عن ضحايا العاصفة: ليش السوريين بيخلفوا كتير أولاد؟!/ يارا نحلة
لم تخلق صور الجثث المتجمدة على طرق التهريب بين لبنان سوريا، رهبة لدى مستخدمي مواقع التواصل. وبدلاً من الحداد عليها بلحظة صمت، أقاموا محكمةً للحكم على المسؤول عن هذه الجريمة الإنسانية التي راح بين ضحاياها أطفال وقاصرون. وأنتجت النقاشات أبشع الأسئلة العنصرية التي تتجدد عن كل حدث، حيث تستفيق اللغة “الوطنية”، ويطل “حماة القانون”، وقد عزلوا كل الوقائع عن التطورات السياسية في البلدان المحيطة.
وخرجت اسئلة تمتد على كل الجبهات: هل الدولة اللبنانية التي تعقّد أمور اللاجئين، هي المسؤولة؟ أم أنه النظام السوري الذي دفعهم للنزوح أصلاً؟ أم أنه الطقس الذي لم يشفع لحال هؤلاء؟ وقد نالت إحدى الفرضيات، على وجه الخصوص، قسطاً كبيراً من الجدال ذلك أنها أخذت تبحث في مسؤولية الضحية نفسها في لقائها هذا المصير. فقد كان السؤال الأوّل الذي تداعى إلى فكر بعض اللبنانيين فور سماعهم بهذه الحادثة هو: “ليش جايين بهيدي العاصفة؟”
تطوّر النقاش، وخرج عن سياقه ليصبّ في سياقٍ أكبر، مع أسئلةٍ من نوع “ليش السوريين بخلفوا كتير أولاد؟” أو “سوريا صار فيها أماكن آمنة، شو جايبكن على لبنان؟” حتى أن بعضهم أخذ يشتم الجثث موبخاً إياها على إرتكاب “جريمة العبور” مذكراً إياها بذنبها الأكبر المتمثل بإنجاب الأطفال.
إرتأى هؤلاء أن حادثة من هذا النوع هي فرصة مؤاتية لإطلاق مواعظ أخلاقية ودروس في الحياة. ولم يستطيعوا تخيّل أي أسباب قد تدفع السوريين للنزوح. ولم يخطر ببالهم أن من يقدم على رحلة الموت هذه يكون قد إستنزف كل خياراته الأخرى.
وفي مقابل الفريق الذي يلوم الضحية على عدم إطلاعها على النشرة الجوية، لامها فريق آخر على خرقها للقانون، وهذا “تصرّف غير مسؤول” على حدّ وصف البعض. وراح هؤلاء يوزّعون النصائح على السوريين بشأن الهجرة الشرعية، فنصحتهم إحدى السيدات “بإستعمال المطار”. بهذه السهولة، حلّت حارسة القوانين أزمة النزوح السوري التي إنفجرت بفعل الحرب الدامية. لو أن من غرقوا في البحار وهم يحاولون الهجرة بطريقة غير شرعية إلى أوروبا كانوا يعلمون أن بإمكانهم إستخدام المطار!
أما الطرف الثالث فقد ردّ على هذه التهم بإتهاماتٍ مضادّة تطاول الدولة اللبنانية معتبراً أنها المسؤولة عن مقتل النازحين لفرضها “شروطاً تعجيزية” لدخولهم الى لبنان. وهنا، إصطف ذوو الحسّ الوطني مع دولتهم وسارعوا إلى الدفاع عنها معتمدين خطاب “يكفي ما عانينا من السوريين حتى اليوم”. حتى في مثل هذه المأساة التي ألمّت بأفراد سوريين حصراً، وجد بعض اللبنانيين حاجة للحديث عن معاناتهم الخاصة بشأن النزوح السوري.
والحال إن الحرب الممتدّة منذ أكثر من ست سنوات، ما زالت تنتج صور الموت والمعاناة. صور يتفرّج عليها العالم، يبكي أحياناً ثمّ يطويها ويمضي. أمّا المتعاطفون، فهم يحتاجون إلى تحديثٍ مستمرّ لهذه الصور، وذلك لإنعاش ذاكرتهم وتجديد تضامنهم المتلاشي. وكأن الظلم غير موجود ما لم تشهد عليه صورة جسدٍ غريق أو محترق أو ممزّق. وما تلبث أن تغيب هذه الصورة من امام ناظرنا وقضايانا اليومية لتنضمّ إلى سابقاتها من الصور المنسية.
المدن