عواقب لجوء فلسطين إلى المؤسسات الدولية/ دنيس روس
يتمسك رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، باللجوء إلى المؤسسات الدولية كوسيلة للضغط على إسرائيل. ولم يتراجع عن السياسة هذه على رغم أن سعيه أخفق في مجلس الأمن حين طالب بقرار يلزم إسرائيل الانسحاب من الضفة الغربية والقدس الشرقية. وأعلن عباس أنه سيلجأ إلى محكمة الجنايات الدولية. والخطوة هذه ستنتهي إلى تقديم شكاوى ضد إسرائيل ورد هذه بشكاوى أخرى. ولكنها لن تغير واقع الأحوال. وصادفت أخيراً مسؤولاً أوروبياً أبدى تعاطفه مع سعي الفلسطينيين إلى إصدار قرار في مجلس الأمن. ودعوتُه، إذا كان يؤيد دولة فلسطينية ويرغب في أن تبصر النور، إلى الكف عن التساهل مع الفلسطينيين. فالحاجة تمس إلى حملهم على إدراك عواقب السعي وراء خطوات رمزية وليس وراء الإنجازات الملموسة.
ومنذ عام 2000، انتهت ثلاثة مسارات من المفاوضات إلى اقتراحات لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني: مبادرة بيل كلينتون في عام 2000، عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود ألمرت في 2008 ومساعي وزير الخارجية الأميركي، جون كيري في العام المنصرم. وفي كل مرة، اقتُرحت على القادة الفلسطينيين اقتراحات تتناول المسائل البارزة. لكن جوابهم كان الرفض أو الصمت. فهم رأوا أن كلفة باهظة تترتب على قبول الاقتراحات أو مبادرتهم إلى اقتراح عرض بديل يتطلب منهم تنازلات.
وجذور الثقافة الفلسطينية السياسية ضاربة في سردية ظلم وضيم. وتميل إلى خطاب مناهض للاستعمار. والشعور باللاعدالة يحملها على اعتبار التنازل أمام إسرائيل غير مشروع. والمساومة تصور على أنها خيانة، والمفاوضات تقتضي أن يتحدى أي قائد فلسطيني شعبه من طريق اتخاذ قرارات سياسية باهظة الثمن. واللجوء إلى الأمم المتحدة يساهم في الضغط على إسرائيل، ويعفي الفلسطينيين من أي تنازل أو مساومة. والقادة الأوروبيون الذين يؤيدون دولة فلسطينية مدعوون إلى تعظيم عواقب رفض الفلسطينيين مبادرات السلام أو عدم تجاوبهم معها. ومع الأسف، يسلط معظم الأوروبيين الضوء على أفعال إسرائيل أكثر مما يسلطونها على موقف الفلسطينيين، ويرغبون في تعديل سياسة الاستيطان الإسرائيلية. ولكن مما لا شك فيه أن اللجوء إلى الأمم المتحدة أو محكمة الجنايات الدولية في مرحلة انتخابات إسرائيلية، لا ترتجى منه فائدة. ففي إسرائيل سينظر إلى المساعي الفلسطينية على أنها أحادية. وهذه الرؤية تساهم في ترجيح كفة السياسيين المتمسكين بالتوازنات الحالية الذين سيقولون إن إسرائيل بين المطرقة والسندان وإنها تحتاج إلى قادة حازمين في مواجهة الضغوط الجائرة.
ولكن، ما الداعي إلى العجلة؟ فإثر الانتخابات، تشكل حكومة إسرائيلية جديدة قد تكون مستعدة لالتزام مبادرة سلام، وقصر بناء المستوطنات على أرض تلحق بإسرائيل وليس بفلسطين. وفي مثل هذه الحال لا داعي لقرار أممي. وإذا لم تبرز مثل هذه الحكومة، وقرر الأوروبيون السعي إلى قرار في مجلس الأمن، فحري بهم أن يقترحوا صيغة قرار متوازن. ولا يسعهم احتساب الحاجات الفلسطينية فحسب في العودة إلى حدود 1967 وتبادل أراض وعاصمة فلسطينية عاصمتها شرق القدس من غير تقديم ضمانات أمنية لإسرائيل تمكنها من الدفاع عن نفسها، وتوزيع الانسحاب إلى مراحل وثيقة الصلة بأداء السلطة الفلسطينية في حفظ الأمن والإدارة وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاً يحافظ على طابع إسرائيل اليهودي. ويرجح أن يرفض الفلسطينيون مثل هذه الحلول على نحو ما فعلوا في أعوام 2000 و2008 و2014. وقد لا توافق الحكومة الإسرائيلية المقبلة على مثل هذا الحل. لكن الإسرائيليين ليسوا من يطالب بتدخل الأمم المتحدة. وحري بالفلسطينيين إذا تبين أن مقاربتهم لا ترمي إلى حل الدولتين ولا إلى السلام، أن يتكبدوا نتائجها المكلفة.
* مستشار في «واشنطن إنستيتيوت فور نير إيست بوليسي»، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 4/1/2015، إعداد منال نحاس
الحياة