فداء البعلي ناشط سوري ذهب ضحية الحرب التي كان يوثق أحداثها
ندم على التظاهر السلمي لأن النظام لا يعرف إلا لغة الكلاشينكوف
لميس فرحات
بعد غيبوبة دخل فيها إثر إصابته في القابون، رحل الناشط السوري فداء البعلي، الذي عرفه العالم رجلًا أخذ على عاتقه تحدي الصعاب والخطر للتوثيق للحرب الدموية في سوريا.
بيروت: تستمر فصول الحرب الدموية في سوريا لا ترحم أحدًا وتحصد أرواح الكثير من الأبرياء، من ضمنهم النشطاء الذين حاولوا توثيق مشاهد القتل والدمار المروعة، ليصبحوا هم أنفسهم قصصًا لها. فداء البعلي ناشط سوري معروف بإسم محمد معاذ، اعتاد توثيق أحداث الثورة في بلاده، على الرغم من تعرضه لانتكاسات عديدة في حياته الشخصية، إذ قتل شقيقه الذي كان يقاتل إلى جانب الثوار، واعتقل الأمن السوري والده للضغط عليه. كما تسببت إحدى كتائب الثوار بمقتل خطيبته بعد إصابتها بقذيفة هاون أطلقتها الكتيبة. وتوفي فداء البعلي الجمعة متأثرًا بشظايا أصابته في وقت سابق منذ أسابيع، عندما قصفت القوات الحكومية الحي الذي يقيم فيه في القابون بضواحي العاصمة السورية دمشق.
لغة الكلاشينكوف
وفداء مواطن صحافي وناشط مناهض للحكومة ومعروف لدى العديد من السوريين باسم محمد معاذ، وكان يحمل كاميرته ويهرع إلى مواقع القصف لتوثيقها. وعندما اندلعت المظاهرات المناهضة للحكومة في آذار (مارس) 2011، وبدأ الصحافيون المواطنون توثيقها بالفيديو، كان فداء من بين أول الذين تجرأوا على إظهار وجهه، فكان ينظر مباشرة إلى الكاميرا، ما شجع الكثير من الشباب السوريين على هذا العمل، رغم انتقال المشهد في سوريا من التظاهر السلمي إلى الصراع المسلح، وهو ما منع الكثير من الصحافيين الدوليين من الوصول إلى هذه المناطق. وأشارت صحيفة نيويوك تايمز إلى أن نضالات وخسائر بعلي الخاصة انعكست بانتظام على الكاميرا، وفي العديد من المقابلات التي أجريت معه عن طريق الهاتف وخدمة سكايب. كما انه لم يحمل السلاح يومًا، بل كان يعيش في الخفاء كالمقاتل، وينتقل من طابق سفلي إلى آخر، وكثيرًا ما كان يظهر في أشرطة الفيديو وهو في غرفة بلا نوافذ تحت القصف وسقوط القنابل.
لم يكن فداء يتحدث عن ماضيه، بل اكتفى بنقل ما شاهده فقط. لكن مع مرور الوقت، انعكس مساره الشخصي على الصراع السوري، فابتعد أكثر فأكثر عن المبادئ المثالية للاحتجاج السلمي، في ظل حملة الحكومة العنيفة ضد المدنيين. وقال الناشط في إحدى التسجيلات إنه يندم على التظاهر سلميًا في البداية، مشيرًا إلى أن الطريقة الوحيدة للتغلب على الحكومة السورية هي استخدام الرصاص وبنادق الكلاشنيكوف.
رحل!
سعي فداء الحثيث لتوثيق مشاهد القصف والغارات الجوية من أجل نقل معاناة المدنيين جعله جزءًا لا يتجزأ من كتائب الجيش السوري الحر، وأصيب في ذراعه أثناء عمله هذا. وقال بعلي إنه في كثير من الأحيان ساعد المراسلين الأجانب وقدم لهم الخدمات اللوجستية في سوريا. وفي العام الماضي، ظهر في فيديو لزيارة أجراها عدد من المراقبين التابعين للأمم المتحدة لتقييم الأزمة المتصاعدة، وقد لف ذراعه المصابة وعلقها برقبته. وبدا فداء في ملابسه الرثة وهو يحاول أن ينقل إحساس الناس بكارثة وشيكة، راجيًا المراقبين الدوليين بذل جهد أكبر للوصول إلى المناطق المضطربة حيث ترفض الحكومة دخولهم. ولم يمضِ وقت طويل بعدها، حتى ظهر بعلي في مقطع آخر بجانب جثة رجل ملتحٍ ملفوفة جزئيًا بكفن أبيض، ليتضح بعدها أنه شقيقه. وكان الناشط الشجاع بالكاد قادر على حبس دموعه، ثم قبّل شقيقه على رأسه وودعه.
في ربيع العام 2012، اعتقلت قوات الأمن والده، وهو رجل أعمال سابق، في محاولة مكشوفة لترهيب بعلي للتخلي عن نشاطه. وكأن ذلك لا يكفي، فقد أدت الطبيعة العشوائية للحرب إلى وفاة خطيبته على يد مجموعة من الثوار الذين أطلقوا وابلاً من قذائف الهاون على دمشق حيث كانت تقيم في ذلك الوقت. وأصيب البعلي عندما كان يحاول العبور من القابون إلى جوبر بشظايا هجوم بالقذائف الصاروخية نفذته القوات الحكومية، وبقي في المستشفى لعدة أسابيع في غيبوبة، إلى أن أعلن مساء يوم الجمعة عن وفاة “الشاب الشجاع الذي ضحى بحياته من أجل إيصال صوت آلام الشعب السوري”، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الانسان.
ايلاف