في سورية أمن واستقرار.. وحوار!
منار الرشواني
في مرادفة يجب أن تبدو غريبة بين سياسة الأرض المحروقة التي يفترض أنه يمارسها الغزاة وليس أصحاب الأرض، وبين “الأمن والاستقرار”، يبث التلفزيون السوري صوراً مباشرة تُظهر دماراً كاملاً أو شبه كامل، تأكيداً لما سماه نجاح الجيش في إعادة “الأمن والاستقرار إلى حي الخالدية في مدينة حمص بالكامل”!
طبعاً، يمكن اعتبار ذلك سقطة جديدة لم تعد تستحق التوقف أو حتى الذكر بين وابل السقطات التي ميزت وحدها الإعلام السوري منذ انطلاق الثورة قبل أكثر من عامين، وأثبتت حجم الفساد الذي بلغ مستوى لم يعد معه ممكناً حتى إيجاد “إعلاميين” و”أكاديميين” سوريين يتقنون الكذب والتلفيق لأجل النظام الذي صنعهم ومكّنهم، فتم الاستعاضة عنهم بـ”إعلاميين” لبنانيين خصوصاً. بل ويمكن للنظام وأنصاره ادعاء أن الدمار لم يكن إلا ضرورة أملاها استئصال “إرهابيي” الثورة “القاعديين” حتماً، وأنه سيتم لاحقاً بناء كل المدن السورية بأفضل مما كانت عليه بالأموال الإيرانية والروسية. أما بشأن الضحايا، فلم يكن بينهم مدني واحد، إلا من قتلهم الإرهابيون طبعاً!
رغم ذلك، تظل الحقيقة أن المرادفة السابقة أقرب إلى لحظة صدق منها إلى أي شيء آخر. فالاستقرار، كما يشهد تاريخ سورية على امتداد أكثر من أربعة عقود، هو مرادف فعلاً لاستئصال المخالفين؛ قتلاً وسجناً وتشريداً. لأجل ذلك تضخمت أجهزة الأمن المحصنة من أي مساءلة عن استباحتها أرواح المواطنين وكراماتهم، فاستقرت سورية (أو نظامها)، ثم بسبب ذلك فقط انفجرت!
لكن إذا كان ذلك تاريخاً، فإن الحاضر يثبت أن لا شيء تغير، وليبقى المعيار بقاء أشخاص ولو ذهبت كل سورية “فداء” لهم!
فغداة “إعادة الأمن والاستقرار” للخالدية، أعلن رئيس الوزاء وائل الحلقي في مقابلة صحفية أن “سورية مؤمنة بأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة التي يمر بها البلد”. وإذ استثنى المجموعات الإرهابية من الحوار، والتي يمثلها الجيش الحر الذي اعتبره الحلقي “كذبة لتغطية ما تقوم به تلك المجموعات الإرهابية، ومعظم عناصره اليوم في صفوف النصرة والقاعدة”، إلا أن الاعتقالات كانت قبل التصريح وبعده تتواصل بحق قيادات وأعضاء “هيئة التنسيق الوطنية” تحديداً، وهي التي تمثل معارضة الداخل الرافضة منذ اليوم الأول للثورة أي تدخل خارجي؛ فلا يمكن وصمها بالعمالة للغرب والصهيونية، ولا لتركيا ودول الخليج. فضمن قائمة طويلة من معتقلي هيئة المعارضة “الوطنية” حتى بتعريف النظام، والتي تشمل عبدالعزيز الخيّر المختفي من أشهر طويلة، ومؤخراً يوسف عبدلكي، وعدنان الدبس، وتوفيق عمران؛ يبدو معبراً أن آخر معتقلي “الهيئة” هي فاطمة محي الدين سليم؛ عضو مجلس إدارة الجمعية الأهلية لمناهضة الصهيونية!
لكن ذلك لا يعني أن النظام يكتفي بسورية خالية من شعبها. فحتى الفارون والمهجرون قسراً والمحرومون من العودة إلى وطنهم منذ ولادتهم، تم العودة إلى القرار “الأصل” بشأنهم: حرمانهم من جوازات سفرهم ومنع تجديدها.
في سورية أمن واستقرار وحوار؟ مفيد تأمل درس العراق الأفضل بأشواط من سورية اليوم. إذ عاش العراق “أمناً واستقراراً” بعد الانسحاب الأميركي بالاستبداد؛ لكنهما ما لبثا أن انهارا، ليعود كل العراقيين، حكاماً ومحكومين، إلى مربع الحرب الأهلية الأول، وليس في ذلك أي غرابة.
الغد