صفحات العالم

نبوءة محمد شطح/ نديم قطيش

 

 

منذ ان بدأت “داعش” بالظهور على المسرح السوري ربيع العام ٢٠١٣، أيقن الوزير الشهيد محمد شطح أن ثمة مسرحاً يعد بعناية ليحظى بموجبه بشار الاسد بالأعداء المناسبين له. يومها، كان مر عامان على الثورة السورية، اول يمكن وصفه بعام المتظاهر السوري وثان يمكن وصفه بعام المقاتل السوري، وكان الجامع بين الاثنين عنوان لخصته حنجرة بلبل الثورة السورية ابراهيم القاشوش “سوريا بدها حرية”.

كانت معركة بين المقاتلين من اجل الحرية ونظام الطاغية وهي صورة لا مكان في مسقبلها للأسد. ثم ظهرت داعش في ربيع العام ٢٠١٣. وبالتوازي عملت اجهزة المخابرات، لا سيما الروسية، بعناية بالغة لاحتلال مخيلة الراي العام العالمي بصورة الارهاب الجهادي. فكانت سلسلة من الحوادث المترابطة موضوعياً بين منتصف نيسان ٢٠١٣ ونهاية أيار من العام نفسه توزعت على تفجير ماراثون بوسطن وذبح جندي بريطاني في احد شوارع لندن في وضح النهار وختاماً بأعمال شغب مفاجئة اندلعت في احدى أرقى ضواحي اوروبا في ستوكهولهم.

كانت هذه الأسابيع الستة بموازاة تنامي حضور داعش كأحد مكونات المشهد السوري هي بداية اكبر انعطافة سيشهدها الحدث السوري مع تحوّل الثورة تدريجياً من ثورة مقاتلين من اجل الحرية الى حرب بين نظام سوري، اياً تكن صفته، والإرهاب، وهي معادلة كان شطح موقناً ان الانحياز الغربي فيها سيكون الى جانب الديكتاتورية ضد الارهاب، مع ما يعنيه هذا الانحياز من مخرج نجاة لنظام الاسد. كانت النكتة المرة التي رددها شطح الى يوم اغتياله اننا سننتهي مع حزب الله ونظام الاسد في خندق واحد في مواجهة الارهاب، وهو ما نعيشه راهناً بشكل او بآخر.

فبعد أكثر من عام تبادل فيه النظام الأسدي و”داعش” اعلى درجات التجاهل لبعضهما البعض، مركزين على العدو المشترك الذي هو الثورة السورية، افتتح فصل جديد في العلاقة بين الطرفين منذ نهاية تموز الماضي مع مجزرة داعش بحق الفرقة ١٧ في الرقة، قبل ان نصل الى المشهد الراهن: الطيران الأميركي يقصف داعش في العراق والطيران الأسدي يقصف داعش في سوريا، تحت مظلة قرار دولي بموجب الفصل السابع صدر يوم الجمعة الفائت يشرع ويلزم بمحاصرة ومحاربة داعش في العراق وسوريا!

في هذا السياق يأتي خطاب امين عام حزب الله حسن نصرالله الاخير، بعد ان كان استبق الأسد الى التموضع في “الحرب على الارهاب” من خلال الحكومة الحالية وتتويج هذا التموضع بمعركة عرسال بحيث صار حزب الله شريكاً للجيش في مهمة محاربة داعش، بل مطالباً من جزء لافت من خصومه ان يقدم المعونة للجيش!

ففي خطابه الأخير بدا نصرالله حريصاً على الاستثمار في التموضع السوري الجديد، والمراكمة على تقديم النظام الأسدي بوصفه الكيان الشرعي الذي على لبنان محاورته والتفاهم معه في مقابل داعش بوصفها العدو الاول لشعوب ودول الارض. بل بات نصرالله في خندق واحد مع صحيفة يو اس إيه توداي اليمينية الاميركية ومؤسسة راند كوربورايشن في الدعوة الى التصالح مع الاسد بغية الانتصار على داعش. وهو موقف تسوق له بعض الانتلجنسيا المتحلقة حول الرئيس الأميركي باراك أوباما كالصحافي فريد زكريا الذي كتب قبل ايام في صحيفة واشنطن بوست مقالة محملة بكل أمراض الاستشراق وعنوانها “فانتازيا المعتدلين في الشرق الاوسط”. وكان سبقه توماس فريدمان الى حكم جازم بكون الشرق الاوسط أمام نموذجين لا ثالث لهما، اما السيسي (حكم العسكر) او داعش (الارهاب الاسلامي).

وعليه، رغم كل ما يمكن البحث عنه من هنات هنا او هنات هناك يبدو الاسد في افضل لحظاته منذ اندلاع الثورة السورية. بالنسبة لي لا يعني هذا السياق ان الاسد بات يمتلك مستقبلاً سياسياً جدياً في سوريا او ان التحالف الغربي المباشر او غير المباشر معه في مسألة محاربة الارهاب ستقلب طبيعة التحالفات في المنطقة، لكنه بالتأكيد يمده بالمزيد من الوقت ليعيث في سوريا وفي لبنان المزيد من الفساد. وهو سيستفيد من هذه النافذة لمحاولة اعادة عقارب الساعة الى الوراء في لبنان مع ما قد ينطوي عليه هذا الامر من دماء واغتيالات.

التموضع في خانة محاربة الارهاب وما سيعود به من فوائد على الاسد يندرج في سياق ما يعرف تاريخيا “بالتحالفات الكريهة” كأن يضع وينستون تشرشل يده بيد ستالين لهزيمة هتلر. فعلها الاسد مع داعش لضرب الثورة السورية ويفعلها الغرب اليوم مع الاسد وخامنئي لهزيمة داعش. ما يطمئن انه كما في حالة تشرشل المستقبل للندن فيما ستالين وهتلر في مزابل التاريخ. هذا في المستقبل الأكيد للأمور. اما في المدى المنظور فيمكننا التسلي بإحصاء الجثث التي راكمها ستالين متنعماً بالتحالف الكريه مع تشرشل. وهكذا سيفعل الاسد.

رحم الله محمد شطح.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى