في المنعطف/ ميشيل كيلو
بعد معاناة مريرة مع عقلية متسلطة أدارت الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، رأت مشكلات سورية وثورتها، في ضوء حسابات ضيقة، أحجمت معها عن تقديم خطط متماسكة، تخدم العمل الوطني، وتحاشت التصدي لمصاعب متزايدة واجهته، واكتفت بما أقامته من علاقات تزلف ونفاق، انتخب، مطلع العام، لرئاسة “الائتلاف” خالد خوجه، سفيره في تركيا، والطبيب الذي تخرج من جامعاتها، وقال أمام الهيئة العامة التي عقدت بين 13 و15 من شهرنا الحالي إنه رجل أعمال باهتمامات علمية، ويشارك في كتابة دراسات لمؤسسات أبحاث أجنبية، بعضها اقتصادي وبعضها الآخر إداري/ سياسي. المهم أن الدكتور خوجه، الناشط وغير السياسي حسب وصفه، لم يشغل “الائتلاف” بعدد الاستقبالات التي منحها لمن زاره من موظفين عرب وأجانب، ولم ينه كل خبر بالقول إنه “تم خلال اللقاء بحث القضايا المشتركة”، بل قدم ما أسماها “خطة رئاسية”، طلب من الهيئة العامة إقرارها بعد إبداء الرأي فيها، لينجز بتطبيقها عملاً منظماً يخرج القضية الوطنية من أوضاع مأساوية، أوصلتها إليها سياسات وحسابات فاشلة، دفعتها إلى حافة الهاوية، بعد أن أوصلت “الائتلاف” نفسه إلى حال مزرية من التهافت والضعف، أملاها أشخاص اعتقدوا أن قوتهم من ضعفه، ودورهم يغني عن دوره، مؤسسة مفترضة للعمل الوطني والثوري.
ماذا تضمنت ورقة الدكتور خوجه؟ لقد عددت وصفياً نقاط قوة “الائتلاف” وضعفه، وتحدثت عن الفرص والمخاطر التي تنتظره، والخطة التي يجب بناؤها، في ضوء الصورة التي يمليها واقعه في إطار بيئة سياسية داخلية وعربية ودولية، يعتقد الدكتور أنها تصير إيجابية أكثر فأكثر حيال المسألة السورية. ومع أن الورقة لم تقدم خطة تفصيلية ومتكاملة، فإنها تطرقت إلى سبل التصدي لنقاط الضعف، وتعزيز نقاط القوة، وتحدثت، باقتضاب، عن طرق تحاشي المخاطر وتوطيد الفرص، وإخراج “الائتلاف” من حال صعبة، انقطعت فيها موارده المالية، وركدت علاقاته الخارجية، وافتقر إلى أدوات ووسائل، يمارس دوره الوطني المطلوب بواسطتها، فيخدم الثورة، ويصير مكان عمل وطني، يقطع مع وضعه الراهن، كجهة تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية عن ضعف هذا العمل.
نظرياً، يقطع مشروع خالد خوجه مع نهج رئاسي غرّب “الائتلاف” عن شعبنا ووطننا، وحال بينه وبين لعب دور قيادة ثورية، تضع الخطط الكفيلة باستثمار قدرات شعب الثورة، وتعزيز صموده، والإفادة من تصميمه على الانتصار. ويفتح المشروع الطريق نحو إصلاح “الائتلاف” وتصحيح عيوبه، وفي المقدمة منها انقساماته وخلافاته وعجزه عن الارتقاء إلى مستوى القضية الوطنية الجامعة، وانغماسه في سياساتٍ أنهكت الداخل السوري، وأغرت الخارج باختراقه والتلاعب به، بكل ما يتوفر له من وسائل.
هل ستنجح ورقة رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية عملياً في تحريره من أوضاعه المزرية؟
لكي تنجح، لا مفر من تحول هيئاته القيادية المنتخبة إلى فريق واحد، يسمو عمله على الولاءات الجزئية والتكتلية، وما تمليه من حسابات، ومن تطوير مشروعه في ضوء مصالح الوطن العليا التي تتكامل، في خدمتها، جهود أعضاء “الائتلاف” تخطيطاً وتقريراً وتنفيذاً، فلا يبقون عاطلين عن العمل، تشلهم علاقاته الزبونية التي تمنح واحداً منهم سبعة مناصب بينها سفارة ليبيا التي يديرها منذ عامين من السعودية، على الرغم من أنه متفرغ في الهيئة السياسية، وملتزم بالإقامة في اسطنبول.
قدم الدكتور خوجه ورقة وطنية المنطويات والشواغل، يتوقف نجاحها على تمكين “الائتلاف” من القيام بالعمل اللازم لتنفيذها، وتصحيح مفرداتها، في ضوء تطورات الواقع السوري الشديد التقلب، فهل يفعل الرئيس، ويتفاعل معه “الائتلاف”.
العربي الجديد