في هزيمة المليشيات المسلّحة/ نادية عيلبوني
تاريخياً، لم يحدث أن نجح جيش نظامي مهما بلغت عدّته وعتاده في هزيمة ميليشيات مسلحة. هذا على الأقل ما دللت عليه كل تجارب التدخل العسكري الحديثة في الحروب الأهلية.
الجيش الأميركي الذي يعد الأقوى في العالم، لم ينجح في هزيمة الميليشيات الفيتنامية، وخرج في النهاية وهو يجر أذيال الهزيمة. الجيش السوفياتي، هو الآخر، على رغم تفوقه في العدّة والعتاد، هزم بدوره هزيمة ماحقه أمام الميليشيات الأفغانية المقاتلة.
ولئن كان صحيحاً القول إن هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام لم تصل إلى حد تفككها وانهيارها كونها تمتلك كل ما يؤهلها لتكون موحدة، فإن هذا الصحيح لا يلغي حقيقة أن انهيار الاتحاد السوفياتي السابق الذي لم يمتلك أسباب وحدته كدولة، انفرط عقده كنتيجة مباشرة لتدخله في أفغانستان، الذي ساهم مساهمة فعالة وأكيدة في هذا الانهيار.
الجيش الأميركي انسحب من العراق مكتفياً بخسائره عند الحد الذي وصلت إليه في مواجهته ميليشيات القاعدة، وهو لم يشأ تكرار حربه في فيتنام، تاركاً للجيش العراقي تلك المهمة التي لم يستطع التصدي لها فقامت داعش بالتمدد واحتلال الموصل ومناطق استراتيجية في العراق. وهذا الجيش لم يتمكن حتى الآن من هزيمة تلك الميليشيات على رغم دعمه لوجيستياً ومشاركته عملياً في توجيه ضربات يومية من قبل قوات التحالف.
الجيش النظامي السوري الذي يمتلك الطائرات والدبابات والصواريخ والسلاح الكيماوي، وعلى رغم دعمه مادياً وعسكرياً من إيران وروسيا، لا يزال يتراجع أمام الميليشيات المسلحة التي باتت على أبواب معاقله في الساحل، فهل سينجح الروس عبر زيادة تدخلهم العسكري في سورية من خلال إرسال قوات إضافية وأسلحة ومعدات متطورة، بل التدخل المباشر، في ما عجز عنه الآخرون؟
يمكن لوزير خارجية سورية وليد المعلم أن يلوح، كما أعلن مؤخراً، بورقة استدعاء التدخل العسكري الروسي. والنظام السوري في الحقيقة كان يهيئ طيلة الفترة الماضية لمثل هذا الاستدعاء، ومن المحتمل أن يكون قد طلبه رسمياً من حكام الكرملين في السابق وارتأت روسيا تأجيله لوقت يتناسب وظروفها الدولية، وقد ترى روسيا أن الوقت حان أوانه، متذرعة بقيام قوات التحالف العربي بالتدخل ضد الميليشيات الحوثية في اليمن، ومستبقة تلويح دول الناتو بتمديد العقوبات الاقتصادية جراء سياستها إزاء أوكرانيا، ومتخوفة، في الوقت نفسه، من تقدم قوى المعارضة باتجاه المدن الساحلية وتهديدها لرأس النظام وقواعدها هناك، الأمر الذي يعني في حال نجاحها حرمان روسيا مرة واحدة وإلى الأبد من موطئ القدم الوحيد لها على المتوسط، وربما هذا ما يفسر إلى حد كبير هذا التسارع في استقدام المزيد من قواتها وأسلحتها النوعية وتركيزها في مدن الساحل السوري.
روسيا تغوص أكثر فأكثر في الوحل السوري وهي مسوقة بدوافع الخوف من تطور الأحداث على الأرض. كما أن المناخ الدولي يبدو مشجعاً في هذا السياق، فالمعارضة الدولية لن تخرج عن تدبيج صيغ عبارات الإدانة في حال حدوثه: فلا الولايات المتحدة ولا حليفاتها لديهم الاستعداد أو حتى الرغبة للاشتباك المباشر مع روسيا على الأرض السورية، بل أكثر من ذلك ربما رغبت تلك الدول بتورط روسي في سورية لأنها ترى فيه الأسلوب الوحيد الذي يضعف الدب الروسي ويكسر عنجهية القوة التي يتمتع بها حكام الكرملين.
ومهما يكن من أمر فالتدخل العسكري الروسي في الحرب الأهلية السورية لن يردع أطراف المعارضة المسلحة التي ليس لديها ما تخسره عن الاستمرار بالقتال واستنزاف القوة الروسية، وهو سيفاقم في حال حدوثه مشاكل روسيا الاقتصادية نتيجة للعقوبات الاقتصادية التي فرضها حلف الناتو إثر تدخلها في أوكرانيا.
قصارى القول إن الحروب الأهلية عادة حروب طويلة المدى، وهي حروب مرهقة ومكلفة، ليس على المليشيات التي تزيدها تلك الحروب قوة، بل للدول ولجيوشها النظامية التي تخوضها، كما أن نتائجها، مثلما تبين كل التجارب السابقة، لا تحمل معها أي بشائر نصر لأي جيش نظامي مهما بلغت قوته.
* كاتبة فلسطينية مقيمة في فيينا