فارس ورود الحمراء .. شهيداً في الحسكة/ فاطمة حوحو
مات فارس، خبر على صفحات الاصدقاء.
فارس ذلك الأنيق أناقة ممثل، يختال في شارع الحمراء، طفل خفيف الظل وصاحب حضور محبب، لا يضايق احداً، يعبر الطاولات في مقاهي الارصفة عبور رائحة الورود الحمراء التي يحملها بين يديه، يضحك بخفر لصبية تجالس صديقاً، يقترب بهدوء ويضع وردة امامها، من دون كلمة، ابتسامة لطيفة وغمزة عين ذكية للشاب تكفي ليصبح رابحاً، سرعان ما يتحول ذلك الطفل الصغير الى صديق، يحكي قصة الحياة ويحاكي آمالاً يحياها بعيداً عن الزبائن، كان يصول ويجول في الشارع الاشهر في المدينة طفلاً صغيراً مميزاً تلمع عيناه، لا يستعطف احداً للشراء، رقته في التعامل تكفي لكي تحب ذلك الصبي كالوردة التي يحملها، يختارها بعناية دائمة، يهتم بها وتراها بين يديه جميلة ومتوثبة للتعبير عن حب او الاستمتاع بجمال.
مات فارس
مات ذلك الطفل الذي شغل رواد الشارع سنوات، كبر بين الورود وحلم بالمدرسة، ابن العائلة السورية التي جاءت من الحسكة بحثاً عن لقمة العيش في لبنان منذ سنوات، قبل ضغط النزوح وتكاثر اعداد الاطفال السوريين الباحثين عن مورد رزق، عاد الى الحسكة وسقط شهيداً بقصف التحالف، لم يكن ارهابيا بالطبع، كان يقول انه سيعود الى سوريا ليدخل الى المدرسة، وكان يخجل لأنه لا يتقن القراءة، ومع ذلك كان يلفت النظر بلباسه النظيف وشعره الاسود الطويل المربوط الى الخلف ورائحة عطر تفوح منه تملأ المكان وتغطي على رائحة وروده، كان قد صنع لنفسه «ستايل« و«لوك« عبر لباسه المزركش وقبعاته المضحكة وأحيانا ربطة عنق انيقة، يقدم من خلاله نفسه الى اهل الشارع بطريقة مؤثرة، لا يمكن لاحد ان يعتقد انه كان متسولاً ولا يمكن لأحد ان يتجاهل ذلك الحضور لطفل لماح يعبر عن ذاته بطرق حلوة وآسرة، صديق الاصدقاء وندماء الحانات، واضح في مهمة عمله مساعدة العائلة على تلبية حاجات الحياة. ونقطة على السطر ليس من كلام بعد.
فارس صاحب البسمة التي تدفعك الى الأمل قضى بجنون الحرب السورية، عاش طفلاً ومات طفلاً ذبلت وروده الحمراء بالأمس وذبلت معها آمال الانسانية، ربما تخجل زهور العالم وتنحني المقامات الكبيرة امام قامته الصغيرة احتراماً لكفاحه، ربما يخجل العالم من عينيه البريئتين ويعتذر ذات يوم لن يكون فيه حياً.