غضب عابر للحدود أنظمة جامدة يجب كسرها
سيلفي كوفمان
في حديث لصحيفة «لوموند» أواخر شباط الماضي، تحدث رئيس الوزراء الاسباني خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو بكثير من التعجّب عن «الربيع العربي» وعن رأس الحربة فيه: الشباب. قال يومها «شباب شارع الحبيب بورقيبة في تونس وميدان التحرير في القاهرة الذين نجحوا في اسقاط الديكتاتورية، يذكرونني بالشباب الأوروبيين… اللباس ذاته، ثقافة الشبكات الاجتماعية ذاتها، التطلعات ذاتها: الحق في التعليم، الحق في العمل، الحق في الديمقراطية والشفافية»…»نموذجهم هو الشمال. لا يمكن للمرء سوى أن يفرح لذلك».
بعد فترة وجيزة، اتخذ رئيس الحكومة الاسبانية طريقه إلى تونس ما بعد زين العابدين بن على، ليكون اول زعيم أوروبي يزورها. فاسبانيا، تماما كبولندا، تريد تقاسم خبرتها في التحول الديموقراطي مع هؤلاء المرشحين الجدد للنادي، وهي على حق. لكن ما لم يكن يشك فيه ثاباتيرو هو أن خطوته سترتدّ عليه.
فبعد 4 أشهر على سقوط بن علي و3 أشهر على اختبار الرئيس المصري حسني مبارك التجربة ذاتها، عبرت الثورة مضيق جبل طارق لتصل إلى أوروبا من الجنوب: التمرّد يأخذ على شواطئنا شكلا مختلفا، خاصاً بـ«الغاضبين»، النسخة «الأقل دسامة» من الربيع العربي!
دعا الرجل العجوز ستيفان هيسيل الى مثل هذه النسخة في كتابه بعنوان «اغضبوا» (الناشر: انديجين، 2010) والذي قدّم الطبعة الإسبانية منه، عجوز تسعيني آخر هو خوسيه لويس سامبيرو. ولا شك في ان الشباب الاوروبيين امتثلوا لصرخة القلم، احتراما للشيخوخة.
ما هو القاسم المشترك اذاً، بعيدا عن «الجينز» وشبكة «فيسبوك» والبحر الأبيض المتوسط، بين الشباب في تونس ومصر، والآخرين في اسبانيا او اليونان؟
هم جميعا نتاج نظام اجتماعي ـ اقتصادي، تستند وعوده إلى مستوى التعليم. فنموذج النمو القائم على المعرفة، المطبق بنخوة مميزة في الولايات المتحدة حيث هو الضمانة الأولى للصعود الاجتماعي، جذب العالم بأسره، وحتى الصين، التي تنتج 5 ملايين من المتخرجين سنويا، اي اكثر بمليونين من إنتاج الولايات المتحدة. لكن ماذا يحدث عندما يتعرقل محرك النمو؟
بحرقه نفسه، اشعل محمد بوعزيزي، المتخرّج التونسي الشاب وبائع الفاكهة، شرارة الثورة. في اليونان، كانت ازمة الديون والأكاذيب هي المحيطة بالتمرد الشبابي. في اسبانيا، كان تفاقم الأزمة الاقتصادية المرتبطة بشلل النظام السياسي، وراء ولادة حركة 15 ايار… في ذلك المساء، قرر «الغاضبون» المستاؤون من تجاهل وسائل الإعلام لتظاهراتهم العامة في كل البلاد، «احتلال» ساحة «بويرتو دل سول» في مدريد، ليؤكدوا مرة اخرى في 19 ايار الماضي قدرتهم على الحشد والتحريك في مدن رئيسية عدة في إسبانيا.
تماما كما في العالم العربي، هي تحركات عفوية.. بلا قائد. الا ان الفرق الذي يختلفون به عن اصدقائهم العرب هو ان الاسبان واليونانيين لا يسائلون اسس النظام السائد بل الاسلوب الذي يعمل به هذا النظام. هم لا يريدون اسقاطه، بل وقف استبعاده لهم.
المناخ الذي خلقته «15M» ليس «تمردا» ولا «ثورة» بل «Democratia Real» (اي «هناك ديموقراطية حقيقية اليوم» في اسبانيا). في الواقع، شاب من كل اثنين في اسبانيا عاطل عن العمل، ومن درس منهم او تخصص في مجاله، لم يعد محميّاً ايضا. اذاً، غضبهم ينصبّ بشكل طبيعي على النظام السياسي الذي سمح بحدوث مثل هذه الكارثة.. يهتفون لنوابهم بصرخة واحدة : «انتم لا تمثلوننا».
يذهبون الى ابعد من ذلك، ويعيدون طرح «اتفاقية اليورو»، التي تحجّم النفقات العامة، والنظام الانتخابي وعمل الأحزاب السياسية… يطلبون ببساطة، الشفافية التامة.
وفيما يظهر الحزب الاشتراكي الحاكم بصورة الأصمّ، يستعد حزب العمال الاشتراكي الاسباني ليحلّ مكان ثاباتيرو (50 عاما) بشخص الفريدو بيريز روبالكابا، السياسي الذي يكبره بعشر سنوات.
هل يمكن لسخط الشارع ان يستمر؟ لا شك في ان التباطؤ الكبير على مستوى الحراك الاجتماعي للمتخرجين اصبح ظاهرة عالمية. في اليابان والصين واميركا اللاتينية وحتى الولايات المتحدة، حيث الطلاب المتخرجون العاطلون عن العمل يحملون همّا اضافيا هو تسديد قروض التعليم، ضربت الازمة الصعبة بيد من حديد. «لكن الاحباط لا يتحول الى ثورة ان لم تتوفر الشرارة»، بحسب عالمة الاجتماع في معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في فرنسا، سيسيل فان دي فيلدي. وتضيف «نحن بحاجة إلى نظام، لا يوقد الأمل».
لم نصل بعد الى هذا الحد في فرنسا. «أولا، لأن نسبة توظيف المتخرجين لدينا أفضل مما هي عليه في بلدان البحر الأبيض المتوسط». وتقول دي فيلدي «اعتقد أن السباق على الشهادات والمنافسة المدرسية تساعد على توزيع الشباب في اتجاهات مختلفة».
يبقى اذاً العامل الآخر: الشرارة. يقول رئيس مؤسسة «تيرا نوفا» اوليفيي فراند «في فرنسا، الخط الحقيقي الفاصل هو بين فئتي الداخل والخارج»، اي من هم داخل النظام ومن هم خارجه. فكلّما أحكمت فئة الداخل قبضتها على مصالحها المكتسبة، كلما كان صعبا على الشباب الدخول، فيتجهون نتيجة ذلك إلى تضخيم قاعدة «الخارج»: الفئة المتفجرة.
وإذا ما أضفنا إلى الاستبعاد الاقتصادي الذي يعاني منه الشباب الأوروبيون، الاستبعاد السياسي، يصبح من السهل الحديث عن تحد حقيقي أمام أوروبا الشائخة وأنظمتها المخنوقة. فهل يأتي الحل بتخفيض سن الاقتراع إلى 16 عاما مع ما قد يصاحب ذلك من خلط للثقل الديموغرافي في البلاد بين الشباب والمسنين؟ اختبرت النمسا مثل هذا التدبير، واستنتجت في العام 2008 ان حوالى نصف فئة الشباب بين العامين 16 و18 يصوتون لصالح اليمين المتطرف دون خجل… في الواقع، انه تحد حقيقي…
سيلفي كوفمان، رئيسة تحرير صحيفة «لوموند» الفرنسية
ترجمة: دنيز يمين
السفير