عن حصار حلب –مقالات مختارة-
الأسد و “مقبرة حلب”/ الياس حرفوش
في خطابه أمام مجلس الشعب في حزيران (يونيو) الماضي، حذر الرئيس السوري بشار الأسد غريمه التركي رجب طيب أردوغان من أن «حلب ستكون المقبرة التي يدفن فيها أحلام مشروعه الإخواني». الأرجح أن بشار لم يكن يتوقع أن يتحول ذلك التهديد الى واقع بهذه السرعة، لو لم تسعفه ذيول الانقلاب التركي الفاشل في الداخل، والهجمة الروسية المتقدمة لـ «إنجاز» معركة حلب، في غفلة عن العالم المنشغل بهمومه الإرهابية، وعن الولايات المتحدة المنشغلة بمعركتها الانتخابية.
للمقاتلين على الجبهة أن يؤكدوا إذا كان انحسار الدعم التركي هو الذي أدى الى انهيار قدرتهم على الصمود في حلب، لكن الأكيد أن محاولة الانقلاب التركي دفعت أردوغان الى تحويل اهتمامه الى مشاكل بيته في الداخل، ولم تعد الأزمة السورية ومشاغلها في قمة أولوياته، كما أنه صار مضطراً الى مهادنة غريمه القديم فلاديمير بوتين، الذي سيزوره أردوغان في سان بطرسبورغ في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، ولا شك في أن أردوغان سينال التهنئة على تخفيف حدة اهتمامه بسورية وبمصير الأسد، وكل هذا في وقت تزداد العلاقة التركية الأميركية تدهوراً، وليس ما يشير الى أن فتح الله غولن سيركب الطائرة قريباً في طريقه الى سجون أردوغان.
حتى الهم الكردي الذي كان يشغل أردوغان تراجع الآن الى المرتبة الثانية، فيما يتوسع نفوذ الفصائل الكردية في الشمال السوري على الحدود التركية، ولا تجد تركيا الوقت حالياً لمواجهته. حتى أن القيادة العسكرية الأميركية تتخوف أيضاً من أن تكون عمليات التطهير الجارية بين جنرالات الجيش التركي قد أثرت كذلك في قدرة التحالف الغربي على محاربة «داعش»، إذ إن هذه الحرب تحتاج الى العنصر البشري الاستخباري القادر، والذي يكون عمله عادة في مستوى فاعلية الدبابة والطائرة المقاتلة.
هكذا صارت حلب هي الضحية في ظل تغير المعادلات الإقليمية، وما أصعبها عندما تتغير ليجد المراهنون عليها أنهم في حاجة الى إعادة حساباتهم من جديد. مصير حلب وأهلها هو الآن في عهدة القيادة العسكرية الروسية، والأرجح أن هذا المصير سيكون شبيهاً بما حصل في حمص من تدمير للمدينة وإفراغها من أهلها، قبل أن يذهب الأسد لزيارة أطلال حي بابا عمرو، للاحتفال بـ «انتصاره».
وزير الدفاع الروسي سيرغي شويجو يشرف الآن على إلقاء خرائط حلب على أبنائها، ليرشدهم الى المعابر المفتوحة التي يقول الروس أنها ستسهل خروج المقاتلين المهزومين من حلب وربع مليون شخص ما زالوا محاصرين فيها. كل هذا فيما يعتبر هؤلاء أن هذه الممرات التي يسميها الروس «إنسانية» ليست سوى ممرات للموت، إذ إنها مفتوحة في اتجاه القصف المستمر على المدينة من الطائرات الروسية والسورية على السواء.
هذا الواقع القائم في حلب وعلى تخوم المدينة والذي لم يكن في حاجة الى قدرة كبيرة على قراءة الخرائط لتبصّره، دفع وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى اعتبار الممرات «خدعة». ولأن الخداع الروسي للعالم يتكرر في سورية للمرة الألف، كما أن المخدوع الأميركي يسقط في الفخ للمرة الألف أيضاً، فقد حذر كيري من أن «تعاونه» مع زميله سيرغي لافروف أصبح معرضاً للخطر! وللسوري أن يسأل هنا: لماذا يجب أن نخشى على هذا التعاون؟ وماذا حقق في شأن الأزمة السورية حتى الآن، سوى انهيار كل الوعود التي أطلقها باراك اوباما للسوريين بإنقاذهم من رئيسهم، فيما كانت موسكو تحقق على الأرض ما التزمت به حيال بشار الأسد، من حرص على بقائه في السلطة، الى تحويل الأزمة السورية الى معركة دولية ضد الإرهاب، تستدعي، وفق النظرية التي تسوّقها موسكو، بقاء الأسد في السلطة وتحالف العالم معه للانتصار فيها.
وعود أميركية خائبة وتعهدات روسية قائمة. هذا ما انتهى اليه «التعاون» بين الدولتين الكبيرتين في شأن الأزمة السورية. كل هذا فيما العالم يتفرج على هذه المأساة البشرية التي كلفت الى الآن أرواح 300 ألف شخص على الأقل، وهجرات بالملايين، هجرات غيرت الخريطة الديموغرافية لدول الجوار كما للدول الغربية، ويعاني العالم تبعاتها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، فيما كان يمكن وقف هذه المأساة قبل خمس سنوات، لو أن مبادرات موسكو «الإنسانية» فعلت فعلها منذ ذلك الحين، ولم تكن «خدعة»، كما اكتشفها جون كيري أخيراً.
الحياة
حلب والموصل.. قصة مدينتين!/ إياد أبو شقرا
عام 1859م، قبل اندلاع الثورة الفرنسية وإبّانها، ألف الروائي البريطاني الشهير تشارلز ديكنز روايته الخالدة «قصة مدينتين».. أما المدينتان في تلك الرواية، التي كانت تروي جوانب من معاناة الطبقة الفلاحية في فرنسا على أيدي الإقطاعيين، فهما باريس ولندن.
قبل ذلك التاريخ، عاشت مدينتان عريقتان شرق أوسطيتان هما حلب والموصل تحت حكم أسرة واحدة هي الأسرة الحمدانية التغلبية الوائلية، المتحدرة من ربيعة بن نزار بن عدنان. دولة بني حمدان (890 – 1004م)، كما كانت تُعرف أيضًا، خلّدها شعر أبي الطيب المتنبي في أحد ألمع رجالها سيف الدولة الحمداني أمير حلب، الذي كان يعاصره في الموصل «ابن عمه» ناصر الدولة، وما كان ولاء هذه الأسرة للعروبة أو نضالها في حماية الثغور بحاجة إلى إثبات.
إلا أن حلب والموصل، ثاني حواضر سوريا والعراق المعاصرة من حيث تعداد السكان، وأجملها بيئة وأغناها تنوّعًا وأرقاها معيشة، تعيشان هذه الأيام محنة حقيقية. فحلب تئن تحت وطأة حصار تجويع وقتل خانق يمارسه نظام بشار الأسد وسلاح الجو الروسي وميليشيات إيران الطائفية. وهي مهدّدة بإحدى أسوأ جرائم التبادل السكاني بالقوة في تاريخ العالم العربي الحديث منذ نكبة فلسطين. ولا يبدو مصير الموصل أقل سوءًا إذا ما تُرك أمر «تحريرها» من آفة «داعش» لميليشيا «الحشد الشعبي» الطائفية التي كشفت هويتها غير مرة في مجازر المقدادية والفلوجة ومناطق أخرى من العراق.
ليس مصادفة أن تجمع المصيبة حاضرتي العروبة في شمال سوريا والعراق، ولا غرابة أن تستهدف العاصفة التدميرية التي تهب على المشرق العربي منذ عام 2003 تغيير النسيج السكاني جنبًا إلى جنب مع إعادة رسم خرائط الكيانات وتقاسم النفوذ؛ إذ تتشارك المدينتان بهوية سكانية تعبر خير تعبير عن واقع ديمغرافي مطلوب نسفه من أساسه كجزء من المخطط المعدّ للمنطقة برعاية القوى الدولية والإقليمية الصاعدة. ففيهما غالبية سكانية سنّية عربية، مع أقليات كبيرة، بداخلهما وفي ريفيهما، مسيحية وغير مسيحية، عربية وغير عربية، كلها عاشت بخير وأمان على امتداد القرون.
أما كلام جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) الأميركية، بالأمس، عن «تشاؤمه» إزاء مستقبل سوريا، وتلميحه اللافت إلى تقسيمها، فليس سوى إقرار بالجهود التي يبذلها أكثر من فريق أيضًا باتجاه تقسيم العراق – وربما تركيا كذلك – والإعداد الجدّي لتأسيس دولة كردية مستقلة تتصرّف عدة جهات داخل سوريا والعراق على أساس أن قيامها أضحى مجرد مسألة وقت ليس إلا. ولقد جاء الاضطراب الأخير في تركيا، الذي بدأ وقد لا ينتهي قريبًا، ليؤكد ديناميكيات الاهتزاز والتغيير، وبالأخص، بعدما صمت المجتمع الدولي طويلاً إزاء مسيرة تحويل أراضي سوريا والعراق إلى معسكر كبير لاستقطاب الجماعات الراديكالية السنّية وتجميعها وتدريبها، كخطوة ضرورية لتمرير المخطّط المذكور وتبريره.
روسيا ونظام الأسد، الذي طالما زعمت أنها لا تتمسك به، يعملان حاليًا، بالتوازي مع جهود إيران العسكرية الحثيثة، على خلق واقع ديمغرافي جديد وخطير تدفع ثمنه الغالبية السكانية العربية المسلمة السنّيّة. وكان قد بدأ العمل فيه، ثم سار تنفيذه قدمًا، في مدينة حمص ومحيطها إثر عملية تهجير سكاني مدروسة بعناية لربط العاصمة دمشق بالساحل السوري والعُمق اللبناني المُسيطَر عليه عبر ميليشيا «حزب الله»، وبعدها شمل دمشق وريفها. وفي أعقاب «إنجاز» تهجير نحو 13 مليون سوري جلّهم من السنة العرب، يعمل نظام الأسد الآن بالتعاون مع موسكو وطهران، في ظل صمت واشنطن المريب، على إخلاء ما بين 300 و400 ألف مواطن في أحياء حلب المحاصرة وتشريدهم كما شُرّد من قبلهم سكان ريف حلب.
في العراق أيضًا، بعد «تحرير» الفلوجة من «داعش» تتركّز الجهود على تحرير الموصل التي جعل منها التنظيم المتطرّف مركزًا أساسيًا له يوازي من حيث أهميته الرقّة «عاصمته» السورية. وفي الموصل أيضًا، واضح أن المجتمع الدولي لا يستبعد كارثة تهجير في المدينة التي يقدّر عدد سكانها بنحو مليون ونصف المليون. ومثلما كان متعذّرًا على جيش بشار الأسد أن يفعل شيئًا على جبهة حلب لولا الدعم الاستراتيجي الروسي جوًا والإيراني والكردي برًا، فإن الوزن السياسي لرئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي الذي لا يزيد على الوزن العسكري لجيش الأسد يعني أنه ليس سيد نفسه. وبالتالي، فلا هو ولا وجوه حكومته يقرّرون شيئًا في ظل الثقل العسكري الإيراني والتزام واشنطن بتفاهماتها مع طهران، ناهيك عن جيش «البيشمركة» الكردي الذي غدا جيشًا كامل التجهيز لدولة شبه قائمة رسميًا هي إقليم «كردستان العراق». إن العبادي أضعف من أن يمنع «الحشد الشعبي» من القتال في الموصل، كما أنه أعجز من أن يحسم مصير الموصل بعد تحريرها من «داعش».. ومن نسبة عالية من أهلها، عندما يحين وقت رسم خريطة شمال العراق، وتحديد علاقة أكراد العراق بأكراد سوريا.
إزاء هذه الصورة المقلقة، يجب الإشارة إلى عامل سلبي لولاه ما كان ممكنًا لمؤامرة الاقتلاع والتهجير أن تنفذ، ألا وهو وجود الفصائل المتطرفة الطارئة على نسيج المشرق العربي، التي جاءت من مختلف أنحاء العالم بحجج كـ«نصرة» شعب سوريا أو «قتال الكفار» وبناء «الدولة الإسلامية» في العراق، والتي حتى اللحظة كان المسلمون العرب السنة المتضرر الأكبر من تجاوزاتها!
إن إعلان القيادي البارز «أبو محمد الجولاني» في «جبهة النصرة»، بالأمس، فك الارتباط بتنظيم «القاعدة» وتأسيسه جبهة «فتح الشام» جاء ليؤكد أن لا شيء قد تغيّر. لقد ثبّت «الجولاني» ما كان يقال عن أن تنظيم «القاعدة» موجود بكل أهدافه وأدبياته وشعاراته وتجاوزاته التي لا تسمح بقيام دولة سورية وطنية تعدّدية تتسع لجميع أبنائها. وبالتالي، وفّر الحجج الداعمة لزعم موسكو ومؤيديها في العواصم الغربية بأن القضاء على الثورة السورية إجراء مبرّر بل وضروري، ولا سيما، بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في أوروبا وأميركا.. في عصر الإسلاموفوبيا!
الشرق الأوسط
حصار حلب الشرقية.. مقدمة لإبادتها/ خالد الخطيب
دخل الحصار المُطبق على مئات آلاف الحلبيين، في أحياء حلب الشرقية، يومه السادس، بعدما طوقت مليشيات النظام مناطق المُعارضة. ويتكفل الطيران الحربي الروسي والمروحي التابع للنظام بتدمير المدينة على رؤوس أهلها، في حين تتحضر المليشيات الشيعية لعمليات اقتحام.
وتزايد عدد الغارات الجوية الروسية، منذ بدء الحصار الكامل. فعشرات البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية تستهدف يومياً كل بقعة من حلب المحاصرة، في رسالة للمُحَاصَرين الرافضين للاستسلام: “نهايتكم الموت جوعاً أو قصفاً”. والطائرات باتت تلقي البراميل المتفجرة والصواريخ، ومنشورات تدعو الناس للنزوح من “ممرات آمنة” وتسليم مناطقهم للنظام.
تطهير إثني وتهجير للناس من مناطق المعارضة، يُحضرُ له حلفاء النظام في حلب، تحت اسم “مبادرة إنسانية” ترعاها وتروج لها روسيا، في حين تُحاصر مليشيات إيران أحياء المُعارضة، وتتجهز لاستباحتها.
وتستمر الغارات الجوية الروسية على المحاور الشمالية لأحياء المعارضة في حلب الشرقية، وتستهدف بشكل عنيف كفر حمرة ومنطقة أسيا وأطراف حريتان والملاح الشمالية وتل مصيبين، بمعدل يتجاوز 50 غارة يومياً. وتقصف المليشيات الإيرانية، بالمدفعية والصواريخ بشكل متواصل مواقع المعارضة، ممهدة لمحاولة التوسع وإحكام القبضة على البوابة الشمالية للمدينة.
ويتزامن الضغط الجوي الروسي المتواصل مع محاولة حشد المليشيات العراقية والأفغانية والفلسطينية والعشائرية و”حزب الله” اللبناني و”الحرس الثوري” الإيراني، توسيع مناطق سيطرتهم والتمدد أكثر نحو دوار الجندول والشقيف ومساكن الشقيف والمخيم، كي تدخل أطراف الأحياء الشمالية من حلب الشرقية، في بستان الباشا وعين التل، بهدف الضغط برياً على المعارضة.
وقد أعد حلفاء النظام خطة للمرحلة الثانية من العملية العسكرية؛ وتهدف إلى تشريد أكثر من 300 ألف مدني محاصر. وحشدت المليشيات أكثر من عشرة ألاف مقاتل إضافي، بشكل رئيس في الضاحية الشمالية؛ في الكاستللو. ونصبت المليشيات قواعد الصواريخ والمدفعية الروسية المتطورة في مطاري حلب الدولي والنيرب العسكري، وفي الكليات العسكرية الثلاث جنوب غربي مدينة حلب؛ المدفعية والفنية الجوية والتسليح. وتقع تلك الكليات مقابل حي العامرية الذي تسيطر المعارضة على أجزاء واسعة منه ويشرف بشكل مباشر على طريق إمداد النظام الوحيد نحو الأحياء الغربية التي يسيطر عليها في حلب. وتعتبر هذه الثكنات مراكز حماية وإمداد لقوات حماية المدخل الاستراتيجي للنظام إلى أحياء حلب الغربية.
ويعتمد حلفاء النظام في معركته في الشمال للسيطرة على الأحياء الشرقية من المدينة، على قوة ضاربة من ألفي مقاتل من مليشيا “حزب الله” اللبناني، منهم مقاتلون من بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين في ريف حلب الشمالي. وكذلك على أربعة ألاف مقاتل من “الحرس الثوري” الإيراني ومليشيا “لواء القدس” الفلسطيني التي استقدمت كافة كتائبها التي كانت تتوزع على جبهات متعددة. بالإضافة إلى “لواء الباقر” المؤلف من عشائر محلية و”لواء زينبيون” الأفغاني. ويشارك مع تلك الحشود من المليشيات كتائب تابعة لـ”القوات الخاصة” بقيادة العقيد سهيل الحسن الملقب بـ”النمر”، التي يُظهرها إعلام النظام على أنها هي من تقود المعركة.
واستفادت قوات النظام من سحب نصف أعداد مقاتليها المنتشرين سابقاً على جبهات مع “الدولة الإسلامية” في ريفي حلب الشرقي والشمالي، والممتدة على أكثر من 100 كيلومتر. فالجبهات هناك هادئة، لا تشهد أي تحرك يذكر من الطرفين، ما يوحي بوجود هدنة أو صفقة بينهما، كالعادة. على عكس الهجمات المرتدة التي ما توقفت “داعش” عن شنّها على مواقع المعارضة في ريف حلب الشمالي، خاصة على محيط مارع.
قوات النظام المسحوبة من الجبهات مع “داعش”، تمّت إعادة نشرها على جبهات حلب الغربية والجنوبية، لتعزيز وضع المليشيات الشيعية هناك، تحسباً لأي هجوم قد تفكر المعارضة في شنه. وتشتبك تلك المليشيات بشكل يومي مع المعارضة بهدف الإشغال الدائم لها وتشتيت انتباهها.
المليشيات الشيعية وضعت كامل تركيزها على المداخل الشمالية لحلب الشرقية، في حين انسحبت من باقي جبهات المدينة وسلمتها إلى “كتائب حفظ النظام” و”كتائب البعث” وكتائب محلية تابعة لـ”الدفاع الوطني” التي التحق بها خلال الشهرين الماضيين، أكثر من ألف شاب تم تجنيدهم إجبارياً من الأحياء التي يسيطر عليها النظام في حلب الغربية، ومن قرى وبلدات ريف حلب الجنوبي التي سيطر عليها نهاية العام 2015.
ويتكفل الطيران الروسي بضرب أي محاولة من قبل المعارضة الحلبية لفتح جبهات جديدة ضد النظام في الجنوب والغرب، عبر شن عشرات الغارات الجوية التي بدأت تطال بشكل مكثف ريف حلب الغربي وذلك بعد إحكام حصار المدينة. ويتركز القصف على كفرناها ودارة عزة وقبتان الجبل وترمانين وسمعان والأتارب التي شهدت أعنف الهجمات الجوية الروسية على مدى الأيام القليلة الماضية كان أخرها الجمعة وراح ضحيتها أكثر من 15 شخصاً.
وأصبح ريف حلب الغربي عقدة وصل وامداد وتذخير بين جبهات المعارضة في الجنوب والشمال، ونقطة انطلاق نحو الجبهات الأكثر حساسية بالنسبة للنظام في حلب الجديدة وجمعية الزهراء والراشدين. وتحلق الطائرات الروسية، وطائرات الاستطلاع والطائرات بدون طيار القاذفة، على مدار الساعة في أجواء ريف حلب الغربي، وتراقب تحركات المعارضة، وتقصف مواقعها وطرق امدادها القادمة من الحدود التركية وإدلب.
لم تكن مخططات حلفاء النظام في حلب، في سحق المعارضة وتشريد من تبقى من حواضنها الشعبية، خافية على أحد، خاصة أميركا التي زعمت أنها متخوفة من خديعة روسية في حلب تهدف إلى تمكين النظام وحلفائه من المليشيات. فقد سبقت المعركة تحضيرات طويلة وتعزيزات عسكرية ضخمة زجت بها روسيا وإيران، خلال الشهرين الماضيين، على مختلف جبهات حلب. وتمّ التمهيد للعمليات بقصف مكثف، عبر آلاف الغارات الجوية، استخدمت فيها مختلف صنوف الأسلحة التقليدية والجديدة كالفوسفورية والحرارية، وقتلت آلاف المدنيين والعسكريين التابعين لفصائل المعارضة خلال غاراتها المركزة. القصف تسبب في تهجير خمسين ألف مدني من المدن والبلدات والمزارع القريبة من الملاح والكاستللو، وأخرج معظم المرافق الخدمية العامة في حلب وضواحيها عن الخدمة، عبر استهدافها المنظم.
المقدمات العسكرية لحصار حلب بالكامل، كهدف روسي إيراني، لم تكن خافية على أحد. واستمرار الحملة الروسية ما بعد إطباق الحصار، يهدف إلى إخضاع مناطق المعارضة، أو إبادتها. فعن أي مخاوف وقلق يتحدث الأميركيون في تصريحاتهم حول وعود حليفهم الروسي؟
ويُعتقد على نطاق واسع لدى أوساط المعارضة الحلبية، بأن لعبة التصريحات والشد والجذب بين الحليفين، ما هي إلا لإعطاء المليشيات وقتاً كافياً للتحضير، وتضييع الفرص على المعارضة الحلبية التي استنزفت بشكل ممنهج خلال الأشهر القليلة الماضية.
المدن
إنقاذ حلب والمدن السورية/ رندة تقي الدين
حصار مدينة حلب وقصف النظام الدموي والمجرم مستشفياتها ومستوصفاتها يطرحان مسألة إفادة مجلس الأمن والأمم المتحدة. منذ ١٧ تموز (يوليو)، حاصر النظام السوري المدينة كلياً وكثف القصف عليها مستهدفاً أربعة مستشفيات. فالأطباء الشجعان والمسؤولون عن القطاع الطبي والممرضون هم في الخط الأول في الحرب الوحشية التي يشنها النظام على مدنه الباسلة لتدميرها وللقول للعالم أنه يحارب من أجل البقاء على كرسي الرئاسة، في بلد خربه وقتل وهجر الملايين منه. فقد أغلق النظام جميع طرق حلب منذ أيام لخنق سكانها وقصف مستشفيات البيان والحكيم والزهرة والدكاك ومركز بنك الدم. والعالم يسكت عن جرائم نظام كان يجب وقفها منذ بدأ القصف بالطائرات والبراميل في مطلع حرب بدأت بتظاهرات سلمية من أجل الحرية ومكافحة الفساد وانتهت بتدخل روسي إيراني لحماية نظام مجرم شتت شعبه وأنهك مدنه. فلاديمير بوتين ونظام المرشد الإيراني و «حزب الله» يتحملون مسؤولية كبرى عن استمرار هذه الحرب المدمرة ومحاصرة المدن السورية وقصف المستشفيات والأطباء والأطفال والمدنيين. و «حزب الله» الذي يدّعي مقاومة إسرائيل ينتهج نموذج من يسميه عدوه الإسرائيلي في المشاركة في محاصرة المدن وقتل المدنيين والأبرياء. أما إدارة باراك اوباما التي لا تبالي بإجرام النظام السوري وشركائه، فهي تسكت عما يحدث في سورية لأنه بلد بعيد عن مصالحها، علماً أنه نظام شجع ظهور «داعش» الذي يهدد العالم العربي والغربي، ما يذكر بقول أحد قادة «حزب الله» في بداية الحرب السورية أن بشار الأسد لن يرحل إلا بعد أن يحرق سورية والمنطقة معه. واليوم هو أساس الإرهاب «الداعشي» المصدر الى الغرب. فالعنف الذي يستخدمه النظام إزاء شعبه بمساعدة الشريك الروسي والإيراني اللبناني، يؤدي الى تجنيد تطرف وإرهاب يساوي وحشية نظام الأسد.
إن سكوت العالم عن حصار حلب وتجويع المدينة ومنع إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين والأطباء فضيحة. فالعالم لا يسكت عن انتهاكات اردوغان لحقوق الإنسان بعد محاولة الانقلاب عليه والسكوت شبه عام عن حصار حلب من معظم أعضاء مجلس الأمن، باستثناء بعض الأصوات ومنها السفير الفرنسي في نيويورك.
نداء أطباء حلب لإنقاذها ينبغي أن يكون له صدى عالمي، لأنه نابع عن وضع مفجع لأطباء تم استهدافهم من نظام خانق. فقصف النظام المجرم أدى الى مقتل آخر طبيب أطفال في حلب هو الدكتور محمد وسيم معاز في ٢٨ نيسان (ابريل) خلال قصف مستشفى القدس، وفي ٢١ تموز أصيب طبيب القلب الدكتور عثمان هجاوي بجروح خطيرة نتيجة غارة جوية على المدينة وقال الدكتور عزيز وهو جراح في مدينة حلب أن القطاع الطبي في المدينة على وشك الانهيار وأن حلب ستحرم قريباً جداً من أي خدمات طبية. ومنذ ٢٠١١ عند بداية الحرب في سورية، قتل أكثر من ٧٠٠ طبيب سوري وذلك وفق رئيس لجنة تحقيق الأمم المتحدة البرازيلي باولو بينيرو. فكيف يسكت العالم عن هذه الجرائم ولا أحد من الدول الكبرى يعمل لإيقاف القصف القاتل؟ هل نحن أمام دفن إنسانية السياسيين في الدول الكبرى التي باستطاعتها أن توقف الجرائم ضد الإنسانية. أنقذوا حلب والشعب السوري قبل أن يفوت الأوان وتتحول دول العالم الى معاقل إجرام بدأ يظهر ويزداد يوماً بعد يوم.
الحياة
الطريق إلى الكاستيلو/ صادق عبد الرحمن
يمتدُ طريق الكاستيلو على شكل قوسٍ شمال حلب واصلاً شرقها بغربها من دوار الجندول إلى دوار الليرمون، ومن دوار الليرمون يمكن الاتجاه شمالاً عبر طريق غازي عنتاب إلى ريف حلب الشمالي ثم الحدود التركية، أو جنوباً إلى قلب الأحياء الغربية من حلب، ومنها غرباً عبر طريق دارة عزة إلى ريف حلب الغربي، أو إلى طريق دمشق الدولي.
يطلقُ سكان حلب عليه اسم الكاستيلو نسبةً إلى مجمّعٍ سياحيٍ يحمل هذا الاسم على الطريق، ويتضمن مطعماً ومسبحاً وصالات أعراس وحفلات. ويفترضُ بهذا الطريق أن يلعب دور المتحلق الشمالي للمدينة، الذي يجنّبُ المسافرين من شرقها وشمالها إلى غربها وجنوبها المرور في الازدحام، ولكنه لم يكن يلعب هذا الدور إلا بالنسبة لأصحاب السيارات الخاصة وشاحنات النقل. أما بالنسبة لعموم السكان في أحياء حلب الشرقية والأرياف، فقد كانوا مضطرين إلى دخول قلب حلب لاستخدام وسائل النقل العامة، إذ لم يكن هناك سيارات نقلٍ عمومي تجتازه لأنه ليس ثمة وجود لتجمعات سكنية قربه، بل تنتشر على طرفيه مناطق صناعية وورشٌ ومزارع في بعض الأحيان، وفي الغالب أراضٍ خالية.
شمالَ الطريق، أي على يمينه بالنسبة للمتجهين من أحياء حلب الشرقية نحو الليرمون، توجد منطقة الشقيّف الصناعية وخلفها شمالاً مخيم حندرات، وبعدها مجمع الكاستيلو وخلفه شمالاً مزارع الملّاح المشرفة على الطريق، والتي يفصلها عنه جرفٌ صخريٌ ثم بضعة مئاتٍ من الأمتار من الأراضي الخالية، التي تتواصل على جانب الطريق الأيمن حتى دوار الليرمون، وتقطع فراغها بعض المزارع المتناثرة.
أما على يسار الطريق، فتوجد أراضٍ خالية تمتد نحو كيلومترٍ عمقاً وصولاً إلى حي الشيخ مقصود ذي الغالبية الكردية الذي يشرف على الطريق، وتتصل به غرباً أحياء السكن الشبابي وبني زيد المتداخلة مع حي الأشرفية، وتمتد الأراضي الخالية على يمين الطريق حتى مبنى سادكوب الذي يليه فوراً دوار الليرمون.
تجدرُ الإشارة إلى أن اسم الكاستيلو كان يُطلَقُ قبلَ الثورة على الجزء الأول من الطريق حتى المجمُع، أما باقي الطريق حتى دوار الليرمون، فقد كان يُعرَف باسم طريق الليرمون، إلى أن طغى اسم الكاستيلو على الطريق كله في زمن الثورة. وكان هذا الطريق يلعب دوراً آخر بالنسبة لجزء من سكان حلب قبل الثورة، إذ كان متنفساً لهم ولعائلاتهم، يتجهون إليه مصطحبين حوائجهم البسيطة لقضاء الوقت على المسطحات العشبية وتحت الأشجار في الجزء القريب من الليرمون، كان مساحةً للنزهة بالنسبة لمن لا تسمح لهم ظروفهم الاقتصادية بأنواعٍ أخرى من السياحة.
كانت هذه حال طريق الكاستيلو حتى أواسط عام 2012، عندما انتقلت المعارك إلى داخل حلب، وسيطرت فصائل الثورة السورية على أجزاء منها، ليبدأ المسار الذي انتهى بطريق الكاستيلو ليصبح أخطرَ طريقٍ في العالم، وليصبحَ شريان الحياة الوحيد لنحو نصف مليون نسمة، وميداناً لمعارك فاصلةٍ في تاريخ البلاد.
الثورة المسلّحة
بدأت مجموعاتٌ مسلحةٌ بالظهور في أحياء حلب الشرقية الثائرة على النظام في النصف الأول من عام 2012، وفي تموز اندلعت أولى الاشتباكات العنيفة مع قوات النظام في حي صلاح الدين، لتدخل بعدها مجموعات فصائل الثورة السورية المسلحة من أرياف حلب الشمالية والشرقية على وجه الخصوص، معلنةً بدء معركة تحرير حلب، وكان لواء التوحيد بقيادة الشهيد عبد القادر الصالح هو القوة الضاربة المكونة من أغلب فصائل ريف حلب الشمالي آن ذاك.
لم يؤدِ ذلك إلى اكتساب طريق الكاستيلو أي أهمية خاصة، حتى أنه كان غير قابلٍ للاستخدام في البداية بسبب تمركز قوات النظام على دوار الليرمون وفي حي الشيخ مقصود، وفي مستشفى الكندي القريب من مخيم حندرات. وبقي قليلَ الأهمية حتى بعد سيطرة فصائل المعارضة بالاشتراك مع القوات الكردية على حي الشيخ مقصود، وعلى مستشفى الكندي ودوار الليرمون، وذلك لأن أرياف حلب الشمالية والشرقية والجنوبية كانت مفتوحةً على أحياء حلب الشرقية عبر عشرات الطرق الرئيسية والفرعية، وكان النظام متمركزاً في عدة نقاط وثكنات وقواعد عسكرية شرق حلب، لكن معظمها بات محاصراً أو شبه محاصرٍ تباعاً، أو يصعب الوصول إليه بشكلٍ آمنٍ بالنسبة لقوات النظام.
بقي مطار حلب الدولي ومطار النيرب العسكري شرق المدينة تحت سيطرة قوات النظام أيضاً، لكنهما كانا شبه معزولين عسكرياً عن نقاط تمركز قوات النظام في أحياء حلب الغربية، وعن قوات النظام في بقية مناطق البلاد.
في أواخر 2012 وأوائل 2013 كان النظام يبدو في حالة تراجعٍ شاملة في حلب، واتجهت فصائل الجيش الحر والفصائل الإسلامية التي باتت مسيطرة على معظم ريف حلب إلى حصار الثكنات والمواقع العسكرية للنظام أو مهاجمتها في جميع أنحاء حلب وريفها، وبدت مدينة حلب وكأنها على وشك الخروج بشكل كاملٍ عن سيطرة النظام.
من الهجوم إلى الدفاع
كان إعلان قيام الدولة الإسلامية في العراق والشام في نيسان من عام 2013 حدثاً فارقاً في تاريخ الثورة السورية، إذ بدأ يتصاعد التوتر تدريجياً بين عموم فصائل الجيش الحر والفصائل الإٍسلامية وجبهة النصرة وتنظيم الدولة، وهو ما زادَ من انشغال الفصائل بصراعاتها، التي كانت قد بدأت أصلاً قبل ذلك، على السيطرة على المناطق ومصادر الموارد من مالٍ وآلياتٍ وعتادٍ وذخائر، كما زادَ من اهتمامها بتخزين السلاح والمال استعداداً لمعارك داخلية محتملة.
كذلك كان الهجوم الكيماوي في آب 2013 وما تلاه من إحباطٍ وصعودٍ للتطرف عاملاً حاسماً، إذ تنامت شعبية تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، وتنامت معها النزاعات بين الفصائل. كانت سيطرة قوات النظام السوري على خناصر، ثم على السفيرة في ريف حلب الجنوبي الشرقي في مطلع تشرين الثاني من العام نفسه بداية التحول لصالح النظام في حلب، وحمَّلَت أغلبُ فصائل الثورة السورية ونشطائها المسؤوليةَ لتنظيم الدولة الذي انسحبَ دون قتالٍ جدي من هناك، ما أتاحَ للنظام السوري تأمين الطريق الشهير المعروف بطريق أثريا-خناصر في مطلع 2014، لينجحَ بذلك في تأمين قواعد ومطارات وثكنات محيط حلب، ثم يتقدم مستعيناً بطرق إمداد آمنة وينجحَ في تأمين طريق الراموسة جنوب حلب، ويصلَ الأحياء الغربية في حلب ببقية مناطق سيطرته في سوريا بشكل آمنٍ وشبه مستمرٍ حتى اللحظة.
خسرت بذلك الأحياء الشرقية في حلب ممراتها وطرقها إلى ريف حلب الجنوبي والجنوبي الشرقي، وعلى الرغم من ذلك بقيت لها طرقاتٌ أبرزها طريق النقارين الواصل إلى مدينة الباب شرق حلب، والطرق الفرعية التي تمر عبر مناطق هنانو والشيخ نجار وحندرات شرق حلب وشمالها الشرقي، وكذلك عبر عقدة باشكوي شمال حلب، وهي عقدة بالغة الأهمية كونها تصل ريف حلب الشمالي بالمدينة وريفها الشمالي الشرقي عبر عشرات الطرق الزراعية.
كان الصراع المسلح مع تنظيم الدولة الإسلامية، الذي اشتعلَ مطلع عام 2014، البدايةَ الجدية لما يعرف بشبح حصار الأحياء الشرقية في حلب، إذ بعد أن انسحب التنظيم من مناطق سيطرته في مدينة حلب، ومن بينها مناطق محيطة بالكاستيلو، انسحبَ منها بعد خسارته المعركة مع الفرقة 16 وبعض فصائل الجيش الحر المساندة لها هناك، أصبحَ سلوكُ جميع الطرق الفرعية إلى شرق حلب وشمالها الشرقي خطيراً بسبب سيطرة التنظيم وتحصينه لمواقعه هناك على الطرقات المؤدية إلى الباب وأخترين. غير أن هذا لم يَطُل كثيراً، حيث انسحب التنظيم من النقارين ومن مواقعه في منطقة الشيخ النجار ومحيط مدينتها الصناعية نحو الشرق دون قتال، ما أفسحَ المجال أمام قوات النظام للتقدم شمالاً وحصار الفصائل المتمركزة في المنطقة الصناعية ما أجبرها على الانسحاب إلى داخل حلب، لتصبح الأحياء الشرقية في حلب مطوقةً منذ صيف 2014 بقوات النظام من ثلاث جهات، الغرب والجنوب والشرق، ومفتوحةً على الشمال عبر حندرات والكاستيلو.
حاولت فصائل الجيش السوري الحر والفصائل الإسلامية في حلب استعادة زمام المبادرة ودفع شبح الحصار، وهاجمت بعنفٍ مواقع قوات النظام في عدة مناطق من حلب طيلة عام 2014، وأوشكت على إعادة فتح ثغرة جنوب حلب عند الراموسة، ما كان سيتسبب في حال نجاحه بإطباق الحصار مجدداً على أحياء حلب الغربية الخاضعة لسيطرة قوات النظام.
لم تُجدِ تلك المحاولات نفعاً، وواصلت قوات النظام السوري مدعومةً بمليشيا حزب الله وميلشيات عراقية وإيرانية تقدمها من مواقعها في مدينة الشيخ نجار الصناعية باتجاه الشمال والشمال الغربي، لتحكم سيطرتها في الربع الأول من عام 2015 على حندرات وسيفات وعقدة باشكوي الاستراتيجية وصولاً إلى أطراف رتيان وحردتنين القريبتين من نبل والزهراء، وذلك بعد معارك كرٍ وفرٍ طويلة وقاسية كلفت الطرفين مئات القتلى، ومرت بمحطاتٍ مفصلية كان من أبرزها فك قوات النظام للحصار عن سجن حلب المركزي شمال شرق مدينة الشيخ نجار الصناعية في أيار من عام 2014، ثم تقدمها تدريجياً نحو الشمال الشرقي.
من الدفاع إلى مقاومة الحصار
بات مهماً جداً تأمين طريق الكاستيلو وتحصينه، فهو الطريق الوحيد الآمن تماماً بعد أن أصبحت قوات النظام متاخمةً لمخيم حندرات ومزارع الملاح شمال الكاستيلو، فقامت الفصائل بتدعيم مناطق سيطرتها على دوار الليرمون ومحيطه وجبهات الخالدية وبني زيد المجاورة، وفي مخيم حندرات ومنطقة الشقيف الصناعية ومزارع الملاح، وتم تعبيد طريقٍ ترابيٍ يصل الكاستيلو بكفر حمرة دون المرور بدوار الليرمون الذي بات نقطة اشتباكٍ وتمركزٍ عسكريٍ دائمة، ويمكن الاتجاه بعد ذلك من كفر حمرة نحو ريف حلب الشمالي، أو نحو ريف حلب الغربي ثم إدلب عبر طريق بابيص.
هكذا باتَ الكاستيلو هو الشريان الوحيد الذي يغذي فصائل مدينة حلب بالسلاح، ويغذي المدنيين فيها بمختلف البضائع القادمة من أرياف حلب، ومن معبري باب السلامة وباب الهوى، وبهذا لم يعد طريقاً بالمعنى التقليدي للكلمة، بل بات ثغرةً بعرض بضعة كيلومترات، مؤمنةً بشكل جيد، لكنها يمكن أن تكون ساحة حرب مفتوحة بسبب عدم وجود مناطق سكنية على طرفيها.
أخذت الوحدات الكردية المتمركزة في حي الشيخ مقصود تشكل تهديداً جدياً على طريق الكاستيلو منذ أواسط عام 2015، إذ أدت خلافات بينها وبين الفصائل إلى انسحاب الأخيرة من غرفة العمليات المشتركة في شهر أيار، مع الاحتفاظ بمواقع لها في أطراف الحي، وحاولت الوحدات الكردية قطع الطريق نارياً عدة مرات اعتباراً من مطلع تموز، وأدى ذلك إلى اشتباكات بينها وبين الفصائل، انتهت بهدنة بين الطرفين، وانسحاب الفصائل من مواقعها على أطراف الحي، مقابل عدم قيام الوحدات الكردية باستهداف الطريق مطلقاً، وذلك في 28 أيلول 2015. وبعد ذلك بيومين فقط، بدأت الغارات الجوية الروسية دعماً لقوات النظام السوري والميليشيات التي تساندها.
كانت نتائج التدخل الروسي كارثيةً على الثورة السورية وقواها التي تخوض معارك مفتوحة مع النظام وتنظيم الدولة، والمشتتة في الوقت نفسه بسوء التنظيم والخلافات الداخلية والصراعات بين الفصائل، ونجحَ النظام بغطاءٍ جويٍ روسي في التقدم من مواقعه في باشكوي والسيطرة على حردتنين ورتيان ومعرستة الخان في مطلع شباط من العام الجاري 2016، وفكِّ الحصار عن نبل والزهراء، بعد أن كان قد فشل في ذلك قبل نحو عامٍ وتكبد خسائر فادحة في العتاد والأرواح.
بذلك تم فصل ريف حلب الشمالي إلى قسمين، وواصلَ النظام قصفه العنيف على قرى حيان وحريتان وعندان وكفر حمرة، وفي الوقت نفسه كانت قوات النظام تتقدم في ريف حلب الجنوبي بغية منع أي احتمالٍ لتقدم فصائل الجيش الحر وجيش الفتح وتمكنها من فتح ثغرة إلى أحياء حلب الشرقية من جهة الجنوب، وهو ما يُقال إن الفصائل تسعى إليه الآن بعد تمكنها من معاودة التقدم مؤخراً على جبهتي العيس والحاضر في الريف الجنوبي.
قامت القوات الكردية المتمركزة في الشيخ مقصود بعدة محاولات لقطع طريق الكاستيلو نارياً رغم الهدنة المتفق عليها، وقتلت عدداً من المدنيين في حوادث متفرقة، وخاصة بعد تصاعد التوتر جراء تقدم قوات سوريا الديمقراطية انطلاقاً من عفرين على حساب فصائل الثورة السورية، وسيطرتها على تل رفعت ومحاولتها اقتحام اعزاز، وقد ردّت الفصائل على محاولات قطع الكاستيلو بقصف الشيخ مقصود عدة مرات ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.
بدأت قوات النظام السوري معركةً تم التسويق لها بوصفها معركة فاصلة لحصار حلب مطلع تموز الجاري، وسيطرت بعد معارك كرّ وفرّ على مزارع الملاح وصولاً إلى الجرف الصخري الذي يفصلها عن طريق الكاستيلو، ليصبح الطريق مقطوعاً نارياً منذ العاشر من تموز، في وقتٍ كثفت فيه من هجماتها على جبهات مخيم حندرات والليرمون، وعلى جبهتي بني زيد والسكن الشبابي قرب الشيخ مقصود.
تمكنت قوات النظام السوري في ليلة السابع عشر من تموز من تجاوز الجرف الصخري، واقتحمت لأول مرة مجمّع الكاستيلو قاطعةً الطريق بشكل فعلي، لكن فصائل الجيش السوري الحر والفصائل الإسلامية وجبهة النصرة تمكنت في ظهيرة الثامن عشر من تموز من تدمير آليات النظام التي كانت تحاول رفع السواتر لقطع طريق الكاستيلو، وتمكنت من طرد قوات النظام من صالات الكاستيلو، لتتراجع الأخيرة مرةً أخرى إلى تلة الملاح وتواصلَ قطعَ الطريق نارياً.
لا تزال المعارك مستمرةً على طريق الكاستيلو، ولا يزال النظام يحاولُ السيطرة برياً عليه مدعوماً بآلاف الطلعات الجوية ومئات المقاتلين الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين، فيما يستميتُ مقاتلو الفصائل في القتال دفعاً لشبح الحصار والتجويع عن أنفسهم وعن نحو نصف مليون إنسان داخل حلب، وذلك من خلال محاولة استعادة مزارع الملاح وصدّ هجمات النظام على جبهات الليرمون وبني زيد والسكن الشبابي ومخيم حندرات. كما يبدو أن الفصائل تعمل على البحث عن بدائل للكاستيلو، إذ حاولت يوم العشرين من تموز قطع طريق الراموسة جنوب حلب، وهو ما يمكن أن يكون في حال نجاحه بداية لفتح طريق يصل أحياء حلب الشرقية بريف حلب الجنوبي، وفي حال فشله ضغطاً على النظام وإشغالاً له بمعركة أخرى قد لا تقل خطورة عن معركة الكاستيلو.
*****
تمت كتابة هذا النص بمساعدة الكاتب مصطفى أبو شمس، وهو من سكان الأحياء الشرقية في حلب، وكان مقيماً فيها طيلة مراحل الثورة، وحتى أواخر عام 2015.
موقع الجمهورية