في جدلية الداخل والخارج
صلاح بدرالدين
ابان حقبة الحرب الباردة وفي سنوات الصراع بين المعسكرين الغربي والشرقي الذي تجسد سياسيا وعسكريا واقتصاديا بتنافس وسباق ومواجهات حلفي – الناتو ووارسو – ومن ضمنها الحروب المحدودة التي نشبت معظمها بالوكالة كان لمركزالخارج المتنفذ اليد الطولى في رسم مستقبل الشعوب وفي شؤون – دواخل – بلدان الأطراف في أمريكا اللاتينية وأوروبا وآسيا وأفريقيا الى درجة التدخل المباشر وفرض الحكومات وترتيب الانقلابات من دون أي اعتبار لأرادة الشعوب وكان للولايات المتحدة الأمريكية النصيب الأكبر من هذه الممارسات القسرية التي غلب عليها الطابع العسكري المنافية لمبادىء الأمم المتحدة وحق تقرير مصائر الشعوب وشرعة حقوق الانسان من دون اعفاء – الاتحاد السوفيتي – السابق عن انتهاكات عديدة في هذا المجال مثل حالتي – هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا – .
تغيرت الأحوال مع توقف المواجهة بين الشرق والغرب وانهيار منظومة الدول الاشتراكية وطرأ تحول عميق في بنية ومظاهر السياسات الدولية وشكلت سنوات ادارة بوش الأب والابن ذروة تعاظم دور وتأثير العامل الخارجي في حياة الشعوب من جهة وتقلص وتراجع ذلك الدور فور مجيء الحزب الديموقراطي والرئيس أوباما من الجهة الأخرى ففي تلك السنوات – البوشية – تعالت الأصوات المطالبة بالتغيير خاصة بنظم الشرق الأوسط الشمولية والمتخلفة الموالية للغرب حتى لو تطلب الأمر استخدام التدخل العسكري وفي ظل نظرية الفوضى الخلاقة وتشخيص الأنظمة المارقة ونهج محاربة الارهاب تمت عمليات التغيير القسري عبر العمليات العسكرية في أفغانستان ويوغسلافيا وبلغت أوجها في العراق وبغض النظر عن الأهداف الأمريكية خاصة والغرب عامة ومصالحهم وأجندتهم فلاشك أن نتائج الاطاحة بتلك النظم الاستبدادية الظلامية ستنعكس ايجابا منذ حدوثها في مجال حرية الشعوب وخلاصها من الدكتاتورية وفي تعزيز عملية التحول الديموقراطي والبناء وحل المشاكل عبر الحوار السلمي رغم كل الصعاب والمعوقات .
دشنت الانتفاضة التونسية ومن ثم المصرية نهجا جديدا لتحقيق التغيير الديموقراطي وابتكرت وسيلة جديدة واستندت الى قوى جديدة فقد وضعت النهاية لمبدأ التدخل الخارجي من أجل التغيير حيث شكل الشباب ( 65% ) وقود الانتفاضة وجسمها وبنيتها ونبضها وقيادتها الميدانية وحلت الشعارات محل السلاح واقتصرت المطالب والأهداف على القضية الوطنية والاجتماعية والحرية والكرامة والخلاص من الاستبداد عبر اسقاطه بدلا من شعارات ومزايدات الانقلابات ونظم الممانعة في التحرير والوحدة والقضاء على الامبريالية والصهيونية لفظيا ونظريا فقط كستار تضليلي للفشل والتسلط وادامة نظمها .
أفشلت انتفاضتنا الوطنية السلمية السورية المندلعة منذ أكثر من شهرين بالاعتماد على الذات وعلى همم الشباب خطط سلطة الاستبداد في وصمها بمختلف الاتهامات التخوينية وعلى رأسها الارتباط بأجندة خارجية من أجل تمريراستخدام العنف المفرط بما في ذلك الدبابات والمدفعية وزج قوى عسكرية خاصة اضافة الى جميع أجهزة الأمن وميليشيات حزب البعث وشبيحة العائلة وزعرانها ومن سوء حظ رأس النظام أن أجهزته لم تحصل على دليل واحد في ادانة الانتفاضة بالعامل الخارجي وهذا يعتبر فشلا ذريعا أولا ونصف سقوط ثانيا أمام ارادة الشعب الذي يطالب على ألسنة شبابه في كل زاوية من أرض الوطن باسقاطه المدوي قريبا وكانت جمعة – آزادي – وحملة الاعتقالات الشرسة على مواطنينا من مسيحيي القامشلي بداية النهاية ومؤشرا على تلاحم مكونات شعبنا القومية والدينية والمذهبية من دون استثناء واستحالة تفريق صفوفها عبر وسائل الترغيب والترهيب .
لقد قرأ النظام طبيعة وشكل وأهداف وسمات ربيع الانتفاضات بالمنطقة بصورة مغلوطة واستخف كثيرا بوعي السوريين وانتفاضتهم الشبابية المجيدة واستصغر الى أبعد الحدود نتائج ما اقترف من جرائم منذ أكثر من أربعة عقود بحق الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين واسترخص بعنجهية ومكابرة دماء شبابنا الشهداء في درعا وبانياس وحمص وريف دمشق واللاذقية وادلب وحلب الذين فاقوا الألف حتى الآن وتمادى في استسهال اعتقال الناشطين واختطافهم وقتلهم تحت التعذيب وملاحقة الآخرين كل يوم وكل ساعة حيث تجاوز العدد حدود خمسة عشر ألفا وبعد كل ذلك يزعم رأس النظام أن فرص الاستثمار واعدة في البلد ومع كل ذلك يدعي رأس النظام أن الأزمة انتهت والاصلاحات جارية والحوار مستمر .
لاسبيل أمام الصف الوطني السوري المعارض العريض في الداخل الا بدعم الانتفاضة – كل من موقعه وكل حسب قدرته – واحترام ارادة الشباب في تحقيق الجزء الأول من هدف التغيير وهو – اسقاط النظام – تمهيدا للوصول الى الجزء الثاني النهائي وهو اعادة البناء ولايجوز لأحد كائنا من كان حزبا أو جماعة أو منظمة أو فردا حتى التفكير بتقمص دور الشباب في اجراء الحوار مع السلطة أو التكلم بالنيابة أو سلوك مايناقض مسيرة الشباب أو اتباع سياسات مخالفة لجوهر أهداف الانتفاضة وكل من يسول له نفسه باتباع مسالك عرجاء فسيكون مسؤولا أمام الشعب والتاريخ ويعرض نفسه للمساءلة من جانب شباب الانتفاضة أما الصف الوطني السوري خارج الوطن فمنوط بمساعدة الانتفاضة معنويا واعلاميا وبواسطة التظاهرات والاعتصامات أما سفارات النظام ودعمها بكل السبل المشروعة وتسخير كل حراكهم ان كان في مجال التواصل مع حركات المجتمع المدني ومؤسسات الأمم المتحدة والمنابر الاعلامية أو من خلال مؤتمراتهم واجتماعاتهم لمصلحة الانتفاضة ومدها بكل شروط الاستمرارية والصمود من دون الحلول محل القيادات الميدانية في اجراء العلاقات السياسية مع القوى الدولية والاقليمية وابرام الاتفاقات وغيرها لأن الهدف المرحلي واضح ولايحتاج الى اجتهادات أو مزايدات ومناقصات وهو – اسقاط النظام – وعندما يعبر الشعب الى مرحلة اعادة بناء الدولة الديموقراطية التعددية حينها تقوم الدولة ذاتها بمهامها الدبلوماسية وترسم صيغ وأشكال علاقاتها الخارجية لمصلحة الشعب والوطن وعبر المؤسسات الشرعية .