سلامة كيلةصفحات الرأي

في مضمون الإرهاب/ سلامة كيلة

 

 

لافتٌ أنه كلما زاد الاحتقان الشعبي، وازدادت حاجة الإمبريالية للتدخل، يزداد الإرهاب، المتمثل الآن في “داعش”، التنظيم الذي بات يُعتبر النسخة الثانية “المطوّرة” لتنظيم القاعدة.

في الماضي، كان الإرهاب يتمثل في قتل وزراء ومسؤولين في نظم، وسياسيين، ومهاجمة ثكنات عسكرية، واغتيالات فردية. وبالتالي، كان له هدف “سياسي”، وكان ممارسة فردية. وبغض النظر عن تقدير صحّته أو عدمها، والاختلاف عما إذا كان إرهاباً أم لا، فقد انحصر في المجال السياسي، وعبّر عن شكلٍ من “الصراع السياسي”.

ما يُقال إن “داعش” يقوم به مختلف كلياً، وعلى الرغم من أنه يُعزى إلى دين معيَّن، إلا أنه طاول بشراً من كل الأصناف، وتحت “فتاوى” مختلفة، من الكفر والزندقة إلى الردة. وهذه تشمل ليس ديناً معيناً، ولا طائفة بعينها، بل تشمل كل من يراد قتله. لتظهر غطاء للقتل، بعيداً عن أي شيء آخر. وهنا ما يلفت الانتباه، حيث إنه يظهر أن القتل هو لهدف القتل، بالضبط لأنه يطاول ليس رموز نظام، ولا زعامات سياسية، وليس لهدف سياسي، بل يطاول أناسا آمنين. فتحْت شعار بلدان الكفر، يقتل مواطنون في مدن أوروبية عديدة، وكأن الكفرة هم هؤلاء، وليس النظم التي تحكم، والتي استعمرتنا ونهبتنا ولا تزال. كل عمليات التفجير تطاول أناساً عاديين، ليعلو صراخ الإعلام عن الإرهاب “الإسلامي”. وما يظهر أن هؤلاء المنتحرين، أو القتلة، ينتقمون من مجتمعاتهم، وليس من النظم والطبقات المسيطرة. ربما هي ردة فعل على التهميش، لكنها تطاول المواطنين الذين لا علاقة لهم بتهميشهم. كان “الإرهاب الأحمر” يطاول زعماء ورأسماليين كباراً ومسؤولين. بالتالي، كان واضحاً هدفه السياسي، على الرغم من خطأ الطريقة. أما الإرهاب الأسود فيطاول الناس، وكأنه يهدف إلى تحريضهم ضد “الإسلام” و”المسلمين”، أي ضدنا، لكي يقتنعوا بسياسات أنظمتهم ورأسماليتهم التي تقوم على نهبنا وسحقنا. بمعنى أنهم يخدمون السياسات التي تسهّل سحقنا ونهبنا، على الرغم من أن مَنْ يقوم بذلك يمارس القتل انتقاماً من تهميشه الذي هو ليس نتاج الشعوب بل الأنظمة.

وسنجد أن القتل يطاول الناس حتى عندنا. لهذا تحدث الانفجارات الإرهابية في الأسواق الشعبية، والمناطق العامة، وكأن المطلوب هو القتل والتخويف فقط. وكأن الفوضى هي القصد. وأحياناً تظهر بمظهر طائفي، حيث تطاول مسيحيين أو أقليات دينية، وربما يكون التفسير هو التعصّب الذي يقوم “داعش” على أساسه، لكن الأمر خارج ذلك، لأن “داعش” يقتل “المرتدين” (أي السنّة) قبل غيرهم، كما يحدث في سورية والعراق. وهي تقتل الناس بالأساس.

يفرض ذلك كله أن نتناول الأمر من زاوية مختلفة، بعيداً عما يروِّج الإعلام قاصداً. وأن نتجاهل كل الترهات التي تحاول أن تغرس فينا أن مجتمعاتنا تعاني من التعصّب والسلفية والإرهاب. حيث لا بدّ من ربط كل ما يجري في الواقع نفسه، وما يهدف إليه كل هذا الإرهاب، وكل هذا التنظير حول التعصّب. لا شك في أن هناك تخلّفا وتعلقا بالدين توسّع في العقود الأخيرة، لكن ذلك كله لا يصل إلى حدّ ممارسة الإرهاب، والقتل بهذه الطريقة البشعة. للأمر مسار آخر خارج ذلك كله، وربما يُستغلّ ذلك فيه. فقد كانت سياسة زرع “الفتن الطائفية” إمبريالية من أجل تفكيك المجتمعات، وكان اختراع “الإرهاب الإسلامي” (من المجاهدين العرب إلى القاعدة إلى داعش) يخدم هذا التفكيك، ويبرِّر التدخل المباشر.

لكنه بات أسلوب النظم من أجل منع تصاعد الصراع الطبقي، عبر تحويل الصراع إلى صراع طائفي ومناطقي، لكي لا تستطيع الشعوب تحقيق التغيير في وضعٍ، لا تجد النظم مانعاً من حكم مجتمعات ممزقة ومفكّكة ومتناحرة. الإرهاب هو إرهاب نظم بالتالي، سواء بشكل مباشر أو عبر أسماء وهمية يقال إنها “تنظيمات إرهابية”، وهي في الواقع صناعة أنظمة. هذه الأنظمة التي تعمّم الأصولية عبر تعليمها وإعلامها وجوامعها، وهي تدّعي محاربة الأصولية. إنها تحارب وهماً، بينما تزرع وعيه في الواقع.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى