عُرف السبب وبطل العجب
سناء الجاك
مرة جديدة تقوطب علينا الحقيقة من حيث لم نكن نتوقع. فقد تبين ان سر الاسرار في إصرار الرئيس الاسد على البقاء على سدة حكمه بالنار والحديد، يمكن اختصاره بجملة واحدة قالتها احداهن: “لا أرى كيف يمكنني العيش بدونك”. على طريقة “وامعتصماه”، وانطلاقاً من حرصه على كل قطرة دم، لم يستطع الرئيس ان يتنحى ويترك للشعب السوري تقرير مصيره بيده، مقابل ان يحمل ضميره ما قد يحلّ بهذه المرأة. الآن فهمنا قمة الديموقراطية التي اشار اليها سيدنا البطريرك. طلع الحق معه لأنه أكثر من أحس بالرجل ولامس مكابدته الهموم صوناً لصوت هامس عبر الذبذبات الالكترونية. نحن لقصر نظرنا، لم نفهمه. ولم نفهم ان الرئيس السوري حريص أيضاً على دعم الكوتا النسائية والمساواة بين المرأة والرجل، فكانت هديل ولونا ورشا وشهرزاد، التي تطلب من احد مستشاري الأسد ان يبلغه “بأنها تحبه جدا جدا جدا وتفتقده”. الخير لقدّام مع ما يمكن ان تفيض به قريحة “الايميلات الاسدية”، هذا من دون ان نغفل دور سيدة القصر التي تبيّن رسائلها انها “الديكتاتور الحقيقي”، ولا خيار لدى زوجها لتغيير المعادلة. الانكى ان العنصريين المتخلفين والناكرين حقوق المرأة، لم يستفزهم ان الرئيس كان يواظب على شراء الأجهزة الإلكترونية وبرامج استخداماتها المختلفة، إضافة إلى اقتنائه لعبة مستوحاة من سلسلة “هاري بوتر” الروائية الشهيرة، ليشعروا بالغضب لأنهم اعتبروا ان “من يحكم سوريا ما هم إلا بضع نساء لم يسمع بهن أحد من الشعب المحكوم”. ما يعني ان حاكمهم “ترك زمام أموره لمجموعة نساء”. أكثر من ذلك، استخسر الذكوريون ان تتسلى عقيلة الرئيس بقليل من الشوبينغ، انطلاقاً من ان الامور تغيرت وتبدلت عن زمن الملكة انطوانيت التي كانت تكتفي بالسهر واللهو وأكل البسكويت داخل جدران قصرها.
فالاقامة الجبرية للسيدة الاولى على أمل العودة الى صفحات الصحف العالمية نجمةً من نجوم المجتمع بعد تنظيف مملكتها من الارهابيين والعصابات، لا تعني منعها من التواصل مع العالم الخارجي. ولِمَ ضيق العين اذا رفّ قلبها لعقود وقلائد من دملج والماس وذهب وعقيق يمني؟
كما ان السيدة الاولى لا يمكنها ان تقف على الحياد حيال الازمة الاقتصادية العالمية، وانطلاقاً من شعورها بالمسؤولية كان لا بد لها من ان تشجع حركة الاسواق في زمن التنزيلات، لتحافظ على مستوى الحياة بذوق رفيع مع مزهرية من لندن ومصباح من باريس وشمعدانات وطاولات وثريات بقيمة 10 آلاف جنيه استرليني. غالٍ والطلب رخيص.
كذلك لا يحق لأحد ان ينال من قوامة زوجها عليها، ويعتبر انه ترك لها الحبل على غاربه لتنشغل “بالتسوق وصرف أموال طائلة على كماليات وسخافات، بينما الشعب السوري يموت من الرصاص والجوع ونقص الأدوية”، او ان يتهكم هؤلاء الذكوريون بالقول ان الرئيس كجميع الرجال يلهي زوجته بالشوبينغ ليتمكن من تسلم رسائل المعجبات المعروفات والمجهولات من دون مشاكل واعتراضات. على كل حال، لا يرضي العبيد الا خالقهم. الرئيس السوري الذي يرزح تحت ضغط المؤامرة المستمرة على دوره القومي والوطني للنيل من سوريا، ضاق ذرعاً بمن يتهمه بأنه يذبح شعبه ويحتمي بأطراف خارجيين. الرئيس ملّ من الروتين، وربما هناك بعد نظر غير منظور في مسألة “الايميلات الاسدية” قد لا يغوص الى كنهه الا الراسخون في العلم. لعل الرئيس يريد ان يصرف انظار العالم عن استمرار القصف على حي بابا عمرو في حمص، وهو الادرى بألاعيب التسويق الاعلامي، لذا طنّش عن قرصنة رسائله الالكترونية وترك الجمهور ينصرف عن اللب الى القشور، ويتعرف إلى وجهه الآخر الحنون، تطبيقاً نظرية “رفقاً بالقوارير”. ربما اذا عُرف السبب بطل العجب.
النهار