فاتح جاموس لـ عربي برس: النظام السوري يمتلك قوة الإستمرار في المواجهة وإسقاط المادة الثامنة لم يسقط ثقافتها
مرح ماشي-عربي برس- اللاذقية
“النظام متماسك ولديه استعداد عالٍ لمتابعة الصراع” هذا ما يعلنه القيادي في حزب العمل الشيوعي والمعارض المعروف فاتح جاموس أثناء دردشة أولية قبل الحوار معه والذي يبيّن طريقته المحترمة في الكلام عن أي من زملائه المعارضين، وهي خصلة يفتقدها السوريون في شخصيات المعارضين إجمالاً، فيقيّم موقف زميله وابن مدينته ميشيل كيلو باحترام كامل إلا إنه يثني على موقف البطريرك الماروني قائلاً: “البطريرك الراعي التقط الخيوط السياسية بشكل أفضل من المعارض ميشيل كيلو وتصرّف بمنطق الحريص على رعيته، ورغم ذلك فقد وجّه البطريرك مؤخراً انتقاده للنظام السوري بسبب تأخره في الإصلاحات”.
إلى قرية بسنادا حيث يقيم الماركسي العتيق اتّجهنا.. ليظهر من بعيد بلفحته الحمراء وقبعته، ملوّحاً لنا، ومشيراً نحو بيته الصغير.
صعوداً بضعة درجات هو ما يفصلنا عن الوصول إلى ذلك المنزل المتواضع الذي حضن آلام الزوجة ” أم إزار” وأطفالاً عاشوا بلا “فاتح” رب أسرتهم لتسعة عشر عاماً بسبب سجنه لمواقف سياسية لنضاله الديمقراطي ضد السلطة القائمة في سوريا.
“الأقليات اصطفت سياسياً إلى جانب النظام وليس طائفياً، لأن ما جرى أعطاها انطباعاً سريعاً بأن البديل أسواء، وهو الأمر الذي حرّض ذاكرتها وأعاد إلى أبناء الأقليات خوفاً من الإسلاميين السياسيين المتعصبين” .
ويتابع فاتح جاموس فيقول: “سرعان ما فطن جزء من الكتلة المذهبية الأساسية في دمشق وحلب، على سبيل المثال، إلى أت وسائل الحراك ذات خلفية مذهبية لن تكون جامعة للبلد فلم يلبوا نداءه”.
ويضيف : “لم يشترك في الحراك سوى نخب من الأقليات المذهبية، بعضهم كانوا من رابطة العمل الشيوعي.. ذهبوا إلى الصليبة في اللاذقية وإلى دوما في دمشق… إلا أنهم انتبهوا إلى أن وجودهم لم يكن سوى ديكور، بل وتم طردهم من بعض المناطق”.
“مكان تأثيرك الحقيقي هو مكان وجودك الجغرافي أو الاجتماعي، أنا أبدأ من مكاني هُنا” يتابع قائلاً: “في منزلي هذا تعرضت لضربة سكين من شخص غرائزي، تقصد قتلي بصفتي معارضاً.. بالطبع لم يدرِ ماذا تعني كلمة معارض. ولكني لم أترك مكاني أمام هذه الحادثة، ولم أذهب إلى الصليبة مثلاً”.
لا يتوقف جاموس عن لوم النظام وتحميله المسؤولية في عدم التوصل إلى مصالحة منذ أحداث الثمانينات. و فيما يختص بسمة النظام الطائفية المتمثلة برأس الهرم السياسي وأهم المراكز الأمنية والعسكرية، إعتبر جاموس أن المصالحة لن تتم إلا في ظل نظام تداولي.
وفي الوقت نفسه يستغرب المعارض الكبير نفي البعض لقدرة تنظيمات إسلامية تكفيرية على تدبير الانفجارات التي ضربت العاصمة السورية في الأشهر الأخيرة ، سيّما وأن لسوريا المعاصرة معاناتها منذ عام 1977 مع أشرس العمليات الانتحارية التي وقف وراءها تنظيم “الإخوان المسلمون”.
ويرى جاموس أن اتهام سوريا باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري والتضييق الدولي على البلاد، أعطى الذرائع للنظام كي يتأخر في إصلاحات كان عازماً عليها بحسب تصريحاته، وبذلك لم يستقر الوضع السوري لزمن طويل، فكان التحرك في المجال الديمقراطي صعباً ولم يتم بالطريقة التي يشتهيها الشعب السوري والنظام في آن واحد، مع التمييز بين ما يشتهيه النظام والشعب.
ويعتبر جاموس: أن العمل على تعديل الدستور بطريقة تدريجية كان أجدى من وضع لجنة تعديله ومشروعه من قبل النظام نفسه، فيقول فيما يخص الدستور: “كان ضرورياً في حياة السوريين إلغاء المادة الثامنة، ولكن الأهم من إلغائها هو إلغاء ثقافتها”.
لم يكن خافياً على أحد التغيّيب المقصود من قبل وسائل إعلام المعارضة والداعمة لها لفاتح جاموس عن شاشاتها منذ بداية الأزمة. والتصريح الوحيد الذي ظهر له من قناة ” أورينت” بقي يتيما رغم واحد من رموز المعارضة التاريخيين في سورية . وكانت مذيعة الأخبار في المحطة المذكورة قد انفعلت مُحاوِلة جرّ جاموس ليكون شاهد عيان على قمع النظام لمظاهرات اللاذقية، الأمر الذي جعله يرفض التحدث عن معلومات لم يكن متأكداً منها واكتفى بمجاهرته المعتادة بمعارضة النظام.
يقول الماركسي القديم شارحاً حراجة الوضع السوري: ” بالإضافة إلى يقيني بوجود شهية خارجية دائمة للتدخل في الحالة السورية وتغلغل بعض المنظمات بين الشباب السوري، فأنا أصدّق رفيقي وصديقي هيثم العودات (المنّاع) في حديثه عن تهريب السلاح إلى سوريا منذ ما قبل الأزمة، لذا من يعرف طبيعة الصراع بين الحركة الدينية المتعصبة والنظام السوري سيقرأ عنف أزمة البلاد بكل تأكيد”.
جاموس الرافض لتسمية ما يحصل في البلاد بالـ “ثورة” يجيب في ردّ على سؤال عربي برس قائلاً: “لم تتوفر الإرادة الشعبية بقدر ما تأثر الناس بالطاقة التي سبّبها الربيع العربي، الأمر الذي أعطى زخماً لشعوب العالم ككل بشكل يتجاوز المنطقة وصولاً إلى الولايات المتحدة نفسها”.
وفي حين لا ينفي وجود فكرة المؤامرة ضمن الترتيب الواقعي للمنطقة، فإنه يحمّل النظام مسؤولية العجز عن تحصين الداخل، ويتابع قائلاً: “يمكن ببساطة للولايات المتحدة أن تراهن على حصان تافه كالشيخ حمد وآل سعود الذين يشكّل قمع الشعوب أحد إختصاصاتهم وليس الديمقراطية”.
من منظور فاتح جاموس فإن الولايات المتحدة التي تهتمّ بتغيير السياسات قد ساهمت في الاستعدادت الأولية لما يجري في المنطقة من ثورات وحراك، لا سيما من خلال العديد من الندوات ومراكز البحث الاستراتيجي وفيما يخص الملف الإعلامي أيضاً، مقدّماً مثالاً على ذلك محطة “بردى” الموجودة منذ ما قبل الحراك تحسّباً لمثل هذه اللحظة التي تتوفر فيها أسباب داخلية تؤهل المنطقة للانفجار الأخير.
ينتقد جاموس الحِراك الذي بدأ من درعا آخذاً شكله المذهبي العمودي فلم تشترك فيه مكونات ذات طابع مختلف لأن لها أسبابها التاريخية، وهذا أمر مفهوم قياساً لتراكم الشحن الطائفي والعصبيات.
أما بخصوص المآخذ على أعضاء في حزب العمل الشيوعي ممّن لبّوا نداء الفزعة الذي أطلقه بعض التكفيريين في معظم المناطق الساخنة، يعزو جاموس ذلك إلى دمار عال أصاب الحزب إثر خروج الكثير من أعضائه من معتقلات قضوا فيها سنوات طويلة، ما أدّى إلى تعرضهم إلى اختراقات كسائر الأحزاب الأُخرى، وخصوصاً جرّاء القمع الشديد من قبل النظام بعد أحداث الثمانينات التي فجّرها تنظيم “الأخوان المسلمون”.
ويتابع قائلاً: “اشترك في الحراك نخب من المعارضة بعضها راجع لأحزابه والبعض الآخر دون العودة إليها. الكل كان مأخوذاً بطاقة الربيع العربي ويملك أحلاماً حول إمكانية إجراء التغيير في سوريا”.
إثر خروجه من السجن، بدأ فاتح جاموس العمل السياسي بشكل علني متغاضياً عن ضريبة العودة إلى السجن مجدداً، على اعتبار أن لا خطوط ارتباط تفاعلية مع المجتمع في حالة العمل السري، بحسب تعبيره، وعليه فقد حاول ورفاقه في عام 2003 إعادة العمل السياسي إلى حياتهم الحزبية.
ورغم أنه يميّز بين مرحلة حكم الأسد الأب ومرحلة حكم الرئيس بشار الأسد لناحية التحسّن لجهة إمكانية أكبر وإن محدودة لحرية التعبير، إلا إنه يتحدث عن اعتقاله مرتين ثم إطلاق سراحه، منوّهاً بدعوتين قضائيتين لا تزالان قائمتين ضده.
وينتقد جاموس الإعلام السوري الذي لا يمكن الاطمئنان لما يبثّه حتى لو قدّم وقائع حقيقية بسبب التجربة السيئة معه، مذكّراً أنه يبقى إعلاماً متواضعاً ولم يرتقِ لمستوى وسائل الإعلام الخارجية التي تواجهه بإمكانياتها الهائلة وقد اتخذت الكذب منهاجاً وهكذا أصبح من المستحيل الحصول على المعلومة.
ولا يجد المعارض الذي قضى قرابة العقدين في سجون النظام بدّاً من تكرار أن موقفه لا يعبّر عن موقف حزبه، فجاموس لديه تحفظاته على موقف حزب العمل والذي أطلقه في حزيران 2011، إذ اعتبر الوضع القائم في البلاد ثورة من أجل تغيير شكل الحكم السياسي من ديكتاتوري إلى ديمقراطي دون الحديث عن عدم اشتراك مكونات الشعب السوري فيها.
كما أغفل الحزب، بحسب جاموس، الحديث عن الشحن المذهبي،وهذا تكتيك خاطئ جداً، بحسب رأيه.
القيادي في حزب العمل الشيوعي قال ” أن على النخبة ألا تجري وراء خطاب الشارع وشعاراته وتكتيكاته، بل أن تستثمر طاقة الشارع الهائلة للحركة وتقوم بتنظيمها وتشذيبها وقيادتها”.
وبينما يعيد تحميل النظام مسؤولية انتصار خطاب الشارع وقطع الطريق تاريخياً على إمكانية انتصار النخب، يصرّح قائلاً: ” تجاوزنا وضع ثورة أو حِراك إلى أزمة وطنية شاملة سندفع ثمنها غالياً. لو أن هناك ثورة وأزمة في الثورة لكان الأمر مقبولاً”.
“قسم من المتظاهرين كان سلمياً وامتلك كامل الشرعية بمطالبته بالإصلاح والديمقراطية محاولاً تقليد الحراك العربي، ولكن سوء حظّ الثورة يكمن في نوعية المعارضة” يقول جاموس: “المعارضة السورية لم ترتقي يوماً لمستوى المسؤولية. كان عليها ألا تكون قصوية مهما كان النظام إقصائياً”.
“البلد الذي يعاني من طرفين قصويين يدخل في كثير من مراحل الأزمات المغلقة التي لا تفتح إلا بكسر نواة الجوزة القاسية، أي العنف والاقتتال الداخلي واستخدام العامل الخارجي” يقرأ جاموس مستقبل البلاد على ضوء ما حصل في الثمانينات، فيقول: “ألوم وسائل تكيف المعارضة السورية التي لم تتمتع بالمرونة الكافية وانساقت وراء الحركة الشعبية، إذ سرعان ما انقسمت مستندة إلى أسس خلافاتها القديمة، ويئست من الإصلاح لتُجري أخيراً استقطاب سريع لموضوع التدخل الخارجي.. بعض أقطاب المعارضة صدق وسائل إعلام توقعت سقوطاً سريعاً للنظام، فانقسموا مجدداً حول مسائل الوعي الوطنية وكانت مواقفهم مزدوجة، ولم يكونوا صادقين في طرحهم لاستراتيجية الانتقال السلمي للنظام بل كانوا يستبطنون فعلاً استراتيجية إسقاط النظام”.
يعتبر جاموس أن هيئة التنسيق والمجلس الوطني قد أُخِذا بالحراك وركضا وراءه، وأن قسماً كبيراً منهما فكر بطريقة انتهازية التظاهرات، مع الأخذ بعين الاعتبار مسؤولية النظام عن سبل المعالجة السيئة.
لم تترك هذه الفئات المعارِضة، بحسب الماركسي العتيق، مسافة نقدية بينها وبين الحراك، ولم تدقق في أخطائه وبالتالي التحقت به وعمقت ثقافته.. وكانت أقرب الى خطاب الشارع.
يعود جاموس ويركّز على نوع من التقارب نشأ بين بعض المعارضات بعد انقسامات عديدة، بمعنى أن “تقارباً نشأ بين هيئة التنسيق باتجاه أطروحات المجلس الوطني أو كون الهيئة تخلت عن العديد من الأمور التي تمسكت بها سابقاً: التخلي الأول كان في لقاء الدوحة الأول، حيث استبدلت استراتيجية الانتقال السلمي الآمن للسلطة إلى طرح استراتيجية إسقاط النظام، وأضافت وصف الاستبدادي والقمعي للنظام تماشياً مع المجلس الوطني والتظاهرات، معتقدة أنها بذلك تتقرب من الشارع، بينما هي ضعيفة التأثير كلياً فيه كما المجلس الوطني تماماً”.
يختم جاموس كلامه أن هذه المعارضات غير قادرة على ضبط الحراك بل ملتصقة به فعلياً، فيما أن “الأخوان المسلمون” هم القوة الأكثر قدرة على التنسيق والربط والتأثير على الأرض، وتشاؤمه حيال الأزمة هو أمرٌ لا يخفيه بينما أمنيات المناضل القديم لهذه البلاد تشبه عينيّ حفيده “غدي” الذي ينسى أثناء اللعب معه عذابات المعتقل وسنوات الحرمان الطويلة.