عن ليبيا وسورية، ورفع الشرعية الثقافية
اكرم مسلم
منذ أشهر وأنا لا استطيع الكف عن التفكير في “خطاب الجرذان”، ذلك ان القذافي لم ينظر لشعبه بهذا المعنى كمادة لابداعه السياسي الخلاق، وإلا لسماهم أغناما مثلا، وبالتالي هو راعي الغنم. القذافي يريد بشكل لا واع، او واع ربما، عندما يجرد شعبه من انسانيته أن يوحي بأن الشعب مادة لابداعه المطلق، القذافي يضع نفسه في مصاف الآلهة في تشبيه الفئران التي لا مفر لها من قدره. الشعب الليبي مسكين، كل ما طالب به القذافي هو ان يحلّ عن قفاه، لم يجرده انسانيته، أراد فسخ عقد صمد اربعين عاما على الرغم من انه عقد من طرف واحد، فكشف القذافي عن مستوره: لست مجرد رئيس، أنا قدركم، أنا آت من عالم المطلق وانتم محدودون، وهذه ناري. ان خطاب الجرذان اعلان ابادة اخلاقية واعلان نوايا لابادة جسدية لا يقبل التأويل.
اقول هذا لأن ما ذهبت اليه ليبيا مخيف، ولكن هل من العدل تحميل الشعب الليبي مسؤولية ما حدث ويحدث.
في سوريا ، لن ينفع ايضا ما “يطبخ تجار الشام على نار جهنم”، قبل “خطاب الجراثيم” وبعده، فالخلفية نفسها والفهم نفسه هو ما يقف في خلفية السلوك السلطوي، ولا اقول السياسي، وان كان الأمر اكثر تهذيبا، ينتمي إلى وعي “معاوية” اكثر مما لبداوة القذافي. في سوريا الناس أو معظمهم عبارة عن عصابة، وهناك أقلية نورانية تعرف البيضة الأميركية ومن يبيضها، وعلى الرغم من كثرة الدجاج الاميركي المسموم حقا في اقليمنا، إلا ان العصابات والجرذان قد تهرب من القدر الجهنمي الى المجهول حتى لو كان اميركيا، إذا لم تجد من يعترف حتى بانسانيتها.
ما يحمي هذا الحراك التاريخي من المصائر الكولونيالية هو تسريع سقوط الطواغيت، وليس الانشغال بادانة الشعوب. ما سرع سقوط الانظمة في تونس ومصر رفع الشرعية عنها اعلاميا وثقافيا وشعبيا عربيا، والباقي تكفلت به الشعوب داخليا.
برأيي كلما طال عمر الصراع كلما كان اخطر، وبدل ان نذهب الى واقع عربي جديد وجامعة عربية جديدة، ربما سنذهب إلى أكثر من جامعة، وإلى قواعد عملاقة للناتو، تضاف للقواعد الاميركية في قطر والمغرب والعراق وغيرها.
ما يصل من أخبار من داخل سورية يظهر توحشا لا يدع مجالا للدفاع عنه.. حان الوقت لرفع أية شرعية اخلاقية ذات طابع ثقافي عنه، والباقي سيتكفل به السوريون.
هناك قراءات مختلفة لكل حدث تاريخي، وكل يقرأ وفق خلفياته وموقعه ومصالحه ربما وهذا ينطبق على الجميع ومن حقه. لكن بالمقابل عندما يتعلق الأمر بالمواقع ذات الطابع التمثيلي، الثقافي منها خاصة، فإنني ككاتب أعلن أنه ليس باسمي ليس باسمي ليس باسمي أي تصريح يزكي رصاص القتلة، ليس باسمي “احاديث الافك” على الفضائية السورية، وليس باسمي أي ضغط على من يصدقون دم الناس في الشوارع، عبر محاولات الاسكات الذكوري المشحون باستعلاء الأمن.
لن ينجح هذا في بلادنا. ولا يمكن اخفاؤه وراء قنابل الدخان التي ترمى هنا وهناك. ولن يمر بمراكمة النفوذ الفصائلي والاداري السلطوي المتسلح بالطاقة الرمزية للمعارضة.
سنجد طريقنا من دون الوهية القذافي والأسد، ومن دون مسوخهما.