عن الشباب الذين تريدهم زوجة السيد الرئيس/ نوّار جابر
ما أن تزوج الأسد الابن، حتى سرت شائعات عظيمة، عن الثقافة العظيمة لأسماء الأسد. وعلى أنها تملك حزمًا من المشاريع التي تنتظر تنفيذها، خصوصًا على مستوى تنمية القدرات الاجتماعية التنموية للسكان السوريين. أسماء القادمة من العاصمة الإنكليزية كانت مخلصًا ثانيًا بقرب زوجها، الذي اعتبر إله التحديث في سورية.
في دولة كسورية، تشكلت كلاسيكيًا من توسع الدولة بيروقراطياً، عبر شخصيات مستبدة وسعت حجم الدولة حتى ابتعلت المجتمع؛ يصعب على زوجة الرئيس إيجاد مكانٍ لها، فالمكان يمتلئ ببيروقراطية الحزب القائد، وشخصياته النافذة، الهوامش التي قد تعمل فيها أسماء الأسد كانت مخنوقة بتكتلات البعث والمنظومة الأمنية القابضة على كل أطراف وهوامش المكان والبشر.
في عام 2008، أطلقت أسماء الأسد مشروعًا تنمويًا لدعم الأعمال المنزلية التي تقوم بها النساء، واستطاعت أخذ التراخيص من الدولة بكل يسر لفتح أسواق شعبية مخصصة كل أسبوع في المدن السورية للأعمال النسائية المنزلية، واستحوذت على جمعيات نسائية في دمشق، وافتتحت مشروعًا واسعًا يحمل اسم “مسار”، بمشاركة وزارة الثقافة للعمل في مجال التنمية البشرية والإبداعية.
هذه النشاطات فقيرة التمويل، تعمل على البهرجة الإعلامية، فلا يظهر بوصفه مشروعًا جديًا، بقدر ما يظهر أنه نوع من الأعمال الشعبوية، التي تستوعب كمًّا من الأطفال ليتعلموا الرسم والموسيقى، ضمن دورات مجانية، من دون اهتمام منهجي، أو بناء مستمر للأطفال المستهدفين.
اشتعال الثورة السورية في وجه العائلة، جعل أسماء الأسد من “المدافعين عن حق الشباب في القول والفعل”. هذا ما قالته أمام مجموعة “مسار” للتنمية البشرية في مدينة اللاذقية. دفاع السيّدة الأولى عن الشباب سارع ليأخذ شكلًا تنفيذيًا؛ فأسماء نقلت تجربة تعليم الأطفال إلى الشباب مع بعض التحديث احترامًا لفارق السن.
في مشروعها، جاءت بمحاضرين ممتازين لتعليم الأطفال قيم المواطنة، وإطلاعنا على منهاج المواطنة للطفل – هو كتاب صغير موزع مع صور ملونة – يتضمن تعليمات من قبيل أن يتكلم الطفل بلغته العربية ويحافظ عليها، ألا يرمي أوراقًا وأوساخًا في الطريق، أن يحب وطنه والأشجار وما إلى ذلك من تعاليم الرفاهية التي لا تصل إلى مرحلة التعليم الليبرالي حتى.
أما منهاج الشباب، فكان أيضًا مشروحًا من أساتذة مأجورين ومهمّين جدًا، جُلهم سوريون، إلا أنهم كُلهم يعملون في دبي، في شركات تعنى بالتنمية البشرية، وتطوير القدرات، وإعادة التأهيل التسويقي للمنتج. هم ليسوا خبراء نفسيين اجتماعيين، بل هم مهووسون بدفع البشر لإنتاج حياتهم، ودفعهم نحو أخطائهم التي يرتكبونها اتجاه الدولة التي يعيشون فيها ليرحموا دولتهم من سوء الظن.
ما أن شارف يونيو/حزيران 2011، حتى سارعت أسماء لتأسيس مراكز للتنمية والحوار في مراكز المحافظات، وضمن مشروع مسار التنموي، اجتمعت مع الأعيان المحليين، وعملت مع الأعيان من تجار وممثليهم، وبعض المسؤولين في الطوائف الدينية، وفئة الشباب أولاد العائلات التقليدية والمرفهة، وأبناء المجتمع المدني؛ لتضع بين أيديهم هامش ابتلاع حركة الثورة، عبر دفع الشباب لتعلم الحوار.
تجنب المشروع كلمة الديمقراطية والحرية، واكتفى بتعليم الشباب “الحوار”. مشروع أسماء رُهن له أكاديميون سوريون مهووسون بتخطئة الشعب، الدفعة الأولى للشباب التي انطوت تحت مظلة المشروع خضعت لمحاضرات واسعة الطيف عن دور الحوار بين البشر، وطبيعته وتقنياته.
هذا الشكل المبتذل والطفولي ظهر للجميع بوصفه كوميدياً، خصوصًا أن المحاضر الذي خصصته أسماء لكل محافظة كان يأتي من دبي ليعلم الشباب في سورية. تطور المشروع سريعًا، وبدأت التنمية “الأسمائية” تأخذ طابعًا مختلفًا، وتبنى مشروع أسماء تعليم المواطنة للشباب، ولكن الفئات العمرية لم تكن في الحسبان؛ المحاضرون يشرحون للشباب قيمة رمي الأوساخ في مكانها المخصص، وقيمة الدفاع عن اللغة العربية، والقليل من احترام القانون.
المواطنة في منهاج مشاريع أسماء لا تشبه أي تعريف لها، ولم تتردد السيدة أبدًا في وضع التعاريف التي تبدو مضحكة، لأكبر المفاهيم الحاجوية والمطلبية في تاريخ الشعوب؛ أي المواطنة.
بداية المشروع بدأت تشكّل نكسة لأسماء، فالمنظمة الأمنية اعتقلت شبانًا حاولوا التحدث بحرية، ولم تقدّم هي أي مساعدة لهم، كان الهدف جمع الشباب وتنميطهم، ولم يبخل عليهم المشروع بالطعام والرحلات والاستضافات بكبرى المطاعم الموجودة.
تطورت المشاريع أيضًا لتطوير خبرات الشباب في حل المشكلات، إلا أن المشكلات المطروحة، تضع الخطأ دومًا في سلة الشعب، واقتباسًا من التقاليد الليبرالية الأميركية، في ضرورة التجمع والمطالبة، ودفع المجتمع المدني من مجموع المواطنين للمطالبة بالحق، عبر التظاهر والبيانات، والإجماعات والاستفتاءات، انطلق مشروع أسماء في التعليم لحل مشكلات البلاد.
تقوم البنية البيداغوجية النظرية للمشروع على أرض أميركية مرفهة، وعلى التطبيق أن يكون على مشاكل في بنية سورية متخلفة وفاشلة؛ ما جعل الشباب المشاركين أشبه بالحمقى أمام خيارات معلمهم.
الأستاذ المحاضر في دبي يشرح للشباب ضرورة التجمع مثلًا من أجل دفع رئيس البلدية لمنع انقطاع المياه، أو لمنع قطع الكهرباء، في حينها كان النظام يقطع الكهرباء والماء عن المناطق التي تحصل فيها مظاهرة واحدة.
ويشرح المحاضر دور المواطن الفعال في حماية الدولة، وفي الذود عنها أمام من يريد إسقاطها، والعمل على تحسين اللغة العربية، والدفاع عن نظافة الحدائق، وتعلم المواهب الإبداعية وتطويرها لتطوير البلاد.
في هذا التقليد الليبرالي الحديث، أنتجت أسماء مشروعها التنموي للمواطنة الفعالة، والذي لم يكمل السنة الأولى في سورية، لكنه استمرّ بعدها في اللاذقية والساحل السوري عمومًا. ولم يسقط المشروع من طبيعته الحالمة فقط، بل من الملاحقة الأمنية للمشاركين، خصوصًا أن المحاضرات والحوارات في الداخل أخذت شكلًا عدائيًا، فأكثر المترددين على مشروع أسماء كانوا من الموالين الذين لا يترددون بضرب معارض شاب قد صدّق أن أسماء تُريد إنتاج حوار حقيقي بين الشباب.
أنهت زوجة الرئيس أعمالها في مجال المواطنة، وانصرفت للعمل على تأسيس كوادر تُعنى بتهيئة الشبان للعمل في مجال التنمية، بالتوازي مع عمل المنظمات العالمية في سورية، وأعطى النظام لها حقًا أصيلًا بمشاركة كل الجمعيات الخيرية، أو المنظمات الإنسانية العاملة في سورية، كشرط استباقي ومفروض على كل عامل في مجال التنمية والأعمال الخيرية، خارجيًا كان أم داخليًا. لاحقًا، كشفت الوثائق حجم الدعم الدولي الذي وصل مشروعها “مسار”، لنعرف أنه فاق الثمانية ملايين دولار.
زوجة الرئيس فقدت دورها في الدولة الواسعة جدًا. في مكان ليس بعيدًا عن منزلها، حديقة باسم أحد أكثر المستبدين جنونًا في العالم، كيم سونغ، زعيم كوريا الشمالية التاريخي. هذا قدرها الصعب في أن تكون زوجة رئيس مستبد كل مؤسساته مهترئة، وبالكاد تكون فيها الدولة قادرة على تنميط المجتمع دون العصا والبراميل. هنا رفاهية الليبرالية القصوى صعبة جدًا.
زوجة الرئيس، الآن، بمثابة وزير لكل عمل تنموي وإنساني في البلاد وقد اكتفت.
جيل