عمران: القصة ليست صحيحة
عبد الرحمن الراشد
وردتني من السفير الدكتور عدنان عمران رسالة ينفي فيها ما سبق أن رويته في هذه الزاوية عن إشكال حدث إبان الفترة التي كان فيها وزيرا للإعلام في سوريا. في رباعية مقالاتي في ذكرى مرور عشر سنوات على حكم بشار الأسد لسوريا، تحدثت عن جهل رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري بالرئيس بشار، وأن هذا ما أدى إلى تردي العلاقة، واستشهدت بحادثة كنت طرفا فيها تبين كيف أن الحريري كان يرفض أن يصدق أن ما كان ينشر في صحيفة «الشرق الأوسط»، أثناء رئاستي لها آنذاك منسوبا لـ«مصدر سوري مسؤول»، لم يكن سوى مكتب الرئيس الأسد نفسه، حتى وقعت تلك الحادثة التي كشفت له الحقيقة.
الدكتور عمران الذي أعرفه وأقدر ما فعله في وزارته آنذاك يقول إن القصة برمتها غير صحيحة. وقد أرسل لي يطلب توضيح الرواية من جانبه، حيث كتب يقول: «القصة تبدو غريبة لأنني لم أسمع بما حوت من معلومات نسبت لي أو آخرين، وربما يكون الكاتب الراشد قد وقع ضحية المصدر الذي نقل إليه القصة.
أولا: لم يسبق أن اتصل بي الحريري إطلاقا لهذا الموضوع أو سواه.
ثانيا: لم أقم باستدعاء مراسل الصحيفة في دمشق حول هذا الموضوع أو سواه.
ثالثا: لم يقم أي طرف من الرئاسة بالاتصال بي لهذا الموضوع المفترض.
التفسير الوحيد أن ناقل السيناريو صنع رواية، ليكون هناك خبر إعلامي أو قصة إعلامية، التي اعتمدها الأستاذ الصحافي الكبير دون الكثير من التدقيق. وربما يتفق معي الأستاذ عبد الرحمن الراشد أن هناك حاجة ماسة – بهذه الأيام – للإعلام بشقيه الرسمي والخاص، إلى إعادة النظر في صدقية ما يُنشر، لأن الإعلام هو قبل كل شيء رسالة وأمانة».
بالتأكيد أتفهم رغبة معاليه في نفي القصة، إما لأنه بالفعل لا يتذكر شيئا منها، وهو الذي عاشر الكثير من التطورات؛ ففي عهده كوزير الإعلام فتحت السوق السورية للصحافة الأجنبية، بما فيها «الشرق الأوسط»، وعمت الساحة حالة انفتاح غير مسبوقة كانت تمثل ما تحدثت عنه في مقالاتي من تسامح وحريات، وإما أنه لا يريد أن يتذكر ما حدث. القصة أنا طرف أساسي فيها، وكنت متابعا لمشكلة الحريري واستدعاء الزميل في نفس اليوم. ولاحقا، قابلت الراحل الحريري، وأوضحت له كيف تسبب لنا في مشكلة، بسبب إصراره على شكايتنا لدمشق. وقد دهش من كل القصة، وتراجع عن اتهام زميلنا بفبركة التعليقات السورية ضده بعد ذلك اليوم.
الحقيقة أن ما رويته قصة صغيرة عن خطأ الحريري مقارنة بالخطأ الهائل، أو لنقل سوء الفهم، الذي وقع بين الاثنين؛ الرئيس السوري ورئيس الوزراء اللبناني. فالحريري ظل يتواصل لفترة مع عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السوري، وهو لا يدري أن خدام فعليا كان خارج دائرة رجال الرئيس، وكذلك ظل الحريري ينقل رسائله عبر غازي كنعان، رئيس شعبة الاستخبارات السورية، أو الحاكم الفعلي للبنان حتى عام 2005. فهو الآخر لم يعد قريبا من صانع القرار في دمشق.
أعتقد أننا كنا أمام شخصيتين تجهلان حقيقة بعضهما بعضا، ولعب الذين في المنتصف على تخريب العلاقة تماما، والدلائل على ذلك كثيرة. وعندما كنا ننشر تصريحات المصدر المسؤول، كانت هي رسائل سياسية إلا أن الحريري أبى أن يصدقها، اعتقادا منه أن قنواته كفيلة بإيصال الرسائل على الطرفين، وهذا لم يكن صحيحا. وبدوري لم أكن في حل من التزامي، فأخبره بهوية المصدر المسؤول، لكنني أعطيته من الإشارات ما يكفي أن يعرف الحقيقة، لكن المرحوم كان قد صدق رواية معاكسة. وقد اضطررت إلى أن أكشف له السر متأخرا، بعد أن صار معروفا في دهاليز كثيرة في سوريا، بسبب تلك الحادثة التي ينفيها الدكتور عمران جملة وتفصيلا، وهو أمر أتفهمه وأحترمه.
الحادثة تبرهن على كيف يرتكب صناع القرار أخطاء رهيبة أحيانا بسبب الفشل في التواصل والحديث بصراحة.
لا يدري البعض كيف أن الكثير من إصدار الأحكام، ولاحقا اتخاذ القرارات، يتم عبر سلسلة معقدة من جمع المعلومات وتحري الحقائق، الكثير منها إشارات، وفحص التصريحات، ونقل الكلام، والاستقراء عبر مقربين أو مطلعين، وتأتي النتيجة أحيانا لتزيد الغموض أو لتقود إلى قرار خاطئ. صدام حسين يقول إنه استدعى السفيرة الأميركية جلاسبي وأبلغها أنه لن يسكت على ما تفعله الكويت في حقل الرميلة النفطي المشترك، وبحجة أنها قالت له: هذا شأن بينكم. اعتبر ذلك ضوءا أخضر، فاحتل الكويت! طبعا قد تكون حادثة كهذه شجعته على ما كان يطمع في فعله، أي احتلال الكويت، إنما سوء التواصل ينتج قرارات خاطئة.
الشرق الأوسط