فشل أوباما في سوريا
ريتشارد كوهين
هناك نوعان من الحروب، كما قيل لنا؛ حروب بالاختيار وحروب تفرضها الضرورة، فالنوع الأول هو الذي يجب تجنبه، أما الثاني فيكون رغما عنا. وقد كانت الحرب العالمية الثانية حربا ضرورية، في حين لم تكن حرب فيتنام كذلك. وكانت حرب العراق حرب اختيار (وضربا من الحماقة أيضا)، ولكن حرب أفغانستان لم تكن كذلك، على الرغم من أنها قد تكون حرب اختيار الآن. ويمكن أن تتغير الحروب بمرور الوقت، مثل الحرب السورية التي تحولت من حرب اختيار إلى حرب ضرورة لم يختر الرئيس أوباما الاشتراك فيها. ويظهر عدد الضحايا الهائل أنه كان مخطئا في ذلك.
لقد لقي أكثر من 60 ألف شخص حتفهم في تلك الحرب، ومعظمهم من المدنيين، علاوة على هروب ما يقدر بنحو 650 ألف لاجئ عبر الحدود السورية المختلفة، ويعيشون الآن في ظروف مأساوية وتجمدوا بسبب الأمطار الغزيرة التي تهطل على البحر الأبيض المتوسط في فصل الشتاء، كما قتل عدد هائل من الأطفال وسيلحق بهم آخرون.
وتهدد هذه الحرب بزعزعة استقرار المنطقة برمتها؛ فالأكراد في شمال سوريا لا يهدأون، كما أن الفلسطينيين اللاجئين في سوريا من وطنهم الأصلي، قد باتوا لاجئين مرة أخرى في الأردن، ويعج لبنان بالسوريين النازحين من المسلمين مثلهم، ولكنهم من طائفة أخرى. وتبدو التركيبة العرقية لهذا البلد (خليط غير مستقر من السنة والشيعة والمسيحيين والدروز) هشة بشكل كبير. وبات جميع اللبنانيين لديهم عقلية تركز على تعداد الطوائف في البلاد: هل جماعتهم في زيادة أم نقصان، وماذا يعني ذلك؟
وماذا عن بشار الأسد، هذا الابن غير المثير للإعجاب لأب مثير للإعجاب بشكل كبير؟ هل سيبحث عن منفى له في العاصمة الروسية موسكو، ليقيم مع جيرارد دوبارديو الذي تتسم أخلاقة بالسوقية؟ أعتقد أن هذا غير مرجح، وسوف يتقهقر الأسد إلى المعقل العلوي وسوف تستمر المذابح، وستكون هناك شلالات دماء واحدا تلو الآخر، وستتم تصفية حسابات الماضي القريب والماضي البعيد، وسيكون المنطق السائد في المستقبل هو: اقتل قبل أن يتم قتلك، في شكل من أشكال التحوط.
إنني أتحدث عن مأساة يصعب وصفها؛ عن أطفال رضع يموتون من الدوسنتاريا (الزحار) وعجائز يخطون آخر خطواتهم الضعيفة.. إنني أتحدث عن الوحشية التي دائما ما تطل علينا برأسها القبيح في الحروب الأهلية، وأتحدث، أخيرا، عن كارثة كان يمكن تجنبها. وكان يمكن لقوة قليلة من حلف شمال الأطلسي، أو بالأحرى الولايات المتحدة، أن تضع حد لما يحدث في وقت مبكر. ولم يكن فرض منطقة حظر الطيران، كما حدث في ليبيا، سيجبر الطائرات والمروحيات السورية على البقاء على الأرض فقط، ولكنه أيضا كان سيقنع الأجهزة الحربية الاستخباراتية بأن الأسد سوف يسقط لا محالة وأن نتيجة الصراع قد باتت محسومة. وفي ذلك الوقت، كان هناك بعض الأماكن التي كان يستطيع الذهاب إليها.
ومع ذلك، كان البيت الأبيض مصمما على التردد، وكانت هناك حملة الانتخابات الرئاسية، ولم يكن هناك وقت للمغامرات الخارجية. كان العراق في طريقه إلى الخمود، وأفغانستان أيضا لو كان هناك بعض الحظ. ولم يكن للولايات المتحدة ناقة ولا جمل في الحرب السورية، علاوة على أن واشنطن – في اعتراف بعدم الكفاءة – كانت غير قادرة على معرفة الغث من السمين، وانتظرت حتى تتضح الأمور. والآن، بات الأشرار (الجهاديون وغيرهم) أكثر تحكما في الأمور، كما خسر المعتدلون، كما هو الوضع عادة، أمام المتطرفين.
وفي وقت لاحق، أصبحت هذه الحرب ضرورية، كما كان من الضروري تجنب حدوث كارثة إقليمية، وانتشار المزيد من أعمال العنف إلى لبنان والعراق.. كان من الضروري تجنب وقوع كارثة إنسانية؛ والمعاناة الكبيرة التي كان يمكن تجنبها أو التخفيف من وطأتها على الأقل.. كان لا بد من اتخاذ موقف ضد البربرية لأن هذا يعد التزاما أساسيا، أليس كذلك؟ كان من الضروري التدخل لأنه كان يمكننا القيام بذلك بتكلفة قليلة للغاية. قد لا يكون لقيامك بما تستطيع وقتما تستطيع وقع المبادئ السياسية التي وضعها مترنيش، ولكن ذلك قد يكون له قوة المنطق. يعد التدخل الآن شيئا مقنعا وقابلا للتطبيق، لا سيما أننا نتحدث ببساطة عن إنقاذ أرواح البشر.
كان ذلك ضروريا، في النهاية، لأنه يجب أن تتم مساءلة بلطجية هذا العالم من قبل المجتمع الدولي. يجب عدم السكوت عن القصف العشوائي للمدن والبلدات السورية، كما يجب ألا يتم السكوت عن استهداف الصحافيين. الشعب في أي بلد ليس متاعا يتم التعامل معه بأي شكل من الأشكال التي تريدها حكومته. وينبغي أن يهيمن الشعور بالالتزام الأخلاقي على السياسة الخارجية الأميركية ويكون محور الفترة الرئاسية الثانية للرئيس أوباما.
في الحقيقة، لم تعد الحرب السورية مسألة اختيار، ولكنها تحولت إلى حرب تفرضها الضرورة.
* خدمة «واشنطن بوست»
الشرق الأوسط