في انتظار الكلمة السحرية من باراك أوباما
زين الشامي
مسكين هو الشعب السوري الذي يواجه وحيداً اليوم أعتى ديكتاتورية في الشرق الأوسط والعالم العربي، ولا نبالغ أن نقول في العالم، بعد أن سقط الطاغية صدام حسين ونظامه البعثي في العراق منذ نحو ثمانية أعوام. مسكين هو الشعب السوري الذي لم يجد من أشقائه في الدول العربية موقفاً يليق بالتضحيات التي بذلها، فحتى اليوم لم تقرر الجامعة العربية أن تلتئم لمناقشة «الحالة السورية»، أو لإصدار ولو مجرد بيان يدين قتل المتظاهرين العزل الذين خرجوا إلى الشوارع طالبين الحرية والعدالة، متأثرين بما شاهدوه من نجاحات للثورات العربية في تونس ومصر.
وللأسف حتى قيادات الحكم الحالية في كل من تونس ومصر، حيث من المفترض أن تعبر عن نبض الشارع وتطلعات الشباب الذين ثاروا في كلا البلدين? نقول للأسف لم يصدر أي موقف تضامني مع الشعب السوري في ثورته ضد الظلم والنظام الديكتاتوري. كل ما شاهدناه من الأشقاء العرب، كان مجرد أصوات فردية هنا وهناك، أو تحركات ومواقف متضامنة لناشطين أو شخصيات سياسية أو اعضاء في مجلس الشعب في هذه الدولة أو تلك، أما غير ذلك فلا شيء.
وإذا ما كان الكثير من العرب اليوم قد فقدوا الثقة في هذه الجامعة العربية، فإن غالبية منهم قد أعلنوا في وقت سابق وتأكدوا أن هذه الجامعة مجرد جسد ميت لا روح فيه ولا حياة وأن من الخطأ التعويل عليها في أي شيء يمس مصير العرب أو قضاياهم الملحة والعاجلة. صدق من قال أن هذه الجامعة هي «جامعة الأنظمة» لا جامعة الدول والشعوب العربية.
وإذا كان الأمل قد بات ضعيفاً في خروج موقف من الجامعة العربية يواكب التطوارت في سورية وتطلعات شعبها نحو الحرية والديموقراطية، فإن أمل السوريين في مواقف الدول الغربية والديموقراطية لم يمت. وعلى سبيل المثال فقد واكبت الحكومة التركية ما يجري وعبرت عن مواقف متعاطفة مع السوريين، كما أنها أرسلت رسائل حازمة للنظام في دمشق، تطالبه بوقف قتل المتظاهرين والبدء بإصلاحات عاجلة بأسرع وقت ممكن، لا بل انها ذهبت ابعد من ذلك حين طلبت منه القيام «بجراحات عاجلة» استئصالية، مثل وضع حد لشقيق الرئيس، العميد ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري، وهي الفرقة المسؤولة عن مقتل المئات من السوريين الذين خرجوا إلى الشوارع للتظاهر، أو حين اقتحم جنود تلك الفرقة مدن وبلدات كل من درعا وبانياس والبيضة وحمص وتلكلخ والرستن وتلبيسة وجسر الشغور ودوما والمعضمية وداريا، وغيرها من المناطق. وقد قام اولئك الجنود بارتكاب مجازر يندى لها الجبين، كما أنهم انتهكوا أعراض النساء وسرقوا البيوت وحطموا الأثاث، وهي تصرفات وممارسات لا مثيل لها في التاريخ العربي سوى ممارسات التتار والمغول. حتى إسرائيل لم تفعل في الجولان وقراه كما فعله جنود الفرقة الرابعة في المدن والقرى السورية مع كل أسف.
ليس تركيا وحدها من اتخذت مواقف مشرفة ومناصرة للسوريين، بل كل الدول الاوروبية والولايات المتحدة وكندا، وربما نقول غالبية دول العالم لولا المواقف المخزية والمصلحية لكل من روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي، حين أعاقت تلك الدولتين اكثر من مرة مشاريع قرارات لإدانة القمع الذي يرتكبه النظام السوري وفرق الشبيحة بحق المتظاهرين.
اللافت في هذه المواقف الدولية كان مواقف كل من تركيا وفرنسا هي مواقف متقدمة، خاصة إذا ما علمنا أن تركيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي وقفت مع النظام في الأعوام السابقة حين كان النظام محاصراً من قبل الولايات المتحدة واوروبا في أعقاب الحرب على العراق. لقد لعبت حكومة انقرة بقيادة رجب طيب اردوغان دوراً استثنائياً في فك العزلة وتخفيف الآثار المترتبة على ذلك الحصار. أما فرنسا بعد مجيء الرئيس ساركوزي إلى الحكم، فقد ساهمت في إعادة النظام إلى الحياة وتسويقه من جديد دولياً، وخاصة بعد دعوته إلى مؤتمر «اتحاد الشراكة من أجل المتوسط» وزيارة الرئيس بشار الأسد إلى باريس، والتي تبعتها زيارات لاحقة.
نقول ان اللافت أن أكثر الدول في العالم التي تقف مواقف صلبة ضد نظام دمشق، هي تركيا وفرنسا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على فقدان هذه الدول الثقة في هذا النظام أو قدرته على القيام بأي نوع من الإصلاح، لا بل ربما تعتقد أنقرة وباريس أن لا أمل أبداً في هذا النظام ومن الصعوبة استمراره لأنه فقد شرعيته بعد قتل نحو 1400 شخص واعتقال أكثر من عشرة آلاف وتهجير نحو اثني عشر الفا من السوريين إلى تركيا ونحو خمسة آلاف منهم نحو لبنان والأردن.
وإذا ما كانت تركيا وفرنسا قد ذهبتا بعيداً في مواقفهم من النظام أو قدرته على تجاوز الأزمة وبالتالي استعادة ثقة السوريين به، فإن الولايات المتحدة بدت منذ بداية التظاهرات مترددة في اتخاذ المواقف المطلوبة والمنتظرة منها. لقد بدت المواقف الأميركية مرتبكة بطيئة تخضع لحسابات معقدة بعكس المواقف الأميركية السابقة ازاء ما جرى في مصر وتونس وليبيا واليمن. لقد قتل 1400 سوري على أيدي القوات السورية والشبيحة ولم يسمع السوريون من باراك اوباما الكلمة السحرية التي ينتظرونها، وهي أن النظام السوري قد «فقد الشرعية»، رغم أنه قالها بعد أيام من اندلاع المظاهرات في ليبيا وبعد مقتل أقل من 500 شخص، كذلك انتهج اوباما اسلوباً صارماً مع الرئيس المصري حسني مبارك بعد نحو اسبوعين من بدء الاحتجاجات، كذلك فإن اوباما اعتبر الرئيس اليمني رئيساً فقد الشرعية رغم أن اليمنيين الذين قتلوا في التظاهرات الاحتجاجية أقل بكثير من السوريين! صحيح ان الحالة السورية تبدو معقدة أكثر من الحالة الليبية أو المصرية او اليمنية، لكن فقدان شرعية أي ديكتاتور أو نظام سياسي لا تحتاج إلى التمعن في الخارطة السياسية والعوامل المصلحية بقدر ما هي مرتبطة بممارسات ذلك النظام والديكتاتور نفسه وطريقة تعامله مع شعبه ونظرة الشعب لذلك النظام، واليوم عرف العالم جميعه أن النظام السوري فقد شرعيته بسبب قتله للمئات من السوريين واعتقال وتهجير وترويع عشرات الآلاف.
ماذا ينتظر باراك اوباما بعد كل ذلك حتى ينطق بتلك الكلمة السحرية؟
كاتب سوري
الراي