في معنى أن يكون الأسد جزءاً من الحل السوري/ برهان غليون
لا يزال مصير الأسد يشكل، منذ بيان جنيف في العام 2012، العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى حل سياسي للحرب السورية الدائرة منذ خمس سنوات، تماماً كما كان السبب الرئيسي في استمرار الحرب، وتوحش ممارساتها على مدى تلك السنوات. وتكاد مفاوضات جنيف 3 أن تنهار، إن لم تكن قد انهارت بالفعل، نتيجة إصرار النظام وبعض الدول الحامية له على أن يكون الأسد جزءاً من الحل، وليس النظام فقط، في المرحلة الانتقالية.
يبرّر بعضهم هذا الإصرار على وجود الأسد كشخص، بمعزل عن النظام، وهم يعرفون تماماً أن هذا الوجود هو الذي عطل الحل السياسي، بادعاء الحفاظ على الشرعية. وهم يقصدون أن الأسد لا يزال قانونياً الرئيس الشرعي للبلاد، وصل إلى السلطة بانتخابات قانونية، وأن للشعب الذي انتخبه وحده حق تقرير مصيره في انتخابات عامة، وأن إجباره على الرحيل يعني انتهاك الدستور وقواعد العمل القانونية والسياسية.
ويقول آخرون إن وجود الأسد، على الرغم من كل ما ارتكبه من أخطاء وانتهاكات لم تخطر ببال محتل أجنبي، ضروري للحفاظ على مؤسسات الدولة، وصون سورية من الوقوع في الفوضى التي دخلت فيها ليبيا، ومن قبلها العراق، بعد تفكيك جهاز الدولة وتدميرها. وهذا يتضمن الاعتقاد بأن مجرد انسحاب الأسد، أو إزاحته من الحكم، سوف يدفع أكثرية أنصاره إلى الهرب، وترك المؤسسات تنهار لوحدها، وأن وجوده ضمانة، إذن، لعدم تفكك الدولة ومؤسساتها.
ويعتقد قطاع ثالث من المتمسكين بوجود الأسد، من السوريين وغيرهم، أن بقاء الأسد هو الضمانة الوحيدة لمنع انفجار الحقد والانتقام ضد الطائفة المتهمة بالوقوف إلى جانبه، وأن هذا الوجود صمام الأمان لحماية باقي الأقليات التي وقف أغلبها إلى جانب النظام، خوفاً من انقضاض الأكثرية عليها، أو انتقامها منها، ومن ثم تهميشها لها في مرحلة مقبلة.
أما الذريعة الأكثر تداولاً الآن، ومنذ سنتين، فهي حاجة سورية والأمن العالمي لخبرة جيش الأسد وأجهزة مخابراته القوية ومليشياته المحلية والأجنبية للوقوف في وجه المد السلفي الجهادي المتطرف، المتجسد بداعش والقاعدة، وأن تعزيز الدولة السورية القائمة، بأجهزتها العسكرية والأمنية، هو الطريق الأقصر لوضع حد لهذا التمدّد وتحرير المنطقة من الوباء الأسود الذي يهدّد الجميع من سوريين وغير سوريين. بل تطور هذا الطرح في الأشهر الماضية أبعد من ذلك، وتحوّل إلى مطالب دولية في قبول المعارضة وقف القتال والاحتجاج والمعارضة للنظام، والعمل إلى جانبه من أجل صد الهجمة الشرسة للمتطرفين. ومن هذا الطرح، ولدت فكرة الهدنة والتفاهمات الدولية الروسية الأميركية والأوروبية لإطلاق جولة المفاوضات الجديدة في جنيف 3.
عن حكم الأسد ونظامه
ليس من الصعب الرد على هذه الادعاءات التي تحاول أن تجد تبريراً لتخلي بعض الدول
“مصير الأسد يشكل، منذ بيان جنيف في العام 2012، العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى حل سياسي للحرب السورية الدائرة منذ خمس سنوات” الكبيرة عن مسؤولياتها، ولأطماع غير مشروعة، ولا يمكن الإفصاح عنها لبعضها الآخر.
وإذا لم نشأ أن نستعيد تصريحات أكثر دول العالم عن فقدان الأسد شرعيته، لشنه الحرب على شعبه، ورفضه القبول بالحوار معه، يكفي أن نذكّر بأن نظام الأسد بأكمله ثمرة انقلاب عسكري، ولم يضمن استمراره إلا بالانتهاك الدائم للشرعية الدستورية وإرادة الشعب، وأن جميع الانتخابات كانت استفتاءاتٍ إذعانية على مرشح واحد للرئيس، أو قائمة مرشحين مختارين سلفاً من النظام لمجلس الشعب. وأن بشار الأسد ورث الحكم عن أبيه، من خلال انقلاب عسكري أبيض، عطل فيه قانون فراغ السطلة المعمول به، فجرّد النائب الأول لرئيس الجمهورية من صلاحياته، بعد أن فرض عليه تنصيبه قائداً للجيش والحزب. وبعكس ما يدّعي الخائفون على الدستور، لم يسع نظام الأسد من الأب إلى الابن إلى تكريس أي حياة دستورية، لكنه قام واستمر على التعطيل الرسمي للدستور بفرض قانون الطوارئ الذي علق الدستور في فترة حكم النظام كلها، حتى اندلعت الثورة الشعبية في العام 2011، والاعتماد على ما يخوله له هذا القانون من صلاحيات، من أجل إلغاء استقلال أجهزة الدولة، وتقويض أصول عملها القانونية، وإخضاعها، وجميع المواطنين، إلى إرادة أجهزة الأمن والمخابرات التي حولها إلى مليشيات تابعة مباشرةً لإرادة الحاكم، ولا تخضع هي نفسها ولا يطاول عملها أي قانون، ولا تمكن محاسبتها، مهما ارتكبت من الجرائم والانتهاكات اللاإنسانية. والاطاحة بنظام العسف العاري وتعطيل الحياة الدستورية وبالتالي السياسية والقانونية في البلاد، وما نجم عن ذلك من تحوّل البلاد إلى مزرعة عبودية، كان ولا يزال الدافع الأول لثورة السوريين والاسم الذي أطلق عليها بوصفها ثورة الكرامة والحرية.
أما الذريعة الثانية التي تجعل من الأسد الضامن بشخصه، استمرار مؤسسات الدولة، وفي طليعتها المؤسسة العسكرية والأمنية، في المرحلة الانتقالية، فهو يثير السخرية، بمقدار ما يخفي مسؤولية الأسد شخصياً عن تقويض هذه المؤسسات، وتدمير أسس عملها القانونية. فمن جهةٍ، فقدت أغلب هذه المؤسسات، في ظل حكمه، هويتها الخاصة، وتحولت جميعاً إلى أدواتٍ لخدمة الحاكم، وضمان سيطرته الشخصية، وأصبحت، منذ خمس سنوات، وسائل تستخدمها السلطة لحصار السوريين، أو إخضاعهم أو تشريدهم أو قتلهم. فلم يعد الجيش العربي السوري جيش الشعب السوري الذي يحمي سيادته وأمنه، ولا أجهزة الأمن أجهزةً تعمل على الدفاع عن حقوق المواطنين، ولم تنشأ أصلاً على أن تكون هذه عقيدتها في أي حقبة سابقة للنظام. كانت، وأصبحت بشكل أكبر في العقود الماضية، بعد أن فرغت من مضمونها القانوني، وأعيد تشكيلها على مستوى العناصر وقواعد العمل، أداة لخدمة السلطة الطغيانية القائمة، ولتمكين النظام وقاعدته الاجتماعية من حيازة القسم الأكبر من ثروة البلاد ومواردها. وهذا هو الذي يفسر خضوعها الأعمى والسريع لإرادة الأسد، وتماسكها النسبي أمام المهام اللاوطنية واللاإنسانية التي أعطيت لها خلال الحرب.
وفي ما يتعلق بضمان الأسد، أو وجوده، لأمن الأقليات، فهو بالتأكيد مزحة سقيمة، فعدا عن أنه
“لم يحفظ وجود الأسد حق أيٍّ من الأقليات السورية القومية أو الدينية، لكنه ورّط الجميع في حرب إبادة متبادلة، وصادر مصير جميع الأقليات التي ارتبطت به” يعمّق الشق بين الأقليات والأكثرية، باتهامه الضمني الأخيرة بنوايا لم يكن لها أي أساس في الواقع والتاريخ، فهو يغذّي الخوف عند الأقليات، ويعمق لديها الشعور بوضعها الأدنى، ويحرّض الأكثرية على العداء لها، بمقدار ما يوحي بأن ضمان أمنها لا يقوم إلا على فرض نظم الحكم الاستثنائية، وحرمان المجتمع بأكمله، أي الأكثرية أيضا، من حقوقه الدستورية في الحياة، في ظل دولةٍ قانونيةٍ وقضاء عادل ومساواة حقيقية، بصرف النظر عن الأصل والنسب والدين والقومية. والواقع أن مثل هذا الادعاء يؤكد أن الدول الكبرى، مثل نظام الأسد، لا تزال تستخدم ورقة الخوف على مصير الأقليات من أجل تبرير حرمان الشعب السوري، بأكمله، من حقه في تقرير مصيره، أي من سيادته، والاستمرار في فرض الوصاية عليه. لم يحفظ وجود الأسد حق أيٍّ من الأقليات السورية القومية أو الدينية، لكنه ورّط الجميع في حرب إبادة متبادلة، وصادر مصير جميع الأقليات التي ارتبطت به، واعتقدت أنها تستطيع أن تضمن حقوقها، وتحمي نفسها بالالتصاق والالتحاق بالديكتاتورية، والتمسك بطرق الحكم التعسفية واللاقانونية.
وبالنسبة لدور الأسد ضامناً لتماسك المؤسسات العسكرية والأمنية، وبالتالي، ضرورة الإبقاء عليه، وربما التحالف معه من أجل استخدامها في مواجهة داعش والحركات المتطرفة الجهادية، فهي تذكّر بالاختيار بين الكوليرا والطاعون. إذ إن أضرار سياسة الأسد، وخياراته الدموية، لم تكن أقل على السوريين من التي تحملها الحركات التكفيرية، كلاهما لا يعيشان وينهضان إلا بحل الدولة وتقويض القانون، واستبدالهما بإرادة أشخاص، أمراء حرب أو زعماء بالوراثة، لا هدف لهم سوى تنمية استخدام الدولة ومواردها، لتنمية قاعدة الأتباع والموالين، لتحقيق أهدافهم الخاصة. وهذا هو أساس تحالفهما الموضوعي، وأحيانا الواعي أيضا، كما برز في السنوات الخمس الماضية، حيث ظهر التناغم العميق بين خططهما التي صبت جميعاً في إخضاع الشعب وفرض الإذعان عليه وتدمير ثورة الشعب الحاملة لإعادة تأسيس سلطة الدولة العامة على المبادئ الدستورية، وإقامة حكم القانون، وتأهيل مؤسسات الدولة، وفرض منطقها على حساب منطق التبعية الشخصية. ولا يخفي النظام هذا التحالف أبداً، فهو يؤكد كل يوم بشعاراته، وممارسته معاً، أنه لا خيار هناك للسوريين سوى بين حكم الطاعون الداعشي أو حكم الكوليرا الأسدي، وأنه لا قيمة لإرادة الشعب ولا مكان.
بعكس ما يريده مدّعو الحرص على المؤسسات، يشكل إبعاد الأسد الشرط الأول والرئيس للنجاح في أي إعادة هيكلة لهذه المؤسسات، وتأهيلها لتتحول من جديد إلى مؤسساتٍ وطنيةٍ، تخضع لإرادة الشعب، وتعمل ضمن أطر دستورية، بعد أن تحولت إلى أداة في خدمة مصالح جزئية ومافيوية. وبقاء الأسد يعني تفشيل هذه العملية منذ البدء، وهذا، مهما كان شكل وجوده على رأسها، رمزياً أم فعليا. ومثال علي عبد الله صالح في اليمن خير دليل على ذلك، مع العلم أن صالح لم يحظ بأي حضور قانوني في نظام المصالحة الوطنية.
وليس من المبالغة القول إن سياسة المتاجرة بمسألة الأقليات كانت وبالاً على هذه الأخيرة، وأنها خسرت في الحرب المعلنة على الأكثرية الشعبية أكثر مما كان يمكن أن تخسره في أي نزاع أهلي، بعيد الاحتمال أصلاً، في إطار دولةٍ تقوم على مبدأ المساواة والحق والقانون والمساواة. لا تستفيد الأقليات أبداً من فصلها عن بقية مواطنيها وتسليط الأضواء عليها، وتعبئتها ضد الأكثرية، إلا إذا كان الهدف استخدامها أداة للضغط من دول أجنبية طامعة في السيطرة والنفوذ، أو من أجل تبرير القبول بحكم وصاية أجنبية جديدة على الدولة السورية. ومثل هذه السياسة التي تستخدم الأقليات أداة ضغط على الاكثرية، سياسة دول أجنبية أم منظمات سياسية داخلية، سيكون لها مفعول معاكس على الأقليات، وهي تهدد بأن تجعل منها كبش فداء لأي ثورة شعبية قادمة.
أما المراهنة على الأسد لمحاربة الإرهاب فهي أكبر خدمة تقدمها الدول الأجنبية المذعورة من تداعيات سياساتها الأمنية الخاطئة في سورية وغيرها، للمنظمات الإرهابية، ومحاولة لتصحيح الخطأ بخطإ أكبر، وتكرار لتجربة العراق الكارثية في الرهان على مليشيات طائفية وأجنبية، لمحاربة ميليشيات مثيلة، وهي أفضل وسيلة لتقويض فرصة إعادة بناء الدولة المركزية والقانونية وتجفيف مستنقع العنف والظلم والفوضى والنزاع الذي ينتج التطرف والإرهاب ويعممه.
لا يمكن لمن قام حكمه على نقض الدستور، وتفريغه من محتواه وتعليقه الدائم، أن يجعل من وجوده ضمانةً لإقامة حياة دستورية جديدة في سورية، ولا من الشخص الذي جعل من إرادته الخاصة بديلاً للقانون أن يضمن إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس قانونية، ولا لمن استخدم الأقليات درعاً يقي به نفسه وسلطته، من دون أي مراعاةٍ لمصالحها ومستقبلها، أن يشكل بوجوده أي حماية لها، ولا لمن لم يكف عن اللعب بورقة الإرهاب، وعن التحالف معها لتحقيق أغراضه في الداخل الوطني وفي المنطقة، وتاجر بأسرارها، وبنى على اختراقاته لها أمجاداً دولية، أن يتخلى عنها، أو أن يكون الدواء الشافي لدائها. كان وجود الأسد وسيظل أكبر تجسيدٍ، رمزي وسياسي وإنساني، لعمق الكارثة السورية وأسبابها: عبادة الشخصية بدل احترام الدستور، وحكم القوة والتبعية الشخصية والتعسف الشامل بدل حكم القانون، وتأجيج التناقضات الثانوية داخل المجتمع لضمان تماسك سلطة الأقلية وسيطرتها وانفصالها عن الشعب، والاستخدام اليومي للعنف والتطرف والارهاب، من أجل ردع الخصوم وإرهابهم، داخل البلاد وخارجها.
ولهذا السبب بالذات، أعني الرهان على تحالف المعارضة مع الأسد ضد الإرهاب، انهارت مفاوضات جنيف، أو سوف تنهار، طالما أنه قام على إنكار القضية السورية برمتها، واعتبارها قضية ثانوية، بالمقارنة مع القضية الأمنية الدولية، وإخضاعه أجندة تحرّر الشعب السوري، واستعادة حقوقه الدستورية والسياسية، وأمنه ووحدة أراضيه واستقلاله، لأجندة الحرب ضد الإرهاب التي تحولت إلى أجندة دولية، لا تعنى إلا بقضية الأمن الغربي والروسي.
معنى الرهان على دور الأسد وبقائه
لا يمكن للأسد أن يكون شريكاً في أي حل، وهو الذي انتزع الحكم بانقلابٍ على الشرعية،
“لا يمكن للأسد أن يكون شريكاً في أي حل، وهو الذي ثبت أركان حكمه بسلسلة من الجرائم ضد الإنسانية، ولا يزال السبب الرئيس في تسعير القتال والحرب” وثبت أركان حكمه بسلسلة من الجرائم ضد الإنسانية، ولا يزال السبب الرئيس في تسعير القتال والحرب. ومحاولة فرضه بالقوة شريكاً في أي حل سياسي سوري تعني: أن لا يسطيع السوريون الذين فقدوا أبناءهم أن يخرجوا من الحداد أبدا، أن يشرعن استخدام السلاح الكيماوي وأسلحة الدمار الشامل وسيلة لفرض السيطرة والحكم، أن يشرعن الحصار والتجويع والقتل بالبراميل المتفجرة العشوائية، أن تصبح حروب التطهير العرقية أموراً مقبولة وعادية، أن يصبح التهجير الجماعي القسري للسكان سياسة طبيعية، أن يتعمم استخدام معسكرات الاعتقال والتصفية في الصراعات السياسية، أن تصبح الفاشية خيارات سياسية ووجهات نظر، أن يعم القتل على الهوية ويهدم حكم القانون، أن يصبح الاٍرهاب استراتيجية سياسة وتجارة دولية جيوسياسية، أن تتحول البلدان والشعوب إلى حقول تدريب وميادين تجارب على الأسلحة النوعية… باختصار أن تشرعن البربرية.
من دون قطع واضح وكامل مع روح النظام القائم وقواعد عمله، ومن دون محاسبةٍ ومحاكمةٍ عادلةٍ، تنصف المظلومين، لن تقوم وحدة وطنية، ولن تولد دولة قانون، ولن ينشأ شعبٌ ولا يستقيم حق ولا اعتبار، ولن تخرج سورية من حروب التطهير والإبادة الجماعية، إلا كي تقع من جديد في حروب الانتقام الطائفية والعشائرية والعائلية والشخصية. إنه يعني استحالة مصالحة الناس مع بعضهم، وشرعنة تقسيم الشعب وتكريسه بين قتلة وضحايا، أسياد وعبيد، تابعين للسلطة وكلاب لها وثائرين أبديين عليها. إنه يعني، باختصار، أنه لن تقوم للدولة والسلطة والمدنية والحضارة قائمة بعد الآن.
ارتكبت في سورية جريمة كبرى، أبيدت فيها حياة شعب كامل، بسبب تعلق الأسد بالحكم واستخدام هوسه بالسلطة من قوى داخلية وخارجية مفترسة، لا مكان لاحترام الحق والقانون والقيم الإنسانية الأساسية عندها. طمس معالم الجريمة والمرور عليها من دون محاسبةٍ، ولا مساءلة، هو تواطؤ مع القاتل، وعدم الاعتراف بحقوق الناس وتعويضهم، المعنوي إن لم يكن المادي، يعني شرعنة الجريمة، وتعميمها، وتعميق الشعور بالظلم، ومن ورائه، فتح المجال واسعاً أمام شحن مشاعر التطرّف وتغذية الإرهاب.
يمكن وينبغي أن تؤخذ بالاعتبار مصالح الخروج من الحرب، وتعزيز فرص المصالحة الوطنية ببعض التسويات والتسامح مع بعض الجرائم الصغيرة، لكن إعفاءهم من المسؤولية، وتبرئة ساحتهم من دون مساءلة، ولا حساب خيانة للعدالة وتهديم لمعنى القانون وروح المسؤولية والواجب والأخلاق. وكذلك الحال في السعي إلى محو جرائم الأسد ونظامه، بمساواتها مع جرائم القوى المناهضة له، مهما كانت. فلا تقارن مسؤوليات رئيس دولة يتمتع بصلاحياتٍ مطلقة في تعميم العنف بمسؤولية شباب حملوا السلاح دفاعاً عن أنفسهم، ولا تبريرها بوضعها في موازاة جرائم المنظمات الإرهابية التي يتحمل الأسد القسط الأكبر منها، بمقدار ما كان ظهور هذه المنظمات ونموها نتيجة خياراته الدموية والشيطانية، ورفضه الحوار مع شعبه، لإيجاد مخرج سريع للأزمة الوطنية، ومراهنته بالعكس من ذلك على إخضاع ثورة هذا الشعب، وشق صفوفه، والاستقواء بالقوى الأجنبية. إعادة الدول الكبرى الرهان على الأسد ودوره لا يعبر عن استمرار المجتمع الدولي في التخلي عن مسؤولياته والتزاماته تجاه الأمن والسلام في سورية، العضو في الأمم المتحدة، فحسب، وإنما تعكس روح الأنانية والعنصرية والاستهتار بحياة الشعوب ومصيرها التي طبعت منذ عقود، ولا تزال تتحكم بأجندة السياسة الدولية، والتي تشكل الملهم الأول لمنظمات الإرهاب العالمية، والسبب الرئيسي في وجودها واستمرارها وازدهار تجارتها.
العربي الجديد