غداً أبدأ درب وفائي لعهدي».. فهل تفعلون؟
زينب ترحيني
بات الحديث عن تفاصيل «الموت المتربّص» بمعتقلي السجون السوريّة أمراً لا جديد فيه. كتبٌ كثيرة خرجت إلى العلن، كاشفةً عن حقائق مفجعة بقسوتها. هذا عدا عن الشهادات التي أخبرت عن أشكال القمع والتعذيب والذلّ المستخدمة هناك.
لكن فعليّاً لم يستكن الشعب السوري مذ قرّر البدء بحراكه. السبت الماضي تقرّر التئام شمل مجموعة من النشطاء والمدونين في «سنويّة» زملاء ثلاثة، أمضوا سنتهم الأولى في الاعتقال. مازن درويش، حسين غرير وهاني الزيتاني مرّ عام على اعتقالهم من قبل النظام السوري، تعسفيّاً، حالهم كحال كثيرين غيرهم.
التقى هؤلاء يوم 16 شباط، في الذكرى السنوية لرفاقهم، مستنكرين ومدونين ومغرّدين ضدّ الانتهاك والاستبداد والظلم ولتسليط الضوء على الإعلاميين المعتقلين.
يعلم هؤلاء تمام المعرفة ما يعانيه رفاقهم. ما يجري هناك تحت الأرض، أمر عايشه كثيرون ممن رفعوا الصوت يوماً، هذا في حال التمكّن من العودة إلى الضوء. لا تليق كلمة «حياة» بتلك السراديب المعتمة. هناك لا يحيا المساجين، بل يعايشون موتاً يومياً. ما سرده بعض من تمكّنوا من الخروج أمرٌ مفجع. كان في بدايته مفاجئاً، لكن مع الوقت أخذ ينساب مع منظومة متكاملة من العنف. يروي ياسين الحاج صالح في كتابه «بالخلاص يا شباب ـ 16 عاماً في السجون السورية» يوميّات من خمسة عشر عاماً قضاها في السجن بتهمة الانتماء إلى حزب معارض. يقول ياسين: «كان يحصل أن نسمع وقع خطى الحرس على سطح مهجعنا، لكن قد يتعمّد أحدهم كتم صوت خطواته إذا أراد أن يوقع بنا. وقد «يُعلّم» أيَّ واحد منا، لأي سبب في باله. فلأنه ليست هناك قاعدة ثابتة للسلوك الصحيح، يمكن لأي شيء أن يكون مخالفة. هذه ليست سمة لسجن تدمر وحده، إنها دستور النظام». (ص 83).
كلّ شيء ما زال على هذه الحال. ما يختلف هو أنّ أعداد «نزلاء» هذه السجون يتغيّر. يحدث أن يرتفع في فترات محدّدة أو أن ينخفض لسبب مُبهم ومفاجئ. ربّما يكون «عفواً سياسياً» مرتبطاً باعتبارات كثيرة لا علاقة للشعب بها. إيّاكم وحشر الأنوف في ما لا يعنيكم.
تدوينات حُرّة
في مدونة جرعة زائدة، كتب ماهر المونس عن أجنحة صديقه حسين غرير الني نبتت في السجن. بحث ماهر عن إيجابية الغياب فوجده في فرصة «السنة» التي مكّنته من إعادة قراءة أفكار ومواقف حسين. توجّه إليه بكلمات سريعة: «الآن صار عمرك سنة، وصار عمر أجنحتك سنة، وبأمثالك وأمثال أجنحتك تحلّق الثورات وتنتصر».
بدا واضحاً أنّ حضور حسين في العمل الإعلامي والتدويني جعله ناشطاً يملأ مَن حوله أملاً ورجاءً بالاقتراب من الحريّة المنتظرة. ديما نقولا في مدونتها «Resound» أسرّت لصديقها، في رسالة مباشرة، أنها كلّما فكرت فيه كانت تخشى أن الأمل الذي زرعه بمن حوله قبل رحيله، قد نال منه التعب. لكن رسالته من السجن إلى أخته مها التي مات زوجها، أعادت إليها كثيراً من الطاقة. هي عبارة محدّدة استذكرتها ديما من رسالته ” مها.. سوف أكمل يومي هذا حزناً وغداً في الصباح مع اشراقة شمس يوم جديد سوف أستحمّ وأحلق ذقني وأبدأ درب وفائي لعهدي فهل تفعلين؟”
حساسيّة مفرطة تحكم علاقة الثلاثة بكلّ من عرفهم. يوم السبت كان إشارة واضحة إلى أنه لا ملل من الانتظار. سبق لهؤلاء أن أعلنوا بدء معركتهم بحثاً عن الحرية والكلمة المتفلّتة من القيود، لهذا لن يملّوا من انتظار من سيكملون معهم المسار.
على «فايسبوك»، كتب موريس الذي عرف حسين عن قرب: «أكيد عم تضحك… حتى وقت كنت شوفك معصّب كنت تضحك.. خليك عم تضحك…».
بعض من شاركوا في «اليوم التدويني دعماً للإعلاميين/ات والمعتقلين/ات في سوريا»، لا يعرفون المعتقلين الثلاثة. لهذا كتب كثيرون رسائلهم المباشرة، مع الإشارة إلى أن تعرّفهم على «الشباب» جاء في فترة ما بعد الاعتقال.
اختار محمد خلف الاحتفاء برفاقه في سنويّتهم على طريقته. قرّر في مدونته «كوفيّة» سرد تفاصيل الاعتقال. في 16 شباط 2012 اعتقلت المخابرات الجويّة أعضاء «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير». أُطلق سراح الجميع باستثناء ثلاثة، أحدهم حسين غرير الذي كان يترقب يوم اعتقاله منذ بدئه التدوين. فهو على علم بمصير أي معارض في هذا البلد. كتب محمد خلف أنه مع مجرّد طرق باب المركز عرف حسن «أنهم أتوا». نظر من حوله باحثاً في غرفته عمّا قد يحميه، من دون جدوى. لكن من كان يمشي في مسار واضح يعلم تماماً أنه لا بدّ من يوم سيسمع فيه هذه الأصوات: «ع الأرض ولاك، الأصفاد، البوط العسكري، الاتهامات ثم الزنزانة…».
لم تحتف المدونات وحيدةً بالمعتقلين. كان لـ«تويتر» ومواقع الكترونية وصحف دورها في التذكير بشباب قابعين في مكان ليس لهم. في هذا اليوم بدا «الائتلاف التدويني» واضحاً. منذ بدء الثورة والمدونات السورية في نشاط دائم. كانوا بحاجة لمنبر ينطقون منه ويصرخون من خلاله. تمكّن الشباب السوري من صنع عالمه الخاصّ، وعرف كيفيّة تفعيله. كمّ الأفواه الإعلامية وحصرها بتلك الرسميّة، فتح الباب أمام جولات وصولات على شبكة الانترنت. لم يكن يوم السبت غزيراً، لكنه جاء مؤثراً وفاعلاً ومثبتاً أن حراك الشباب المدني مستمرّ.
هاني ومازن وحسين ليسوا وحيدين. هم في المعتقل من أجل الحريّة، وفي الخارج صدح صوت الرفاق «ضدّ الظلم والاستبداد».