و «النصرة» فيها. ولن تخرج اليمن وليبيا من الفوضى.
لقد انخرطت القوى الأكثر بروزاً جميعها، أي إيران وتركيا والسعوديّة وإسرائيل، بشكلٍ مباشر في صراعات ما بعد «الربيع العربيّ». وأبرزت قوّتها في وجه كلّ من روسيا والولايات المتحدة. ولم يبقَ لها سوى أن تتواجه في حروبٍ مباشرة، وإظهار التحالفات الضمنيّة بينها. فهل سيأخذ إبراز القوّة هذه إلى مرحلة ما يمثّل فيها بالتحديد روح المسؤوليّة تجاه المنطقة، وانطلاقاً حيال جميع أبنائها؟
السفير