فهمى هويدى ..وجنرالات المقاومة فى سوريا
أشرف عبد الشافي
كل القادة والجنرالات ، كل الصقور على الأرض وفوق الأرض وتحتها ، كل الأقلام المقاتلة التى بقرتْ بطن مبارك ونظام مبارك، كل المناضلين الكبار الذين حصدوا ألقاب البطولة والوطنية ،تحفظوا على الشعب السورى لأنه تجرأ وأعلن الثورة بينما العدو ” الصهيونى ” على الحدود !!
“حماس” اعتبرت ما يحدث فى سوريا شأنا داخلياً ، وقالت فى بيانها الصادرأول أبريل أنها تعترف لسوريا بوقفتها مع مقاومة الشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة، واحتضانها لقوى المقاومة وصمودها أمام كل الضغوط من أجل التمسك بدعم نهج الممانعة والمقاومة فى المنطقة، وهو نفس موقف جماعة الإخوان المسلمين !، وخالد مشعل من قلب دمشق وصف معارضى النظام السورى بالعمالة للصهاينة ، وتولى بنفسه تكذيب تصريحات القرضاوى التى دعم فيها الثوار، أما سماحة الشيخ حسن نصر الله أو حزب الله فاتخذ موقفاً مغايراً ومدهشاً حيث قرر دعم نظام بشار الأسد عبر قناة المنار ،وراح يبث أخباراً عن تمرير أسلحة إلى ثوار سوريا عبر قوى 14 آذار !
**
هناك شىء خطأ إذن ! ربما ارتكب الشعب السورى خطيئة فى حق العروبة والقومية وسعى بليل إلى تدمير مستقبل أمتنا ، ولن يكون إجماع كل هؤلاء القادة والجنرالات على دعم النظام السورى ـ بشكل أو بأخو ـ سوى تخوف وقلق من مستقبل مجهول يترصدنا إذا استمرت ثورة السوريين، القادة ـ كما هو معلوم بالضرورة ـ هم الأعلم بأمورنا ولا بد من مراجعة موقف الشعب السورى ” الموتور “الذى لم يعد متهماً بأجندة واحدة بل بعدد وافر من الأجندات المتطورة والتى يوزعها هذه المرة أقطاب النضال وليس ذيول الأنظمة !
**
كل القادة والجنرالات الذين اتفقوا على “عتاب ” الشعب السورى وتحفظوا على ثورته فى وجه بشار الأسد وحاولوا إعادته إلى صوابه، يربطهم أكثر من خيط ،وكل خيط يشبه البنيان المرصوص من طهران إلى دمشق مروراً بالقاهرة ، فهم يستخدمون تعبيرات واحدة فى وصف إسرائيل ب”العدو الصهيونى” ، ويتبادلون تعريفا سياسيا واحدا عن ” الممانعة والمقاومة والصمود ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة ، وهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى.
الخيط يمتد من القادة والجنرالات الذين يجيدون فن التثوير والتحريض ويقاتلون العدو الصهيونى سراً وجهراً ، إلى كُتاب ومفكرين كبار صالت أقلامهم وجالات وهى تدك الصحف والمجلات بمقالات عنتريسية جبارة عن الظلم والاستبداد وحريات الشعوب ،وفى ذلك خسران كبير للأشقاء فى سوريا ،ولك أن تتخيل شعبا عربيا ثائراً ضد نظامه يفتقد كل هؤلاء :”إسماعيل هنية ونجاد وخالد مشعل ..”، ويفتقد معهم ترسانتهم الإعلامية الضخمة ورأس حربتها الكاتب الكبير “فهمى هويدى”!
**
الفيديوهات الدامية التى تجسد القسوة فى أبشع صورها أجبرتنى تلك الليلة على تأمل مشهد الشعب السورى الذى يحلق فى سماء الحرية بجناح مكسور ، ويخوض معركة شرسة مع نظام استبدادى عنيف، معركة بلا قناصة ولا حتى جنود ، فالرجال الأقوياء الأشداء الذين حصدوا ـ عن جدارة ـ ألقاب البطولة والوطنية والنضال عبر ربع قرن مضى على الأقل ،يمتنعون عن شعب سوريا !!، لماذا يمتنعون يار ب العالمين؟! هل شهداء بانياس ودرعا واللاذقية يختلفون كثيراً عن شهداء تونس ومصر وليبيا؟!، كل هؤلاء القادة صرخوا فى نظام مبارك وباركوا ثورة الياسمين وأدانوا العقيد ، فماذا عن شهداء سوريا ونساء سوريا اللائى خرجن معصوبات الرأس فى الشوارع يبحثن عن أزواجهن وأبنائهن الذين سحلهم بشار فى المعتقلات ؟!
اعتقد أن التاريخ سيتوقف كثيراً أمام مشهد الشعب السورى ومواقف القادة والجنرالات من ثورته ، ودعونا نتوقف قليلاً أمام المقال الوحيد الذى كتبه الأستاذ فهمى هويدى عن سوريا ، ففى الرابع من أبريل قرر كاتبنا الكبير أن يقدم درساً فى فن “البغاء الصحفى “، درسا يبدأ من عنوان المقال ويمتد ويتسرب الى المفردات والتعبيرات والتلاعب والتذاكى ، فمن المفروض الآن (4 أبريل ) أن الشعب السورى يفتح صدره للرصاص ويقف عاريا أمام ترسانة حربية تسحل الشباب وتنكل بالنساء ، فماذا سيكتب “هويدى” ؟!
**
عنوان المقال ” الشعب السورى أعَز “.. وكأن الأستاذ هويدى يقول لبشار الأسد ” عذراً.. مجبرعلى كتابة كلمتين “، فكيف جاءت الكلمتان ؟!
يبدأ كاتبنا الكبير المقال هكذا : “هناك الكثير الذى ينبغى أن يحسب للنظام السورى، والكثير الذي يحسب عليه إذ لا يستطيع أحد أن ينسى له احتضانه للمقاومة الفلسطينية، التي لولاه لكان قادة فصائل المقاومة إما في السجون العربية أو الإسرائيلية، أو مشردين في أصقاع الأرض، يحسب لذلك النظام أيضا أنه لم يفرط ولم يساوم ولم يشترك في صفقات بيع القضية الفلسطينية،يحسب له كذلك دعمه للمقاومة الوطنية اللبنانية التي لولاها لسقط لبنان في فخ “الاعتدال” وفي قبضة الحلف الأمريكي الإسرائيلى، كما يحسب له دعمه للمقاومة العراقية التي قضَّت مضاجع الاحتلال الأمريكى وأنهكته هناك”.
انتهى الأستاذ “هويدى” من الاستهلال العظيم الذى يبعث من خلاله رسالة واضحة ومحددة تحذرمن استمرار الثورة ضد النظام السورى، فهناك أسطورة كبرى سوف تسقط ، أسطورة “مقاومة عظيمة “يحاربها الجميع لأنها تقف فى وجه العدو الصهيونى .. وما يحدث فى سوريا ـ كما قال هويدى وسيقول فى الفقرة التالية ـ ليس بعيدا عن تلك الحرب ، يقول الأستاذ هويدى :
“لأن الموقف السورى على المستوى القومى بهذه الصورة التى ذكرت، فلا غرابة فى أن تصطف قوى كثيرة للضغط على النظام في دمشق ومحاولة تفجيره من الداخل. أعنى أن هناك كثيرين لا يتمنون خيرا لذلك النظام الذي تمرد عليهم وأقلقهم وحرص على أن يرفع لواء الممانعة مستثمرا ظروفا عدة، بينها علاقاته المميزة بإيران”.
الله عليك يا أستاذ هويدى يا عظيم .. حقاً يا سيدى هناك عملاء يحاولون تفجير النظام من الداخل والضغط على القائد العربى الكبير ” بشار الأسد ” الذى أقام علاقات مميزة مع إيران !!،ألا يكفى كل ذلك ؟! بارك الله لنا فيك يا أستاذ هويدى، لماذا تراخت يداك هكذا يا سيدى؟!، لماذا تراخت وهى التى طعنت قلب مبارك والقذافى وزين العابدين ، هل قلب بشار مرعب إلى هذه الدرجة ؟!
**
عليك ان تحاول يا سيدى .. قل كلمة بين السطور كى لا يُحسب الموقف عليك وتخذل قراءك ومعجبيك من الخليج إلى المحيط ، أنت بالذكاء الكافى كى تكتب كلمتين :
“الصورة الإيجابية لموقف النظام السورى ـ يقول هويدى ـ على ذلك الصعيد أساءت إليها وسحبت من رصيدها العديد من الممارسات الحاصلة على المستوى القطرى، الأمر الذى يسوغ لنا أن نقول بأن دولة الصمود والممانعة على الصعيد القومى كانت على الصعيد القطرى دولة بوليسية بامتياز”
نعم .. بوليسية بامتياز .. هذا وصف عظيم يتناسب مع جرأتك المعهودة ، لكن لماذا لم يطاوعك قلبك وقررت أن تُلحق الكلمتين الجبارتين بتلك الفقرة :
” أدرى أن تلك ليست مسئولية الرئيس بشار الأسد وحده، لأنه ورث هذا النظام عن أبيه الذي استمر فى السلطة نحو ثلاثين عاما (1971 ــ 2000). أدرى أيضا أن الرئيس بشار اتخذ عدة خطوات إيجابية نسبية حين تولى السلطة بعد أبيه. فخفف من قسوة الأجهزة الأمنية، وأرخى قبضة الحزب الذي جمدت عمليا لجانه فى مختلف المحافظات.
وأدخل عدة إصلاحات على صعيد علاقة سوريا واتصالها بالعالم الخارجى..”
ويحك يا أستاذ هويدى .. ويحك يا رجل ، “أدرى .. أدرى .. وأدرى أيضاً “، ماهذه المعرفة يا أستاذ ؟ هل تتحدث عن بشار الأسد بالفعل ؟! وهل يحق للسوريين أن يثوروا على حاكم بتلك العظمة ؟!، إن انجازاته تلك ـ رغم انه ورث عن أبيه ـ تستحق من الشعب السورى والعربى أيضاً أن ينحنى إجلالاً ، كل هذا وقد ورث عن أبيه ، فماذا لو لم يرث يا رجل ؟!
**
هل هذا قلم فهمى هويدى .. هل هذا موقفه من ثورات الشعوب العربية أم أن هناك ” أجندة ” وخريطة ” قلم ” يتحرك وفق بوصلتها ؟!هل من حقنا اليوم أن نصدق كل ما يقال ويشاع هنا وهناك ؟!، ثم ما هذا الذى كتبته فى الفقرة التالية يا أستاذ هويدى :” ” نتفهم غضب الجماهير السورية، كما نتعاطف مع مطالبها التى عبرت عنها التظاهرات التي خرجت في العديد من أنحاء البلاد، وشوقها إلى الحرية التي حرمت منها طوال أربعين عاما”
” نتفهم “!! نتفهم يا أستاذ هويدى ؟!هل تعرف يا سيدى أن قاموس الطغاة والبغاة تسرب إلى مفرداتك ؟! قالها قبلك على زين العابدين والحّ عليها مبارك ومازال “على عبد الله صالح “يقولها فى اليمن، وصل بنا الحال إلى ” نتفهم ” يا أستاذ ؟!ً.
لا أريد إحراجك أكثر من ذلك يا سيدى ، ويكفى أنك مازلت ترى أن الثوار ليسوا جميعا عملاء ،فقد قلت بالحرف ”
“إن المتظاهرين الذين خرجوا فى العديد من المحافظات السورية فى أغلبيتهم الساحقة لم يكونوا دعاة فتنة ولا عملاء لجهات أجنبية ولا مخربين يهددون الاستقرار، ولكنهم مواطنون شرفاء فاض بهم الكيل، وباتوا فى شوق لاستنشاق نسائم الحرية التى هبت على مختلف أنحاء العالم العربى”.
كان الموقف سيكون جيداً يا سيدى لو توقفت هنا ،لكن يبدو أن بشار يحتل مكانة غير عادية من قلبك ويفقدك الكثير من التركيز ، وإلا فما معنى تلك الفقرة الزائدة المتورمة :
“وإذا لم يستجب الرئيس بشار الأسد لمطالبهم بسرعة، فإننى أخشى على رصيده من النفاد فى العام الحادى عشر لحكمه، وأتمنى ألا يصدق ادعاء البعض بأن ما تبقى له من رصيد نفد فعلا بعد سقوط عشرات القتلى برصاص قناصة الأجهزة الأمنية في درعا واللاذقية”
نعم يا أستاذ هويدى على الرئيس “بشار” أن لايصدق أى اعداءات ،عليه أن يفعل ذلك ،فسقوط العشرات من الشهداء ـ أو القتلى حسب وصفك ـ لا يسحب من رصيد الرئيس المبجل ، وحتى اليوم وبعد كتابة مقالك بأيام أو حتى أسابيع ومهما ارتفع عدد الشهداء فسيظل الرصيد كما هو، فماذا يمثل هؤلاء حتى إن وصلوا مئات أو ألوف أمام قائد الأمة بشار الأسد الذى حمى المقاومة وقضّ مضاجع الصهاينة ؟!.
راجع مقالاتك يا أستاذ هويدى ، فأنت مرتبك للغاية فى مقالاتك الأخيرة ،مرتبك وحائر وسيكون لنا سويا أكثر من وقفة، وقفة تلميذ محب لأستاذ كبير ،وإلى أن نلتقى نم هانئاً يا سيدى،وأترك الشعب السورى يحلق فى سماء الحرية ،وأعدك أنت ورجالك الأبطال أن المقاومة والممانعة ستظل ـ أو ستظلان ـ بكل بخير