عن مفاوضات “أستانة” المرتقبة –مجموعة مقالات-
إحراجات المعارضة السورية على عتبة مفاوضات آستانة/ أكرم البني
أمر محرج أن توافق المعارضة السياسية السورية على المشاركة في مفاوضات آستانة، بعد انقلاب توازنات القوى في غير مصلحتها بفعل التدخل العسكري الروسي، وهي التي لم تكل أو تمل الحديث عن دور روسيا المناهض للثورة، وعن أن هدف قيادة الكرملين من دعواتها الى مؤتمرات ومفاوضات، بدءاً من مؤتمر موسكو إلى مؤتمر آستانة وبينهما اجتماعات جنيف وفيينا، ليس إيجاد حل حقيقي يهدئ النفوس ويرضي مطامح الناس، بل ربح مزيد من الوقت لتمكين السلطة وإضعاف المعارضة وخلق مزيد من الخلافات والانقسامات بين صفوفها، بما في ذلك إقصاء الهيئة العليا للتفاوض أو تهميشها كمقدمة لتأهيل طرف مطيع يشارك في تكريس حل سياسي جديد لا يقوم على المرجعيتين القانونية والأممية، لا سيما بيان جنيف 1 والقرار الدولي 2254.
وأمر محرج أيضاً، أن تتخذ المعارضة السياسية موقفاً مناهضاً لخطة موسكو تسوية الصراع القائم وترفض المشاركة في مؤتمر آستانة، لأن ذلك يضعها في مواجهة مع الفصائل العسكرية الموقعة على اتفاق أنقرة، ومع ميل غالبية السوريين نحو التهدئة والخلاص من استمرار العنف والتدمير وما يخلفه من معاناة وآلام، فكيف الحال وهي تدرك أن رفضها لن يقدم أو يؤخر ما دامت لا تمتلك وزناً فاعلاً على الأرض، وما دامت «ورقة الشرعية» التي أنعم بها المجتمع الدولي عليها قد تهتكت ولم تعد تجدي في تمكينها لعب دور مختلف؟ وكيف الحال وقد طاولتها انتقادات حادة وصل بعضها إلى اتهامها ونزع الثقة بها وتحميلها المسؤولية الرئيسة عما وصلت إليه أحوالنا بما في ذلك النتائج المريرة لمعركة حلب.
وكم هو محرج للمعارضة السورية حين تتزاحم بعض قياداتها على استجداء تركيا وروسيا الضامنتين اتفاق أنقرة والعملية التفاوضية، كي تحجز مكاناً لها في آستانة؟ أو عندما تقف ذليلة تراقب، بعين الحسرة، التداول بين الراعيين على اختيار رموز من صفوفها تناسب جدول أعمال المؤتمر، مكتفية بإبداء تحفظ خجول حول ما رشح عن نية موسكو دعوة ست شخصيات اختارتهم للمشاركة في المحادثات وفي المرحلة الانتقالية العتيدة، من خارج التشكيلات الرئيسة للمعارضة السياسية والهيئة العليا للتفاوض؟ وما يزيد الحرج حرجاً، أن يكون للجماعات المسلحة الموقعة على اتفاق أنقرة، دور رديف في هذا الاختيار، وفي تزكية رموز معارضة، أقرب إلى أجندتها، كي تمثلها سياسياً، والأنكى أن لهذه الجماعات لوناً أيديولوجياً وسياسياً واحداً، حتى وإن ألحقت بها بعض فصائل الجيش الحر لإعطاء المشهد بعداً أوسع، ويزيد الطين بلة ما رشح عن استعداد قيادة المعارضة لحضور مؤتمر آستانة ضمن وفد مشترك مع الفصائل العسكرية، من دون أن تنتبه إلى أن هذا الخيار يدشن نهاية دورها كطرف رئيس في المفاوضات وعملية الانتقال السياسي.
وأيضاً، كم يبدو محرجاً أن تضطر المعارضة السورية الى الصمت أحياناً وتعديل مواقفها أحياناً أخرى، كي تنال رضا الأطراف المؤثرة في مستقبل الصراع السوري. فأي معنى لصمتها المريب عن تراجع مواقف الجار التركي وقد خيّب أملها وخذلها بانتقاله إلى التفاهم مع روسيا لمحاصرة الخطر الكردي وتحصيل بعض النفوذ الإقليمي، ضارباً عرض الحائط بادعاءاته ووعوده الداعمة لها؟ وكيف يفسر استسهال تغيير خطابها تجاه التدخل الروسي من اتهامه باحتلال البلاد، إلى الاعتراف بدوره كطرف رئيس في الحل السياسي، أو تراجعها عن خطوط حمراء حول تغيير النظام ورموزه، كانت تعتبرها اشتراطات لا تنازل عنها للمشاركة في المفاوضات؟ ثم كيف يفهم اندفاعها لرهان مبالغ فيه، على خلافات بين روسيا وإيران حول مسار التسوية السورية، والبناء على اعتراضات طهران المعلنة ضد تفرد أنقرة وموسكو في ترتيبات مؤتمر آستانة، وعلى الخروقات المتكررة لحلفائها في وادي بردى؟
وما يزيد الموقف حرجاً، أن المعارضة صاحبة الكليات والإطلاقيات، ومن كانت تسخر من أية خصومة أو خلافات في الحلف الداعم للنظام وتعتبرها مجرد لعبة أو مسرحية لتبادل الأدوار، باتت هي ذاتها من يتحدث اليوم في التفاصيل والجزئيات وترى بعين، تحسبها بصيرة، دقائق الأمور والمسافات الصغيرة لتفاوت المصالح والسياسات بين قوى هذا الحلف!
ويزيد الحرج حرجاً عندما تعجز المعارضة عن تحقيق توافق مرضٍ على موقف واحد من مؤتمر آستانة، أياً يكن هذا الموقف، نتيجة اختلاف الاجتهادات وتباين الإملاءات التي يطلبها هذا الطرف الداعم أو ذاك، أو عندما تفتك ببعض قياداتها الحسابات الأنانية والضيقة، وتندفع إلى التطرف والمزايدة على الآخرين رافعة سقف الاتهامات كي تميز نفسها في المشهد السياسي، بما في ذلك استسهال المطالبة بتسعير الصراع رداً على مؤتمر آستانة ورفضاً لما تعتبره هزيمة واستسلاماً، مستهترة بما يخلفه استمرار العنف من شدة ومعاناة لقطاعات شعبية واسعة لم تعد قادرة على تحمل المزيد.
هل يكمن السبب وراء ما تعانيه المعارضة السياسية من إحراج وتردد، في حالة الحصار المطبقة على مشروع التغيير السوري وما تعرض له من غدر وأضرار وتشوهات؟ أم فشلها في الالتحام بالثورة ونيل ثقة أبنائها نتيجة أمراضها الذاتية وتغلغل النزعات والمصالح الأنانية في صفوفها؟ أم الأمر ناجم عن رهاناتها الخائبة وتراكم أخطاء قصر النظر في قراءتها الأحداث، وعجزها عن تفعيل دورها السياسي وتحمل المسؤولية لتصويب ما يكتنف مسارها من مثالب وعثرات؟!.
والحال، باتت المعارضة السورية في وضع لا تحسد عليه، وإذ يرى البعض أن دورها قد استهلك وانتهى وأن عليها الاستقالة كي لا تغدو عنواناً للخيبة والفشل والإحباط، يرى آخرون أن قدرها اليوم هو القبض على جمرات الثورة وحمايتها من العبث والتشويه والتغييب، وتسخير إنتاجها النقدي، سياسياً وثقافياً، لاستخلاص الدروس والعبر مما جرى، ما يمكّن المؤمنين بالخيار الديموقراطي خوض غمار الخلاص من محنة الاستبداد، بأقل الأخطاء والآلام.
* كاتب سوري
الحياة
مؤتمر آستانة: تدبير الخسائر/ عمر قدور
يدرج القول إن الفصائل التي تقاتل نظام بشار الأسد تذهب إلى مؤتمر آستانة، المقرر غداً الاثنين، تحت ضغط الحليف التركي. هذا في الظاهر. أعمق من ذلك يعلم الجميع أنها ذاهبة تحت ضغط انعدام الأفق أمام استمرار حربها الحالية، وأيضاً انسداد الأفق أمام التحول إلى نوع مختلف من المقاومة. قبل مدة برزت مطالبات ساذجة بالتحول إلى حرب العصابات، لا يدرك أصحابها صعوبة التحول من جيش شبه تقليدي تقوم عقيدته على السيطرة على المكان إلى جيش يترك السيطرة ظاهرياً للخصم، ثم إن الحديث عن عشرات الآلاف من المقاتلين المكشوفين والمعروفين للخصم لا يستوي مع أنماط الحرب الخفية.
لا يكفي اختزال الخسارة بحرب المدن التي تُركت بلا حماية أمام الطيران، ولا باستخدامها من قبل إيران والنظام لإحداث تغييرات ديموغرافية هائلة، وقد لا تكفي الإشارة إلى أسلوب السيطرة الذي اتبعته الفصائل. توقّف الحرب من دون هدفها المعلن يعني فوق ذلك كله انحسار التأييد الذي نالته هذه الفصائل على خلفية الحرب، ووضعها تحت المساءلة، تماماً على المنوال الذي يُقال فيه إن توقف الحرب الآن سيضع النظام أمام أسئلة مؤيديه.
أشيع أن المؤتمر سيخوض في بند وحيد هو وقف إطلاق النار، وعليه استُبعدت المعارضة والهيئة العليا للتفاوض. إلا أن وفد النظام سيرأسه ديبلوماسي هو مندوبه في الأمم المتحدة، ومن المرجح أن يقابله ممثل عن الفصائل كان كبير المفاوضين في جولة سابقة من مفاوضات جنيف، وحينها اعترض الأول على وجود الثاني بوصفه عسكرياً لا يحق له ترؤس وفد سياسي. هي مفارقة لا أهمية لها، سوى بدلالتها على اختلاط المستوى الأمني بالسياسي لدى النظام، وبنظرة الأخير إلى المحادثات على أنها كتلة متكاملة، لا محادثات تقنية فحسب.
جدير بالذكر أن النظام أخذ على المعارضة السياسية في جنيف 2 عدم امتلاكها القرار في الميدان، ما يجعلها فاقدة القرار فعلياً، وتبدو المفاوضات الآن ترجمة لتلك المقولة بالتحاور مع أصحاب القوة الفعلية على الأرض. وجدير بالذكر أن النظام قبيل آستانة عرض على فصائل وادي بردى وبيت سحم نوعاً من المصالحة تبيّن رؤيته لاستيعابها، من دون حلها أو القضاء عليها. مجمل ما تنص عليه مسوّدات المصالحة هو الإبقاء على الفصائل شرط «محاربة الإرهاب» والتبعية اسمياً له، وعودة رموز النظام إلى المناطق الخارجة عن السيطرة (مثل العلَم وعدد محدود من القوة الأمنية)، مع نوع من تقاسم السيطرة المحلية.
تلك كانت أيضاً فكرة المصالحات التي بدأتها إيران قبل التدخل الروسي المباشر، وكانت ضمن خطة متكاملة تهدف في النهاية إلى توسيع صلاحيات الإدارات المحلية مع الاحتفاظ بالصلاحيات الأمنية والعسكرية للمركز. وعلى رغم معارضة بعض النظام حتى للخطة الإيرانية السابقة، فإنها كانت تُفرض من قبل طهران، مثلما يُفرض مؤتمر آستانة على ذلك البعض الذي يطمع بإعادة الأمور كما كانت تماماً قبل آذار (مارس) 2011، ربما مع اشتداد أقوى لقبضة النظام.
لا بأس بــأن نتذكر أن إدارة أوباما قد شرعت بإنشاء فصيل سوري يقتصر على قتال داعش، وعندما لم تجد تجاوباً انتقلت المقاولة حينها إلى الميليشيات الكردية. ويمكن القول إن الفصائل التي تقاتل داعش تحت مــسمى «درع الفرات» إحياءٌ للفكرة الأميركية بإشراف تركي ورضا موسكو أولاً، ثم مشاركة الطيران الروسي في تغطية بعض العمليات. وواضح غياب النظام عن أجندة تلك الفصائل واقتصار قتالها على داعش والميليشيات الكردية، بينما لا تخفى عدم ممانــعة النظام القضاء على أحلام الميليشيات الكردية بالسيطرة على الشمال السوري كله.
استرجاع مجمل هذه التوجهات قد يكون ضرورياً لفهم سقف مؤتمر آستانة وما يليه، فهناك تقاطعات جلية ترسم ذلك السقف السياسي للعملية برمتها، وإذا كانت العملية قد فشلت سابقاً بدءاً من المستوى السياسي فهي الآن تختبر إمكان النجاح بدءاً من المستوى العسكري. مثلاً طُرحت من قبل، بموافقة المعارضة ضمن سلة متكاملة، فكرةُ دمج الفصائل مع قوات النظام لمحاربة الإرهاب، الآن هناك محاولة شبيهة بدأت على الأرض من دون المرور بتسوية سياسية كبرى، المراهنة هي على تسويات صغيرة هنا وهناك في الإطار نفسه، مع منح سلطات محلية للمنخرطين فيها على حساب التسوية النهائية من فوق. حتى النظام، وقد فقد المقدرة البشرية على السيطرة على الأرض، عينه على عشرات آلاف المقاتلين الذين عجز عن الانتصار عليهم وحده، وهناك تيار داعم لفكرة «المصالحات المحلية» يريد تسخير هؤلاء لمصلحته، بعد الاضطرار إلى استقدام المزيد من الميليشيات الشيعية والاستعانة بسوريين تجاوزوا السن اللائقة للخدمة العسكرية. بالأحرى، يريد هذا التيار جعل تلك الفصائل من النظام من دون تعديل فيه.
ما يشجع على التقدم في هذا الاتجاه، فضلاً عن الخسائر التي تُوّجت بخسارة حلب، تفضيل النظام وداعميه تقديم تنازلات مناطقية بالمفرّق على تقديم تنازلات حقيقية تطاول بنية النظام، وقد لا تكون هناك ممانعة حتى من تقديم رشاوى أيديولوجية لبعض الفصائل الإسلامية. من دون إساءة ظن، هناك بين الفصائل المنخرطة في العملية، أو ربما تلك التي تنتظر موقتاً، كتلة معتبرة لا تقيم وزناً لمسائل كالديموقراطية وحقوق الإنسان، فوق تلك التي ترى الديموقراطية بدعة أو كفراً، هذا هو أيضاً الاستحقاق الذي يريد النظام وداعموه التخلص منه.
في هذا السياق تبرز تجربة انتخاب مجلس محلي في محافظة إدلب التي يسيطر عليها «جيش الفتح»، حيث مُنعت النساء من التصويت، إذ لم تعمد الفصائل المســيطرة خلال سنوات إلى السماح بمــثل هذه التــجربة، عليه من المستبعد إجراء عملية الانتخاب لو كانت مقبلة على موقعة كبرى كانت تلوح في الأفق. إلا أن ضم هذه الانتخابات إلى المرحلة الثانية من التسوية المقترحة، وهي تنص على وجود مجالس محلية، قد يفسّر إجراءها مؤخراً.
لا شك في وجود عقبات عدة أمام تقدم هذا السيناريو، سواء من طرف قسم من النظام وطهران أو من طرف بعض الفصائل، لكن تحقيقه ليس مستحيلاً تحت مختلف الضغوط. قابلية هذه التسوية للحياة والاستمرار غير مهمة، على الأقل بالمقارنة مع قدرتها المتوخاة على وأد فكرة الثورة تماماً.
الحياة
الطبل في أستانة وعرس الدم في دير الزور/ صبحي حديدي
ذاك الذي يحسن، حتى في الحدود الدنيا، قراءة المشهد الجيو ـ سياسي، الإقليمي والدولي، بصدد الملفّ السوري؛ لن يعجز عن قراءة المشهد المقبل في اجتماع أستانة، ولعله لن يحتاج إلى كبير عناء، أو استبصار مسبق، كي ينتظر منه الفشل الذريع. وكما توفّرت، خلال السنوات الستّ من عمر الانتفاضة السورية، «مرجعيات» مثل جنيف ـ 1 وجنيف ـ 2، وموسكو ـ 1 وموسكو ـ 2، فإنّ أستانة بدورها استحثت مسمّييَن اثنين، حتى الساعة: أستانة ـ 1، في أيار (مايو) 2015؛ وأستانة ـ 2، التي تنعقد غداً.
ولا يغيّر كثيراً من أمر أستانة ـ 1 أنها كانت تمريناً روسياً في استعراض «معارضة» مصنّعة على قياس موسكو، والنظام السوري بعض الشيء (الأمر الذي أسفر منطقياً، عن تعطيل أي نتائج ملموسة لها، بالنظر إلى غياب «معارضة» أخرى مصنّعة على قياس واشنطن وأنقرة والرياض، مثلاً). والأرجح، في استطراد المنطق إياه، أنّ أستانة ـ 2 سوف تلقى المصير ذاته، رغم التفاهمات الروسية ـ التركية، بالنظر إلى التغييب الفعلي، وكذلك المواقف المتعارضة، لطهران والرياض؛ فضلاً عن فتور واشنطن، وانشغال الإدارة الجديدة بأمور داخلية أشدّ إلحاحاً بما لا يُقارن.
فإذا ردّ المرء أستانة ـ 2 إلى أصول الأسباب التي أتاحت إطلاقها، أي فكرة وقف إطلاق النار من حيث الشكل، والذهاب بالفكرة هذه ـ التي طُرحت في صيغة عسكرية محضة، مبعَدة عن السياسة إذا جاز القول ـ نحو ميدان سياسي يلاقي التفاهمات الروسية ـ التركية، من حيث المحتوى؛ فإنّ النتيجة يتوجب أن تسفر عن ميدان وسيط، بدوره، بين سلسلة «المرجعيات» آنفة الذكر. أو، في ما ينتظره ذاك الذي يحسن قراءة المشهد، وضع تلك «المرجعيات» على الرفّ؛ سواء مؤقتاً، ريثما تتكشف المعطيات اللاحقة عن خيارات أخرى، أو بصفة دائمة لا تُفرغها من مضامينها «المرجعية» فقط، بل تحيلها إلى تقاعد أبدي!
ذلك لأنّ الذاهبين إلى أستانة ـ 2، أياً كانت صفة «المعارضة» التي يزعمون أنها تميّزهم؛ لا يذهبون إلى العاصمة الكازاخية إلا لأنّ رعاتهم، في ألطف تعبير ممكن، بلغوا بهم، أو بشروط الرعاية، درجة لا رجعة عنها من حيث الالتزام والإلزام، لكي لا يتحدث المرء عن الطاعة والإجبار. أمّا النظام، وأياً كانت مقادير ما انحطّ إليه من ولاء واتباع، بين طهران وموسكو بصفة خاصة؛ فإنه لا يذهب إلا لأنّ هوامش مناورته ضاقت واستحكمت حلقاتها، عسكرياً واقتصادياً، وليس سياسياً فقط، وبات بالتالي أسير الاتفاق أو الشقاق بين الراعيين، الإيراني والروسي.
حكاية وقف إطلاق النار تمّ اختبار حقيقتها، في عشرات الميادين، ولم يكن النظام السوري هو وحده الذي ترجم الأكذوبة تلك إلى حقائق دامية على الأرض؛ إذْ تولى تكذيبها، أيضاً، الطيران الحربي الروسي، أسوة بالميليشيات الإيرانية المختلفة. الأمر الذي لا ينفي رغبة موسكو في إدارة تورّطها في سوريا، ومراجعته، عن طريق تسيير بعض عواقبه في أقنية سياسية تفاوضية، قد تكتسب ديناميكيتها الخاصة، من حيث تكييف التدخل والتكيّف معه. وهو أمر لا ينفي، كذلك، متغيرات السياسة التركية بصدد النظام السوري، ليس من وحي تصريح خفيف هنا وآخر أجوف هناك (من طراز ما صرّح به، ثمّ نفاه سريعاً، نائب رئيس الوزراء التركي محمد شيمشك، حول موقع بشار الأسد في التسوية)؛ بل من قلب التفاهمات الروسية ـ التركية، التي تتجاوز أستانة ـ 2، وربما الملفّ السوري بأسره، إلى قضايا ثنائية، جيو ـ سياسية وجيو ـ اقتصادية، لا تقلّ تعقيداً.
والأمر، ثالثاً، وفي استلهام مثل سوري شعبي شهير: الطبل في أستانة، وعرس الدم في… دير الزور!
القدس العربي
بعض استراتيجيات التفاوض في أستانة/ إياد الجعفري
لا يمكن أن نتصور أن تصريحات مسؤول بموقع، نائب رئيس الوزراء التركي، في منتدى للنخبة، كـ “دافوس”، حول قبول التسوية في سوريا مع بقاء الأسد، كانت زلة لسان. لكن ما يمكن أن نفهمه من خلال النفي الصارم لدقة التصريح، من جانب مكتب نائب رئيس الوزراء نفسه، في أنقرة، وكذلك، من جانب وكالة الأناضول التركية الرسمية، أن التصريح كان رسالة لطرف محدد، وأن الأتراك لا يريدون أن تصل الرسالة ذاتها إلى طرف آخر.
ورغم النفي الرسمي التركي، واتهام الروس تحديداً بتحريف تصريحات محمد شيمشك، نائب رئيس الوزراء التركي، إلا أنه يمكن لكل من يعرف مبادئ اللغة الإنكليزية أن يستمع ويشاهد، بالتسجيل المُصوّر، شيمشك، وهو يتحدث عن براغماتية وواقعية تضطر تركيا إلى قبول تسوية في سوريا، لا تستثني الأسد.
فهل كانت تصريحات شيمشك تلك، تعبيراً عن وجهة نظره الشخصية، أو، لنقل بعبارة أدق، هي تعبير عن خلافات داخل دائرة صنع القرار في تركيا حيال طريقة التعاطي مع الملف السوري؟..احتمال قائم.. لكن ذلك الاحتمال، لا ينفيه احتمال آخر، مفاده أن تصريح شيمشك، المثير للجدل، كان رسالة تركية لإيران، بهدف تعزيز احتمالات نجاح المفاوضات في أستانة. ولا يبدو أن الأتراك يريدون أن يُدرك السوريون، وتحديداً حلفائهم السوريون، أنهم مستعدون للذهاب إلى ذلك المدى من التنازل للإيرانيين والروس، بغية إنجاح مساعي التسوية السياسية في سوريا.
يُحيلنا ذلك إلى توصيف لاستراتيجية التفاعل التركية مع الملف السوري، منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في مطلع الصيف الماضي. وهي استراتيجية تندرج في سياق ما يسميه المتخصصون بـ “استراتيجيات منهج المصلحة المشتركة”.
ذلك أن مراجعة خطوات التقرّب التركية من روسيا، خلال الأشهر الستة الماضية، وخاصة في الملف السوري، تُذكّرنا تماماً، بكل استراتيجيات منهج المصلحة المشتركة، بدءاً باستراتيجية تطوير التعاون، مروراً باستراتيجية توسيع نطاق التعاون، وليس انتهاءاً باستراتيجية التكامل. فاليوم، يبدو جلياً أن العلاقة الروسية – التركية في الملف السوري، تقترب من حالة التكامل، وإن لم تكن قد وصلت إليها تماماً.
ما سبق يطرح تساؤلاً ملحاً: هل بدأت تركيا تنتهج الاستراتيجيات سابقة الذكر ذاتها، مع إيران هذه المرة؟
ربما لأن الأتراك جادون في تحقيق تسوية سياسية في سوريا، يكونون أحد أضلاع مثلث عرّابيها الرئيسيين، ومستثمري نتائجها، إلى جانب روسيا وإيران. لذا، يبحث الأتراك الآن عن سبل للتفاهم مع إيران، كي لا تُفشل الأخيرة مفاوضات أستانة، أو تنسفها برمتها. فالسلوكيات السياسية والميدانية التي أبدتها إيران في الأسابيع الأخيرة، التي سبقت المفاوضات، تشي جدياً بعدم رضاها عن مسار تلك المفاوضات.
فهل يئست تركيا من محاولات الاستثمار في الاختلاف بين أجندات وأولويات الحليفين الروسي والإيراني؟.. شهر التجربة الذي سبق المفاوضات المُزمع عقدها بعد يومين، كان كفيلاً ربما، باثبات، أن إيران قادرة على تخريب مسار التفاوض عملياً، وأن الروس لا يملكون الكثير لفعله حيال ذلك، أو أنهم لا يملكون النية لذلك، ويُمثّلون فقط دور “الحمائم”، في استراتيجية مشتركة مع الإيرانيين، حيث يلعب الإيرانيون دور “الصقور”.
لكن، إن جزمنا، نظرياً، بوجود خلافات روسية – إيرانية، جدّية، وبامتعاض الروس من السلوك الميداني الإيراني المُخالف لخط سياستهم. في هذه الحالة، يمكن توصيف استراتيجيات الإيرانيين في التعاطي مع الأزمة السورية، بـ “مباريات السوبر”.
تقوم هذه الاستراتيجية، حسب المتخصصين، على الدمج في آن، بين ثلاث سلوكيات، وهي، التنازع، التحالف، الإعداد للتفاوض أو الصراع.
ويعتقد متخصصون كُثر، أن الإيرانيين بارعون في استخدام هذه الاستراتيجية في إدارة الأزمات، وفي التفاوض أيضاً. وهي الاستراتيجية ذاتها التي استخدمها الإيرانيون أثناء مفاوضاتهم مع الأمريكيين، في الطريق إلى الاتفاق النووي الشهير.
وحسب الأدبيات العلمية في التفاوض، فإن من شأن الدمج بين سلوكيات، التنازع، التحالف، الإعداد للتفاوض أو الصراع، في آن، الوصول إلى تصور شامل لنتائج الصراع في أي عملية تفاوضية أو تساومية، والسيطرة على تتابع الأحداث الناتجة عن فعل ما.
بكل الأحوال، يبدو أن المشهد سيكون عصيباً للغاية على الفريق المفاوض الممثل للمعارضة، في أستانة. ذلك أن المؤشرات الراهنة، وكذلك التجارب السابقة، تُوحي بأن فريق النظام التفاوضي سيستخدم الاستراتيجية الهجومية في التفاوض، وهي استراتيجية يكون المفاوض فيها، في الغالب، عدوانياً ومتشدداً. ويلجأ المفاوض إلى تلك الاستراتيجية عندما يكون تقييمه للموقف التفاوضي يُشعره بالتفوق، أو لعدم حرصه على إتمام المفاوضات بنجاح. وهما سمتان يتصف بهما نظام الأسد في الوقت الراهن، ويؤكد ذلك، تكليف بشار الجعفري، مندوب الأسد في الأمم المتحدة، بقيادة فريق النظام التفاوضي، وهو شخصية معروفة بأسلوبها الاستفزازي الهجومي.
وللأسف، عادةً ما تضطر الاستراتيجية الهجومية في المفاوضات، الطرف الآخر، إلى اتباع استراتيجية دفاعية، إن كان موقفه ضعيفاً نسبياً. فيلجأ إلى تقليل الخسائر إلى أدنى حد ممكن، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
في ظل هذه الأجواء، يبدو أن لدى فريق المعارضة المفاوض، هامشاً محدوداً جداً للمناورة. وقد يكون الالتزام بمبادئ التفاوض، والإصرار على تنفيذ مراحله المتفق عليها، بدقة، أبرز مرتكزين، قد يخدمان الفريق المفاوض للمعارضة. وذلك عبر الإصرار على السير في مساري، تثبيت وقف إطلاق النار، وفك الحصار وإيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة، قبل ولوج أي مفاوضات تتعلق بالحل السياسي.
وبكلمات أخرى، إذا تمكن فريق المعارضة المفاوض من تحقيق معادلة صعبة، مفادها، المماطلة في التفاوض، مع ضمان وقف إطلاق النار خلال ذلك، إلى أن تتضح ملامح السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة، سيكون ذلك إنجازاً يستحق كل تحية عليه. ذلك أن تحييد الضغط الميداني عن المعارضة، وعن بيئاتها الحاضنة، خلال الأشهر الثلاثة القادمة، إلى أن تستقر ملامح السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة، يسمح للمفاوضين من جانب المعارضة، مستقبلاً، التفاوض بعد فحص كل الخيارات الممكنة لدعمهم، وبعد التعرف على كل مصادر قوتهم الممكنة أو المحتملة.
بطبيعة الحال، هي معادلة صعبة. ذلك أن الإيرانيين والروس، وربما أيضاً الأتراك، مستعجلون لتحقيق أمر واقع في سوريا، يُفرض على الطرف الأمريكي حينما يصبح الأخير مستعداً للمبادرة في الساحة السورية. فيما تبدو قوى المعارضة السورية مضطرة للتفاوض في أسوأ توقيت ممكن، بالنسبة لها.
المدن
خفض التوقعات الروسية من طبخة أستانة/ بكر صدقي
هدنات عديدة أفشلها المحور الإيراني في سوريا بشأن الصراع على وادي بردى. وحزب الله يرسل تعزيزات إلى دير الزور في محاولة لإنقاذ بقايا قوات النظام في المدينة المهددة بسيطرة «داعش». في حين تقوم المقاتلات الروسية والتركية بعملية مشتركة ضد «داعش» في مدينة الباب، ويصرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قائلاً إنه لولا التدخل العسكري الروسي في سوريا، لسقطت دمشق في غضون أسبوعين أو ثلاثة، وتضرب إسرائيل مطار المزة العسكري.
لم يعد الصراع على «التركة السورية» بين روسيا وإيران خفياً، بل إن الوقائع المذكورة أعلاه تشير إلى تحوله إلى صراع مكشوف على السلطة في دمشق، ليس بين النظام والمعارضة، بل بين الدولتين الوصيتين على الأول، بعد انسحاب طوعي لما كان يسمى بـ»أصدقاء الشعب السوري» بدءا بالأمريكيين، مروراً بالأوروبيين، وصولاً إلى المنظومة الخليجية. في حين بقيت تركيا وحدها في الميدان، فتفاهمت مع موسكو على حصتها الصغيرة من التركة، مقابل شراكتها في تسوية سياسية محتملة أرادتها روسيا، بعد انتصارها على حلب.
غير أن الصراع الروسي ـ الإيراني على ما تركته لهما إدارة أوباما الراحلة، بعد تهميش الأوروبيين والخليجيين عن الصراع في سوريا وعليها، خفض من التوقعات الروسية الطموحة التي علقتها على اجتماع أستانة، بعد سريان وقف إطلاق النار في الثلاثين من كانون الأول/ديسمبر الماضي. وهكذا تحول الاجتماع من منصة للبحث عن تسوية سياسية، إلى اجتماع لتثبيت وقف إطلاق النار، وفرضت إيران نفسها، من خلال هجومها الذي لم يتوقف على وادي بردى، شريكاً في الاجتماع الذي كان من المفترض أن يتم برعاية روسية ـ تركية فقط. فلم يبق أمام روسيا سوى الاستنجاد بالولايات المتحدة، من خلال دعوة إدارة دونالد ترامب إلى المشاركة في الاجتماع على رغم الرفض الإيراني المعلن.
وبذلك، أي بمشاركة الإيرانيين المؤكدة والأمريكيين المحتملة، يمكن القول إن روسيا فشلت، مؤقتاً، فيما أرادته من اجتماع أستانة، ومن غير المتوقع أن ينجح الاجتماع حتى في تثبيت وقف النار نفسه، بالنظر إلى تركيبة وفدي النظام والمعارضة المعلنين إلى الآن: وفد دبلوماسي برئاسة بشار الجعفري (هذا على فرض أن المذكور «دبلوماسي» فعلاً)، مقابل وفد «عسكري» برئاسة الناطق باسم جيش الإسلام محمد علوش، على فرض أن ممثلي الفصائل المسلحة هم عسكريون. وإذا كانت التوقعات المبكرة بشأن اجتماع أستانة أنها ستختلف عن حوار الطرشان الذي وسم اجتماعات جنيف المتتالية، فتدخل في مناقشة أمور جوهرية، فتوقعات اليوم هي أنها ستكرر عرض بذاءات الجعفري الذي شهدته قاعات جنيف سابقاً، بما أنه، عملياً، سيمثل إيران في الاجتماع، لا تابعه السوري الذي يتلقى الضغوط الروسية على مضض: فقد مرر الضربة الإسرائيلية الأخيرة بصمت أكثر حتى من الضربات السابقة، في حين تجاهل تماماً إهانة لافروف الذي تحدث عن سقوط دمشق لولا التدخل الروسي، وقال التابع إنه «مستعد لمناقشة كل شيء» في اجتماع أستانة.
هل يمكن القول إن روسيا باتت في ورطة أمام التحدي الإيراني الذي لن يسمح بتمرير صفقة روسية ـ تركية، مدعومة بقرار مجلس الأمن الأخير، على حسابه؟
من المحتمل أن يؤدي التمييع الإيراني المتوقع لاجتماع أستانة، إلى عودة جميع الأطراف الفاعلة إلى جنيف لاستئناف جولات المفاوضات السابقة، تحت إشراف الأمم المتحدة ممثلة بستيفان دي ميستورا الذي دعا إليها فعلاً، وحدد الثامن من شهر شباط/فبراير موعداً أولياً لانعقادها، بعدما كان توقف تماماً عن تحديد المواعيد منذ الربيع الماضي. وذلك ما يعيد الأمور إلى المربع الأول، ولكن في ظل شروط مختلفة عن تلك التي كانت سائدة في الجولة السابقة.
ولعل أول المتغيرات المهمة هو قدوم إدارة أمريكية جديدة، ما زالت سياستها السورية غير معروفة، وقد لا تكفي الفترة القصيرة المتبقية على الموعد الذي حدده دي ميستورا لبلورتها. ولكن ثمة نقطتين معروفتين، لهما علاقة مباشرة بالموضوع السوري، هما الموقف الإيجابي من روسيا، والعدائي تجاه إيران. وربما هذا ما شجع تركيا على طرح خروج الميليشيات الأجنبية من سوريا، وأبرزها حزب الله الإيراني في لبنان، الأمر الذي من المحتمل أن يلاقي تجاوباً روسياً أيضاً، بالنظر إلى صمت موسكو على الاعتداء الإسرائيلي على مطار المزة، بل وتصريح مسؤول روسي من الصف الثاني (نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الدوما) بصدد «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد منظمات إرهابية موجودة على الأراضي السورية».
المتغير الثاني هو سيطرة الميليشيات الشيعية المساندة للنظام على شرق حلب. هذه السيطرة التي بدت، للوهلة الأولى، ربحاً صافياً للنظام وحلفائه، وخسارة صافية للمعارضة بمستوييها العسكري والسياسي، تحولت إلى مشكلة وعبء، بالنسبة للأول، حين اعتبرتها موسكو الختام المظفر لتدخلها العسكري في سوريا، وأرادت تثميره مباشرةً في انتصار سياسي عبر مؤتمر أستانة. في حين أرادها النظام وظهيره الإيراني بداية استعادة مختلف المناطق التي ما زالت خارج سيطرتهما. بكلمات أخرى: تفارق طريقا روسيا من جهة، وإيران وتابعه السوري من جهة أخرى، بعد معركة حلب، روسيا من الحرب إلى التسوية السياسية، والطرف الثاني إلى مزيد من الحرب حتى سحق العدو تماماً. فإذا امتنع هذا، بسبب التحول الروسي المعزز بتفاهمات مع تركيا، فإيران تريد لمفاوضات أستانة أن تعكس، على الأقل، نتيجة انتصار حلب، أو إفشال أي تسوية لا ترضيها.
المتغير الثالث هو بداية التعاون العسكري الروسي ـ التركي في معركة الباب. ويشكل هذا التعاون سابقة مثيرة واستفزازية لطرفين: فبوصفه أول تعاون عسكري عملاني بين روسيا ودولة عضو في حلف شمال الأطلسي، يشكل تحدياً للولايات المتحدة وحلفائها الأطلسيين، من الأتراك أولاً ومن روسيا ثانياً. لا نعرف، إلى الآن، كيف يمكن للأطلسي أن يتعاطى مع هذا التحول، لكن المؤشرات الأولى متناقضة. فمن جهة رفع الحلف من جهوزيته الحربية في البحر الأسود (العصا في وجه روسيا) ومن جهة أخرى شنت الطائرات الأمريكية ضربات ضد مواقع «داعش» في الباب، بعد امتناع طويل منذ بداية عملية «درع الفرات» التركية في 24 آب/اغسطس 2016 (وهذه جزرة ممدودة لأنقرة). وإن كان التطوران المذكوران قد تما قبل انتقال السلطة في واشنطن إلى إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
أما الطرف الثاني الذي يثير التعاون العسكري التركي ـ الروسي، فهو بالطبع إيران التي ما زالت تعتبر العملية التركية اعتداء غير مقبول على السيادة السورية! إضافة إلى استيائها من التفاهمات السياسية الروسية ـ التركية عموماً.
المتغير الثالث يتعلق بعودة تنظيم «الدولة» إلى التوسع، من بعد فترة من الانكماش، على حساب النظام في كل من تدمر، بالتزامن مع انتصار النظام على حلب الشرقية، ودير الزور، في فترة الإعداد لمؤتمر أستانة. هذا المتغير يعزز من الموقف الروسي في وجه شريكها الإيراني وتابعه السوري، من حيث كشفه لتهافت قوات النظام وعدم قدرته على تحقيق أي انتصارات، بما في ذلك انتصار حلب الذي تراه روسيا انتصاراً صافياً لها. ولتكريس هذا التفرد في تسجيله لصالحها، زجت موسكو بقوات من الشرطة العسكرية الروسية (من الشيشانيين) لضبط الأمن في شرق حلب، وثمة توقعات بإرسال مزيد من القوات الروسية، ربما تمهيداً للتحرر من «الفضل الإيراني» المتمثل في الميليشيات الشيعية التي شكلت القوة الضاربة على الأرض تحت المظلة الجوية الروسية.
أخيراً، هناك عودة، وإن كانت خجولة، للدور الأوروبي في سوريا، من خلال الوساطة الألمانية لتحقيق آخر «هدنة» في وادي بردى. صحيح أن النظام وحزب الله لم يحترما الهدنات المتتابعة، في هذه المنطقة، ولو لساعة واحدة، لكن يبدو أن ألمانيا، ومن ورائها أوروبا، أرادت التأكيد على رفضها للتهميش التام عن مساعي حل الصراع السوري، سواء من خلال التفرد الأمريكي ـ الروسي، بين شباط/فبراير وأيلول/سبتمبر 2016، أو التفرد الروسي ـ التركي، منذ معركة حلب. خاصةً وأن أوروبا هي التي تعاني من موجات اللاجئين، وهي التي تدفع رشوة المليارات الثلاثة لتركيا لكي تمنع هذه تدفقهم، وهي المرشحة أيضاً للمساهمة بالقسط الأكبر من إعادة بناء ما دمره النظام خلال سنوات الحرب، في حال توصلت القوى الفاعلة إلى فرض تسوية سياسية تنهي الحرب.
الخلاصة أن مؤتمر أستانة الذي عملت روسيا بكل طاقتها العسكرية والدبلوماسية على توفير أسباب نجاحه في تحقيق اختراق سياسي من شأنه أن يشكل الجائزة الكبرى على تدخلها العسكري في سوريا، سيكون على الأرجح «طبخة بحص» بلا نتائج، بسبب تصاعد التنافر الروسي ـ الإيراني على سوريا.
القدس العربي
بينما شرارة الحرب تشتعل بين الفصائل: المعارضة السياسية تتخوف من انقلاب أستانة على مرجعية جنيف/ منهل باريش
«القدس العربي»: عشية موتمر أستانة، أصدر «إعلان دمشق» و«جماعة الإخوان المسلمين في سوريا» أبرز التشكيلات السورية المعارضة، بيانين متزامنين. أعرب الأول عن استيائه وتشكيكه بمسار المؤتمر جملة وتفصيلاً، والذي أتى بعد سقوط حلب، الذي اعتبر أنه وقع «بناء على قرار دولي غير معلن، غايته إجبار المعارضة على الدخول في التسوية السياسية التي تريدها الدول الفاعلة في الصراع الدائر في سوريا».
واعتبر «إعلان دمشق» أن سقوط حلب كان نتيجة عاملين اثنين، أولهما «تغير المعادلات الإقليمية الفاعلة لجهة الموقف التركي، الذي أفرز معطيات جديدة بعد المصالحة التركية الروسية الصيف الماضي. كذلك الصمت السعودي المطبق هو الآخر لم تعرف أسبابه وكوامنه بعد، وربما هو في جزء منه انتظار ما ستؤول إليه الأمور ما بعد الأستانة». أما العامل الثاني فيتعلق «بتشتت قوى المعارضة وصراعاتها البينية المعلنة أو التي تخفي صراعا على النفوذ، أو واجهة لخلافات الدول الداعمة وتباينات مصالحها وسياساتها».
رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق، سمير نشار، رحب بأي قرار يوقف سفك الدم السوري، لكنه أعرب في حديث لـ «القدس العربي» عن تخوفه من الاتفاق الذي «يمكن أن يفتح الباب أمام صراع جديد بين قوى المعارضة المسلحة، كما سيؤدي إلى بروز اصطفافات وانشقاقات جديدة قد تكون مؤذية للثورة».
وأعرب نشار عن شكوكه في الاتفاق، ووصفه بأنه «قد يخلق مشكلة في التمثيل السياسي للمعارضة، خصوصا مع تشكيل الفصائل وفدا مفاوضا سيكون حاضرا في أستانة، دون أن يتطرق للهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن الرياض».
من جهتها شددت جماعة الإخوان المسلمين، عشية ذهاب وفد الفصائل العسكرية إلى مؤتمر أستانة، على أنه «يهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار واختبار جدية النظام وميليشياته في الالتزام بهذه الاتفاقية، والاتفاق على إكمال العملية السياسية في جنيف، وهو الدور الذي تقوم به الهيئة العليا للتفاوض بما تملكه من شرعية دولية ومرجعية أممية، حسب وثيقة مؤتمر الرياض ومرجعيات جنيف».
وأوضح البيان أن «بشار الأسد ونظامه وأجهزته الأمنية خارج نطاق التفاوض، وأنه لا مستقبل لهم في المرحلة الانتقالية، ولا في مستقبل سوريا بعد المجازر التي ارتكبوها بحق الشعب السوري».
وصرح مدير المكتب الإعلامي لإخوان سوريا، عمر مشوح، لـ «القدس العربي» بأن الجماعة انتقدت سابقا استفراد جهة ما بمفاوضات سياسية. أما قضية مؤتمر أستانة فهي تثبيت وقف إطلاق النار عسكريا.
وعن احتمال انزلاق الفصائل العسكرية إلى القضية السياسية، قال مشوح : «لا نريد استباق الأحداث. الواضح حاليا أن الهدف هو تثبيت وقف اطلاق النار والبحث في آلياته، ولو حصل غير ذلك، فقرار الجماعة سيكون ضمن الإجماع الوطني ولن نخرج عنه ما دام متمسكا بالثوابت الثورية ومرجعية جنيف ـ 1 والقرار 2254».
ويزداد تخوف أطراف المعارضة السياسية مع تشكيل «لجنة سياسية» ترافق الوفد، مؤلفة من عبد الحكيم بشار، ونصر حريري، وسهيل نسر، وفؤاد علوش،و ابراهيم برو، ويحيى العريضي، وعبدالرحمن مصطفى. واعتبر معارضون أن وجود اللجنة السياسية يزيد الشكوك في أن فريقاً سياسياً سوف يكون موجوداً في المؤتمر. وهذا ما تحدث عنه صراحة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أيام، خصوصا مع عدم تلقي الوفد العسكري جدول أعمال رسميا بجلسات المؤتمر (حتى لحظة كتابة هذا التقرير) رغم الإلحاح من قبل المستشارين القانونيين للوفد على الجانب التركي للحصول عليها.
ويخشى معارضون من أن الخوض في نقاش الحل السياسي يعني إعطاء النظام مبررا ليتملص من قرارات جنيف ـ1، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
التخوفات المتزايدة للمعارضة تأتي على خلفية التفاهمات الروسية ـ التركية، والتي من الواضح أنها غير متبلورة بشكل نهائي، أو أنها رُتبت باتفاق أمني وسياسي سري غير معلن بين الطرفين حتى اللحظة.
فالضامن التركي للفصائل المسلحة لم يقم بما هو مقنع بالنسبة للفصائل الموقعة على وقف إطلاق النار، ولم يفعل سوى الضغط على القوى التي عارضت أستانة. في المقابل استمرت قوات النظام وميليشيا حزب الله في التقدم عسكريا والسيطرة على مناطق جديدة في وادي بردى، وأصبحت قوات الحرس الجمهوري على بعد كيلومترات قليلة من نبع عين الفيجة بعد خسارة الفصائل لقرية بسيمة.
هذا التطور أجبر الفصائل على قبول الهدنة الأخيرة برعاية ألمانية تسمح بخروج من يرغب من العسكريين الى إدلب، شمال سوريا، في استمرار لما بات يعرف بمسلسل «الباصات الخضر».
عمليا، اتفاق وقف إطلاق النار لم يوقف عمليات التهجير القسري، فالنظام لم يدخل المساعدات الإنسانية، واستمر بالضغط لقبول المصالحات خصوصا في جنوب دمشق، حيث وقع مقاتلو زاكية اتفاق مصالحة، يوم الجمعة الماضي، من أجل خروج 1500 مقاتل مع عوائلهم باتجاه محافظة إدلب.
ويأتي توقيت مؤتمر أستانة مع بداية اقتتال ناعم بين حركة أحرار الشام الإسلامية وجبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) سيؤدي بلا شك إلى انقسام حاد في الشمال السوري. وعلى وقع الموقف من أستانة ستتموضع الفصائل بعده بين مؤيدة لتركيا وستلتزم لاحقا بالإرادة التركية، وبين تنظيمات السلفية الجهادية القريبة للقاعدة والتي ستذوب في جبهة النصرة رويدا رويدا.
القدس العربي
مواجهات فصائل المعارضة المسلحة في آستانة/ سميرة المسالمة
عديد من التساؤلات سيطرحها السوريون، وهم يتابعون نقلاً عن إحدى القنوات الفضائية مشاهد من قاعة تفاوض، سواء كانت في آستانة أو غيرها، من مثل: من هم هؤلاء الأشخاص الذين يجلسون على الجانب السوري المعارض كممثلين لهم؟ أو أين هم ممثلو المعارضة السياسية؟ أو هل ما يجري ينم عن استدارة دولية عن الثورة المدنية لصالح تنصيب فصائل المعارضة العسكرية، وإيلاء الأولوية للصراع العسكري، الذي سعى النظام، أصلاً، الى تصديره أمام الرأي العام للهرب من استحقاقات الحل السياسي، أو استحقاقات ثورة قامت لأسباب سياسية وحقوقية بالدرجة الأولى؟ هذه أسئلة مؤلمة، لكنها محقّة من جهة، وربما مجحفة من جهة أخرى!
مع ذلك، ومن الناحية المبدئية، يمكننا القول إن ثمة أهمية اليوم، وبعد كل هذه الكارثة والأثمان الباهظة المدفوعة، أن يشعر السوريون بأن وقف المقتلة السورية، من خلال تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، ممكن، وبإرادة الأطراف الفاعلة والمؤثّرة والمهيمنة على الأرض، أي أن تبدأ المفاوضات بين ممثلي الجبهات العسكرية من طرف المعارضة والداعمين لهم من جهة، وبين الحكومتين الروسية والإيرانية ومن أطلق يدهما في سورية، أي النظام السوري، على الجهة المقابلة.
كما من المهم أيضاً التذكير بأن أي فرصة متاحة لعودة الأمان للسوريين هي في الآن ذاته فرصة للثورة السورية أن تستعيد حراكها من أجل الحرية وإقامة الدولة الديموقراطية، التي تحفظ حقوق مواطنيها أفراداً وجماعات، وتنهي تغول الأمن والجيش في السياسة وفي التدخّل في حياة المواطنين. هذه الجزئيّة التي كانت سبباً مباشراً في تفجر الثورة السورية في 18 آذار (مارس) 2011.
لكن ما يجري، أو دلالة ما يتم تحضيره في مؤتمر آستانة، يشير إلى تغير المعطيات التفاوضية، إذ لم تعد المسألة اليوم تتعلق بالتنافس بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج، ولا بين هذه والمعارضة المحسوبة على النظام، إنما أضحت بين المعارضة السياسية ممثلة بـ «الائتلاف الوطني» و «الهيئة العليا للمفاوضات» من جهة، وفصائل المعارضة العسكرية من جهة أخرى.
هذا التطور الكبير ينبغي إدراك تبعاته، ليس من باب التخوين المتّبع في الحالة السورية بين الأطراف، عند انعقاد كل مؤتمر، وإنما للبحث في أسباب هذه الاستدارة الروسية المريبة، بقبول التفاوض مع أكثر الفصائل التي أوجعتها، والتي تسبّبت في خسارة النظام كثيراً من مواقعه، بعد إيقاف القصف الجوي الروسي، وخصوصاً أن موسكو بذلت جهوداً لتصنيف هذه الفصائل بـ «الإرهابية»، رافضة هي والنظام ومعارضته المحسوبة عليه، الجلوس مقابلها في جنيف. كل هذا يجعل البحث في أسباب انقلاب روسيا على ماضيها موضع شك، ولا بد للفصائل الممثلة في مؤتمر آستانة أن تبحث فيها، وأن تستفيد منها لتحقيق مكاسب ليست فقط عسكرية ولكن إنسانية وسياسية.
فهل تسعى روسيا لتشكيل ترويكا دولية تحل مكان مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» تتألف من روسيا وإيران وتركيا، وربما تنضم اليها السعودية لاحقاً؟ وهل سينتج عن المؤتمر مجلس عسكري مشترك بين المعارضة والنظام يطيح بشكل فعلي بالمعارضة السياسية وبرموز النظام نفسه، وتكون مهمته صناعة مستقبل سورية على شاكلة ما حدث في مصر؟ ثم من هو «سيسي سورية» الذي تصنعه هذه الترويكا؟
أخيراً، هذا الواقع الجديد للفصائل المعارضة بين مؤيدة للتفاوض مع روسيا والنظام تحت الضمانة التركية، وبين رافضة للتوافقات التي أفضت إلى المؤتمر المزمع عقده في آستانة، يطرح تساؤلاً آخر يتعلق بالوظيفة التي قد تناط بهذه الفصائل لترتيب واستعادة المناطق التي تسيطر عليها الفصائل التي ترفض الدخول في ممر التفاوضات والتسويات.
قد تكون المليشيات الإيرانية مستعدة لاستمرار القتال لكن في تلك المناطق تحديداً ستكون الأكلاف باهظة على كل الأطراف، وأقل كلفة فيما لو استخدمت الفصائل السورية بعضها في مواجهة بعض، وهو الأمر الذي يجب الحذر منه وتجنبه في أي اتفاق يعقد تحت الكاميرات أو خلفها.
لهذا كله قد لا تكون روسيا اليوم أقل رغبة من السوريين في عقد مؤتمر يجمع صقور المعارضة المسلحة مع النظام، لإحداث ما يمثل انتصاراً لها، ولو ظاهرياً، من خلال مؤتمر آستانة أو غيره، في أقل وقت ممكن، وقبل تولي الإدارة الأميركية الجديدة قيادة المرحلة التي تبدو غامضة للروس أكثر من سواهم، في ظل تصريحات متناقضة ومتضاربة وفق المثل: «طاسة سخنة وطاسة باردة».
على ذلك، فالمطلوب اليوم أن تكون منصّة مفاوضات آستانة موجّهة نحو تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، وآليات مراقبته، ووضع عقوبات واضحة على من يخرقه، تطاول جميع الأطراف، وتحديداً ميليشيات إيران وتوابعها، وهذا لن يتم ما لم تقف كل فصائل المعارضة على خط جبهة واحدة، مقابل هذه الميليشيات، التي لا بد ستجتهد لخلق أسباب لخرق الهدنة، كما حدث سابقاً في حلب وريف دمشق وفي أماكن كثيرة من سورية، باعتبار أن ما تبقى من جيش النظام سيلتزم، على الأرجح، ما تقوله روسيا التي تتحكّم فعلياً به.
من جهة أخرى ستكون هذه الهدنة بمثابة فرصة لعمل مشترك بين الفصائل يشدّ بعضها إلى بعض لإقامة ما يسمى جبهة المعارضة العسكرية، والفائدة الحقيقية ربما تكون بإسباغ اللون الأخضر (علم الثورة) على منطقتها في اعتراف روسي ودولي، لخلوها من الأعلام السوداء لتنظيم «القاعدة»، في خطوة تنتزع كل حجج النظام السوري لقصف المدنيين.
من شأن مفاوضات آستانة إذاً أن تحول هزيمة حلب التي يستثمرها النظام السوري إلى نصر سياسي للمعارضة، إذا تعامل وفد المعارضة ذو الطابع المسلح بحِرَفية تجاه كل القضايا المطروحة على طاولة التفاوض الروسية ـ التركية، وفق رؤية المعارضة السياسية تجاه الحل السياسي الشامل لإعادة ترتيب أولويات المرحلة الانتقالية، التي تتوافق وأهداف الثورة السورية.
قد نقرأ أسماء لا نعرفها في وفد المعارضة، وهذه تشكّل انعطافة خطيرة أمام السوريين، لكنها قد تكون فرصتنا لتمهيد الطريق من آستانة إلى جنيف ومنها إلى دمشق ليس فيها من نظام الاستبداد إلا ملامحه الروسية.
* كاتبة وإعلامية سورية
الحياة
بند غائب عن مفاوضات أستانا/ فاطمة ياسين
أُقرّت الاتفاقية الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية في العام 1993، ودخلت حيز التنفيذ بعد أربعة أعوام، ولم تكن سورية من الموقعين عليها، ولم يكن في نيتها ذلك، وهي التي لم تعترف أصلاً بامتلاكها هذا النوع من السلاح على الإطلاق.
بعد اندلاع الثورة السورية، وفورة تصريحات مسؤولي النظام، جرى إبعاد الناطق الرسمي لوزارة الخارجية، جهاد مقدسي، على خلفية تصريحه عن وجود سلاح كيماوي في سورية، حين قال “السلاح الكيماوي مخزّن بعناية القوات المسلحة السورية، ولن يتم استخدامه إلا بعد اعتداء خارجي”. أغضب هذا التصريح النظام، فاختفى المقدسي من دمشق، لكن صور الأطفال المختنقين بالغاز السام، وتقارير منظمات مستقلة، سببت تهديداً أميركياً لرأس النظام بدا جاداً ودفع مندوب سورية في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، للتأكيد “أن سورية امتلكت السلاح الكيماوي لمجرد الردع، وللوقوف في وجه التفوّق النووي الإسرائيلي”.
اعترفت الحكومة السورية، في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، بأنها تمتلك مشروعاً عسكرياً كيميائياً. وأعلنت عن رغبتها بالانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، بعد أن استخدمت هذه الأسلحة في الغوطة في 21 أغسطس/ آب من العام نفسه. ومن ضمن الاعترافات الحكومية كان حجم مخزونها من المواد الكيميائية المتنوعة الذي يتجاوز الألف طن. وفي أغسطس من العام التالي، أُعلن عن التخلص النهائي من الأسلحة الكيميائية السورية. تم هذا السيناريو ضمن صفقةٍ واسعةٍ، طويت فيها جثث مئاتٍ قضوا بغاز الأعصاب في غوطة دمشق، وتخلص النظام من التهديد الأميركي، وزاد التصاقه بروسيا، حتى صارت العلاقة شبه وصائية بعد وساطةٍ روسيةٍ جرت لإخراج النظام من ورطته الكيميائية.
لم تتوقف أخبار الهجمات الكيمياوية، ولكنها كانت تتميّع بالإعلام، وتضيع في زحام الأخبار العاجلة، واستمر تجريب كل أنواع المحرّمات الكيميائية في سورية، على أماكن انتقائيةٍ، مثل خان العسل وسرمين وتلمنس وبنش وكفر زيتا، وفي أزمنة محدّدة ومختارة.
نشرت “رويترز”، قبل أيام، تقريراً يقول إنها اطلعت على وثيقةٍ تربط لأول مرة بين الهجمات الكيميائية واسم بشار الأسد وشقيقه ماهر، وأن هناك قائمة من ضباط كثيرين مشمولين بالاتهام نفسه. الملفت في التقرير ورود أن الهجمات المرتبطة بهذه القوائم جرت خلال عامي 2014 و2015، أي بعد الإعلان عن التخلص النهائي من كل الأسلحة الكيميائية في سورية. وحقنت واشنطن جرعة مصداقية على التقرير بفرضها عقوباتٍ اقتصاديةً بحق مسؤولين سوريين كبار، لصلتهم بهجمات كيميائية.. عقوبات من هذا النوع ذات قيمة متهافتة، وستذهب إلى أدراج وزارة الخزانة الأميركية بعد الإعلان عنها، ولكنه تأكيدٌ جديد بأن هناك استعمالاً مستمراً للأسلحة الكيميائية لم يوقفه الاعتراف السوري، ولا نزع الأسلحة، ولا خطوط باراك أوباما الحمراء، ولا وجود روسيا بثقلها العسكري، ولا يبدو أنه سيتوقف، لأن شروطه الابتدائية ما زالت سارية المفعول.
وكما شكَّل وجود إسرائيل إلى جوار سورية، وفوق جزءٍ من أراضيها، مسوّغاً لممارسات نظام الأسد في الداخل ضد شعبه، وابتُلعت كل الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يقوم بها النظام، تحت عناوين الممانعة والردع. وبحجة الوجود الإسرائيلي المتربص، جاء تصريح بشار الجعفري الذي برّر به تطوير الأسلحة الكيميائية في السياق نفسه، ولكن الحال أن النظام لم يتخذ أي إجراءٍ لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة، وليس آخرها ضرب مطار المزة العسكري بالقرب من قصر الشعب. قد يبدو الحديث عن أخلاقيات النظام، وتهافت كل نظرياته، عديم الجدوى، ونحن نلوك ست سنوات من الحرب، ولكن التذكير قد ينفع، في وقتٍ يوضّب فيه النظام حقائبه للانضمام إلى محادثات سلامٍ من المفترض أن تنهي الحرب، أو تضع خريطة طريق لذلك، والمفاوضون هم رجالات الجيش أنفسهم الذين خزنوا الأسلحة الكيماوية، واستعملوها ثم تنصّلوا منها، وهم يتابعون حفلة الألعاب النارية التي تقيمها إسرائيل بين الفينة والأخرى فوق رؤوسهم.
العربي الجديد
على أبواب أستانة/ رياض نعسان أغا
لم يكن اللقاء المرتقب في أستانة خياراً سورياً، لقد أراده الروس بعد أن حققوا بالتعاون مع الفرس ما رأوه انتصاراً تاريخياً على أحياء حلب الشرقية، وتمكنوا بعد حرب ضروس من إخراج الفصائل المسلحة، ثم دعوا إلى هدنة استثنت «داعش» و«النصرة» مما جعلهم يعلنون أنهم حققوا ما عجز عنه الأميركان من فصل بين مَن يصنفونهم (إرهابيين) وبين من قبلوا أخيراً بتسميتهم معتدلين.
ولا بد أن نلحظ دور تركيا في تعديل المزاج الروسي في النظر إلى الفصائل الثورية، وأن نلحظ أن الفصائل وبخاصة في الشمال تقدّر أهمية الدور التركي، وتثق بأن تركيا تحرص على مصالح السوريين، لا سيما أنها تكبّدت الكثير في موقفها السياسي الداعم للشعب السوري في ثورته، ويبدو أن روسيا بعد معركة حلب أرادت استثمار انتصارها العسكري لتبدأ مرحلة جديدة تبدو فيها وسيطاً للخروج من كونها طرفاً رئيساً في الصراع، وأرادت أن تتحاور مع الفصائل دون الهيئات والتنظيمات السياسية المعارضة، مما يجعل المحادثات ذات طابع عسكري محض، رغم ما نتوقعه من محاولة الروس إضفاء طابع سياسي عليها.
ولقد حرصنا في «الهيئة العليا للمفاوضات» على أن نتفاعل بإيجابية مع أي مبادرة توقف شلال الدم السوري، وما دامت الدعوة إلى أستانة ستبحث تعزيز الهدنة ووقف إطلاق النار فلا بد من أن ندعم وفد الفصائل، وقد أعلنَّا أننا نؤيد أي جهد دولي يسعى نحو الحل السياسي وإنهاء معاناة شعبنا، وكان إصرارنا على أن تكون مفاوضات الحل النهائي في جنيف، كي يكون الحل بإشراف الأمم المتحدة دون أن ينفرد بالقضية السورية طرف يفرض رؤيته وحدها، وأعلنَّا حرصنا على الحضور العربي وعلى حضور «مجموعة دول أصدقاء سوريا»، لأن ما نمضي إليه في رؤيتنا للحل السياسي هو ما حدده بيان «جنيف 1» وما أصدرته هيئة الأمم من قرارات كان أهمها القرار «2254» وقد جاء بمثابة خريطة طريق ترسم الحل المرتقب.
ولم تكن لدينا أي شروط، فقد كنا نطالب بما حدده هذا القرار لمرحلة (بناء الثقة) وقد تحدثنا مطولاً عن البنود 12 و13 و14 من القرار فظن بعضهم أنها شروط إضافية، وتجاهل أنها حدود وضعها مجلس الأمن لمرحلة تسبق المفاوضات وتؤسس لها، وهي البنود التي تتحدث عن ضرورة وقف إطلاق النار وفك الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح المعتقلين.
ما نأمله من لقاء أستانة المقبل هو البحث في هذه البنود من القرار الدولي، فإنْ تمكن الروس من تحقيق مرحلة بناء الثقة التي يرفض النظام تحقيقها فسيكون ذلك إنجازاً كبيراً يمهد لمفاوضات جادة في جولة جنيف المقبلة في شهر فبراير 2017، وربما تستطيع روسيا بذلك أن تقنع السوريين والعالم كله أنها حقاً تريد التحول من كونها طرفاً رئيساً في الصراع الدموي لصالح النظام إلى دور يبحث بجدية عن حل عادل لقضية الشعب السوري.
ومهما تفاءلنا أو تشاءمنا بما قد ينتج عن لقاء أستانة من اتفاقيات مقبولة أو مرفوضة، فإننا ندرك أن هذا اللقاء لن يحل القضية، ولن يكون النهاية.
وبما أننا نتفاعل بإيجابية مع هذا اللقاء، فإننا نحرص على أن ينصبّ الاهتمام على شمولية الهدنة، فلن يشعر السوريون بوجود وقف لإطلاق النار ما دامت النيران تحرق وادي بردى ومناطق أخرى في سوريا مثل غربيّ حلب ومحافظة إدلب، ولا بد من رؤية سياسية حكيمة تجنِّب المدنيين ما يحدث من دمار في الحرب الدولية المعلنة على الإرهاب، وحسبنا أن نرى حقيقة أن المواطن البريء من شرور الإرهاب هو الذي يدفع حياته وقوداً في هذه الحرب، وما دام الجميع يبحثون عن حلول سياسية فلا بد من إيجاد حلول لإنقاذ المواطنين المهددين بالإبادة في حرب ليست حربهم، بل إنهم لو تمكنوا من مكافحة الإرهاب لكانوا أول المقاتلين ضده.
الاتحاد
تأمّل في لقاء أستانة ومآلاته/ محمود الوهب
السؤال المطروح بقوة الآن: لماذا اللجوء إلى أستانة لحلِّ المسألة السورية، والابتعاد عن المسار الذي بدأته الأمم المتحدة منذ البداية، وعطَّله الروس أنفسهم، لا دفاعاً عن النظام السوري أو رأسه طبعاً، بل لغايةٍ في نفس يعقوب، منها ما ينجلي الآن، ومنها ما ستكشفه الأيام المقبلة؟ هل الغاية المضمرة تدمير سورية فحسب، وقد تحققت الآن؟ ثمَّ من هي الجهة المستفيدة من تحقيقها؟
مطلب وقف إطلاق النار هدف للغالبية العظمى من الشعب السوري، فهو الذي سيوقف النزيف الحاصل على الأرض السورية من البشر والحجر والشجر، ومنه الانطلاقة الأولى والرئيسة لترميم الجراح، وردم الشروخ التي أحدثتها هذه الحرب المجنونة التي افتعلت ضد شعبٍ كانت “جريمته” كلها أنه خرج إلى الشارع مسالماً، ومطالباً بنوعٍ من الحرية تضمن له عيشاً كريماً، وترفع عن كاهله ظلم الظالمين تسلطاً وفساداً.. فما كان إلا أن قوبل بما لا يخطر على باله أبداً، بل بما لا يخطر على بال أيِّ طاغيةٍ أو مستبدٍّ على الإطلاق. فهل جاءت أستانة من حقيقة الحال التي وصل إليها الشعب السوري، وأنها ظروف موضوعية قادت إليها، أم أن إرادة الطرف الأقوى في الصراع (روسيا) هي التي فرضت تغيير ذلك المسار؟ ترجّح الوقائع الأمر الثاني، فعلى الرغم من كل ما فعلته الأطراف التي تجنَّت على الشعب السوري، وأولها روسيا، فإن مصالحها ترتبط، اليوم، بإيقاف هذه الحرب المجنونة التي جرّت عليها مصائب كثيرة غير مرئية، ولعلَّ الطرف الذي يبدو منتصراً اليوم هو الأكثر تضرّراً من استمرار الصراع.
فروسيا التي هدمت البلاد السورية فوق رؤوس أصحابها، وجبلت التربة السورية بدماء شعبها،
“لعلَّ الطرف الذي يبدو منتصراً في سورية اليوم هو الأكثر تضرّراً من استمرار الصراع” وعلى الرغم مما تبدو عليه من قوةٍ ذات أهمية، تعي جيداً أنَّ آلام هذا الشعب ستلاحقها بطرق وأساليب مختلفة، وأن مصلحتها بعيدة المدى هي مع الشعب السوري بكامل قواه وأطيافه ومكوناته، وليست مع هذه الفئة أو تلك، خصوصاً بعد أن رسّخت أقدامها في المياه الدافئة، وانتقمت لنفسها منذ “سايكس بيكو” الأولى قبل مائة عام، إذ خرجت، حينها، “من المولد بلا حمص”، إلى تجاهلها يوم ليبيا أيضاً في العام 2011. ومما يدخل في مصلحة روسيا اليوم أن تفكّك العزلة السياسية التي طوَّقتها، عربياً ودولياً، وأن تزيل من تأثيراتها الداخلية أيضاً، خصوصاً بعد حادثة الطائرة التي راح ضحيتها نحو 90 روسياً، إضافةً إلى من سبقهم على الأرض السورية، فضلا عن حادثة اغتيال سفيرها، ناهيكم عما أنفقته من مليارات الدولارات، في وقتٍ يعاني فيه اقتصادها الريعي اختناقاتٍ عميقة، وهي التي تتطلع عالمياً إلى قيادة محور جديد ينافس الولايات المتحدة الأميركية، مع إدراك كامل بأنَّ السلاح وحده لا يخوِّلها هذه القيادة، فلا بد من اقتصاد قوي وراسخ. ذلك إذا استبعدنا ما حققته من تصفية حساباتها مع أميركا والغرب عموماً، واستعجالها الحل قبل تغير الرئاسة في الولايات المتحدة، ومهما قيل بشأن الرئيس الجديد. كذلك إذا ما أغمضنا العين عن موضوعة إسرائيل “المدلّلة”، وغبطتها بالانتهاء من تدمير سورية.
لتركيا، هي الأخرى، مصلحة مهمة، بعد أن ضمِن لها الاتفاق الذي برزت فيه شريكاً حقيقياً، نفوذاً إقليمياً في شمال سورية يمنع، على الأقل، من إقامة دولة كردية، ربما هدّدت أمنها، ونالت من قوّتها وهيبتها، إضافة إلى احتمالٍ كبير بمشاركتها في الإعمار، في وقتٍ تتراجع فيه ليرتها أمام الدولار، ناهيكم عما ينالها اليوم من أعمال إرهابية انتقامية، تدخل في مخطط إقليمي ودولي يستهدفها بوصفها دولةً ناهضةً في منطقة الشرق الأوسط، ربما لا تريدها إسرائيل إلى جانبها في المنطقة. ويلتقي الغرب كله مع إسرائيل في هذا الغرض.
لا يبرّر ذلك كله أستانة، بل إنَّه يُبقي السؤال الرئيس قائماً: لماذا أستانة بالذات، بعيداً عن الأمم المتحدة التي رعت جنيف1 وجنيف2، وإن كان دورها سيأتي وفق الأوّل منهما على ما هو
“مصلحة روسيا اليوم أن تفكّك العزلة السياسية التي طوَّقتها، عربياً ودولياً” معلن؟ هل يتعلق الأمر بمناطق نفوذ للدول التي شاركت في صناعة المأساة السورية، على نحو مباشر أو من خلف حجاب، ذلك إن لم نقل بالتقسيم أو بالفيدراليات التي يقول بها كل من يقرأ الواقع، ويرى تمركز الأطراف المتدخّلة في الشأن السوري، وفق حدودٍ صارت شبه واضحةٍ، شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً، على الرغم من الغموض الذي يلف منطقة جنوب الجنوب، وأعني: درعا والسويداء. وعلى نحو أوضح: هل ثمّة حصة لإسرائيل من الكعكة؟ أم أن إسرائيل اكتفت بتدمير سورية على غير صعيد وانشغالها بنفسها على مدى العقد المقبل، ذلك إن بقيت سورية التي يعرفها الجميع؟
ما قامت به إيران مباشرة، أو عن طريق مليشياتها، من جرائم استفزازية في حوض بردى، وفرضت نفسها بذلك شريكاً ثالثاً، يؤكّد ما نذهب إليه. ولكنه يؤكد، في الوقت نفسه، المهام الجديدة المفروضة على الشعب السوري بهذه النتائج، فإذا كانت غاية الذين خرجوا إلى الشوارع، كما أسلفت، الوصول إلى نوعٍ من الحرية، ترفع عن كاهلهم ظلم الظالمين، وتؤمّن لهم عيشاً كريماً، فإن المهام القادمة أصعب وأشقّ، وهي العمل من أجل نيل الحريتين الداخلية والخارجية على السواء، فهل ينال الشعب السوري مبتغاه، أم أن الأمر محض سراب؟
العربي الجديد
لماذا استبعاد السلاح الكردي في “أستانا”؟/ شورش درويش
كشفت الدعوات التي وجهها القائمون على المفاوضات السورية في أستانا حجم التجاهل الذي أبداه الروس لأكبر المكونات الكردية المسلَّحة (وحدات حماية الشعب) وتمثيلها السياسي حزب الاتحاد الديمقراطي، نزولاً عند الطلب التركي الذي يتبدّى شرطاً رئيساً لاستمرار العلاقة التركية – الروسية، وذلك حين لم يوجه القائمون على العملية التفاوضية بين النظام والمعارضة المسلحة الدعوة إلى الفصيل الكردي الوحيد والوازن على الأراضي السورية، أي وحدات حماية الشعب، وتوسعتها قوات سورية الديمقراطية (قسد).
في مقابل ذلك، وفيما يشبه عملية تجهيز ديكور عمل مسرحي، مرّر الأتراك أسماء سياسيين أكراد منضوين في المجلس الوطني الكردي، وهو من أكبر الائتلافات السياسية الكردية، ويحظى بدعم رئاسة إقليم كردستان العراق، للمشاركة في أعمال المؤتمر التفاوضي الخاص بالمسار العسكري، علماً أن تلك الأسماء الكردية لا تحتكم على قوة مسلحة داخل الأراضي السورية، وليس لها باع في العمل العسكري، حتى يمكن القول إنهم يمثلون (تقنيين) أسوةً بمدنيين من المعارضة، تمت دعوتهم بوصفهم تقنيين.
أميركا هي أبرز الداعمين للطرف الكردي الغائب، إذ تربطها وشائج وعلاقات لوجستية وعسكرية كبيرة ومتنامية، ضمن سياق عملية محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ولعل غياب أميركا عن مفاوضات أستانا (المرجّح) ساهم في منح الأتراك فرصةً أكبر لحجب هذا الفصيل الكردي عن الحضور، وبالتالي إخراجه من الألعاب التفاوضية والمؤتمرات، ومن ثم إلزامه بقبول ما سيتم الاتفاق عليه بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المسألة السورية.
لا تبدو على وحدات حماية الشعب أمارات الرضا عن هذا الاستبعاد، وقد عبرت عن ذلك بالقول إنها “غير ملزمة بنتائج أستانا”، وهذا أقل ما يمكن أن تقوله، وهي التي تشعر باغتراب كبير في غياب الأميركان عن المشهد السوري، لأسباب تمس انتقال السلطة واستحكام الروس بمفاصل العمل العسكري، خلا سبب الوجود الأميركي المقتصر على محاربة “داعش”.
عبر جميع المؤتمرات الدولية الخاصة بالمسألة السورية، تم استبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي ((PYD، ووحدات حماية الشعب عن الحضور، نزولاً عند الرغبة التركية التي تمتلك أكبر شبكة تحالفاتٍ مع المعارضة المسلحة، الأمر الذي سيسهل جلب المعارضة المسلحة المتصلبة إلى طاولات التفاوض. وعليه، كانت تركيا حاضرةً في كل التفاصيل التي حالت دون حضور هذا الطرف الكردي الوازن على الأرض. ربما اختلف الأمر قليلاً، منذ تولت وحدات حماية الشعب، ومن ثم قوات سورية الديمقراطية (قسد)، مهمة التحول إلى ذراع برّي لقوات التحالف الدولي المناهض لـ “داعش”، إلا أنه يبقى من الجائز القول إن إرضاء التحالف، ومن خلفه أميركا، تركيا يأتي دوماً على حساب الأكراد، وعلى حساب تطلعاتهم في التمثيل الدولي، والجلوس إلى بقية المتفاوضين، ما يشكل حالة إحباط مديدة قد تؤدي إلى اليأس من فكرة التحالفات التي تتوقف، أبداً، أمام الماكينة التركية.
بداية دخول روسيا على خط الأزمة، كان ثمة دعمٌ روسي للمشروع الكردي الذي يقوده الاتحاد الديمقراطي، وكان ثمّة حماسٌ روسي يدعو إلى دعم المقاتلين الأكراد، لكن الأمر برمته سرعان ما تبدّد، لمجرد أن أدارت تركيا ظهر المجن لتحالفاتها والغرب، ومالت، عبر استدارتها المشهورة، صوب روسيا ولاحقاً إيران. وعليه، لم يبق أمام الاتحاد الديمقراطي سوى التعويل على العلاقة المتأرجحة بالأميركان التي أساسها محاربة “داعش”. وبالتالي، فإن شكل العلاقة الكردية – الأميركية قابل للتصدع في ظل وصول إدارة أميركية تؤمن بالدور الروسي في سورية والعلاقات الجيدة مع تركيا.
ولمعرفة ما الذي سيكونه مصير الأكراد السوريين في ظل هذه التعقيدات الإقليمية والدولية والداخلية السورية، يجدر النظر مرة إلى التاريخ، حيث كانت القوى الكبرى تتنصل من علاقتها بالأكراد، وتتراجع في دعمها لهم، كلما حققت تلك القوى مصالحها. وفي المقابل، كان ثمة تحدٍ كردي متجدّد يخرج إلى العلن، ويستعد لخوض تجارب جديدة فيما يشبه الحركة المستمرة لسائق الدراجة الهوائية الذي يسقط لمجرد توقفه عن الحركة. وعليه: ما من سبيل أمام الأكراد إلا إبداء مزيد من الحركة كي لا يسقطوا، هذه المرّة، أمام الدور التركي المحبط للأكراد وتطلعاتهم.
العربي الجديد
السباق بين أستانا وجنيف.. الحلول الممكنة/ ماجد كيالي
عقبات التوافق
عوامل النجاح
استثمار التوافق
استدراكات جوهرية
طال أمد الصراع السوري كثيراً، وفي غضون ذلك ازدادت تعقيداته، والتدخّلات أو التلاعبات الخارجية فيه، كما تعدّدت طبقاته وأطرافه، خاصة نتيجة تحوّله من مجرد صراع في سوريا بين الشعب أو أغلبية الشعب والنظام، إلى صراع إقليمي ودولي على سوريا.
بين هذا وذاك نجح النظام وحلفاؤه في حرف المسألة السورية من كونها صراعا على السياسة ونوعية الحكم، إلى صراع طائفي أو مذهبي، أو كحالة صراع ضد الإرهاب، أو إلى كارثة إنسانية تستوجب تضافر الجهود الدولية لحلها، لا سيما مع تفاقم قضايا اللاجئين في الخارج والداخل والمناطق المحاصرة والمعتقلين في سجون النظام؛ لا سيما بعد إخراج الشعب من المعادلة الصراعية.
وقد حدث ذلك -أي استبعاد الشعب- نتيجة اعتماد نظام الأسد أقصى الحلول الأمنية، ومحاولته قتل الثورة أو الانتفاضة أو الحراكات الشعبية بواسطة البراميل المتفجّرة والصواريخ الفراغيّة وقذائف المدفعيّة والدبابات، وتعمّده فرض الحصار المطبق على كثير من المناطق والمدن، وتقصّده تشريد ملايين من سكانها أو تحويلها إلى حقل رماية لقذائفه.
ناهيك عن فتحه البلد على مصراعيه للتدخّل العسكري الوحشي الإيراني ثم الروسي، كما حدث هذا الأمر بسبب ذهاب المعارضة نحو حصر الصراع مع النظام في الوسائل المسلحة، أو في الفصائل العسكرية، نتيجة التلاعبات والتوظيفات الخارجية.
وبناءً على ذلك، وبالنظر لاستنكاف ما يسمى مجموعة “أصدقاء الشعب السوري” -خصوصاً الولايات المتحدة- عن تقديم الدعم العملي للمعارضة السورية، إن بفرض مناطق حظر جوي أو مناطق آمنة أو بتقديم الدعم المناسب لجماعات “الجيش الحر”، أو حتى بمنع تدخل إيران وروسيا؛ فإن استمرار المعطيات الراهنة لا يعني إلا شيئاً واحداً، وهو استنزاف السوريين وتشريدهم، وقتل ثورتهم، وتالياً الإبقاء على النظام ولو من الناحية الشكلية، مع ملاحظتنا أفول كل مظاهر السيادة التي باتت تخضع للإرادتين الروسية والإيرانية.
عقبات التوافق
في ضوء هذه التطورات ومع الانعطافة السياسية التركية باتجاه تطبيع العلاقات مع روسيا (منذ آب/أغسطس الماضي)، وتزايد الافتراق بين الأجندتين الروسية والإيرانية، وتولي رئيس جديد إدارة البيت الأبيض (دونالد ترمب)، وحال الإرهاق التي تعيشها فصائل المعارضة العسكرية، لا سيما مع ارتهانها للدعم الخارجي، والتي تمخّضت عن خسارة مناطق سيطرتها بحلب؛ يبدو أن الوضع بات أكثر قابلية لتمرير نوع من التسوية للصراع السوري، الأمر الذي يجري الإعداد له أواخر هذا الشهر في العاصمة الكزاخية أستانة.
بيد أن الإعداد لإخراج هذه الخطوة لا يشي باحتمال النجاح، لأسباب عديدة؛ أولها: مشكلة التمثيل، فمن الواضح أن جهود الطرفين المهيمنين على مسرح أستانة (روسيا وتركيا) تنصبّ على إيجاد أطراف مفاوضة من المعارضة تثور الشبهات حول صدقية تمثيلها، سواء كان الحديث عن الجهات التي ترشحها موسكو (منصات القاهرة وحميميم وأستانة وغيرها من الجهات المقربة للنظام)، أو الجهات التي ترشحها تركيا والتي تقتصر على ممثلي بعض الفصائل العسكرية.
إذ من الغريب -كما من غير اللائق- الذهاب نحو هذا الخيار في حين ثمة “الائتلاف الوطني”، وهو الكيان الرئيسي للمعارضة وموجود في إسطنبول، و”الهيئة العليا للمفاوضات برئاسة رياض حجاب، وهي قريبة من تركيا وتحظى بأوسع تمثيل لمكونات المعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، بما في ذلك “هيئة التنسيق” ومقرها دمشق؛ مما يعني أن الصفة التمثيلية للمجموعة المفاوضة عن المعارضة غير مكتملة أو غير متوافق عليها.
وثانيها: أن الطرف الروسي يدفع -من خلال مؤتمر أستانة- نحو التحرّر من بيان جنيف1 (2012) الذي ينصّ خصوصاً على إقامة “هيئة حكم انتقالية”، والبحث عن مرجعية جديدة للمفاوضات تتحرر من هذا النص، وتفتح المجال أمام تعويم مكانة الرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية.
وثالثها: أن أيا من الطرفين الضامنين (أي روسيا الضامنة للنظام، وتركيا الضامنة للمعارضة) لا يستطيع فرض اجندته تماما على الأطراف المعنية، فمن جهة روسيا ثمة عقدة تتمثل في واقع هيمنة إيران على النظام السوري، تعززها وجود ميلشيات عسكرية تتبع لها على الأرض السورية وفي جبهات القتال الساخنة، كما تنبع من مدى تقبل النظام للتسوية المقترحة أو اشتراطه لها.
ومن جهة تركيا، فرغم نفوذها الكبير على الفصائل التي تعمل في الشمال السوري، فإن هذا النفوذ لا يكفي لفرض التسوية التي تتفق عليها مع روسيا، إذ إن ثمة دولا إقليمية أخرى لها رأيها أيضا فيما يخص مستقبل سوريا، كما أن هناك موقف الولايات المتحدة الأميركية من التسوية المفترضة.
عوامل النجاح
هكذا إذن من المبكّر التقرير بشأن نجاح التوافق الذي تعدّ له روسيا وتركيا في أستانة، كما من التسّرع التكهّن بفشله، إذ يمكن أن ينجح هذا المسعى، وذلك لعدة اعتبارات:
أولاً: أن هاتين الدولتين المنخرطتين عسكرياً في الصراع السوري تملكان النسبة الأعظم من القرار الميداني على الأرض، على الطرفين المتصارعين، لا سيما في شأن فرض وقف القتال والقصف.
ثانياً: أن روسيا ربما باتت تشعر بضرورة وضع إستراتيجية خروج من هذا الصراع لتخفيف الضغط عليها، وخاصة في ضوء توفر قناعة لديها بأنها فرضت نفسها لاعبا دوليا وإقليميا، وممسكا بالورقة السورية لا سيما بعد النجاح الذي حقّقته في حلب ضد الفصائل المقاتلة.
ثالثاً: نزوع تركيا نحو الحفاظ على المكتسبات التي حققتها من عملية “درع الفرات”، إن في الإقرار بدورها كشريك في التسوية السورية، أو بخصوص الإقرار بحقها في منع قيام كردي على حدودها الجنوبية، مع علمنا بحساسية المسألة الكردية في تركيا.
رابعاً: تنامي الشعور لدى أوساط المعارضة السورية (السياسية والعسكرية والمدنية) بمحدودية القوة، وبعدم القدرة على تحقيق الغلبة على النظام عسكريا في هذه الظروف الإقليمية والدولية، وفي ظل معارضة في غاية التفكك والتخبط.
خامساً: محاولة تركيا والمعارضة السورية الاستثمار في التباين السياسي المرشح للتزايد بين روسيا وإيران، فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الصراع السوري، ورؤية كل منهما لمستقبل سوريا.
استثمار التوافق
يفيد ما تقدم بوجود عوامل ترجّح نجاح التوافق الروسي التركي ولو مرحلياً، لكن استمرارية هذا التوافق -إلى الحد الذي يجعله بمثابة ممهّد لتسوية تنهي الصراع السوري- تحتاج إلى مداخلات أخرى، يكمن أهمها في:
أولاً: تبنيه من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي تملك وحدها إمكانية الضغط على معظم الأطراف، والاستثمار السياسي في الاتفاق وتحويله إلى تسوية دائمة، بحكم نفوذها وإمكانياتها وقدراتها.
ومعنى ذلك أن تكون أميركا معنية بتغيير السياسة التي انتهجتها طوال السنوات الست الماضية، والتي قوامها الحفاظ على ديمومة الصراع السوري ضمن معادلة لا غالب ولا مغلوب، والاستثمار في هذا الصراع بوضع الأطراف المناكفة لها (روسيا وإيران وتركيا وبعض الدول العربية) في دائرة الاستنزاف بمواجهة بعضها، إضافة إلى ترك الأمور على حالها لتوفير بيئة آمنة لإسرائيل لعقود من الزمن.
ثانياً: لا يمكن لأي توافق أن يتحول إلى تسوية إلا إذا أخذ في اعتباره إحداث تغيير في بنية النظام السوري، أي أن الأمر يتعلق بمساومة متبادلة، تتأسس على مرحلة انتقالية تضع حداً لنظام الأسد من دون أن تؤثر على بنية الدولة، في مقابل إيجاد نظام حكم يقوم على دستور جديد ونظام حكم يضمن مشاركة أوسع تمثيلاً.
إن تسوية مثل هذه محكومة بعدم قدرة أي من الطرفين المتصارعين على الحسم ضد الآخر، والمحددة بالمعطيات الدولية والإقليمية التي لا تسمح لأي منهما بإنهاء الآخر، هي الوحيدة التي يمكن لها أن تفتح نافذة في الاستعصاء الحاصل، بغض النظر عن تقييمها أو عدالتها أو شرعيتها.
ثالثا: لا يمكن لأي اتفاق أن يحقق الاستقرار والرضا من جميع الأطراف دون إيجاد واقع دولي يسمح بإعادة المهجرين واللاجئين السوريين، ويوفر الموارد اللازمة لإعادة إعمار البلد، وهذا أمر ينبغي أن يأخذ في اعتباره رضا الدول الأوروبية الفاعلة، خاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
رابعاً: هذا التوافق يحتاج أيضا إلى كبح نفوذ إيران في سوريا، وإخراج الميلشيات التابعة لها من البلد، أي أن الأمر يحتاج إلى قوة ضغط مناسبة على إيران لإجبارها على القبول بالتوافق المفترض، مع التنويه بتصريحات لكبار المسؤولين في إيران تؤكد عدم استعدادها للتجاوب، من خلال إصرارها على بقاء ميلشياتها اللبنانية والعراقية في سوريا.
خامساً: هذا الأمر مرهون أيضا بمدى استعداد روسيا للمضي في هذه التسوية، وضمنه حسمها بخصوص إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا، واستعدادها للضغط على النظام لدفعه إلى القبول بالتوافقات التي يمكن أن تحصل.
استدراكات جوهرية
ثمة أربعة استدراكات؛ الأول: أن الطرفين المعنيين غائبان تماماً عن هذا الاتفاق، وأن مصير سوريا بات يتقرر في عواصم أخرى، وبحسب أجندات ومصالح الفاعلين الدوليين والإقليميين، وبغض النظر عما يريده الشعب السوري أو معظمه. والثاني: أن الدول العربية غائبة ومغيبة -إن بصورة جمعية أو فردية- بحكم ضعفها وتشتت مواقفها، وارتهان إراداتها.
الثالث: أن تطورات الأوضاع داخليا وخارجيا تفيد ربما بالإطاحة بالعملية التفاوضية المتأسسة على بيان جنيف1 (2012)، وهو ما تم التمهيد له في اجتماعات فيينا (أواخر 2015)، وفي قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي تحدث عن قيام حكومة شراكة، وهو القرار الذي جرى النص عليه في البيان الثلاثي الروسي/الإيراني/التركي في موسكو (أواخر العام الماضي).
الرابع: أن التركيز الدولي والإقليمي بات يتركز اليوم على التخلص من الفصائل المتطرفة (أي “داعش” و”النصرة” وأخواتهما)، باعتبار ذلك أساسا لأي توافق سوري، وهو ما أكدت جميع الأطراف الالتزام به، بما في ذلك تركيا التي تحاول جاهدة أن يشمل ذلك جماعات حزب الله والميلشيات العراقية والأفغانية التي تشتغل كأذرع إقليمية لإيران في سوريا والعراق ولبنان.
وعلى أية حال؛ ما سيختبر قوة هذا الاتفاق -في الأيام القادمة- هو ربما الدعوة التي وجهها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لاستئناف المفاوضات في جنيف (يوم 8 فبراير/شباط القادم). لكن الناحية الأهم هنا -والتي ينبغي للمعارضة إدراكها- هي أن أي حل انتقالي أو دائم في سوريا ينبغي أن يمهد لتسوية سياسية نهائية.
على أن ينطلق بداية من وقف كامل لكل أعمال القتل والتدمير والتشريد، والإفراج عن المعتقلين، ورفع الأطواق الأمنية عن المناطق المحاصرة، وإخراج الجماعات أو المليشيات المسلحة الأجنبية من البلد، بضمانة قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي ومع وجود قوات دولية.
وفي الواقع؛ كان يجب توقع محطة كهذه بغض النظر عن نجاح هذا الاتفاق أو إخفاقه، إذ لا تدوم ثورات ولا حروب ولا صراعات سياسية إلى الأبد، فكل الصراعات -مهما كانت ماهيتها أو شرعيتها أو ضرورتها- لا بد أن تصل إلى نقطة تتوقف عندها، سواء بانتصار طرف على آخر أو نتيجة قناعة أطرافها -أو أحدها- بالكلفة الباهظة لاستمرار الصراع.
أو بسبب التوصل بين الطرفين المعنيين إلى مساومة أو تسوية جزئية، يحقق فيها كل طرف من أطرافها بعض المكاسب، وطبعًا ثمة وضع آخر مختلف يتعلق بقيام أطراف خارجية بفرض تسوية على الأطراف المتصارعة؛ وربما هذا هو الأقرب إلى ما يجري في سوريا.
جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة
2017
تحليل-المعارضة السورية منقسمة بشدة قبل محادثات سلام جديدة/ من توم بيري وسليمان الخالدي
بيروت/عمان (رويترز) – تشهد صفوف المعارضة المناهضة للرئيس السوري بشار الأسد انقسامات أكثر من أي وقت مضى فيما يبدو بينما تستعد لمحادثات سلام الأسبوع المقبل ومعنوياتها منخفضة جراء هزيمتها في حلب وعدم قدرتها على التوحد في قوة واحدة للدفاع عن أراضيها المتبقية.
وكشفت الدبلوماسية الجديدة التي يقودها الروس حلفاء الأسد مزيدا من الانقسامات في أوساط معارضة لم يكن لها رئيس واضح على الإطلاق في ظل تشرذم قديم لفصائلها جراء التنافس الإقليمي وعلاقاتها بالدول ومعارك فكرية بشأن اتباع أهداف سورية قومية أو سنية متشددة.
وقتل العديد من القادة البارزين في الصراع المستمر منذ نحو ست سنوات وتشكل العديد من التحالفات العسكرية والسياسية لتنهار سريعا. وبعد هزيمة المعارضة في حلب الشهر الماضي انهار أحدث مسعى لتوحيد الأجنحة المتشددة والمعتدلة للمعارضة المسلحة.
وعلى النقيض من ذلك لا يزال الأسد قويا مثلما كان في أي وقت منذ بداية القتال بفضل التزام داعميه الروس والإيرانيين ببقائه في الوقت الذي زاد فيه اختلاف أهداف الدول الأجنبية التي تساند المعارضة من انقساماتها.
ولا يمثل وفد المعارضة التي ستحضر المحادثات مع الحكومة السورية والتي ستبدأ الاثنين المقبل في أستانة عاصمة قازاخستان سوى جزء من المعارضة المعتدلة التي تقاتل الأسد في تحالف فضفاض يعرف باسم الجيش السوري الحر.
ويتكون في معظمه من جماعات تقاتل في شمال سوريا بدعم من تركيا أما الجماعات المعارضة الأخرى التي تعتبر قريبة من الولايات المتحدة والسعودية فقد جرى تجاهلها.
يرأس الوفد محمد علوش رئيس المكتب السياسي لجماعة جيش الإسلام المعارضة التي تقع في نهاية الطرف الأكثر اعتدالا من الجماعات الإسلامية السنية وقاعدتها الرئيسية قرب دمشق.
ولم يُعين علوش الذي يعيش خارج سوريا في هذا الدور بسبب نفوذه على المعارضة ككل- فليس لديه ذلك. واختير لأنه عضو بالهيئة العليا للمفاوضات وهي تحالف تشكل بدعم سعودي وغربي في 2015.
وحتى الهيئة العليا للمفاوضات وهي أوسع هيئة معارضة تشكلت منذ بداية الحرب لم توجه لها الدعوة إلى أستانة.
ورئيسها رئيس الوزراء السابق رياض حجاب هو أكثر الشخصيات التي يمكن أن تعتبرها المعارضة المعتدلة “واجهة” لها. لكن دوره أقرب إلى المتحدث باسم عدد كبير من الجماعات على الأرض ولن يذهب إلى أستانة أيضا.
وتعرب الهيئة العليا للمفاوضات عن أملها في أن تكون محادثات أستانة خطوة في اتجاه محادثات سلام جديدة في جنيف. لكن في الوقت الذي تقول فيه روسيا إن أستانة تهدف إلى أن تكون مكملة لجنيف يخشى البعض في المعارضة من أن تحاول موسكو أن تستبدل عملية تساندها الأمم المتحدة بتلك التي ترعاها وتريد أن تزيد الانقسامات في معسكر المعارضة.
وقال المقدم محمد العبود عضو الهيئة العليا للمفاوضات “الذهاب إلى أستانة به خطورة أكبر من الذهاب إلى جنيف لأنه في جنيف كان في الواجهة السياسية المعارضة وهي الهيئة العليا التي نالت اعترافا سواء من الأرض من الداخل أو الخارج. ولكن في اجتماع أستانة فيه غموض كبير وبرعاية روسية وروسيا تعتبر طرفه ودولة محتلة وليس وسيطه أو راعي.”
وأضاف “ربما تزيد الاستقطاب وربما هذا أحد أهداف الروس الحقيقية إن يزيدوا الشرخ.”
تفاقم الانقسامات
وأدت التحركات الروسية من أجل السلام أيضا إلى تفاقم الانقسام بين الأجنحة المعتدلة والمتشددة بالمعارضة المسلحة مما أجج التوتر الذي تحول إلى مواجهة في إدلب المعقل الرئيسي الباقي للمعارضة.
واستثنى وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا وتركيا الشهر الماضي الجماعة المتشددة الرئيسية في شمال غرب سوريا وهي جبهة فتح الشام كما تردت الثقة في معسكر المعارضة أكثر بعد سلسلة من الضربات الجوية التي استهدفت زعماء الجماعة.
ويصب هذا كله في صالح الأسد في وقت يرغب فيه حلفاؤه الروس والإيرانيون في قيادة الجهود الدبلوماسية بخصوص سوريا بينما يشير دونالد ترامب إلى أنه سيقطع الدعم عن المعارضة السورية المعتدلة بعد توليه السلطة.
ويقول المعارضون المسلحون الذين سيشاركون في محادثات أستانة إن الاجتماع يجب أن يركز على تعزيز وقف إطلاق النار وإنهم سيعارضون المناقشات السياسية برغم أن الأسد قال إنه منفتح على تلك المحادثات.
وقال قائد بالجيش السوري الحر إنه إذا كانت محادثات أستانة تتعلق فقط بآلية لوقف إطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية فهذا إيجابي لكن الأمر لن يكون جيدا إذا ناقشوا الشؤون السياسية في أستانة لأن هذا سيرقى إلى حد تهميش القوى السياسية الأخرى.
وبعد سنوات من الدبلوماسية الفاشلة تقول روسيا إنها تريد دعم السلام بالتعامل مباشرة مع المعارضين الذين يقاتلون على الأرض. وتقول أيضا إن هدف المحادثات التي ستشارك فيها إيران أيضا هو تعزيز وقف إطلاق النار.
وتدعم تركيا- التي تساند المعارضة المسلحة للأسد- عملية السلام الجديدة أيضا ومن المعتقد على نطاق واسع أنها ضغطت على المعارضة المسلحة للذهاب إلى أستانة.
يعكس هذا تغير أهدافها في سوريا حيث باتت أولوياتها تتركز حاليا حول التصدي للفصائل الكردية المسلحة وتنظيم الدولة الإسلامية قرب حدودها.
أفق غامض
والتوقعات بشأن المعارضة المسلحة المعتدلة باتت أكثر غموضا منها في أي وقت سابق بعدما أشار ترامب إلى أنه سيوقف الدعم الأمريكي للمعارضة المسلحة التي كان يتم تسليحها بموجب برنامج مساعدات تدعمه الولايات المتحدة ودول عربية وتركيا.
وتم توجيه دعوة إلى الولايات المتحدة لحضور محادثات أستانة بينما لم توجه دعوة إلى السعودية أو قطر.
وكثيرا ما استفاد الأسد من الانقسامات في صفوف المعارضة المسلحة خلال الصراع الذي بدأ باحتجاجات ضده وضد حكومته في مارس آذار 2011 ويعتقد أنه أودى بأرواح مئات الآلاف من الأشخاص.
ولعب حلفاء الأسد الأجانب دورا حيويا في المساعدة في تعزيز سيطرته على قطاع من الدولة في غرب سوريا برغم بقاء مساحات واسعة من الأراضي في شرق وشمال البلاد في أيدي فصائل كردية مسلحة وتنظيم الدولة الإسلامية.
وكثير من المعارضين الذين حاربوا الأسد في غرب البلاد حاربوا أيضا التنظيم وفي بعض الأحيان الأكراد. وبرغم تراجعهم إلا أنهم لا يزالون يسيطرون على مساحات كبيرة من الأراضي منها محافظة إدلب بالكامل تقريبا في شمال غرب سوريا.
ولم يشمل وقف إطلاق النار الحالي جماعات متشددة مثل جبهة فتح الشام التي كانت تعرف في السابق باسم جبهة النصرة وكانت مرتبطة بتنظيم القاعدة. وزاد التوتر فيما بين المعارضة المسلحة بعد استهداف زعماء جبهة فتح الشام بسلسلة من الضربات الجوية الأمريكية في الآونة الأخيرة فيما أجج الاتهامات بالخيانة بين جماعات المعارضة.
وشنت جبهة فتح الشام هجوما يوم الخميس على جماعة إسلامية قوية أخرى هي أحرار الشام في محافظة إدلب. وكانت الجماعتان حتى وقت قريب تجريان محادثات بشأن الاندماج.
ووصف الشيخ عبد الله المحيسني وهو رجل دين سعودي لعب دورا بارزا في سوريا في حشد الدعم للمعارضة المسلحة فشل محادثات الاندماج بأنه لحظة “محزنة ومؤسفة” تركت إدلب عرضة لخطر الهجوم.
وأضاف في تصريحات على منتديات إعلامية للإسلاميين على يوتيوب بعد طرد المسلحين من حلب “أدعو إخواني في حركة (أحرار) الشام أن يمضوا في هذا الأمر ويفرحوا هذا الشعب الذي ذاق الويلات. إن شاء الله إخواننا في الحركة يستشعرون الخطر الذي نعيشه اليوم… إذا بدأ الهجوم على إدلب بعد ذلك سيقول الناس تعالوا للاندماج يكون قد فات الأوان لن ينفع الاندماج بعدئذ.”
إعداد علي خفاجي ومصطفى صالح للنشرة العربية- تحرير أحمد حسن)
التمدد الإيراني وإسرائيل يختبران مؤتمر أستانة/ علي الأمين
وادي بردى الذي يتعرض لحصار وانتهاك متماد من قبل النظام السوري والميليشيات الإيرانية وعلى رأسها حزب الله، يشكل العنوان الأبرز في قراءة مشهد الهدنة بين قوات النظام السوري وحلفائه من جهة، وفصائل المعارضة المسلحة من جهة ثانية، فهذا الاتفاق الذي مهد لمؤتمر أستانة المزمع عقده في كازاخستان في 23 من الشهر الجاري، يتعرض منذ إعلانه إثر خروج مقاتلي المعارضة من حلب الشهر الماضي، إلى انتهاكات يشكل العنصر الإيراني الملمح الأبرز فيها.
لقد وفّر التقارب التركي – الروسي القاعدة الأساس التي ارتكز عليها اتفاق الهدنة، ورغم موافقة إيران، مرغمة، على السير في ركاب هذا التقارب والالتزام بمقتضياته على مستوى الهدنة ومؤتمر أستانة، إلا أن ذلك لم يخف الانزعاج الإيراني من وقف العمليات العسكرية، لاعتقادها أن فرص الحسم العسكري لصالح تثبيت سلطة بشار الأسد على كامل سوريا كانت متاحة بعد انتصار حلب، وهو وإن كانت الميليشيات بقيادة الحرس الثوري الإيراني قد ساهمت في إنجازه، غير أن عنصرين أساسيين لعبا دورا في إتمام هذه العملية العسكرية؛ الأول، هو التقارب التركي – الروسي الذي ساهم في رفع الجانب التركي الغطاء عن الفصائل المسلحة إلى حدّ بعيد، بحيث حالت تركيا دون حصول معركة مكلفة لروسيا وللنظام السوري وإيران. والثاني، هو سياسي يتمثل في السعي لإمساك تركيا بكامل أوراق المعارضة المسلحة من خلال إنجاز عملية الفصل بين ما يسمى منظمات إرهابية وغير إرهابية، وكانت معركة حلب شرطا لإتمام الجزء الأكبر من عملية الفصل هذه.
عملية حلب العسكرية كانت، كما تشير الوقائع التي تلت، اختبارا للتقارب بين أنقرة وموسكو، الذي ترسّخ بعدها، وكشفت في المقابل أن القرار الروسي هو الحاسم على مستوى الحرب، أو وقف العمليات العسكرية على جبهة النظام وحلفائه، وأظهرت في المقابل قدرة لدى روسيا على لعب دور وسطي من خلال قدرتها على إدارة اتصالات مع مختلف أطراف النزاع، وهو ما كشفه اتفاق الهدنة من جهة، والإعلان عن مؤتمر أستانة الذي يشكل أيضا اختبارا للدور الروسي في سوريا إقليميا ودوليا فضلا عن الداخل السوري بتلاوينه المختلفة من جهة أخرى.
تدرك روسيا التي فعلت أقصى ما يمكن فعله لنظام الأسد لا سيما مع بدء عملياتها العسكرية في سوريا عام 2015، أن فرص استمرار هذا النظام وقدرته على حكم سوريا غير واردة إن لم تتم عملية تغيير فيه ولا سيما في بنيته وفي رأس النظام، فهذا النظام بات أمام حقيقة التغيير إذا كان الهدف الانتقال إلى مرحلة جديدة، وأمام البقاء الشكلي في ما لو أرادت روسيا أولا، وإيران بدرجة ثانية بقاء الساحة السورية ساحة مواجهة وقتال لتحقيق مكاسب إقليمية ودولية لا يمكن أن تتحقق من دونها.
بعد ست سنوات تقريبا على انطلاق الثورة السورية، يمكن القول إن هذه الثورة رغم ما نالها من نكسات وتكالب إقليمي ودولي ضد خيارها في تغيير النظام السوري، فإن الحقيقة الدامغة في خضم الأزمة أن العودة إلى الوراء باتت مستحيلة، وأن قدرة النظام على إعادة إحياء سلطته بنفس الشروط السابقة باتت مستحيلة، فثمة حقائق جديدة فرضها الحراك السوري المعارض، مفادها أن المشاركة في السلطة من قبل القوى السورية الاجتماعية والعسكرية والسياسية شرط لأي نهوض بالبلاد من حال الحرب والاستنزاف إلى حال السلم والنظام.
إزاء الخيارات التي يطرحها المسار الروسي في سوريا، ثمة ترقب للموقف الأميركي الذي كان له دور في فتح الآفاق لروسيا كي تدخل موسكو كلاعب محوري ليس في هذا البلد فحسب، بل على المستوى الإقليمي والدولي، ولا يخفى أن الانكفاء الأميركي عن الانخراط المباشر في الأزمة السورية، ساهم إلى حدّ بعيد في تشجيع روسيا على الدخول وبقوة، إلى المسرح السوري وامتداداته.
على أن مؤتمر أستانة يحاط بغموض لجهة تفاصيله والقوى المشاركة فيه ولجهة الدول المشاركة، انطلاقا من أن الهدف الروسي والتركي المشترك هو إنجاز عملية انعقاد المؤتمر بمرجعية الطرفين كضامنين لأطراف النزاع. هذا الهدف يبدو متصلا بعنصر محوري هو ترقب موقف الإدارة الأميركية الجديدة التي كان لافتا أن يعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أن الدور الروسي في سوريا، أدى إلى نتائج سيئة ومخيبة للآمال، وهذا الموقف يؤشر على أن الإدارة الأميركية الجديدة لن تذهب بعيدا في مسايرة الموقف الروسي أو التركي في مقاربتهما للأزمة السورية.
إزاء هذا الموقف الأميركي الذي يؤشر على شروط أميركية مرتقبة في التعامل مع الأزمة السورية لا تنطوي على تسليم بالمرجعية الروسية في الحل، يمكن مراقبة ما يمكن أن ينشأ من تقاطعات إيرانية – أميركية في الأشهر المقبلة، فإيران التي لم تستطع أن تحدث أي اختراق سياسي في صفوف المعارضة، لا تجد خيارا سوى التمسك بالأسد، وتبدو عاجزة عن التأقلم حتى الآن مع أي مشروع لا يقوم على تثبيت النظام السوري وبرأسه الحالي، وهذا الواقع يعكس إلى حدّ بعيد عجز القيادة الإيرانية عن إنتاج حل لا يكون على حساب نفوذها في سوريا، من هنا تبدو إيران محكومة بخيار استمرار المواجهة ويأتي موقف ترامب الأخير من الدور الروسي، ليعطي فرصة لإيران كي تعيد إنتاج دورها السوري في المرحلة المقبلة، مستفيدة من التباين الأميركي – الروسي من جهة، وإعادة تثبيت نفوذها العسكري في “سوريا المفيدة” بالتطابق والتضامن مع نظام الأسد من جهة أخرى، وفي كلا الحالين الاعتداد دوليا وإقليميا بقدرتها على حماية الاستقرار على الحدود الإسرائيلية الشمالية سواء في لبنان أو في سوريا.
معركة وادي بردى هي رسالة إصرار إيرانية على إنهاء جيوب المعارضة السورية في كامل أراضي سوريا المفيدة، وهي ستعمل على محاولة تحصين دورها ونفوذها في مواجهة التفاهم التركي – الروسي، بالمزيد من توجيه الرسائل الإقليمية والدولية بأنها هي وميليشياتها وبالتضامن مع نظام الأسد من يقرر في هذه المساحة الجغرافية، ويمكن توقع أن كل ما هو غير مستفز لواشنطن ولا لإسرائيل في هذه المناطق ستعمد إلى تنفيذه لا سيما في الجانب المتصل بإنهاء جيوب من تسميهم إرهابيين، سواء في الغوطة أو في ريف دمشق ومن ضمنها وادي بردى، ضمن عملية قضم مستمرة منذ نحو أربع سنوات، وتترافق مع عملية تغيير ديموغرافي واضح المعالم في محافظة حلب وفي ريف دمشق، وشديد الوضوح على امتداد المناطق المحاذية للبنان لا سيما مع حدوده الشرقية.
بين مؤتمر أستانة وانتهاك وقف إطلاق النار في وادي بردى برزت الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مطار المزة العسكري في دمشق، كما أعلن الجيش السوري ولم تتبن إسرائيل القصف الذي استهدف صواريخ استراتيجية سورية. تجاوز التدخل الإسرائيلي العشرين غارة على مواقع سورية ولحزب الله خلال العام 2016، إلا أن الغارة الإسرائيلية بداية هذا العام مثلت رسالة لتثبيت قواعد اللعبة في لحظة اختبار بدت فيه إيران والنظام السوري في موقع حرج إقليميا، علما أنّ العنصر الإسرائيلي في مسارات الأزمة السورية شكل نقطة تقاطع روسي – إيراني منذ بدء التدخل الروسي، أما في لحظة التباين الراهنة بين روسيا وإيران فتبدو تل أبيب متحفزة لمنع تداعيات هذا التباين على أمن حدودها، وهو ما يقرأ فيه المراقبون أن إسرائيل سيبدو حضورها أكثر علانية كلما برز التباين الإيراني – الروسي والعكس صحيح أيضا.
كاتب لبناني
العرب
محمد علوش: لن ننتقل لبحث الملف السياسي قبل تثبيت وتعميم وقف إطلاق النار/ إسماعيل جمال
إسطنبول ـ «القدس العربي»: من المقرر أن تنطلق المباحثات حول الأزمة السورية في العاصمة الكازاخستانية «أستانة» يوم الاثنين المقبل لبحث تعميم وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في كافة الأراضي السورية والحل السياسي للأزمة وذلك بين وفدين للنظام والمعارضة السورية برعاية روسية وتركية وسط تجاهل لأي دور فاعل للإدارة الأمريكية.
وبينما أكد رئيس وفد المعارضة السورية القيادي محمد علوش لـ«القدس العربي» أن الوفد لن يتطرق لبحث أي نقطة سياسية قبل تثبيت وتعميم وقف إطلاق النار، أكد القيادي إياد أبو زيد أحد أعضاء وفد المعارضة أنهم ما زالوا متمسكين بشرط رحيل الأسد ونظامه عن الحكم من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي للأزمة.
في سياق متصل، توقع قيادي في الائتلاف السوري المعارض أن تقتصر المباحثات في أستانة على تعميم وقف إطلاق النار، بينما سيتم تأجيل ملفات الحل السياسي النهائي إلى مباحثات جنيف التي من المتوقع انعقادها خلال الأسابيع المقبلة.
لا انتقال للملف السياسي قبل تثبيت وقف النار
محمد علوش القيادي البارز في تنظيم جيش الإسلام ورئيس وفد المعارضة السياسية إلى أستانة شدد في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي» على أن الهدف الأول من مباحثات أستانة هو تثبيت اتفاقية وقف إطلاق النار لتشمل جميع المناطق بشكل فعلي ومُلزم.
وأكد علوش على أن وفد المعارضة السورية لن ينتقل لبحث أي نقطة أخرى عسكرية أو سياسية قبيل تثبيت وقف إطلاق النار في كافة المناطق، معتبراً تصريحات الأسد الأخيرة الذي وصف فيها وفد المعارضة بالتنظيمات الإرهابية بأنها «كلام مردود عليه فالأسد هو الإرهابي والمجرم».
وحول الأجندة السياسية للمباحثات أكد على أن عنوانها الأوسع يتمثل في أن تتوصل إلى صيغة تضمن للشعب السوري من يختاره، ورداً على الانتقادات لقبول المعارضة بالذهاب إلى مفاوضات أستانة شدد علوش على أن المعارضة تسعى لتحقيق أهداف الثورة من خلال كافة الوسائل وليس من خلال العمل العسكري فقط، على حد تعبيره، مؤكداً على ضرورة «حقن دماء الشعب السوري بأي طريقة».
وأكد علوش أن التحدي الأساسي لروسيا يتمثل في ضبط الخروقات وإجبار النظام على الالتزام وإظهار مدى قدرتها على فرض قراراها على إيران وحزب الله، وقال: «يوجد شرخ كبير ما بين الداعم الإيراني والروسي للنظام»، لافتاً إلى أن روسيا تُظهر أنها تسعى للحل السياسي وهو ما لا تُظهره إيران والأسد.
الحل النهائي في جنيف وليس أستانة
من جهته، أكد قيادي في الائتلاف السوري المعارض رفض الكشف عن اسمه لـ«القدس العربي» أن مباحثات أستانة ربما لا تتطرق إلى الحل السياسي النهائي الذي توقع أن يجري بحثه في جنيف برعاية الأمم المتحدة خلال الأسابيع المقبلة، مشيراً إلى إمكانية أن تقتصر مباحثات أستانة على التوصل إلى تثبيت وقف إطلاق النار وإرساء أرضية من أجل انطلاق جديد لمباحثات جنيف.
وفي تصريحات له نشرت الخميس، قال رئيس النظام السوري بشار الأسد إن «الأولوية في محادثات أستانة هي لوقف إطلاق النار، بما يتيح لتلك المجموعات تخليها عن أسلحتها والحصول على عفو حكومي». وقال الأسد: «اعتقد انه سيركز في البداية، أو سيجعل أولويته، كما نراها، التوصل إلى وقف إطلاق النار، وذلك لحماية حياة الناس والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى مختلف المناطق في سوريا». مضيفاً: «ليس من الواضح ما إذا كان هذا المؤتمر سيتناول أي حوار سياسي».
وسبق أن أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن المفاوضات تهدف إلى تثبيت الهدنة الهشة في سوريا ومحاولة التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع.
مباحثات لوقف النار ولا تنازل عن رحيل النظام
أسامة أبو زيد المستشار القانوني للجيش السوري الحر وأحد أعضاء الوفد المشارك في مفاوضات أستانة شدد في تصريح خاص لـ«القدس العربي» على أن المعارضة السورية وافقت بعد تردد بالمشاركة في مفاوضات أستانة بعد تأكيد جميع الأطراف على أن الجولة الأولى من المفاوضات سوف تنحصر في بحث والتوصل إلى صيغة نهائية لتعميق وقف إطلاق النار في كافة المناطق السورية وخاصة في وادي بردى وشرق دمشق وريف حمص والوعر.
ولفت أبو زيد إلى أن جميع الفصائل المعارضة وافقت على المشاركة في أستانة، مشيراً إلى أن أحرار الشام سوف تدعم المباحثات دون مشاركة ممثل لها في الوفد وأن الجبهة الجنوبية انضمت أيضاً إلى الوفد، وجدد التأكيد على أن «حضورنا أستانا لتحقيق وقف إطلاق النار في جميع المناطق المحررة ووقف التهجير».
وأشار أبو زيد إلى أن «الفصائل المعارضة أرادت في الدرجة الأولى «قطع الطريق على النظام اللاشرعي وداعميه الراغبين في عرقلة اتفاق وقف إطلاق النار وتحميل فصائل الثورة مسؤولية ذلك دولياً»، موضحاً أن الوفد العسكري سوف يجري المباحثات بالتنسيق الكامل مع الهيئة العليا للتفاوض وأن المعارضة ما زالت متمسكة بموقفها بأن أي حل سياسي يخص مستقبل سوريا يبدأ من رحيل النظام وكافة رموزه، على حد تعبيره.
قائمة الوفد النهائية إلى أستانة
حصلت «القدس العربي» من مصدر مطلع في المعارضة السورية على ما أكد أنها القائمة النهائية لوفد المعارضة إلى مفاوضات أستانة في الثالث والعشرين من الشهر الجاري في العاصمة الكازاخستانية، والتي جاءت على النحو التي:
ممثلو الفصائل العسكرية (فيلق الشام: نذير الحكيم، جيش العزة: مصطفى، جيش النصر: عبد الحكيم رحمون، شهداء الإسلام: سعيد نقرش، جيش المجاهدين: محمد عبدالحي، الفرقة الساحلية الأولى: محمد حاج علي، صقور الشام: مأمون حاج موسى، أجناد الشام: منار الشامي، تجمع فاستقم كما أمرت: عزالدين سالم، السلطان مراد: أحمد عثمان، الجبهة الشامية: خالد آبا، جيش ادلب الحر: فارس بيوش، جيش الإسلام: محمد علوش).
ويضم الوفد أيضاً وفدا استشاريا قانونيا يتكون من (هشام مروة – ومحمد وفا ريشي- وعبدالحميد العواك – وعمار تباب- وطارق الكردي- وياسر الفرحان- وخالد شهاب الدين- ودرويش ميركان)، بينما يتشكل الوفد الاستشاري العسكري من (العميد احمد بري- والعقيد فاتح حسون- والنقيب مهند جنيد – والرائد ياسر عبدالرحيم – والمقدم احمد سعود- والرائد حسن ابراهيم – وعصام الريس- ومحمد بيرقدار).
ويتشكل الوفد الاستشاري السياسي من (عبدالحكيم بشار- ونصر حريري- وسهيل نسر- وفؤاد علوش – وابراهيم برو – ويحيى العريضي – وعبدالرحمن مصطفى) والوفد الاستشاري الإعلامي من (يحيى العريضي- وعبدالحكيم بشار- ونصر حربري – وأسامة ابو زيد-وعبدالرحمن مصطفى- والعقيد فاتح حسون) ولجنة الصياغة من (عبدالحميد العواك – وخالد شهاب الدين – ونصر حربري – وعبدالحكيم بشار) واللجنة الأمنية من (نذير حكيم – والنقيب محمد حاج علي – وأبو هادي زملك).
وفد النظام والمشاركة الدولية
وترسل دمشق إلى المحادثات وفدا سياسيا رسميا مماثلا للوفد الذي ذهب سابقا إلى جنيف، ويترأسه سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، حسب صحيفة «الوطن» المقربة من النظام، بينما يقود وفد المعارضة محمد علوش القيادي البارز في تنظيم «جيش الإسلام» الفاعل في ريف دمشق.
من جهتها، أعلنت حركة أحرار الشام الإسلامية عدم مشاركتها في المباحثات، وقالت الحركة الأكثر نفوذا بين الفصائل المعارضة في سوريا في بيان أن مجـلـس شـــورى الحركة قـــرر «بعد نقاش طويل جدا ألا تشارك الحركة في المؤتمر لعـدة أســبـــاب» أبرزها عدم تثبيت وقف إطلاق النار واستمرار القصف.
ولأول مرة منذ بداية الأزمة السورية في 2011 لا تقوم واشنطن بدور «الراعي» حتى ولو كانت الدبلوماسية الروسية تؤكد ان «من المنصف» أن تتم دعوة الإدارة الأمريكية الجديدة إلى مفاوضات أستانا. في حين سوف يقتصر تمثيل الأمم المتحدة على مساعد مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا «رمزي عز الدين» ومديره للشؤون الخارجية روبرت دان.
ونهاية الشهر الماضي، دخل اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا حيز التنفيذ، بعد موافقة النظام السوري والمعارضة عليه، عقب تفاهمات تركية روسية، وبضمان أنقرة وموسكو. وفي 4 كانون الثاني/يناير الجاري أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن موعد مؤتمر أستانة، سيكون في الـ 23 من الشهر نفسه.
القدس العربي
آستانة والعسكرة/ كميل الطويل
تشكّل مفاوضات آستانة، المفترض أن تبدأ غداً، تطوّراً مهماً في مسار الصراع السوري. فهذه المرة الأولى التي سيكون فيها التفاوض بين الحكومة والفصائل المسلحة وليس المعارضة السياسية.
سيقلل بعضهم، ربما، من أهمية ذلك. فمفاوضات آستانة، كما سيقولون، ستكون محصورة بتثبيت وقف النار، في حين أن المفاوضات السياسية ستبقى، على الأرجح، كما كانت سابقاً، مع «الهيئة العليا للمفاوضات»، تكتل المعارضة الأبرز. سيقول أصحاب هذا الرأي، إذن، إن التسوية السياسية ستكون مع «سياسيي» المعارضة في جنيف وليس مع «عسكرييها» الذاهبين إلى آستانة.
كلام صحيح. ولكن ماذا لو أدت آستانة إلى «تمايز» بين السياسيين والعسكريين، فلمن ستكون الغلبة؟
مرد هذا التساؤل حالات شبيهة في نزاعات سابقة وعد فيها «العسكريون» بأن يخضعوا لـ «السياسيين» الذين ستكون لهم الكلمة النهائية في أي مفاوضات سلام، لكن النتيجة كانت معاكسة، بحيث «همّش» العسكري السياسي.
حصل مثل هذا الأمر في حرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، بين نهاية خمسينات وبداية ستينات القرن الماضي. قال عسكريو «جبهة التحرير»، منذ بدايات ثورتهم (مؤتمر الصومام عام 1956)، إنهم يخضعون لسياسييها، لكن تطورات الحرب أفرزت نتيجة معاكسة تماماً. فتم تهميش السياسيين وقتل بعضهم أو نفيه، وأمسك العسكريون بورقة الثورة حتى نالت بلادهم استقلالها عام 1962، وهناك من يقول إنهم ما زالوا ممسكين بالحكم فيها حتى اليوم.
مثال ثان من الجزائر يعود إلى فترة التسعينات، عندما كانت الأزمة مشتعلة عقب إلغاء الانتخابات التي فازت فيها «جبهة الإنقاذ». حاول الحكم الجزائري، آنذاك، التفاوض على تسوية، فذهب جنرالاته وسياسيوه إلى قادة «الإنقاذ» المسجونين (القيادة السياسية)، وتحاوروا معهم على إطلاق مسار تسوية يبدأ بنداء لوقف العنف. تردد قادة «الإنقاذ». لم يكن سهلاً، كما يبدو، أن يصفوا ما يحصل بأنه عنف، بينما هم يعتبرونه دفاعاً مشروعاً عن حق مسلوب. استمرت المفاوضات عامي 1993 و1994، من دون نتيجة. وفي الواقع، ما عقّد التسوية أن مسلحي المعارضة لم يكونوا خليطاً متجانساً. بعضهم كان يؤمن بالعمل السياسي. بينما بعضهم الآخر لم يكن أصلاً يؤمن لا بانتخابات ولا بديموقراطية.
ولا شك أن قادة «الإنقاذ» السياسيين كانوا على دراية بهذا الواقع، إذ أنهم أرسلوا موفدين إلى الجبال، حيث سمعوا ردّين مختلفين على طلب وقف القتال. الطرف الأول، ممثلاً بـ «الجماعة الإسلامية المسلحة»، رفض ذلك بحجة أنه لا يجوز شرعاً («لا هدنة مع المرتدين»، كما جادلوا). الطرف الثاني، ممثلاً بقادة «الجيش الإسلامي للإنقاذ»، حض السياسيين على إبرام تسوية مع الحكم، وجادل بعضهم بأنه يرى غلوّ «الجماعة المسلحة» أكثر خطورة على الجزائر من جنرالاتها.
أمام هذا الواقع، عجز سياسيو «الإنقاذ» عن بت أمرهم في خصوص نداء وقف العنف، فتلقّف عسكريوها المبادرة. عقدوا هدناً محلية مع الجيش النظامي، ووافقوا على إلقاء سلاح «جيش الإنقاذ» والانخراط في مصالحة مع النظام. لم تكن تلك المصالحة مثالية واعتبرها مناصرون لـ «الإنقاذ» مجحفة، إلا أن تجاوز عسكريي الجبهة لقادتهم السياسيين ساهم، كما يعتقد كثيرون، في تهميش «المتطرفين» («الجماعة المسلحة») ووضع الجزائر على سكة وقف نزف الدم.
في هذين المثالين الجزائريين، يظهر جلياً أن الكلمة في نهاية المطاف كانت لحاملي السلاح وليس السياسيين، وإن بنتائج مختلفة (انتصر العسكريون في حرب التحرير وهُزموا في الحرب ضد النظام).
هل تكون مفاوضات آستانة السورية «الثغرة» التي ينفذ منها «عسكريو الثورة» لأخذ زمام المبادرة من سياسييها؟ يبدو مبكراً الوصول إلى هذه الخلاصة الآن، إلا أن ما يحصل في الميدان السوري يوحي بأن العسكريين مقبلون على ترتيب أوضاع ساحتهم وتحديد من يُمسك بها أولاً، قبل السير في ما يقرره السياسيون أو تهميشهم. ويتضح هذا جلياً في محاولات تجميع الفصائل المشتتة، سواء تحت لواء «المتشددين» كـ «جبهة فتح الشام»، أو في إطار «المعتدلين»، على غرار الفصائل الذاهبة إلى آستانة. سورية ليست الجزائر، بالتأكيد، لكن الحروب والأزمات تتشابه أحياناً، كما يوحي صراع العسكريين في ما بينهم، وبينهم وبين السياسيين.
الحياة
الرؤية التركية لمفاوضات أستانا وسبل نجاحها/ محمد زاهد غول
في الساعات الأخيرة من عام 2016 أثمرت اللقاءات السياسية بين روسيا مع وفد المعارضة السورية المسلحة في أنقرة عن التوصل إلى تفاهمات سياسية حول مستقبل سوريا، تبدأ بتوقيع هدنة لوقف إطلاق النار، بدأت في حلب، ثم باقي سوريا، ثم الدعوة إلى مفاوضات سياسية بين وفد من المعارضة السورية العسكرية والسياسية مع ممثلي بشار الأسد في العاصمة الكازاخية أستانا بتاريخ 23 كانون الثاني/يناير الجاري، وحيث أن التحضيرات لمفاوضات أنقرة للهدنة تمت بضمانة تركية لجهة المعارضة السورية، وضمانة روسية لجهة قوات الأسد، وحيث أن فكرة اللقاء بين الروس والمعارضة السورية الداخلية المسلحة تمت بتفاهمات تركية وروسية فإن الرؤية التركية هي الترحيب بهذه المفاوضات أولاً، والعمل على انجاحها لصالح الشعب السوري ثانيا، بالرغم مما يعترضها من صعاب، ليس فيما يضعه وفد بشار الأسد من شروط تعجيزية، وإنما بما تضعه إيران أمام روسيا من صعاب أيضاً، وبما تفعله الميليشيات الطائفية اللبنانية والعــراقية من قتل وإرهاب للمدنيين.
حاولت إيران ولا تزال تحاول إفشال مفاوضات أستانا، وسبق الإشارة في مقال سابق ان أمريكا لن تجد أفضل من بشار الأسد وإيران وتوابعها الميليشياوية المقاتلة على الأرض من فرص لافشال المفاوضات في أستانا، وقد حاولت إيران الضغط على روسيا بإعلانها منفردة بتاريخ 18 كانون الثاني/يناير الجاري بأنها أي إيران وحكومة الأسد ترفضان دعوة أمريكا لمفاوضات أستانا، وقد شملوا في الرفض السعودية وقطر، وربما كان عليهما أن يرفضا حضور تركيا أيضاً، لأن تركيا وقطر والسعودية تشكل الثالوث المتهم بدعم الثورة السورية من قبل إعلام محور إيران وقوات الأسد، ولكن هذا الموقف الإيراني من رفض دعوة واشنطن تلقى صفعة قوية من موسكو، إذ أعلن وزير الخارجية الروسي لافروف في اليوم التالي أي يوم 19 كانون الثاني/يناير الجاري دعوة الأمم المتحدة وواشنطن لحضور مفاوضات أستانا، فهذا الاعلان من لافروف يتوافق مع الرؤية التركية، التي أعلنت مرارا أنها تريد حضور الولايات المتحدة الأمريكية مؤتمر أستانا على لسان وزير خارجيتها جاويش أوغلو، والصفعة التي تلقتها إيران من روسيا بهذا الصدد قوية جدا، لأن من رفضوا حضور واشطن هم أكبر المسؤولين الإيرانيين من قبيل علي شمخاني رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، ومستشار خامنئي علي أكبر ولايتي، ووزير الخارجية جواد ظريف الذي قال «لم ندع الولايات المتحدة ونعارض وجودها» فهذه الشخصيات الإيرانية الكبرى تعلن رفضها حضور أمريكا يوم الأربعاء، ثم يأتي الرد الروسي يوم الخميس برفض الموقف الإيراني، للدلالة على ان روسيا ترفض تدخل إيران بتولي أمور المؤتمر والتحكم فيه، لأن الدعوة الروسية لأمريكا جاءت بعد الرفض الإيراني، فهذه من خيبات إيران الكبرى في المؤتمر قبل انعقاده، وعندما استغرب الصحافيون الموقف الروسي بعد الاعلان الإيراني قال لافروف للصحافيين «لقد دعوناهم بالفعل»، أي أن روسيا لن تفكر أو تناقش إيران بالأمر ولن تسمع لرأيها بدعوة أمريكا أو غيرها.
الأمم المتحدة ستحضر
كذلك أعلنت الأمم المتحدة أن مبعوثها إلى سوريا ستيفان دي ميستورا سوف يحضر المؤتمر بعد تلقيها دعوة من روسيا، وقد عللت الأمم المتحدة تغيير موقفها بحضور دي ميستورا بان هناك قضايا مهمة سوف تبحث في هذا المؤتمر ينبغي أن تكون متابعة لها. فالمتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفن دوجاريك قال: «إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس طلب من دي ميستورا المشاركة في المحادثات نظرا لتعقيد وأهمية القضايا المرجح أن تناقش في أستانا».
هذه المواقف الروسية مؤشر على توافق أكبر بين روسيا وتركيا في أهداف مؤتمر أستانا، ولعل إعلان تركيا وروسيا في اليوم نفسه وهو 18 كانون ثاني/يناير عن قيامهما بأول طلعات جوية مشتركة فوق الأراضي السورية واستهداف تنظيم «الدولة» مؤشر أكبر على هذا التفاهم التركي الروسي في سماء سوريا وليس على أرضها فقط، ولذلك نرجح صدق تحليلات بعض السياسيين بأن إيران ستكون مهمشة في مؤتمر أستانا لمصلحة الرؤية التركية، والرؤية التركية تقوم أساسا على ان كل معاناة الست سنوات الماضية كان يمكن اختزالها بستة أشهر من الإصلاحات التي كان يمكن ان يقوم بها بشار الأسد عام 2011، ولكنه رفض ذلك في ذلك الوقت، وهو اليوم يتمنى ذلك، ولكنه لن يجـــده، ولذلك سيأتي إلى مؤتمر أستــانا صاغرا بعد فشله في تخريب الهدنة، لأن روسيا ترفض تخريب مؤتمر أستانا أولاً، وسوف تحاسب من يفشل المؤتمر ولو بعد حين.
ولذلك كان إعلان وزير الخارجية الروسي لافروف يوم 17 كانون الثاني/يناير الجاري مهم جدا، والذي قال فيه بانه:» لولا تدخل روسيا لسقط نظام الأسد خلال أسبوعين» وهو بذلك يوصل رسالة إلى بشار الأسد بأن يلتزم حدوده، فلم يتمكن من حماية نفسه أولاً، ولم تتمكن إيران بالرغم من كل حربها الطائفية طوال أربع سنوات من إنقاذه، فذهب الجنرال قاسم سليماني يتسول المساعدة العسـكرية من روســيا في تموز/يوليو 2015 قبل أن يخسر المعركة في ســـوريا، وبالتالي فلا يملكان أن يمليا شروطهما على روسيا، فروسيا تتصرف كدولة مسؤولة عن تدخلها العسكري في سوريا أمام الشعب السوري والعالم العربي والإسلامي والعالم أجمع، ولن تقبل بعد الآن خوض معركة لا أفق لها.
لذلك ينبغي النظر إلى مقولات إيران وبشار الأسد الإعلامية حتى مؤتمر أستانا بكثير من الأسى على مخاوفهما مما ستؤول إليه الأمور في سوريا، فقد أدركت روسيا قدراتهم العسكرية والقتالية خلال السنة ونصف الماضية ميدانيا، وعلمت أن انسحاب روسيا من سوريا سيعني نهاية المشروع الإيراني في سوريا والمنطقة، لأنه احتلال خارجي أجنبي مرفوض ومكروه من الشعب السوري والأمة العربية والإسلامية، ولا مصلحة لروسيا أن تضحي من أجل الاحتلال الإيراني في سوريا.
ما يشهد لذلك ذعر إيران مما يجري، فقد أخذت إيران على غير عادتها تعلن أنها فقدت الآلاف من جنودها وضباطها في سوريا، وأنها صرفت خلال هذه الحرب التي شنتها على سوريا 175 مليار دولار، وانها لن تقبل بخسارة هذه المعركة بالمفاوضات السياسية، وقامت يوم 18 كانون الثاني/يناير الجاري أيضاً بتوقيع اتفاقيات شراء ما تظن أنه يعوض خسارتها المالية، ولكنها اخطأت عندما كان البائع لها هو بشار الأسد الذي لا يملك ما يبيع، ولكن إيران تريد هذه العقود لتقول لروسيا والعالم بان لها حقوقاً وصكوكاً في سوريا، وكأنها ستضع هذه الصكوك المالية والاتفاقيات الاقتصادية على طاولة المفاوضات وتطالب بتسويتها قبل الخروج من سوريا، وهي لا تدرك أن دم طفل سوري واحد أغلى ثمنا من كل المال الذي خسرته في حربها الطائفية.
جبهات المعارضة
لذلك فإن ما يجري في أستانا لن يكون محاولة لضم مجموعات إرهابية للمصالحة الوطنية وإلقائها السلاح كما يدعي بشار الأسد مع وكالة أنباء يابانية، لأن المجموعات المسلحة القادمة ترى نفسها أنها قادمة على جبهة أخرى من جبهات المعارضة السياسية لا تقل أهمية عن جبهات القتال الداخلية، وهدفها بناء سوريا الجديدة الخالية من الميليشيات الطائفية والإرهابية معاً، وتركيا وروسيا تؤيدان هذا التوجه للمعارضة السورية، وتدركان أيضاً أن شخص بشار الأسد أصبح عنوان الأزمة السورية وبقائها، وان الحل النهائي ليس لوقف الصراع في سوريا فقط، وإنما لمستقبل سوريا ونوعية الدولة التي ينبغي السعي لإيجادها، فإذا أبت إيران وأمريكا إلا مواصلة الصراع في سوريا حتى تقسيمها، فإن لروسيا طريقها في البحث عن مصالحها أيضا، كما ان لتركيا طريقها في البحث عن أمنها ومصالحها معاً، فتركيا تعمل بكل جد لنجاح مفاوضات أستانا، ولكن تدرك صعوبتها، وفشلها يفرض على تركيا تأمين حدودها الجنوبية وشمال سوريا مع سكانها الأصليين من الشعب السوري العربي، ورفض كل الكانتونات الانفصالية شمال سوريا، وهو ما تأمل ان تشاركها فيه روسيا والإدارة الأمريكية الجديدة في عهد ترامب، بعد أن أخلت إدارة أوباما بكل تعهداتها مع تركيا بخصوص أوضاع شمال سوريا.
القدس العربي
هل تمهد مباحثات أستانا لخروج روسيا الاستراتيجي من المستنقع السوري؟/ فالح الحمراني
موسكو ـ «القدس العربي»: تراهن الأطراف المعنية باجتماع أستانا عاصمة كازاخستان بين ممثلي التشكيلات المسلحة للمعارضة السورية ووفد النظام بإشراف روسي تركي إيراني، تراهن على انها ستمهد الطريق لإنعاش عملية تسوية فعلية. ويأمل كل طرف ان أجندته ستكون موضع اهتمام وتنفيذ لأنها وفقا لرأيه هي السبيل الوحيد لوقف حمامات الدم المتواصلة منذ عام 2011 في سوريا. ولكن قبل عقد الاجتماع المرتقب، ما زالت تظهر التأويلات والمطالب والتناقضات بصدد الجهات التي تشارك فيه، وامتدت الخلافات إلى المشرفين عليه والدولة التي تحتضنه.
ووضعت روسيا، قبل إطلاق اجتماعات أستانا التي ستمهد لاستئناف مؤتمر جنيف، بيد النظام العديد من الأوراق وتأمل ان يستخدمها بعقلانية وبروح مسؤولة وبطرح التنازلات لإنجاح عملية التسوية التي ينشدها شعب سوريا وقواه البناءة، وان يهيئ لها الطريق للانسحاب الاستراتيجي من النزاع هناك، كما ذهبت روسيا بشوط بعيد وإلى حد التوقيع على مذكرة عسكرية للتعاون مع «الخصم السابق» تركيا، وتخفيف موقفها من قضايا مفصلية في التسوية في مقدمتها مطلب رحيل بشار الاسد في إطار مرحلة انتقالية وابعاد الأكراد وتهميش دورهم في مفاوضات جنيف وتبديد حلمهم في الحصول على منطقة حكم ذاتي. وتفاهمت أيضا مع إيران والصين ودول أخرى لتدعم رؤيتها للتسوية. وللتعبير عن النوايا أعلنت روسيا تقليص وجودها في الأرض السورية، وسحبت من شواطئها حاملة الطائرات كوزنيتسوف وملحقاتها، كما قامت باستعراض كبير في قاعدة حميميم الجوية، عرضته قنوات التلفزيون الروسي بتوديع دفعة من الجنود والضباط والمقاتلات التي تغادر الأرض السورية وتعود للوطن. وحسب المعطيات العسكرية فان القوة التي ما زالت في سوريا التي ستواصل بقائها في سوريا تكفي لتأدية مهام دعم قوات النظام في المواجهات مع التشكيلات التي لم تدخل عملية التسوية، وان تتعاون مع القوة الجوية التركية للقيام بعمليات مشتركة.
وحدد الجانب الروسي أهداف اجتماع أستانا حصرا في تثبيت وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه بالتعاون مع إيران وتركيا في 29 كانون الأول/ديسمبر الماضي لإنعاش مباحثات جنيف. وترى موسكو ان الثلاثي (روسيا وتركيا وإيران) يمثل واقع ما يجري على الأرض السوري ولديه كافة مستلزمات التأثير على المكونات المتحاربة. كما تعقد موسكو الرهان على ان حصر اللقاء بممثلي التشكيلات العسكرية سوف يمنح الاتفاقات مع النظام، في حال التوصل لها، قوة إضافية لتجسيدها على الأرض، وحددت كما جاء في بيان نشر على موقع وزارة الدفاع الروسية الفصائل المشاركة بفيلق الشام وأحرار الشام وثوار الشام وجيش المجاهدين وجيش ادلب والجبهة الشامية. وأفادت وزارة الدفاع الروسية ان 104 تشكيلة مسلحة معارضة أعلنت تمسكها بوقف إطلاق النار.
وألقت بعض تلك الجماعات الشكوك على جدول المؤتمر بنشرها تصريحات عن تعليق مشاركتها، ولكنها عادت للموافقة خلال اجتماع انقرة والاتفاق على المواقف التي ستطرح في اجتماع أستانا. ولن يتعرض الاجتماع وفقا لكل المعطيات للقضايا السياسية، وانما لآليات إطلاق النار. وتأمل موسكو ان تجر لبرنامج التسوية قيادات ميدانية تؤمن لها مواقع في الحكم في المرحلة الانتقالية.
ويجمع المراقبون على ان موسكو معنية بالخروج من الحرب السورية بكرامة وبالاحتفاظ بماء الوجه من خلال عقد اتفاقية سلمية تسمح لها وقف مشاركتها الكثيفة في الأعمال القتالية، فضلا عن ذلك من المهم بالنسبة للكرملين ان تتشكل في دمشق سلطة موالية للحكومة الروسية، في مقدروها فرض السيطرة على المدن الرئيسية وهو ما يجري الآن، وتوافق على وجود المنشآت الروسية العسكرية في البلاد، ومن أجل تحقيق هذا الهدف فان موسكو مستعدة للاتفاق مع اللاعبين النافذين في المنطقة وفي الدرجة الأولى مع تركيا التي لها مصالح خاصة في شمال سوريا والقضية الكردية.
الانشقاق الإيراني
ويهدد تحرك إيران المفاجئ المطالب بعدم دعوة الولايات المتحدة للمباحثات بنسف مباحثات التسوية السورية المرتقبة في أستانا. كما دعا الرئيس حسن روحاني إلى عدم دعوة «بعض الدول» التي حسب وصفه كانت لها مواقف غير بناءة «ودعمت الإرهاب» وتتناقض بيانات كبار المسؤولين في طهران مع خطط روسيا وتركيا، فضلا عن انها كشفت عن مؤشرات حدوث انشقاق في داخل الثلاثي موسكوـ أنقرة ـ طهران، الذي أطلق مبادرة إنعاش التسوية السلمية في سوريا. وعلى حد قول صحيفة «كوميرسانت» الصادرة في موسكو: ان الموقف الإيراني سيعقد مَهمة روسيا الأولى على صعيد سياستها الخارجية والمتمثلة بتسوية النزاع السوري مع الأخذ بالاعتبار مصالح جميع اللاعبين الرئيسيين، وتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية مع استلام دونالد ترامب منصب الرئاسة. وتعقد موسكو الرهان على ان تواجد ممثلي واشنطن من الإدارة الجديدة في مباحثات أستانا، سيكون أول اتصال رسمي يمكن خلاله الشروع بزيادة فعالية مكافحة الإرهاب في سوريا.
ووفق تقييم خبير فرع مركز كارنيجي في موسكو الكسي مالاشينكو، فان «موسكو تلقت من طهران نقرة أصبع وليس ضربة، تعيد الأذهان إلى ما يمثله واقع عالم متعدد الأطراف في العالم وفي الشرق الأوسط الذي تتحدث عنه الدبلوماسية الروسية». ويرى مالالشينكو ان إيران تريد بخطوتها هذه ان تظهر بانها غدت منذ زمن بعيد مركز قوة مستقلا وتدعي بقيادة منطقة ذات أهمية استراتيجية وأنها لا تنوي التنازل عنها لأحد بما في ذلك لروسيا.
ويرى خبير معهد الاستشراق الروسي فلاديمير سوتنيك ان تحرك طهران يبين مدى هشاشة التحالف بينها وروسيا في النزاع السوري. وحسب تقييمه فان أهداف البلدين على المسار السوري على الأفق البعيد، متباينة بصورة جوهرية. لأن إيران، على حد قوله، على خلاف موسكو تهدف لمواصلة الحرب في سوريا حتى تحقيق النصر النهائي، وان تستخدم لذلك ولحد أقصى، القوة الجوية الروسية والمستشارين الروس. وأضاف: «ولكن لدى موسكو أهدافها وأنها لا تعتزم الحرب في سوريا إلى ما لا نهاية والآن تمعن التفكير بخروج استراتيجي» ولهذا حسب رأي سوتنيك نشأ احتكاك محتوم بين البلدين.
ويرى مراقبون ان موقف طهران من مباحثات أستانا أصبح بالنسبة لموسكو مفاجأة غير سارة. وأشار المستعرب الروسي غريغوري كوساتش إلى «ان الجانب الإيراني حقق لنفسه شرط عدم حضور المملكة العربية السعودية أو غيرها من دول الخليج العربية في المباحثات». ويرى كوساتش «إذا لم يحضر ممثلو الإدارة الأمريكية الجديدة مباحثات أستانا، استجابة لمطالب طهران فان العديد من الجماعات المعارضة يمكن ان ترفض المشاركة في عملية التسوية وهذا سيؤدي إلى مأزق وبالتالي اندلاع الأعمال القتالية على نطاق واسع وان هذا التطور لا يتناسب ومصالح روسيا، بالرغم من هدف إيران يكمن بذلك (إطالة الحرب) على الرغم من إيران لن تعلن عن ذلك بصراحة».
وثمة قناعات ان الخطة الروسية /التركية للتسوية السلمية المدعومة دوليا والوصول من خلالها إلى التسوية السياسية، هي لحد اليوم الآلية الواقعية الوحيدة القادرة في ظل وضع ملموس وإرادة سياسية على انعاش المباحثات بين القوى المتحاربة والشروع في حل المهام المتعلقة بتنظيم الفترة الانتقالية وتشكيل مؤسسات الحكم، وتهيئة الأجواء لخروج القوى الأجنبية من دول وجماعات، لإستعادة سوريا ووحدتها واستقلالها وسيادتها.
القدس العربي
إيران في الطريق إلى أستانة: كن وسطاً وإمش جانبا/ نجاح محمد علي
كان الوفد الإيراني برئاسة حسين جابري أنصاري معاون وزير الخارجية أول الواصلين إلى أستانة عاصمة كازاخستان، وقد أجرى قبل ذلك مفاوضات تنسيق مكثفة مع نظيره السوري فيصل المقداد في طهران، سبقها هو بزيارة إلى دمشق والتقى الرئيس السوري بشار الأسد، ومنها طار إلى بيروت والتقى أمين عام حزب الله حسن نصر الله، فيما كان المنسق للقاء التشاوري لوزراء دفاع إيران وسوريا وروسيا الأميرال علي شمخاني يقوم بزيارة مماثلة إلى دمشق لارسال رسالة إلى كل من يعينه الأمر عن حجم التنسيق بين إيران وسوريا من جهة، وبينهما وروسيا من جهة أخرى على الرغم من كل ما نشر حول تهميش إيران أو وجود خلافات بين الأطراف الثلاثة حول الحل، أو ما سماه البعض بتراجع الدور الإيراني أمام الدور التركي الصاعد في الأزمة السورية.
خلاف ام تكتيك؟
وما ساعد في إثارة تلك التكهنات، وهي كما يبدو تساعد في دفع استراتيجية المحور الروسي الإيراني السوري الرامية إلى احتواء الموقف التركي من الأزمة السورية، ودفعه باتجاه القبول بالإطار العام الذي حدده الاجتماع الثلاثي الروسي الإيراني التركي في موسكو في العشرين من كانون الأول/ديسمبر وسقفه القبول ببشار الأسد رئيسا للبلاد في الفترة الانتقالية، والتخلي عن المطالبة برحيله، ورفض إقامة مناطق آمنة أو عازلة داخل الأراضي السورية، هو الاعتراض الإيراني السوري على دعوة روسيا للولايات المتحدة للمشاركة في أستانة.
الإيرانيون ومعهم السوريون يرون أن اجتماع أستانة يؤشر على أفول الدور الأمريكي، ولا حاجة إلى إعادته من جديد إلى الواجهة خصوصا وأنه لا يمكن الوثوق بأمريكا استناداً إلى دورها «السلبي» في سوريا كما عبر الجانبان.
ويشير تصريح لافت أطلقه الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني في هذا الصدد، الى أن طهران ودمشق وموسكو تنسقان بشكل كامل تفاصيل الطريق نحو أستانة لكنهما تركتا لموسكو أن تتصدر المشهد، بينما هما ينسقان من الخلف عندما قال شمخاني بصفته المكلف تنسيق العمل السياسي والأمني والعسكري مع روسيا وسوريا» ليس هناك ما يدعو إلى مشاركة الولايات المتحدة في إدارة المبادرات السياسية في الأزمة السورية، ومن المستبعد أن تلعب دوراً في مفاوضات أستانة» لكنه ترك الباب موارباً بقوله إن بإمكان «الدولة المضيفة» دعوتها «بصفة مراقب»، قائلاً إن إيران «بصفتها الداعم الرئيسي للحكومة السورية الشرعية في مكافحة الإرهاب، ستعلب دوراً ناشطاً في مؤتمر أستانة».
فور هذا التصريح قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في منتدى دافوس في سويسرا «نحن نعارض مشاركة أمريكا في اجتماع أستانة» غير أنه تحدث عن رغبة إيرانية لافتة في العمل مع السعودية للمساعدة على إنهاء الصراعات في سوريا واليمن بعد نجاحهما في التعاون بشأن لبنان العام الماضي.
وقال ظريف في المنتدى الاقتصادي «لا أرى سببا في أن تكون هناك سياسات عدائية بين إيران والسعودية، حقيقة يمكننا العمل معا لإنهاء الأوضاع المأساوية لشعوب سوريا واليمن والبحرين وغيرها من دول المنطقة».
هذا الخلاف «الظاهري» غير القاطع والحاسم حول المشاركة الأمريكية، مكّن الروس من التقدم إلى الامام لاقناع تركيا لتتصدر هي أيضاً المشهد في الجهة المقابلة، وتتحدث كممثل عن باقي أطراف الصراع الاقليميين في سوريا، ويؤدي ذلك بالتالي إلى إشراك جماعات مسلحة ترفض الدور الإيراني، وتنظر إليه من زاوية طائفية مثل «جيش الإسلام» الذي قدم قائده محمد علوش ليتولى في النهاية رئاسة وفد الفصائل المسلحة «المعارضة»، وما يسميه البعض بقلب الطاولة على المعارضة السورية أو حتى إيجاد «ثورة» داخل صفوف «الثورة» السورية التي كانت رافضة من الأساس مبدأ الجلوس وجهاً لوجه مع «النظام» والاعتراف به، وبالرئيس بشار.
وفي هذا الواقع يمكن أيضا وضع تصريح ميتري بيسكوف، الناطق باسم الكرملين، الذي قال «إن موقف إيران يسهم في تعقيد مسألة مشاركة الإدارة الأمريكية في مفاوضات أستانة حول سوريا، وهذه المسألة غاية في الأهمية، في إطار لعبة حذرة للغاية». لتفتح أكثر الذراع الروسية لاحتواء ما يمكن من لاعبين يدعمون في نهاية المطاف الحل السياسي والمفاوضات الحاسمة التي ستتبع «أستانة».
وبدا لافتاً أن سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي سارع من جهته بعد تصريح بيسكوف، إلى الإعلان لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن التنسيق مستمر بين البلدان الثلاثة إيران وروسيا وسوريا، وشدد على أن هذه البلدان تستطيع أن تعزز النتائج التي تحققت نتيجة التشاور فيما بينها خلال اجتماع أستانة. واعتبر رياباكوف أن الاجتماع سيبحث الأزمة السورية بعد عدة سنوات من اراقة الدماء، ونوه إلى أن البلدان الثلاثة ستبحث الخطوات التالية بعد أستانة لحل الأزمة السورية.
وأشار رياباكوف إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 وقال إنه انعكس بشكل ايجابي على أوضاع المنطقة ومن بينها الأزمة السورية، مضيفا ً»إن الجمهورية الإسلامية لم تستفد لوحدها من هذا الاتفاق وانما استفادت منه كافة الأطراف والمنطقة».
من جانبه تطرق ميخائيل بوغدانوف مساعد وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للشرق الأوسط إلى دور التنسيق بين إيران وروسيا في تسوية الأزمة السورية، وفيما أكد تحقيق انجازات كبيرة على صعيد محاربة الإرهاب في سوريا شدد على أن مكافحة الإرهاب ستستمر.
وفي البين يمكن القول ايضا إن الرفض الإيراني وحتى السوري للمشاركة الأمريكية الذي هو بالتنسيق مع الشريك الروسي، لا يستند إلى أساس فيما يتعلق بعدم وجود ثقة بالعهود والوعود الأمريكية، لأن أداء واشنطن «السلبي» في سوريا تم في عهد الإدارة الأمريكية الراحلة بعد مجيء رئيس جديد «مفتون» كما تعبر أوساط إيرانية بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويسعى إلى التعاون معه لحل الأزمة السورية دون التدخل العسكري، وبعيداً عن دعم الفصائل المسلحة.
ومع بداية تفكيك الرئيس دونالد ترامب بعض ما أنجزته الإدارة الأمريكية السابقة بالتوقيع فور تسلمه مقاليد الرئاسة على أول مرسوم له وكان ضد قانون الرعاية الصحية (أوباما كير) الذي يعد من أهم إنجازات الإدارة السابقة، يرى فريق من الإيرانيين أن مشاركة واشنطن في أستانة ستكون أكثر من ضرورية مهما كانت صفتها، لعلها تفتح الطريق إلى لقاءات ثنائية إيرانية أمريكية على الهامش، تخفف من حدة التوتر والاحتقان الذي تبشر به واشنطن مع طهران في العهد الأمريكي الجديد.
وبما أن ترامب لم يظهر خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه بالرئاسة موقفاُ معارضا للمشاركة الإيرانية في محادثات السلام حول سوريا، فان المعارضة الإيرانية للمشاركة الأمريكية في أستانة، توضع في خانة التنسيق مع الحليفين الروسي والسوري، وتنسجم مع الخطاب الإيراني العام «الملتزم» بشعارات الثورة، واستخدامها ورقة سياسية في التفاوض لتحقيق مكاسب في مجالات أخرى أهمها الاتفاق النووي، واستمرار عقوبات أمريكية مفروضة على إيران وغيرهما.
النووي في أستانة
مشتركات عديدة تجمع ترامب بإيران منها محاربة الإرهاب والتطرف الإسلامي، وأن الرئيس الأمريكي الجديد يعارض إسقاط الأنظمة عبر «ثورات الربيع العربي» ما يعني أنه لن يقدم على عمل ضد نظام الأسد حليف إيران، ولن يقدم على عمل عسكري ضد إيران نفسها لتغيير نظامها أو يدعم عملاً ضدها. ويعتقد فريق في طهران أن المشاركة الأمريكية في أستانة، حتى إن جاءت بصفة مراقب، يمكنها أن تفتح أفقاً جديدا للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، وقد تقوم موسكو أو سلطنة عمان بدور مشابه لما قامت به مسقط عندما كسرت الجمود في المفاوضات النووية وسهلت للإيرانيين الاجتماع بالأمريكيين وجهاً لوجه قبل أن تنطلق مفاوضات جدية أنهت الخلاف حول برنامج إيران النووي بطريقة سلمية.
ويرى فريق من الإيرانيين الداعمين لسياسات الرئيس حسن روحاني نحو الانفتاح أن رفض طهران المشاركة الأمريكية تهيمن عليها المخاوف من احتمال أن يلغي ترامب الاتفاق النووي، إضافة إلى أن الحكومة التي سيقودها ترامب لا تنظر بايجابية إلى الدور الإيراني في عموم المنطقة، ومخاوف من الاستمرار في سياسة فرض العقوبات عليها.
المياه وبوابة الاقتصاد
ومهما يكن من أمر فقد استطاعت إيران فرض نفسها لاعبا أساسياً من خلال وجودها في الميدان على الأرض وهي اليوم تساهم قبل غيرها في التحضير لمرحلة ما بعد الحرب، إذ تم في الأيام الماضية إبرام عدة اتفاقيات اقتصادية هامة، منها تشغيل الخلوي، وإيجاد ميناء نفطي إيراني على الساحل السوري وغيرها، ويدها على الزناد فيما لو فشل اجتماع أستانة في تثبيت وقف إطلاق النار!
القدس العربي
اختبار مبكر لنوايا إدارة ترامب في الشأن السوري: محادثات أستانا خطوة أولى لتعزيز العلاقات الأمريكية ـ الروسية/ رائد صالحة
واشنطن ـ «القدس العربي»:اختارت روسيا، في خطوة تدعو للسخرية، تسليم الإدارة الأمريكية رسالة دعوة لحضور محادثات السلام السورية في أستانا في كازاخستان في يوم العمل الأخير للرئيس السابق باراك أوباما، كما تشير الطريقة التي تمت فيها توجيه الدعوة إلى نوع من الازدراء السياسي حيث احيلت الدعوة من خلال السفارة الأمريكية في موسكو وليست عبر القنوات الدبلوماسية الروتينية مثل مقر وزارة الخارجية في واشنطن.
السلوك الروسي كان يأخذ في عين الاعتبار ان يكون قرار مشاركة الولايات المتحدة في محادثات أستانا ليس من ضمن اختصاص إدارة الرئيس السابق باراك أوباما اضافة إلى منح الرئيس الجديد دونالد ترامب فرصة منح قرار المشاركة في خطوة قد تشكل بداية نحو الانخراط مع روسيا، حيث هاتف سيرغي كيسلياك، السفير الروسي في واشنطن، مستشار الأمن القومي لإدارة ترامب في يوم 28 كانون الأول/ديسمبر الماضي ليبلغه الدعوة لحضور اجتماعات أستانا، وستعني مشاركة واشنطن البدء في أول اتصال رسمي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإدارة ترامب.
وحرصت موسكو على الحفاظ على مرونة في شكل محادثات أستانا لتتناسب مع مستوى مشاركة الولايات المتحدة، وألمح المتحدث باسم وزارة الخارجية في موسكو إلى أمكانية احداث تغييرات في مواعيد المحادثات، أما إيران التي أعلنت معارضتها لمشاركة واشنطن في دعاية تستهدف المجتمع المحلي فهي لا تمانع في واقع الأمر من مشاركة واشنطن وفقا لأقوال العديد من المحللين لكي تعرض نفسها كقوة إقليمية مسؤولة على مرأى ومسمع خبراء ترامب.
وتشير الأدلة إلى ان المحادثات ستكون جوهرية حيث استمر وقف اطلاق النار إلى حد كبير بعد اتفاق لم تشارك فيه واشنطن، ومن البنود الأساسية لجدول أعمال أستانا توطيد وقف اطلاق النار في جميع أنحاء سوريا اضافة إلى صياغة دستور جديد واجراء استفتاء وانتخابات، والدلائل تشير، أيضا، إلى درجة عالية من التعاون والتنسيق بين المخابرات التركية والروسية في التخطيط الاستراتيجي لمحادثات أستانا بدون مشاركة من وكالات الاستخبارات الأمريكية التي تلعب دورا هاما في تضاريس المعارضة السورية.
روسيا تشعر بارتياح بالغ لتغير الموقف التركي بشأن سوريا ما يفسر استعدادها لتقديم الدعم الجوي للعمليات العسكرية التركية في شمال سوريا كما يقول المحلل بي كي بهادراكمار مضيفا ان هناك سعادة في موسكو لتباعد المواقف التركية عن مواقف الإدارة الأمريكية بشأن سوريا، اما الاستنتاج الهام الذى خرج به بهادراكمار وعدد غير قليل من المحللين هو ان موسكو تعلق آمالا كبيرة على إدارة ترامب للتراجع عن سياسات أوباما، وبدلا من ذلك، الدخول في تعاون فعال في قضايا أخرى مثل حل الصراع الدموي في سوريا أو مكافحة الإرهاب في البلاد.
اجتماعات أستانا جاءت بعد محاولات فاشلة لمدة عام على الأقل من إدارة أوباما وروسيا لتنفيذ وقف لاطلاق النار وبدء محادثات السلام في سوريا، وقد اتهمت واشنطن وموسكو بعضهما البعض بتخريب هذا الجهد، وبدأت موسكو عملية جديدة تهدف إلى اظهار دور قيادي خاص في المسائل الإقليمية والدولية.
ودعا ترامب في مناسبات عدة لزيادة التعاون مع روسيا في عدد من المجالات منتقدا الإدارة السابقة زاعما بانها ضيعت الكثير من الفرص بسبب القيادة الضعيفة، ووفقا للمعلومات المتوفرة في الأيام المعدودة القليلة الماضية من عهد ترامب فقد انحصرت الاتصالات حتى الآن على مهاتفات لمناقشة محادثات كازاخستان وكما قيل فان المحادثات كانت ايجابية وبسيطة وواضحة.
قضية تعاون إدارة ترامب وحكومة بوتين مع الأطراف الأخرى مثل تركيا وإيران في الشأن السوري ليست بسيطة كما تبدو الامور للوهلة الأولى، إذ انتقد ترامب مرارا إيران التي تقدم دعما عسكريا إلى جانب روسيا لنظام الأسد ضد قوات المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة ولكنه في الوقت نفسه دعا إلى التعاون مع روسيا في مكافحة الإرهاب في سوريا وقال ان الاطاحة بالأسد ليست مصلحة أساسية للولايات المتحدة. ومن جانب آخر، ورغم التنسيق الثنائي التركي الروسي حول المحادثات إلا ان انقرة أكدت على دعوة الولايات المتحدة وقالت انه لا يمكن تجاهل دور الولايات المتحدة واشارت إلى انها اتفقت مع موسكو على ذلك.
وقال ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكية، أثناء جلسة استماع لتأكيد ترشيحه بان روسيا وسوريا وتركيا وإيران تعملان على فرض شروط اللعبة في سوريا في غياب المشاركة الأمريكية داعيا إلى زيادة مشاركة الولايات المتحدة في الصراع كما حذر من ان التعاون مع إيران في سوريا سيتعارض مع المصالح الأمريكية.
وأعرب ترامب وبوتين عن اعجابهما ببعض، وقالت موسكو مرارا ان نهج ترامب مختلف عن أوباما ويوحى بانه لا يستخدم «المعايير المزدوجة» في اشارة إلى ان إدارة أوباما كانت تحاول تحقيق أهداف سياسية من خلال الحرب ضد الإرهاب وانها استخدمت تنظيم «الدولة» سرا في محاولة للإطاحة بالأسد، وفي الواقع، هناك اعتقاد بين أوساط الخبراء بان نجاح أي محادثات بين إدارة ترامب وموسكو في الشأن السوري قد يكون بداية لاجراء مفاوضات عالية المستوى في قضايا حساسة وخطرة أخرى مثل قضية العقوبات والأسلحة النووية وبرامج الدفاع والعودة إلى الاستقرار الاستراتيجي.
ووفقا للعديد من المنصات الإعلامية فان إدارة ترامب درست الدعوة الرسمية لحضور محادثات تسوية الأزمة السورية ولكنها تشعر بانها بحاجة إلى مزيد من الوقت للتوصل إلى رؤية كاملة وواضحة بشأن كيفية حل الأزمة. وفي الواقع، فان إدارة ترامب مضطرة في أيامها الأولى للتعامل مع الأزمة السورية كاول مشكلة في السياسة الخارجية، وهي ليست فقط مشكلة عالمية بل، فرصة لإدارة ترامب لتوضيح موقفها من السياسة الدولية وقدرتها على حل الصراعات المعقدة، وإذا لم يتم تحقيق أي هدف في أستانا فان محادثات جنيف ستعقد في غضون أسبوعين ولا مفر من التدخل.
القدس العربي
مؤتمر أستانة: وهم الحل وتضخم طموحات بوتين وفرصة ترامب/ إبراهيم درويش
في 23 كانون الثاني (يناير) ستستضيف أستانة عاصمة قازخستان مؤتمرا ترعاه كل من روسيا وتركيا وتشارك فيه المعارضة السورية إلى جانب وفد النظام السوري. وتهدف موسكو تحديدا من هذا المؤتمر تثبيت وقف إطلاق الذي توصلت بمساعدة من تركيا وتعبيد الطريق أمام حل للأزمة السورية التي مضى عليها ستة أعوام وتركت أثارها التدميرية على البلاد وزعزعت استقرار الدول الجارة وصدرت اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي بحيث فككت كيانه وقادت إلى خروج بريطانيا منه في استفتاء حزيران (يونيو) 2016. ولا يختلف المؤتمر في توليفته من ناحية المدعوين والمشاركين إلا بكون الولايات المتحدة باتت طرفا مدعوا (ضيفا) وليست لاعبا رئيسيا كما في محادثات جنيف الأولى والثانية. والداعي لهذا هو انشغال واشنطن بعملية الانتقال السياسي من إدارة باراك أوباما لإدارة دونالد ترامب والآخر هو تراجع النفوذ الأمريكي في الحرب السورية لتركيزها على ملف مكافحة تنظيم «الدولة» وترددها بدعم حلفائها المعارضين لنظام بشار الأسد وتحولها طرفا في النزاع بدعم قوات حماية الشعب الكردية. وكانت معركة حلب الأخيرة والتي خرج فيها مقاتلو المعارضة من معقلهم القوي مؤشرا على تسيد روسيا الملف السوري فيما وقفت أمريكا متفرجة.
وهو ما يشي به اعتراف وزير الخارجية في الإدارة السابقة جون كيري.
ففي مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» (19/1/2017) واستعرض فيه إنجازات وإخفاقات إدارة رئيسه أوباما قال فيه إن تعامل المجتمع الدولي مع سوريا سيظل محلا للجدل. واعترف أنه لم يستطع إقناع البيت الأبيض بتبني سياسة متشددة تجاه النظام السوري. وقال إن الإدارة درست كل الخيارات من إرسال قوات كبيرة إلى نشر عناصر من قوات العمليات الخاصة ووازنت بين ما يمكن تحقيقه عبر التدخل العسكري وتورط طويل الأمد في سوريا. وقال إنه لا يعتبر نفسه من دعاة السلمية وأنه قاتل شابا في حرب فيتنام التي علمته أن على صناع القرار قبل لجوئهم للحرب استخدام كل ما لديهم من قوة لتحقيق أهدافها بطرق أخرى، أي الطرق الدبلوماسية.
روسيا الطامحة
وما لم يقله كيري أن صناع القرار مطالبون بحرف ميزان الحرب وخلق الظروف لنجاح الدبلوماسية وإلا ظلت محاولاتهم تمارين في مجال العلاقات العامة. وهذا ما فهمته روسيا، فقد استغلت التردد الأمريكي وتدخلت عسكريا في نهاية إيلول (سبتمبر) 2015 واستطاعت بعد عام ونصف تقريبا تغيير مسار الحرب وأنقذت نظام الأسد واستطاعت عبر المسرح السوري الذي باتت تسيطر عليه استعراض قوتها وتوسيع مدى طموحاتها في المنطقة. وترى صحيفة «فايننشال تايمز» (19/1/2017) أن اجتماعات أستانة لا تعني أن الأطراف المشاركة فيها ستتفق على حل سلمي بل على العكس تظل فرص التوصل إلى تسوية ضئيلة. وما يدفع روسيا لرعاية مؤتمر في بلد موال لها هو رغبتها بإرسال رسالة عن عودتها كلاعب رئيسي في شؤون الشرق الأوسط. وقالت إن المسؤولين الروس يشعرون بالنشوة لمجرد توجيههم دعوة للإدارة الأمريكية الجديدة للمشاركة في مؤتمر هم رعاته والتفاوض على ساحة أصبحوا هم أسيادها. وناقشت الصحيفة أن الطموحات الروسية هي أبعد من أن تظل منحصرة في سوريا. ونقلت عن سفير روسي سابق قوله «فشلت سياسة أوباما في الشرق الأوسط فدخلنا». ويقول نيكولاي كوزانوف، المحاضر في الجامعة الأوروبية بسانت بطرسبرغ إن الدور الذي لعبته موسكو في حلب والإنجازات العسكرية فيها أثارت شهية المسؤولين الروس للعب أدوار أخرى. وقال إن الكرملين «يعتبر سوريا وسيلة (للتأثير الإقليمي) لا هدفا بحد ذاتها». ويتفق محللون على أن السياسة الروسية الخارجية لم تعد ترد على الأحداث بقدر ما تقوم بتشيكلها عبر التدخل في النزاعات المحلية كما هو باد من مساعدة الرئيس فلاديمير بوتين للجنرال الليبي خليفة حفتر. ولا ينفصم النشاط الروسي في المنطقة عن المصالح الاقتصادية والعسكرية، فموسكو ترغب في بيع أسلحتها لدول أخرى غير زبائنها التقليديين مثل إيران وسوريا ومصر. وتريد أيضا الاستفادة من مشاريع النفط والغاز في المنطقة. وفي الوقت الحالي حققت روسيا ما تريده من أهداف في سوريا وهي تأمين النظام وحماية قاعدتها البحرية في طرطوس وإنشاء قاعدة جوية في اللاذقية. وهي تسيطر على نصف الساحل السوري لدرجة جعلت الكثير من السوريين يعتقدون أن روسيا تتحكم ببلادهم.
مشاركة أمريكا
وعلى العموم يعرف بوتين أن دوره في المنطقة مشروط بالتعاون مع الولايات المتحدة. ولهذا عقد آمالا كبيرة على وصول ترامب إلى البيت الأبيض والرسائل الإيجابية التي تلقاها من الرئيس الجديد. إلا أن المسؤولين الروس لا يتوقعون الكثير في ضوء التصريحات المتناقضة من الرئيس الجديد كما نقل موقع بلومبيرغ (19/1/2017) عن عدد من المحللين الروس. وربما كانت أستانة فرصة للتعاون بين البلدين. وكما ناقش ديفيد بولوك بمقال على موقع معهد واشنطن (19/1/2017) فمؤتمر أستانة قد يكون «النصر الأول لسياسة ترامب الخارجية» وقال إن إدارة الرئيس الجديد لم ترد على الدعوة التي وجهت لها للمشاركة فيه «لكن عليه (ترامب) أن ينتهز الفرصة للعمل مع روسيا وآخرين لحل المشكلة السورية التي استعصت على إدارة أوباما». ويقول إن الإدارة الجديدة قد لا تتمكن من المساهمة بشكل جدي في اجتماعات أستانة إلا أن أمامها فرصة للمشاركة في مؤتمر جنيف المقبل في الثامن من شباط (فبراير) المقبل. ولا يرى الكاتب أي ضرر من تعاون الإدارة الجديدة مع روسيا خاصة أن نهج الإدارة السابقة كان يقوم على التعاون معها. وكانت النتيجة دائما الفشل باستثناء الإتفاق على تفكيك سلاح سوريا الكيميائي عام 2013 بعد استخدامه ضد المدنيين في الغوطة الشرقية. ويربط الكاتب التعاون هذا بشرط أن يكون مساعدا على تحقيق الأهداف الأمريكية وهي القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية بدلا من منح الروس الوقت للحفاظ على نظام الأسد. وفهم الكاتب أن ترامب ربما اتخذ هذا المسار في ضوء مقابلته مع صحيفة «التايمز» (16/1/2017) والتي اقترح فيها اتفاقا بشأن العقوبات المفروضةعلى روسيا مقابل اتفاق للحد من الأسلحة النووية. وتحدث فيها أيضا عن الوضع الإنساني المريع في سوريا. وما دام الأمر يتعلق بسوريا يقترح الكاتب أن تذهب الإدارة الجديدة للتأكيد على ثلاثة ملفات: دعم وقف إطلاق النار وضمان وصول الإغاثة الإنسانية العاجلة والإصرار على حماية المناطق المتبقية في يد المعارضة المعتدلة نسبيا خاصة في محافظة إدلب في الشمال ومحافظة درعا في الجنوب. بعد هذا يجب أن يكون هدف ترامب التعاون لضرب تنظيم الدولة والقاعدة والسيطرة على معقل «الخلافة» في الرقة. وقد يؤدي التعاون مع الروس والمقاتلين من الجيش الحر والأكراد إلى تقليل فرص الاشتباك بين أصدقاء أمريكا في الحرب وهم الأتراك والأكراد. ويرى بولوك أن الولايات المتحدة قد تقوم بالمطالبة بالتمييز بين الجهات الشرعية الفاعلة في سوريا وتمييزها عن الإيرانيين وحزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى بشكل يدعو لخروجها في النهاية من سوريا. ويعتقد الكاتب أن هناك ما يدفع روسيا للقبول بالمطالب الأمريكية خاصة أنها ستحصل على ثمن يتمثل بالغاء العقوبات التي فرضت عليها بعد التدخل في أوكرانيا عام 2014. وقد يمثل مسرح أستانة فرصة لتوافق الولايات المتحدة وروسيا للتعاون بل ودفع الأطراف الخارجية ذات المصلحة في سوريا لتنازلات لكنه لن يحل التحديات الأخرى التي تواجه البلاد، فالنظام الذي يؤكد على أنه يرغب باستعادة كل البلاد ليس بقدرته فعل هذا. وهل ستوافق إيران التي تقوم بعمليات تهجير وإنشاء منطقة خالية من السنة تربط ما بين دمشق والقلمون لتأمين مصالح حزب الله؟ وفي السياق ستجد تركيا نفسها مدفوعة لمواصلة الحرب لمنع الأكراد من إقامة كيان لهم على مناطقها. وهناك مشاكل إعمار البلاد والجيل الضائع بسبب الحرب واللاجئين. ولهذا السبب يعتقد الكثير منهم أن العودة إلى البلاد ليست قريبة.
لن نعود
ففي تقرير لنيكولاس بلانفورد في صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» (17/1/2017) قال فيه إن محادثات أستانة قد تعبد الطريق أمام توافق على الحل إلا أنها لن تقرر مصير 11 مليون لاجئ سوري. وبالنسبة للكثيرين فالعودة إلى بلد دمرته الحرب ويحكمه بشار الأسد تظل خيارا غير جذاب. أما للذين فقدوا بيوتهم وابتعدوا عن بلادهم منذ أكثر من ثلاث سنوات فالعودة مستحيلة ويبحثون والحالة هذه عن أوطان جديدة للهجرة إليها. ويقول مرتضى خلف (32 عاما) «سوريا لوح زجاج مهمشم ولا يمكن إصلاحه والإنقسامات الطائفية عميقة وأرغب بالهجرة إلى بريطانيا». ويعمل خلف الذي يحمل شهادة القانون من جامعة حلب «شاويشا» على تجمع للاجئين أقيم وسط المزارع في سهل البقاع. وحتى لو حقق مؤتمر أستانة تقدما فلا يتوقع اللاجئون في مخيم 006 الذي أقيم قرب بلدة تعنايل في البقاع أي شيء منه «لا نتوقع سلاما» كما يقول خلف. وجاء اللاجئون في المخيم من حلب والقصير والرقة ويحصل كل واحد منهم شهريا على كوبونات من الأمم المتحدة بقيمة 27 دولارا بالإضافة لدخل إضافي يحصلون عليه من العمل في مزارع البلدة. ورغم الأوضاع القاسية التي يواجهونها وقرب المخيم من حدود بلادهم إلا أن الكثير من السوريين في لبنان تخلو عن حلم العودة ووجهوا نظرهم باتجاه الغرب على أمل الحصول على ملجأ آمن فيه. وانضم عدد من اللاجئين السوريين لموجات المهاجرين الذين تدفقوا في العامين الماضيين على أوروبا بحثا عن حياة جديدة. وحتى من يحمل حلما بالعودة يرى أن تحقيقه صعب المراد. فقد أجبر خلف على ترك بلدته القصير في حزيران (يونيو) 2013 عندما دخلها حزب الله وتحولت منذ ذلك الوقت لقاعدة عسكرية للحزب. وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 نظم فيها استعراضا عسكريا. وقال «لا أعتقد أنني سأعود. فالنظام يقوم بتطهير عرقي ولا يريد عودتنا».
القدس العربي
ترامب وسوريا ومرحلة ما بعد حلب/ خيرالله خيرالله
تبدأ ولاية دونالد ترامب، فيما انتقلت سوريا إلى حال جديدة مختلفة كلّيا عن تلك التي مرّت فيها منذ اندلاع الثورة الشعبية في آذار-مارس 2011 بحثا عن شيء من الكرامة.
يبحث الشعب السوري عن شيء من كرامته المفقودة منذ ما قبل وصول حزب البعث إلى السلطة في آذار-مارس 1963، أي منذ أخذه بعض الجهلاء والمغامرين إلى الوحدة مع مصر في العام 1958، وهي وحدة أقرب ما تكون إلى بناء قصور على الرمال.
أسست الوحدة لقيام نظام أمني في سوريا التي كانت بدأت تلتقط أنفاسها وتعود إلى وضع طبيعي، في ظلّ برلمان منتخب ديمقراطيا، بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية لضباط يتسمون بالرعونة بدءا بحسني الزعيم الذي قام على النظام القائم في العام 1949.
يتمثّل جديد سوريا هذه الأيّام في ما بعد معركة حلب التي شهدت إطلاق المشاركين في جنازة هاشمي رفسنجاني في طهران هتاف “الموت لروسيا” تعبيرا عن مدى السخط الإيراني من السياسة الروسية في سوريا.
كان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على حقّ عندما أكد قبل أيّام أنّ دمشق كانت ستسقط في يد المعارضة في غضون أسبوعين أو ثلاثة لو لم يحصل التدخل العسكري الروسي في أواخر أيلول-سبتمبر من العام 2015.
يعبّر مثل هذا الكلام عن حقيقة أن روسيا أنقذت النظام السوري وأبقت بشّار الأسد في دمشق. روسيا نفسها جعلت الثوار يغادرون حلب وذلك في ظلّ اتفاق مع تركيا التي لعبت دورا أساسيا على صعيد تغيير الوضع في المدينة.
سحبت تركيا المسلحين الذين لديها مونة عليهم من داخل حلب ثمّ قطعت الإمدادات عن المدافعين عن المدينة في ظلّ قصف جوّي روسي طاول المدنيين خصوصا لتأليبهم على المدافعين عن حلب.
تبدو روسيا على عجلة من أمرها في سوريا. كان عليها خلق أمر واقع على الأرض قبل دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. كان عليها أن تهيّئ نفسها لمفاوضات مع الإدارة الأميركية الجديدة من موقع قوّة.
زمن دونالد ترامب
فالرئيس الروسي يعرف جيدا أن ترامب ومساعديه، على رأسهم وزير الخارجية ركس تيلرسون، يعشقون عقد الصفقات، كلّ أنواع الصفقات، بما في ذلك الصفقات السياسية.
تظلّ سوريا إحدى الأوراق القويّة لدى فلاديمير بوتين. يراهن الرئيسي الروسي على استخدام هذه الورقة في الوقت المناسب بغية الخروج من الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه بلاده. لذلك يمكن الحديث عن وضع جديد في سوريا بدأت تظهر ملامحه بوضوح كليّ في مرحلة ما بعد سقوط حلب.
من أبرز هذه الملامح التوتر بين روسيا من جهة وكلّ من النظام السوري وإيران من جهة أخرى. لم يكن منع بشّار الأسد من زيارة حلب في الفترة بين عيدي الميلاد ورأس السنة الجديدة، أي في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي سوى أحد مظاهر هذا التوتر.
كان الأسد الابن ينوي إلقاء “خطاب الانتصار” في المدينة. جاءت الرسالة الروسية مقتضبة. فحوى الرسالة أن الانتصار الذي تحقّق على حلب وأهل حلب كان نتيجة تحالف روسي-تركي ليس إلّا.
دخول قوات تابعة للنظام وميليشيات مذهبية تابعة لإيران مناطق وأحياء كانت تحت سيطرة المعارضة، كان نتيجة مباشرة لهذا التحالف. لو شاءت تركيا، لبقيت حلب، في جزء منها، عصيّة على النظام.
يتمثّل جديد سوريا باختصار في التحالف مع تركيا في منطقة الشمال السوري والتحالف مع إسرائيل في مناطق أخرى، خصوصا في كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بدمشق والمناطق القريبة منها وتلك المرتبطة بالجولان الذي طويت صفحته. ليس صدفة الإعلان قبل أيام عن غارات جوية روسية-تركية على “داعش” في داخل الأراضي السورية.
لم يعد سرّا أن الحلف السوري-الإسرائيلي أكثر عمقا بكثير مما يعتقد. إذا كان هناك تحالف تركي-روسي، هناك حلف روسي-إسرائيلي. سيساعد هذا الحلف روسيا في التعاطي مع الإدارة الأميركية الجديدة التي أعلنت أنها ستنقل السفارة إلى القدس التي تعتبرها إسرائيل “عاصمتها الأبدية”.
أكثر من ذلك، أظهرت هذه الإدارة انحيازا كبيرا لإسرائيل ولسياسة الاستيطان التي يتبعها بنيامين نتنياهو عندما عيّنت ديفيد فريدمان سفيرا لها في إسرائيل. الأسوأ من ذلك، أن ترامب جعل من صهره جاريد كوشنر مسؤولا عن عملية السلام.
كوشنر وفريدمان من أبرز داعمي الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية. إنّهما رمز للتغيير الذي ينشده ترامب على صعيد الشرق الأوسط في مجال تكريس الاحتلال الإسرائيلي لجزء من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية!
في ظلّ التحالف الروسي-التركي والحلف الروسي-الإسرائيلي والعلاقات المتجددة بين تركيا وإسرائيل، هناك وضع جديد على الأرض في سوريا. هل بدأت إيران تعيد حساباتها، خصوصا بعدما تبيّن أن هامش المناورة لديها صار محدودا وأن كلّ شيء في سوريا يعتمد على ما يتقرّر في موسكو، بما في ذلك مراقبة روسيا لعملية شراء الأراضي من أجل تغيير التركيبة السكانية في مناطق محدّدة في مقدّمها دمشق؟
هذا الوضع الجديد على الأرض السورية يمكن أن يفسّر تلك التحولات في الخطاب. فجأة، يتحدّث محمد جواد ظريف وزير الخارجية عن تعاون إيراني-سعودي أدّى إلى انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. كذلك صار علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني حريصا على وحدة الأراضي السعودية وعلى التعاون مع المملكة ومع العائلة المالكة فيها.. فجأة أيضا، صار يتحدّث بإيجابية عن آل سعود في تصريح وزعته الوكالة الإيرانية الرسمية “إرنا”!.
لن يكون مؤتمر أستانة (عاصمة كازاخستان) الذي سينعقد ابتداء من يوم الاثنين، بدفع روسي-تركي، سوى خطوة أولى على طريق تقديم روسيا-فلاديمير بوتين أوراق اعتمادها لأميركا-دونالد ترامب.
سوريا هي المنطلق بالنسبة إلى الرئيس الروسي الذي يعرف في نهاية المطاف أنّه سيكون عليه الاختيار، عاجلا أم آجلا، بين واشنطن وطهران. فمثلما هناك جديد على الأرض في سوريا، هناك جديد على الأرض في واشنطن. هناك وزير جديد للدفاع هو الجنرال جيمس ماتيس يعرف تماما، وهذا على الأقلّ ما قاله أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، أن إيران مصدر التوتر في المنطقة وأن التوصل إلى اتفاق معها في شأن الملفّ النووي لا يعني التغاضي عن مشروعها التوسّعي في الإقليم.
يبدو أن موسكو تفهم هذه المعادلة جيّدا. ليست الساحة السورية، بما في ذلك التوتر الروسي-الإيراني سوى مرآة للتغيير الكبير الذي بدأ يشهده الشرق الأوسط ومعه العالم مع بداية عهد دونالد ترامب.
إعلامي لبناني
العرب
تقسيم سوريا وضم لبنان/ احمد عياش
ما ستقوله الخارجية الاميركية على طاولة المحادثات حول سوريا في أستانة بكازاخستان هذا الشهر سيكون اول إختبار خارجي لإدارة الرئيس دونالد ترامب. ومما سنسمعه على لسان من سيمثل واشنطن في محادثات استانة سيقطع الشك باليقين في شأن كل ما تردد في الاسابيع الماضية حول عزم الرئيس الخامس والاربعين للولايات المتحدة الاميركية على إحداث تغيير جذري وإيجابي في العلاقات بين البيت الابيض والكرملين، علما أن مسار العلاقات بين إدارة الرئيس الاميركي المنتهية ولايته باراك أوباما وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تكن، وعلى مدى الثمانية أعوام التي أمضاها الرئيس أوباما، سيئة لاسيما في الملف السوري. لا بل أن اوباما خرج امس من البيت الابيض وهو متّهم بأنه تسبب بأكبر مأساة في التاريخ الحديث عندما عقد صفقة مع بوتين في أزمة إستخدام رئيس النظام السوري السلاح الكيميائي ما سمح للأخير وحلفائه بتدمير سوريا.
من يتابع سلوك طهران من بيروت الى أستانة يتبيّن ان النظام الايراني يتصرّف وكأنه خرج منتصرا من تورطه في الحرب السورية ومن إمساكه بالورقة اللبنانية منذ رحيل قوات الاسد عن لبنان عام 2005 إثر الانتفاضة العارمة في 14 آذار بعد إستشهاد الرئيس رفيق الحريري. ففي سوريا نجح رهان المرشد الايراني على بقاء الاسد في السلطة، كما نجح رهان ممثل المرشد في لبنان على وصول مرشحه الى رئاسة الجمهورية.
في إيران اليوم، تبدو سلطة ولي الفقيه علي خامنئي في أفضل أيامها. حتى أن موت خصمه رفسنجاني المفاجئ جاء ليعزز هذه السلطة التي كادت أن تتهاوى قبل أعوام في الثورة الخضراء. فمن موقع المنتصر جاء كلام وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الاخير في مؤتمر دافوس حول نجاح التفاهم الايراني – السعودي في إنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان. ومثله كلام أمين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني علي شمخاني الذي صاغ شروط طهران بشأن مستقبل سوريا قائلا: “إما أن ترحّب السعودية وتركيا بتقسيم سوريا… وعندها لن يكونا في مأمن من التقسيم ، وإما أن يقفا في وجه هذا المخطط كما تفعل إيران”.
على الارض، وبعد أعوام من التورط الايراني المباشر في سوريا وزّج الميليشيات الحليفة في الصراع السوري وفي مقدمها “حزب الله” ارتسمت فعليا خريطة ما يسمى “سوريا المفيدة”. فقد تحوّل قسم من سوريا، وبعد التطهير العرقي الذي مارسته إيران وميليشياتها، ذا أقلية سنيّة. وتفيد معلومات أن طهران مصممة على إبقاء عشرات الالاف من قواتها المسلّحة ومن ميليشياتها الحليفة في نطاق هذه الخريطة ولن تتراجع عن هذا الوجود مهما تطورت المحادثات حول سوريا. وما يقال عن حسابات روسية مختلفة فهو ما زال في دائرة التكهنات. ماذا عن لبنان؟ كل المعطيات تفيد ان مشروع ضمّه الى “سوريا المفيدة” جاهز بقوة “حزب الله” التي لا تقف في وجهها أية قوّة أخرى.
النهار
مفاوضات استانا استراحة هدنة للمقاتلين/ روزانا بومنصف
لا ترقى المفاوضات التي دعت اليها روسيا أطراف الحرب السورية في استانا يوم الاثنين المقبل بالنسبة الى سياسيين لبنانيين، الى مؤتمر جنيف ولوزان عام 1984 من أجل محاولة التوصل الى اتفاق لوقف الحرب في لبنان، بل قد لا تتعدى في رأيهم تلك الاجتماعات التي كانت تعقد بين اطراف الصراع اللبنانيين وسواهم الفاعلين على الارض، بغية تثبيت هدنة ما او ارساء وقف نار في منطقة ما، خصوصا متى اقتصر المؤتمر في استانا على تثبيت وقف النار وجمع المتحاربين. تجاري مصادر ديبلوماسية عربية السياسيين اللبنانيين رأيهم في مؤتمر استانا، انطلاقا من انه محطة يفترض ان تثبت روسيا من خلالها قدرتها على تثبيت وقف النار. فعندما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف انه لولا تدخل روسيا لكانت العاصمة السورية سقطت خلال أسبوعين، وهو أمر عرف وتأكد في وقتها بعد طلب إيراني بضرورة التدخل، إنما كان يرمي الى ضبط النظام وايران معه الى ان ما حققته روسيا يخولها الضغط من اجل التزام ما تسعى اليه. تقول المصادر الديبلوماسية العربية ان مؤتمر استانا لن يتعدى الاطار المرحلي، وهو على صلة بجملة اعتبارات من بينها تثبيت الموقع وتعزيز الاوراق قبيل تسلم الادارة الاميركية الجديدة مهماتها وإثبات امتلاك روسيا اليد العليا في تقرير مسار الامور في سوريا، خصوصا في ظل قدرتها مع تركيا، من أجل أن تأتي فصائل معارضة تساهم من خلال جلوسها الى طاولة المفاوضات مع النظام في الإقرار بشرعية بقائه واستمراره ومفاوضته.
لكن أيا تكن طبيعة مؤتمر استانا وخلاصته وظروفه، فإن ما تجمع عليه المصادر هو أنه لا يحمل حلا للحرب في سوريا حتى لو بدا ان ثمة متغيرات استفاد منها الرئيس السوري بشار الاسد في ضوء مساعدته من سوريا على استعادة السيطرة على حلب، والذي هو أمر جسيم وخطير. فما يشهده التحضير لهذا المؤتمر من تجاذب بين روسيا وايران وتركيا على دعوة الولايات المتحدة الاميركية من اجل المشاركة، يعكس جانبا كبيرا من عدم نضج الحل، وكذلك الامر بالنسبة الى التناقض بين إعلان ايران رغبتها في عدم دعوة المملكة السعودية للمشاركة في مؤتمر استانا، فيما يعلن وزير الخارجية الايراني من دافوس ان على ايران والسعودية التعاون في شأن سوريا بعد حوار ناجح في شأن لبنان كما قال، ولو ان الموقف قد يرتبط بمحاولة ايران الاستعداد لكل الاحتمالات عشية تسلم الرئيس الاميركي المنتخب مهماته، ونظرا الى موقفه غير المتساهل، أقله من حيث المبدأ مع ايران. هذا التجاذب انما يعكس إقرارا بأن رعاة مؤتمر استانا ليسوا وحدهم من يضمن الحلول في سوريا، ولو تقاطعت مصالحهم على بعض المسائل، في حين أن الحرب السورية اكثر تعقيدا من ان تختصر بجمع فريقي النظام وبعض معارضيه فحسب، على رغم الاقرار بأن الادارة الاميركية السابقة برئاسة باراك اوباما سلمت الوضع السوري لروسيا. ففي أفضل الاحوال ثمة عوامل لا بد من توافرها للحل في رأي مجموع السياسيين اللبنانيين والمصادر الديبلوماسية العربية على حد سواء، من بينها حتمية الإقرار بأن الحرب في سوريا لا تزال مفتوحة على أجل غير محدود، ولا يتوقع ان يكون قريبا في أي حال، على رغم المتغيرات الميدانية التي شهدتها. يضاف الى ذلك، الاقتناع الجازم والحاسم بأن من يحسم في سوريا الى جانب النظام هو روسيا وايران اللتان تتنافسان على إبراز من أنقذه من الانهيار والسقوط تحت ذرائع مختلفة. فليس هناك ما يؤكد حتى الآن ان النظام يمكن ان يقف وحده، ولا ان يستعيد أي منطقة ويثبت فيها وحده، وهو يستمر في حاجة الى داعميه الاقليميين والدوليين من أجل أن يحافظ على سيطرته على العاصمة والمدن التي استعاد السيطرة عليها، علما أن التقارير الاستخبارية التي تملكها عواصم عدة لا توحي بأن الوضع قابل للتغيير على رغم الجهود الروسية والايرانية في هذا الاطار. وفي أي حال، فإن بقاء أي قوة أجنبية في أي بلد، وهي على علاقة بالحرب ومنخرطة فيها الى جانب فريق، كما حصل مع ايران وكل التنظيمات التي تدور في فلكها، أو مع روسيا التي قد تبقى بموجب الاتفاقات التي عقدتها من أجل قواعدها العسكرية، يشكل استمرارا للحرب، لعدم قبول الشعب بقوات أجنبية تتحكم فيه او في قراره على أي صعيد، متى كان هناك حلول فعلية. وإذا كان تمديد روسيا وايران للاسد في منصبه أشهرا او سنوات اضافية وربما حتى نهاية ولايته في 2021 وفق ما يسري في كواليس التفاهمات مع تركيا مثلا، وفي ظل التسليم الاميركي بأن لا بديل راهنا، فإن ذلك يشكل مؤشرا الى أن الحرب لن تنتهي في الامد المنظور، وربما حتى هذا التاريخ، انطلاقا من واقع أن الحل لا يمكن ان يلحظ بقاء الاسد باعتباره مسؤولا معنويا ان لم يكن مسؤولا مباشرا عن سقوط ما يزيد على نصف مليون قتيل في سوريا. فالحلول السياسية لا تأتي مع ابقاء اسباب الازمات أو المسببين في مراكزهم من جهة، كما ان الحلول السياسية يفترض بالحد الادنى ان تلحظ اعادة نظر في نظام الحكم لجهة تأمين مشاركة جميع الفئات على قاعدة من العدالة والمساواة.
ثمة انتظار من جهة أخرى لتسلم الرئيس الاميركي المنتخب منصبه لتبيان مسار الامور في المنطقة، على رغم أمل مراقبين كثر بأن تبقى الامور على سوئها، لا أن تغدو أسوأ حالا في المرحلة المقبلة. لكن بين موقفه المرن من روسيا والمتشدد ازاء ايران، يخشى كثر تصلبا ايرانيا قد ينعكس على مستويات عدة.
النهار
الشروط غير المعلنة في مباحثات آستانة/ توفيق السيف
مفاوضات السلام السورية المتوقع انطلاقها في آستانة قبيل نهاية الشهر الحالي، لن تخرج على الأرجح باتفاق شامل بين حكومة دمشق ومعارضيها. لكنها تشكل منصة لفرز وتحديد الشركاء القادمين في الحل السياسي.
على المستوى النظري، يتحدث الجميع عن مفاوضات دون شروط مسبقة. لكن منطق الأمور يستلزم شرطين على الأقل؛ أولهما استعداد المفاوضين للتخلي عن القتال والقبول بهدنة طويلة الأمد، تسمح بمواصلة المفاوضات دون ضغط ميداني. وثانيهما هو القبول بنوع من إعادة هيكلة للطرفين الرئيسيين، الحكومة والمعارضة، تسمح بتمهيد الطريق أمام نقاش متقدم حول تشكيل حكومة انتقالية تقود البلاد بعد انتهاء الحرب.
قبول الحكومة بالشرط الأول يعني الإقرار (ولو ضمنيًا) بوجود المعارضة المسلحة على الأراضي التي تسيطر عليها فعليًا، والتخلي عن أي محاولة لاستعادتها بالقوة. وقبولها بالشرط الثاني يعني التخلي عن الأعراف السياسية والدستورية التي سمحت حتى الآن باحتكار حزب البعث الحاكم للحياة العامة ومصادر القوة في البلاد.
أما قبول المعارضة بالشرط الأول فيعني في المقام الأول فك الارتباط نهائيًا مع جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا)، وربما المشاركة في عزلها وتسهيل ضربها، إلا إذا رضيت الجبهة بالانفصال التام عن تنظيم القاعدة واستبعاد المقاتلين الأجانب من صفوفها. ومع أن خطوة كهذه تبدو عسيرة جدا، فإنها غير مستبعَدَة بالمطلق، خصوصًا بعد إعلان الجبهة فك ارتباطها التنظيمي مع «القاعدة» في منتصف العام الماضي. ربما يتطلب الأمر التضحية بأمير الجبهة المعروف بالجولاني.
الشرط الثاني الذي سيكون على قوى المعارضة قبوله هو توحيد قرارها السياسي، على نحو يؤدي (بالضرورة) إلى دمج الفصائل الصغيرة، وربما تحولها إلى أفواج عسكرية تابعة للجماعات الرئيسية. لا يمكن التحقق من العدد الفعلي للتنظيمات النشطة على الساحة السورية بسبب كثرة التحولات في داخلها. لكن هناك سبع جماعات كبيرة، إضافة إلى نحو 45 فصيلاً صغيرًا أو متوسط الحجم.
وخلال الأعوام الثلاثة الماضية بُذِلَت جهود متواصلة لدمج الفصائل، أو حتى تنسيق عملها في مجلس مشترك. وصدرت فعليًا اتفاقات موقَّعة من جانب الزعماء تؤكد الاندماج أو التنسيق. لكن جميعها بقي حبرًا على ورق. ويلقي المعارضون باللوم على التدخلات الأجنبية. إلا أني أميل للظن أن الطابع الشخصي لنظام القيادة في الفصائل، هو العلة الرئيسية لإخفاق محاولات التوفيق فيما بينها.
في كل الأحوال ستجد الفصائل الصغرى نفسها مضطرة للتخلي عن طموحاتها الخاصة. كما أن على الفصائل الكبرى أن تختصر طموحاتها، كي تستطيع الاشتراك مع المنافسين.
لا يتوقع أن ينجز الطرفان، الحكومة والمعارضة، هذين المطلبين خلال وقت قصير. لكن قبولهما بالهدنة الدائمة (وهي الهدف الرئيسي لمؤتمر الأستانة) سوف يحدِث تحولاً أساسيًا في المشهد السياسي، بانتقاله من الظرف الذهني – الميداني للحرب إلى ظرف السلام.
في ظرف السلام تهيمن لغة مختلفة، كما تولد مصالح – دوائر مصالح مختلفة. ويبرز تبعًا لها رجال آخرون غير الذين أنتجهم وأبرزهم ظرف الحرب.
مؤتمر الأستانة يشكل خطوة تمهيدية لمؤتمر جنيف، أو ربما مؤتمر دمشق، الذي سيرسم النهاية الفعلية للحرب الأهلية. نجاح مفاوضي الأستانة، يولِّد دينامية سياسية جديدة، من بين انعكاساتها المتوقعة تراجع دور المفاوضين الحاليين في المؤتمر المقبل، سواء عقد في جنيف أو دمشق. ثمة أطراف كثيرة ترقب تصاعد الدخان الأبيض، كي تحدد موقعها وحصتها في أي اتفاق جديد. وليس بالإمكان تجاهلهم جميعًا.
الشرق الأوسط