غزاويات: عن المقاومة كـ”كلام إنشائي”/محمد هديب
على سبيل المثال أقترح كُتباً من طراز “الإنسان المهدور” أو “التخلف الاجتماعي – سيكولوجية الإنسان المقهور”، ضمن مقرّرات المدارس، حتّى الثانوية. أما الناضجون من 19 إلى 99 سنة فيمكن أن يقضوا العمر وهم يقرأون الحكاية الشعبية: “أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض”.
من الضروري أن نحمي أنفسنا قدر الإمكان من الإعاقات الذهنية التي تبرز على النحو التالي، كلّما تعرّضت فلسطين لمحاولة اغتيال أو كلّما تعرّضنا نحن لـ”غزّة” دبّوس منسي على الكنبة.
“مش قلنالكم! ما احنا قلنالكم من الأوّل”.
هذه النوعية، نوعية “مش قلنالكم؟”، لديها شعور مزمن بالعار (يتكفّل بشرحها كتاب التخلّف الاجتماعي)، وبأنّ كلمة “مقاومة” هي فقط ذريعة لجرّ الويلات على المدنيين.
هذه النوعية هي ذاتها المختار الذي خدم الإنجليز المحتلّين، وخدم روابط القرى مع المحتلّ الإسرائيلي. وإذا ذكرتَ أمامه فلسطين المحتلة، قال: “يا عمّي أخذوها اللي بستاهلوها”.
تعال فكّك المختار ووزّعه كبسولات وتحاميل ستطلع النتيجة موديلًا من الكتّاب العقلانيين الذين يدافعون عن الأبرياء العُزَّل ويصفون المقاومة بـ”الحماقة”.
متى ستسمحون لهم بمقاومة العدوّ؟
آسف يبدو السؤال في غير مكانه. يطلب منّي كاتب عقلاني حذف كلمتي “المقاومة” و”العدوّ” لأنّ هذا “كلام إنشائي”.
المطلوب؟
– ما رأيك بكلمة منازلة بدل مقاومة؟
– بلاش منازلة. هذه تذكّر بصدام حسين.
– طيب ما رأيك في “الوقوف بوجه الأشرار”؟ (طبعة جديدة من غريندايزر). هذه عامة ولا يوجد فيها لا “عدوّ إسرائيلي” (بعيد الشر) ولا “كيان صهيوني”. والأهم لا يوجد فيها “مقاومة” ولا “منازلة”.
الكاتب العقلاني يتحدّث عن إسرائيل كما يتحدث عن الفتنة “لعن الله من أيقظها”. هل كانت إسرائيل نائمة واستيقظت على مقاومة تتحرّش بها فغضبت؟ (أعني إسرائيل) وبدأت في ضرب المدنيين عن جنب وطرف؟
يا أخي الكريم شانتيه، يقول شمعون بيريز: “نحن قبيلة لا تنام”. يعني الجماعة قرّروا ألا يناموا. لو كنت أنا – لا سمح الله – مكان الإسرائيلي لغنّيت لك “أنا بس اللي محيّرني وماخلّانيش أنام، إزّاي أنا أقدر أسهر، وإزاي تقدر تنام؟”.
– أنت تريدني أن أنام؟
– لا، ولكن عليك ألا تكون أحمق وألا تركض إلى الحرب بدون توازن استراتيجي.
– يعني أنت تريدنا أن نبني مفاعلا نوويا في بيت حانون أولا، ثم نواجه العدو.
– لا تسخّف كلامي. بناء الإنسان هو الذي يسبق أيّ مفاعل وأيّ طيّارة وأيّ صاروخ. من يبنِ مدرسة يبنِ المستقبل.
– أوافقك تماماً. بنينا مدرسة ودخل الأستاذ إلى الصف وكان الدرس: “إعرِف عدوّك”: إعرف فعل أمر مبنيّ على السكون الظاهرة على آخره. يعني فقط نريد معرفة العدوّ حتّى إذا التقينا في محل كنادر لا نشعر بالغربة عن بعضنا.
– هذه عنتريات جابتنا لورا.
– والله يا أخي الكريم شانتيه، كلّ ما أخشاه أن نلتقي في محل كنادر فنعرف العدوّ ولا نعرفك.
العربي الجديد