صفحات العالم

اسقاط الأسد من خلال عملية انتقال هادئ

ديفيد إجناتيوس
المترجمون السوريون الأحرار
ربما يتعين على الثوار في سوريا أن يتجاوبوا مع موافقة الرئيس الأسد على خطة مبعوث الأمم المتحدة وأن يدعموها لترتيب عملية انتقال منظم بدلاً من الانجرار نحو حرب أهلية قد تجلب المزيد من الموت والدمار للمنطقة.
وكان قد أعلن النظام السوري يوم الثلاثاء أنه على استعداد للموافقة على الخطة المقترحة من قبل السيد كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا. كما وقد صدر الإعلان السوري عن الموافقة من بكين متبوعاً بدعم صيني وروسي للخطة. لاشك أن الخطة فيها الكثير من نقاط الضعف، إلا أنها قد تمهد الطريق نحو انتقال سلس للسلطة في سوريا يساعد على إزاحة الأسد دون القضاء على استقرار البلد.
نعم، أُدرك أن مثل هذه الحلول الدبلوماسية الوسطية هي للجبناء، بينما نرى عصابة من المتحمسين والمهللين يدعون إلى تزويد المعارضة السورية بالسلاح، وإلى إقامة منطقة حظر طيران، بالإضافة إلى تصورات عدة لحل عسكري. أخلاقياً من الصعب التشكيك في عدالة قضية المعارضة، ولكن المشكلة تكمن في أن هذه الحلول العسكرية ستؤدي إلى سفك مزيد من دماء المدنيين الأبرياء بالإضافة إلى تدمير التوازن الدقيق للمجتمع السوري.
يجب أن نتعلم من الماضي القريب للشرق الأوسط، وأن نبحث عن حل غير عسكري في سوريا. حتى مع وجود هذا الغموض الحتمي والحاجة إلى حلول وسط مع أشخاص مزعجين. كما أن أي تفاهم سلمي في سوريا سوف يعطي دور البطولة لروسيا والصين، الدولتان اللتان لا تستحقان جمهرة جيدة. لا أعترض على أن يُستقبل فلاديمير بوتين استقبال الأبطال إذا كان بإمكانه أن يلعب دوراً محورياً في عملية إزاحة الأسد سلمياً عن السلطة.
كما يمكن أن نلخص الحالة لمثل هكذا انتقال بكلمة من أربعة حروف: العراق. بالعودة إلى حرب العراق فإن أحد الأخطاء الأكثر تدميراً بعد الإطاحة بصدام حسين هي أن الولايات المتحدة قامت بتدمير بنية الدولة والجيش، وبدون هذه المؤسسات فقد البلد استقراره. واضطر العراقيون للدفاع عن أنفسهم معتمدين على أمور أكثر بدائية، كالولاء القبلي والطائفي. وبذلك، وعن غير قصد وبشكل مأساوي دفع الغزو الأمريكي للعراق البلد نحو التراجع إلى الوراء. نعم لقد حصل العراق على قدر من “الديمقراطية” ولكنه خسر تماسكه الإجتماعي.
يجب على الولايات المتحدة أن تتجنب ارتكاب هذا الخطأ في سوريا، بغض النظر عن مدى جاذبية نداءات المعارضة السورية للحصول على السلاح. لقد رأينا السيناريو نفسه سابقاً، ونحن نعلم أنه سيقود إلى شكل من انعدام القانون والذي سيكون من الصعب استرجاعه. كما أننا نعلم أيضاً أنه وعلى الرغم من جميع تجاوزات الأسد والحمقى من البعثيين، فإن الدولة السورية والجيش هما من المؤسسات الوطنية والتي تتجاوز الأسرة الحاكمة وطائفته [الأسد] العلوية والبعثيين الفاسدين الذين اغتصبوا البلد منذ ستينيات القرن الماضي.
أنا أقدر لإدارة الرئيس أوباما مقاومتها للدعوات المتزايدة لتسليح المتمردين السوريين، ولاستمرارها بطلب مساعدة الروس حتى بعد المماطلة الروسية كما جاء على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي وصفتها الشهر الماضي بالحمقاء وبشكل أدق وصفتها [أي المماطلة الروسية] بالخسيسة.
لقد حان الوقت لسياسة أكثر واقعية. يحتاج الغرب إلى المساعدة الروسية من أجل إزاحة الأسد بدون انجرار البلد إلى حرب أهلية، كما تحتاج روسيا أن تؤمن انتقال يعزز لها نفوذها في العالم العربي وهذا هو المنطق العملي الذي تقوم عليه مبادرة كوفي عنان للسلام.
لن يتحقق التغيير السياسي (حتى الانتقال الحذر والمنظم والذي أدعو إليه) دون سفك بعض الدماء. فخلال العام الماضي كانت العمليات من طرف واحد، وأدت إلى مقتل أكثر من عشرة آلاف من المدنيين ومن مقاتلي المعارضة على يد قوات الأسد، كما ولابد من حدوث بعض عمليات تصفية الحسابات. على أصدقاء سوريا البدء بالتفكير بوضع آليات لمنع حدوث عمليات انتقام ضد العلويين والمسيحيين، الذين لازالوا موالين للنظام حالما يستقل الأسد الطائرة إلى منفاه في الدوحة أو موسكو. أتمنى أن يتواصل كوفي عنان مع رجال الدين الأقليات وأن يقدم لهم الضمانات بأنهم لن يكونوا عرضة للمجازر في حال رحيل الأسد.
أما البديل لسيناريو الانتقال الهادئ فهو الحرب، التي لا تبقي ولا تذر، والتي ستحطم الفسيفساء العرقية للمجتمع السوري. من السهل تصور سيطرة ميليشيا سنية على مدن رئيسية مثل حمص وحماه وإدلب، وأن يقوم العلويون بالتراجع إلى بعض المناطق في دمشق وإلى اللاذقية في الشمال. كما أنه من الممكن أن يستمر الأسد بالادعاء بأنه الرئيس في حال حدوث هكذا سيناريو، ولكنه في الحقيقة لن يكون أكثر من أمير حرب كونه يتمتع بأسلحة كيماوية. إنه سيناريو مرعب، وعندها لن تكون للقوة الجوية الغربية سوى تأثير محدود.
يوضح باتريك سيل Patrick Seale، الخبير بسوريا أكثر من أي كاتب غربي آخر، في كتابه حول سيرة حياة الأسد بأن سيطرة عقلية الوحشية والقتال حتى الموت هي التي أدى إلى وقوع مجزرة حماه قبل ثلاثين عاماً: “الخوف، الكراهية ونهر من الدماء المسفوكة قوضت مجرد التفكير بالوصول إلى هدنة”، كل ما بإمكانك أن تفعله الآن هو أن تصلي بأن لا يسود هذا المنطق غير العقلاني على الطرف الآخر.
المصدر
The Washington Post
David Ignatius

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى