عودة روسيا السهلة
ساطع نور الدين
هي أشبه بعملية تسلل روسية الى العالم العربي من البوابة السورية، في ضوء ما يبدو أنه انكفاء اميركي غربي نجم عن الإخفاق العراقي الذي يجري تعويضه اليوم بحملة عسكرية وسياسية على إيران. لكنها ليست من مقدمات تجدد الحرب الباردة، ولا من علامات إعادة تقسيم مناطق النفوذ بين واشنطن وموسكو، اللتين تتصرفان مثل عاصمتين من دول العالم الثالث.
لا مفر من الترحيب بعودة روسيا الى المشرق العربي، إذا كانت تطمح الى إحداث قدر من التوازن مع أميركا والغرب، لكن لا بد من التحذير من تلك العودة إذا كانت تخوض الصراع على سوريا مع الشعب السوري، وتتورط في ما يسعى إليه الأميركيون والغربيون الذين أجازوا اشتعال الحرب الاهلية السورية على النحو الذي يشهده العالم هذه اللحظات.
عادت روسيا مجددا الى المشرق العربي، وهذا أمر لا يستدل عليه فقط بالفيتو في مجلس الأمن الدولي الذي منع التغيير في سوريا، بل في شحنات السلاح وصفقاته وفي الخبرات والخبراء العسكريين، وفي الغطاء السياسي الذي قررت موسكو توفيره للنظام السوري.. بما يعادل التعاون الاستراتيجي الذي كان قائما بين البلدين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
المصالح التي تسعى إليها روسيا معروفة وبديهية. وهي لا تقتصر على الدفاع عن آخر قاعدة بحرية في البحر المتوسط، ولا بما يمكن ان يجنيه الاقتصاد الروسي على المستويين العسكري والمدني. الدور السياسي ربما يتقدم على بقية الأدوار في الحالة السورية، ويكسب الكرملين نوعا من الثقة بالنفس، كما يحصد له المزيد من الناخبين الروس الذين يميلون حتى الآن، لا سيما في الأرياف الروسية الى الاستقرار الذي يمثله المرشح للرئاسة فلاديمير بوتين.
لا تحتمل هذه التجربة الكثير من المخاطرة الروسية. فالعودة الى سوريا على هذا النحو هي بمثابة عودة الى مساحة فراغ وفوضى لا يرغب احد في التدخل فيها او حتى الاقتراب منها. دولة تتداعى ومجتمع يتفكك، ومبادرة عربية ليس لها سند او داعم، وفكرة قديمة عن الموقع والدور والأثر الذي يمكن ان يحدثه الانهيار على الطريقة العراقية.
وليس من المستبعد ان يكون معظم العرب والغرب يؤيدون في سرهم ذلك التسلل الروسي الى الأزمة السورية، عله يساهم في إيجاد مخرج ملائم لم ولن يوفره احد منهم. إذا نجح الروس فليكن، وإذا فشلوا فإن أحدا لن يأسف على تورطهم في إدارة حرب أهلية مفتوحة، او على خسارتهم آخر قواعدهم ومصالحهم في العالم العربي. الحسابات والاعتبارات لم تعد أيديولوجية لا في موسكو ولا في اي عاصمة عربية او غربية. وهي لم تكن كذلك في اي يوم من الايام.
روسيا مقبلة على مغامرة محسوبة، من دون ان تخاطر بالكثير. صفة الدولة الكبرى لا تعني سوى القيام بمثل هذه الخطوات خارج حدودها. لكن الدرس الذي تعلمه العالم كله، هو ان الدول الكبرى ترتكب الأخطاء والحماقات، مثلها مثل اي دولة صغرى. والنموذج الذي قدمته اميركا لا يحتاج الى دليل، ولا يوفر مثالا صالحا لروسيا العائدة الى واحدة من أسوأ الأزمات في العالم العربي.
السفير