في سوريا… أكرّ وفرّ؟/ د. خليل قطاطو
المتابع للمشهد السوري خلال الاسابيع الماضية يلاحظ بدون صعوبة تقدم قوات النظام على جبهة القلمون واحتلال يبرود والتقدم في حمص. في الايام القليلة القادمة اعلنت الثورة السورية اقتحام كتيبة في القلمون، والتقدم في ريف حمص، وكذلك في القنيطرة، واحتلال اخر معبر سوري على الحدود مع تركيا، واحتلال قصر العدل بجانب قلعة حلب. هل هي الحرب.. كرّ وفرّ؟ خاصة أن الجيش الحر وكتائب الثورة تشن حرب عصابات فتنسحب من جبهة معينة لتتقدم على جبهة أخرى وهكذا! وربما كانت هي نفس الاستراتيجية التي يمارسها الان الجيش السوري (غير الحر) وقد تعلّم حرب العصابات من حليفه حزب الله والكتائب العراقية، ابو الفضل العباس، المقاتلة بجانبه، ربما… ولكن؟
في الحروب الزخم العسكري والانتصارات تجر انتصارات اخرى، ولكن ما يحدث في سوريا في السنوات الثلاث الماضية، من عمر الثورة، أمر غريب يعصى على التحليل العسكري المنطقي. حققت الثورة في عامها الثاني تقدما ملحوظا على جبهات عدة وكان النظام يترنح تحت الضربات المتتالية، واعتقدنا ان النظام سيسقط في اي لحظة بالضربة القاضية. قد يقول قائل ان تدخل حزب الله بشكل مباشر علني وقوي الى جانب النظام أنقذه من السقوط، ربما.. ولكن؟
السؤال البسيط الذي يتبادر الى الذهن هو، عندما وصلت الثورة اوجها، ألم يكن بمقدور السعودية وأمريكا، الداعمين الرئيسيين للثورة آنذاك أن يقدما السلاح الحاسم للثورة لاسقاط النظام قبل أن ينقذه حزب الله؟ كانت أيامها الحدود التركية وألأردنية مشّرعة لإمداد الثورة. في السنة الماضية ارتكب النظام مجزرته الكيميائية واكتفت امريكا بتجريده من هذه الاسلحة من دون عقاب، وغضت طرفا عن القتل اليومي بالبراميل المتفجرة التي تصاعدت وتيرتها خاصة في حلب، بعد ان انهالت مبان على سكانها المدنيين يوميا.
تراجعت انتصارات الجيش السوري الحر بشكل ملحوظ، خاصة قبل انعقاد مؤتمر جنيف الثاني. يبدو ان الامدادات العسكرية خفضت كوسيلة ضغط على المعارضة لحضور المؤتمر. فشل مؤتمر جنيف الثاني، ولا يبدو أن أحدا يفكر في مؤتمر جنيف الثالث، فالنظام يعتقد بالحسم العسكري ضد الثورة التي ما زال يسميها بالجماعات الارهابية المسلحة، وانه سينتصر بالنهاية على المؤامرة الكونية عليه، وانه سيسحق بعزم كل الكواكب والنجوم والمجّرات التي تحالفت ضده! بعدها سيتفرغ لانتخابات الرئاسة التي أعلن الرئيس بشار الاسد، من دون خجل استعداده لخوضها. هو يعتقد أن ما تبقى من الشعب السوري، عدا الشهداء والجرحى والمعتقلين والمفقودين والنازحين’ (داخل سوريا)’واللاجئين في الدول المجاورة وغير المجاورة سيصوّت له، في انتخابات نزيهة جدا، تحت القصف والدمار، هل هذا الرجل بكامل قواه العقلية؟
ما أشبه حاكم سوريا الان بنيرون، الذي ارتكب الجرائم ونفذ الاعدامات ثم حرق روما وهو مستمتع بالعزف والمدينة تحترق، وسكانها يصرخون، ثم يتهم غيره بانهم من نفذ الجريمة فيعدمهم في الساحات. نهايته كانت أن هرب الى كوخ صغير وحاصره الثائرون فانتحر. يقول الراحل محمود درويش، نيرون مات ولم تمت روما، وكذلك دمشق وحلب وحماة وحمص وادلب ودرعا، كلها لا تموت، باعينها تقاتل. هل يعيد التاريخ نفسه؟’
المسألة ليست حرب كرّ وفرّ. الغرب والسعودية أدركا أن معظم المعارضة السورية الفاعلة على الارض ذات طابع اسلامي. بالطبع لا تريد استبدال النظام السوري بنظام اسلامي. من هنا تمخض تفكيرهم عن فكرة جهنمية، ان يوقفوا دعمهم الكامل للمعارضة، فينتصر النظام الذي ارتكب جرائم ضد الانسانية’وسيكون الغرب في موقف حرج عالميا من ناحية انسانية على الاقل. السعودية الآن تعتبر مواطنيها المتطوعين الى جانب الثورة السورية ارهابيين.. انها تدعوهم الى العودة للبلاد وتمنيهم بالعفو!’الدعم الغربي للثورة لن يتوقف، ولكن سيتفاوت حسب الظروف الميدانية،’تماما كالعلاقة العكسية في علم الرياضيات. سيزيد ان تقدم النظام وسيخف ان تقدمت الثورة.
على هذا المنوال ستبدو الامور تماما ككر وفر. هذه الثورة التي دخلت عامها الرابع قبل اسبوع، ربما ستستمر اعواما أخرى. السعودية’ واوروبا وامريكا تريدها حربا طويلة المدى، كرا وفرا، لا منتصر ولا مهزوم، طالما’ كان بالامكان احــــتواؤها من دون ان تمتد الى الجوار. الهدف هو تدمير سوريا لتلحق بالعراق’ الذي ارادته امريكا نمـــــوذجا ديمقراطيا للمنطقة برمتها. انظروا الى العراق الان، يا له من نموذج. الفرق انها فعلت في سوريا ما فعلته في العراق من دون أن تخسر جنديا واحدا. لقد وعت الدرس جيدا.
أمريكا لا تريد لسوريا ان تكون دولة فاشلة، ولكن لا بأس أن تكون شبه فاشلة، يمارس فيها القتل وامتهان كرامة الانسان، والتجويع والتنكيل والتشريد، وتراوح’ لسنوات بين كر..’وفر.
‘ كاتب فلسطيني
القدس العربي